أزمة النصوص: حجة العاجز أم واقع الدراما الكويتية؟

التصميم: منشور

ليلى أحمد
نشر في 2022/07/30

الرَّحا، والرَّحَى هي الأَداة التي يُطحن بها القمح، وتتكون من حجرين مستديرين يوضع أحدهما على الآخر، وفي وسط الدائرة العلوية حفرة تثبت بها عصى خشبية غليظة، بجوارها حفرة عميقة يوضع بها القمح، ومع الحركة الدائرية اليدوية تُطحن حبات القمح الصلبة وتصبح دقيقًا مؤهلًا للعجن كي يصير خبزًا، فيأكل العالم هذا الخبز عبر التاريخ البشري.

هكذا هو الفن، تدوير أعمال وتطويرها، ليحمل كل منها بصمته الخاصة، ويقدم الفكر والمتعة والترفيه.

هل تنقص الدراما نصًا يمنع تطورها؟

الصورة: AlKhaleej.ae

ليست هناك أزمة نصوص محلية كويتية، هناك نقص في الأدوات والبحث، وأزمة قراءة وابتكار و«شغل على الذات» ومشاهدة الأعمال العالمية والعربية، إعداد عن نص أجنبي يُكتب بما يتوافق مع مجتمعنا، هذه أدوات أي كاتب خلاق.

معظم من يكتب المسلسلات المحلية شباب أعمارهم بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين، ومع انعدام البحث والجهد على الذات صارت نصوصهم مكررة، فأي خبرة حياتية يملكها شباب صغير؟

وفي ظل الطلبات الكثيرة من محطات الخليج على الأعمال الكويتية واشتراط 30 حلقة، صارت الدراما «بزنس» فنيًا آخر همه النص الواقعي الاجتماعي، فيعاد ويكرر نفسه دون أن ينتج خبزًا.

في تاريخنا المسرحي منذ نشأته، كانت النصوص التاريخية والدينية المقدمة على مصطبة مدارس المباركية والأحمدية نصوصًا عربية، ثم تطورت للاستعانة بتقديم أعمال شكسبير وتشيخوف وموليير في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، ثم اكتسب الشباب المسرحي الكويتي الخبرة وبدأوا كتابة نصوص مسرحية محلية تعبر عن قضايا الواقع.

لم يخلُ الأمر في الستينيات والسبعينيات، وبسبب نقص المؤلفين المحليين، من الاستعانة بنصوص عربية مع إعدادها أو «تكويتها» بما يتناسب مع مجتمعنا، فقد قدم عبد الحسين عبد الرضا على سبيل المثال لا الحصر مسرحية «عزوبي السالمية» المقتبسة عن «رصاصة في القلب» للكاتب المصري توفيق الحكيم، ونجحت نجاحًا جماهيريًا في العام 1979، ومسرحية «باي باي لندن» المقتبسة من نص «أولادنا في لندن» للكاتب المصري علي سالم. 

«نورا» بطلة مسرحية «بيت الدمية» للكاتب النرويجي هنريك إبسن (1828-1906) من أهم عوامل ظهور الدراما الواقعية المعاصرة، وهي أول إشارة لتمرد المرأة على الذل والخنوع وقرارها الخروج إلى العمل. خرجت نورا من البيت الزوجي و«خبطت» الباب بقوة في إشارة لعدم العودة. 

تردد هذا الخروج وخبطة الباب في كل أوروبا، وقُدم العمل في أكثر من بلد، فهو أحد إشارات الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، والتي أدت إلى وضع قوانين وتشريعات للمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. 

لكن ثيمات قصص الدراما الكويتية تدور في أطر محددة، كقصص اجتماعية، زواج، طلاق، عشاق، مخدرات، شركة وغدر وسرقات، عنف لفظي وجسدي.

سيدة ثرية متحكمة بمصائر جميع الشخصيات مثل سعاد عبد الله في غالبية أعمالها، ومنها مسلسلات «نوايا» و«ساق البامبو» و«ناطحة سحاب». أو أعمال تراثية من حياة الفهد في «الفرية» الذي نجح نجاحًا كبيرًا، ثم ضعفت النصوص في «حال مناير» و«بياعة النخي». لكن الأعمال الكويتية عائمة في تأريخ الزمن والمكان والأحداث، فأنت لا تعرف علامات الحقبة التي تتناولها. 

الدراما الكويتية التى قاربت على أكثر من نصف قرن، نصًا وتمثيلًا وإخراجًا، لم تراكم الخبرات وتجدد ثوبها، ولم تنفتح على قضايا واقعنا الذي يمر بإشكالات كثيرة لا تجد من يعبر عنها.

النص و«البزنس» في دول الخليج

تعتمد محطات الخليج على شركات الإنتاج الكويتي في الدراما، وعروض شاشاتها لا تخلو من أعمال الكويت، فالإمارات لا تنتج دراما غالبًا، وكذلك سلطنة عُمان والسعودية (عدا الأعمال المدعومة من وزارة الإعلام)، ومؤخرًا بدأت شركات الإنتاج السعودية تنتج أعمالًا درامية، وهي بحاجة لسنوات حتى تتحقق وتنتشر في كل الخليج. 

البحرين تنتج القليل، لكنها لا تخرج عن الإطار التجريدي ودراما «النكد»، فلم تجد صدى كبيرًا، لذا تسيدت الدراما الكويتية المليئة ببهارات غير واقعية، قد تعبر عن شريحة صغيرة جدًا لا تشكل ظاهرة مجتمعية، مع أن مجتمعنا كأي مجتمع إنساني لا يخلو من دراما الحياة، قصص نقرأها في الصحف المحلية، لكن ممنوع عرضها على شاشة التلفزيون، أو للعجز الفني من كتاب الدراما في كتابة نوع الواقعية الاجتماعية. 

الصورة: al3arabi.com

لا شك أن هناك الكثير من المواهب المطمورة في دول الخليج والتي تحتاج إلى دعم وإيمان من وزارات الإعلام (كما كانت الكويت تفعل في بدايات تأسيس الدراما التلفزيونية وحفلات الطرب والمسرح في السبعينيات وبداية الثمانينيات)، ودعم من شركات إنتاج مؤمنة فكريًا بمواهب الكتاب، وهو ما يحصل بصورة قليلة جدًا.

ظلت الكويت مصدّرة للفنون الناعمة على بؤس محتواها إلا في ما ندر، تتطور التقنيات بينما تظل القصص تدور حول نفسها، فهل السبب غياب الكاتب الجيد، أم ضغط الرقابة الحكومية المانعة لكل فكر مجتمعي واقعي؟

ربما يكون ظهور المنصات التلفزيونية المستقلة بوابة لحرية التعبير، إذ ظهر مسلسل رمضان الماضي «من شارع الهرم إلى...» للكاتبة هبة مشاري حمادة، وهو مسلسل فيه كل البهارات اللامعة والجذابة، من حيث تعدد الشخصيات النسائية وغرائبية فساد النفوس من وجهة نظر أحادية. ورغم طرحها النقدي لبعض الرجال المتزمتين واقعيًا (أدى الشخصية محمد الرمضان) الذي يستغل الدين لأهدافه الشخصية، لم يمنع هذا صراخ بعض التغريدات المطالبة بوقف المسلسل ومحاكمة المشاركين فيه، ومنع دخول الممثلين للبلاد.

لم تفلح كل الضغوط التي تعرض لها الوزير من قوى التدين وصراخ نواب مجلس الأمة وتهديدهم لفريق العمل، فالحقيقة أن إجازة النص لم تكن من الكويت، وكذلك التصوير والعرض كان في دولة خليجية على شاشة MBC السعودية وهي شاشة غير محلية، إذًا فلا سلطة رقابية للكويت على العمل، فانطفأ الهياج الشعبي. 

المسلسل الناجح «زوارة خميس» تدور أحداثه في إطار كوميدي حول الزوجين موزة (سعاد عبد الله) وثنيان (محمد المنصور)، وأسرتهما الكبيرة التي تضم خمسة أولاد وزوجاتهم. يحاول الأبوان لم شمل خلافات الأسرة من خلال لقاء أسبوعي بين الأجداد والأبناء والأحفاد المراهقين والأطفال في «الزوارة الأسبوعية»، وهو ما يلقي الضوء على المشاكل التي تشوب العلاقات الأسرية، والتي من الممكن أن تتسبب في القطيعة أو الخصام إن تُركت دون معالجة، وهي فكرة خفيفة لهبة مشاري حمادة.

نجاح أي عمل جماهيري (غالبًا بسبب بهاراته المضافة وإطلالات وأزياء بطلاته) يعني إقبالًا نسائيًا كبيرًا، كمسلسل «أمينة حاف» في جزئه الأول، وهو ما أدى إلى تكرار العمل بشكل مفكك ومريع في مسلسل «أمينة حاف 2»، ففشل.

ربما نعاني من أزمة خواء النصوص وهو ما يؤدي إلى انحدار الدراما. تدور كما الرحى لكنها لا تطحن قمحًا ولا تنتج خبزًا. تدور في دائرة مغلقة فتنتج خواء النصوص في ظل شاشات العرض الخليجية والمنصات الحرة. في رأيي، أزمة النصوص هي حجة العاجز.

مواضيع مشابهة