حتى لو لم تكن سمعت كلمة «أنيمي» قبل اليوم، فبالتأكيد شاهدت مسلسلات مثل «دراغون بول» و«بوكيمون» و«المحقق كونان» وغيرها، حتى لو كنت تطلق عليها اسم «كارتون» أو رسوم متحركة.
يُطلق مصطلح «أنيمي» على أفلام ومسلسلات التحريك على النمط الياباني، التي تتميز شخصياتها بالعيون المتسعة اللامعة، وتُبنى عادةً على قصص مصورة لنفس الشخصيات تنتشر بقوة في اليابان، ويُقبل عليها الشباب والكبار على حد سواء بسبب محتواها المختلف. اسم هذ النوع من القصص المصورة «مانغا».
تتميز «المانغا» بالقصص الساحرة التي تحتوي على كثير من خطوط السرد والمفاجآت وتحولات الأحداث، بطريقة تضمن بقاء القارئ دائمًا متابعًا لما تقدمه بشغف وفي انتظار المزيد. يضيف إلى نسبة الإقبال على هذه الأعمال تنوع الأشكال التي تقدمها، فهناك الخيال العلمي والفانتازيا والفنون القتالية التي تبرع فيها اليابان، وحتى الرعب.
ربما نعرف في المنطقة العربية بعض أعمال الأنيمي التي دُبلجت إلى لغتنا، لكن تاريخ الأنيمي، ومن قبله المانغا، أقدم من هذا بكثير.
هكذا نشأت المانغا
مع بداية القرن العشرين، لاحظ الفنانون اليابانيون زيادة تأثر الجماهير بالفنون الغربية، وتحديدًا مجلات الكوميكس والأفلام، فبدؤوا يحاولون صناعة محتوى أصيل خاص بهم.
كانت مجلات الكوميكس تحتوي على جاذبية خاصة، إذ شكلت الشخصيات المرسومة بعناية وفقاعات الحوار أسبابًا لجاذبيته، فعمل فنانو اليابان على وضع بصماتهم الخاصة على هذا الفن بشكل جذب الكثير من القراء، ولمعت أسماء بعينها من الرسامين مثل «راكيتين كِتزاوا» و«إبّي أوكاموتو»، اللذين صنعا سلاسلهما الخاصة.
عن طريق هذه الأسماء وُلد فن الكوميكس الياباني، الذي عُرف باسم المانغا.
كان من رواد صناعة الكوميكس في العالم آنذاك والت ديزني والأخوان فليتشر، وعندما فكر ديزني في صناعة فيلم تحريك كان الأمر ضربًا من الخيال، لكن مع ظهور فيلمه الأول «سنووايت والأقزام السبعة» عام 1937، أصبح من السهل تقبل أفلام التحريك كوسيط جيد سينمائيًّا، مثله مثل الأفلام الحية.
رسم «أوساما تيزوكا» قصص المانغا كأنه يصنع أفلامًا، فلم يتوقف تأثيره على القراء، بل امتد لجيل كامل من صناع المانغا.
في اليابان، ومن بين الأسماء التي عرفها الجمهور لصناع المانغا، كان «أوساما تيزوكا» مختلفًا، إذ أصدر أول أعماله المهمة، «Shin Takarajim» أو «جزيرة الكنز الجديد»، وهو في العشرين من عمره، في عام 1947، ولم يمض وقت طويل حتى صار تيزوكا اسمًا معروفًا لدى عشاق المانغا، ووصل نجاحه إلى حد أن أطلقوا عليه لقب «إله المانغا».
كان لأوساما بصمة مختلفة، فمعظم أعماله من الحجم الكبير، ويعتمد على تقديم كثير من الأحداث والانفعالات في السرد، بخلاف الشكل التقليدي السائد آنذاك، إذ كان متأثرًا بالسينما الفرنسية والألمانية، فحتى ينجح في استثارة عاطفة ما في إحدى اللحظات، كان يُفرِد عدة صفحات لهذه اللحظة حتى يبنيها ببطء ليحقق التأثير المطلوب.
رسم «إله المانغا» قصصه وكأنه يصنع أفلامًا، وهكذا لم يتوقف تأثيره على القراء فقط، بل امتد ليصل إلى جيل كامل من صناع المانغا، الذين علمهم كيفية تصوير وحكي القصة بطريقة حيوية، وترك أهم بصماته في تصميم الشخصيات، فأي رسام كوميكس يحتاج إلى شخصية قابلة للتشكيل لتسمح بالتنقل بسهولة بين العواطف المختلفة، وهذا ما أجاده أوساما.
عاد تيزوكا إلى رسومات ديزني الأولى التي أحبها مثل «ميكي ماوس» و«دونالد دك»، ومنها استوحى العيون الكبيرة المعبرة. ومع بساطة هذه التفصيلة، فإنها سمحت لشخصياته بالتعبير عن مختلف المشاعر بسهولة.
من المانغا إلى الأنيمي
بعد النجاح الكبير على مستوى الكوميكس، أو المانغا، جاء الدور لتتحول هذه الرسوم إلى الشاشة في صورة مسلسلات كارتون عُرفت باسم أنيمي.
لفظ أنيمي اختصار لكلمة أنيميشن «Animation» أو تحريك، فكل الرسوم المتحركة يُطلق عليها لفظ أنيميشن، لكن اليابانية تتميز بلفظ أنيمي. ويخبرنا موقع «لوس آنجلوس تايمز» بمزيد من التفاصيل عن بداية الأنيمي، التي كان لتيزوكا دوره فيها أيضًا، عن طريق شخصيته الشهيرة «أسترو بوي».
عرض «أوساما تيزوكا» الكثير من القضايا عبر «أسترو بوي»، مثل الذكاء الصناعي، ومشكلات البيئة، وحتى الإرهاب والعمليات الانتحارية.
أطلق تيزوكا شخصية أسترو بوي عام 1952، وهو آلي ذو ملامح طفولية يحمل رسالة سلام. جاءت القصة عن العالِم العبقري «بوينتون» الذي يفقد ابنه «أستر» في حادث سيارة، لهذا يصمم الآلي «أسترو بوي» لتعويضه عن ابنه.
خلف المظهر الخارجي اللطيف لهذا الآلي يوجد كثير من المواصفات الاستثنائية، مثل محرك بقدرة مئة ألف حصان، وسيقان تحتوي على طائرات صاروخية، بخلاف الأسلحة. سريعًا يكتشف «بوينتون» أن إنسانه الآلي لا يقدر على النمو بالطبع، فيتخلص منه ويبيعه إلى إحدى فرق السيرك، ومن هناك يأخذه ويتبناه الدكتور «إليفَن».
ببراعة خاطب تيزوكا عددًا من المشكلات الاجتماعية وربما السياسية من خلال قصص «آسترو بوي» المصورة، التي تحولت لاحقًا إلى مسلسل رسوم متحركة في اليابان وأمريكا، مؤسسًا للأنيمي الياباني. ويذكر «فريدريك سكودت» في كتابه «مقالات آسترو بوي» أن القصص الأصلية كان بها تفاصيل أكثر من التي جاءت في المسلسل.
يشير سكودت إلى براعة تيزوكا في رؤية المستقبل، وفي إيصال كثير من الرسائل المهمة إلى الأطفال بطريقة جذابة، إذ كانت أحداث السلسلة تدور في عام 2003، أي بعد 50 عامًا من تاريخ كتابتها الأصلي. ومن الممتع متابعة عرض تيزوكا لكثير من القضايا التي لم تكن قد فُرضت بعد على الساحة، مثل الذكاء الصناعي، ومشكلات البيئة، وحتى الإرهاب والعمليات الانتحارية.
أنيمي على كل لون
واحدة من المميزات الكثيرة الموجودة في الأنيمي هي التزامه بالأصل المأخوذ منه من مجلات المانغا، ليس مثل مسلسلات التحريك الأمريكية مثلًا، التي تعتمد على الشخصيات المرسومة فقط وتقدم حبكة وتفاصيل مختلفة.
ولأن المانغا ثرية بعديد من الأنماط والأشكال، فهكذا الأنيمي أيضًا، إذ تتراوح المسلسلات المقدمة بين ما يصلح للأطفال أو للأكبر سنًّا، وبين الكوميدي والأكشن، وحتى الأكشن نفسه يحتوي على درجات متفاوتة من العنف. وهكذا يمكن تصنيف الأنيمي والمانغا طبقًا لعنصرين أساسيين، ومن داخلهما تتفرع الأنماط أو الأشكال الأخرى.
يُعتبر نمط «Seinen» في الأنيمي للبالغين فقط، ويمكن أن يحتوي على مشاهد جنسية، وأشهر أعماله «Mushishi» و«Ghost in the Shell».
بينما توجَّه معظم مسلسلات الكارتون والكوميكس في أمريكا إلى الأطفال أو السن الصغير بشكل أساسي، يستخدم صناع المانغا والأنيمي تصنيفات عمرية، إذ يتوجهون إلى شرائح عمرية أكبر. وبعد تحديد الشريحة العمرية، يُختار النمط أو الشكل «Genre» الذي ستقدم به القصة.
بالإضافة إلى التنوع الذي يضيفه هذا النظام في التصنيف، فإنه يصبح أكثر سهولةً للقارئ أو المُشاهد في اختيار ما يود متابعته، وهنا نحاول تسليط الضوء على أشهر الأنماط المستخدمة في عالم الأنيمي:
- Josei: موجه إلى الفتيات البالغات، ويتعرض لمواقف وعلاقات من الحياة الواقعية، ويقدم مواقف مناسبة للكبار، ومن أشهر أعماله «Karneval» و«Pet Shop of Horrors».
- Kodomomuke: النوع الأقرب إلى الأطفال، والذي يمكن أن يكون بسيطًا وتعليميًّا مثل «Hello Kitty»، أو يحتوي على مغامرات مثل «Pokemon».
- Seinen: للبالغين فقط، ولا يعني هذا بالضرورة احتوائه على مشاهد جنسية صريحة، لكنه يمكن أن يحوي بعضها، وأشهر أعمال هذا النمط «Mushishi» و«Ghost in the Shell».
- Shojo/Shoujo: موجه إلى الفتيات المراهقات أو المقبلات على مرحلة المراهقة، ويعرض قصص الحب الرومانسية التي تنتهي نهايات سعيدة، مع احتوائه على قدر من الكوميديا، ومن أشهر أعماله «The World is Still Beautiful».
- Shojo-Ai/Shoujo-Ai and Yuri: تعني «Shojo-Ai» في اليابانية حب البنات، وهذا النوع يتعرض لقصص الحب المثلية الأنثوية، وليس بالضرورة التعرض لها بشكل جنسي صريح.
- Shonen/Shounen: موجه إلى المراهقين والمقبلين على مرحلة المراهقة من الذكور، وتنتمي معظم أعمال هذا النوع إلى نمط المغامرة، ويكون بطلها شابًّا في العادة، لكن لا يعني هذا أنها أعمال بسيطة أو ساذجة. على سبيل المثال، مسلسل «Death Note» ينتمي إلى هذا النوع، لكنه يطرح الأفكار بشكل رائع، وسنتعرض له بالتفصيل لاحقًا.
- Shonen-Ai/Shounen-Ai And Yaoi: يتعرض لعلاقات الحب بين الذكور، وإن كانت هذه الأعمال تجذب انتباه البنات أيضًا بشكل أكبر.
النينجا يجب أن يكون هنا
كما ذكرنا، أهم ما يميز المانغا والأنيمي تنوعها وثرائها بالشخصيات والعوالم المختلفة، لكن طالما نتحدث عن اليابان، فلا بد من ظهور النينجا. ومن بين المجلات والمسلسلات المختلفة لعالم النينجا، يمكن التوقف عند واحد من أنجحها وأكثرها استمرارًا، مسلسل «Naruto».
قدم الفنان الياباني «كيشيموتو ماساشي» شخصية «ناروتو» عام 1999 وهو في الخامسة والعشرين من عمره، واستمر منذ ذلك الحين في تقديمه لمدة 15 عامًا. وخلال هذه الفترة، خلق ماساشي عالمًا متكاملًا لشخصيته، الطالب في إحدى أكاديميات النينجا، الذي يُخفي مستواه الدراسي المتوسط قدراته الاستثنائية.
لم يكن «ناروتو» طالب نينجا متفوقًا، لكنه ينضم إلى فريق أحد المقاتلين ليواجه أعداءه وتتشكل شخصيته.
يروي ماساشي تفاصيل صناعته للشخصيته الأثيرة في حوار صحفي، فيقول إنه في بداية مسيرته كان يطمح إلى أن يصل للناس عن طريق الشخصيات التي يصممها، ولم يكن يعلم أن الشخصية لن تجذب فقط أنظار من حوله، بل العالم أجمع.
تدور أحداث «ناروتو» في عالم خيالي مقسَّم إلى عشائر، وينحدر هو من أرض النار، واحدة من الخمس عشائر التي سميت بأسماء عناصر الطبيعة. وتضم كل عشيرة قرية خفية تقع بها مدرسة النينجا، التي تعلم الفنون السرية للقتال.
يدرس «ناروتو» في إحدى أكاديميات النينجا، ويحلم أن يصبح يومًا معلمًا وحاميًا للقرية، لكنه في الوقت نفسه ليس طالبًا متفوقًا، فقد رسب عدة مرات، وتخرج في النهاية بأقل مرتبة في صفوف النينجا. مع ذلك، ينضم إلى فريق أحد المقاتلين، وعبر هذا الفريق وبصحبة حبيبته يواجه أعداءه وتتشكل شخصيته.
يُضيف إلى أبعاد الشخصية وجود جانب خفي مظلم في داخلها، إذ يحمل «ناروتو» قوة أحد الوحوش، وكان والده قد خبأ داخله هذه القوة خلال طفولته، وفقد الوالد حياته بسبب مخاطرته تلك. كان بإمكان العشائر السيطرة على الوحوش في ما مضى، قبل أن تتحول هذه الإمكانية إلى قدرات متناثرة بين عدد من أبناء العشائر حتى يحدث تعادل في ميزان القوى.
الأنيمي ليس مسلسلات للأطفال
تستطيع كائنات «الشينيغامي» أخذ روح أي إنسان بكتابة اسمه في مذكرة الموت، فماذا لو وقعت هذه المذكرة في يد إنسان؟
من أشهر مسلسلات الأنيمي التي يُقبل عليها البالغون والمراهقون على حد سواء، «Death Note».
بُني مسلسل الأنيمي الشهير على قصص المانغا التي حملت نفس الاسم، والتي حولتها اليابان إلى عدد من الألعاب والأفلام الحية، وإلى مسرحية غنائية كذلك، بالإضافة إلى مسلسل أمريكي جديد أنتجته شبكة «نتفليكس».
تبتعد قصة الأنيمي هنا عن السائد في المسلسلات التي تعتمد على أبطال مراهقين، فهو لا يدور حول قصة حب أو دراما تقليدية، بل يتخذ مساحة أكثر سودوايةً لتكون ملعبه.
تدور أحداث المسلسل في عالم موازٍ يسمى «مملكة شينيغامي»، وتطيل كائنات ذلك العالم أعمارها عن طريق أخذ أرواح البشر. يملك كل واحد من تلك الكائنات مذكرة تسمى «مذكرة الموت»، ويستطيع «الشينيغامي» أخذ روح أي إنسان بكتابة اسمه في المذكرة. ماذا لو وقعت هذه المذكرة في يد إنسان؟ تتحول هذه القوة إليه، ويصبح بإمكانه قتل أي شخص بمجرد كتابة اسمه.
بالفعل تسقط المذكرة في يد الشاب «لايت ياغامي»، لكنه يستخدمها لتطبيق العدالة والتخلص من المجرمين. فكرة وجود مفكرة تقتل في يد مراهق متقلب المزاج مخيفة، لكنها في نفس الوقت تسمح بصناعة مسلسل ممتع إلى أبعد حد.
عالم الأنيمي الياباني ممتد إلى حد أنه يحتاج إلى كثير من الكتب للإحاطة بتفاصيله، لكن الممتع هو أن كل تفصيلة جديدة تضيف إلى متعة هذا العالم المختلف، الذي لا يتوقف في كل عام عن تقديم مزيد من الأعمال الرائعة والملهمة.