بين الفصحى واللهجات: كيف خذل العرب لغتهم؟

الصورة: كونا - التصميم: منشور

عبد الوهاب سليمان
نشر في 2021/08/27

في مقال له على مجلة نيو لاينز، يعبر أسامة أبو زهر عن إيمانه بأن القراءة مع الأطفال ممارسة مهمة لتوثيق العلاقة بين الوالدين والأبناء وتلقي التعليم. لكن، وفي حالة اللغة العربية، فغالبًا ما يجد أبو زهر في قراءة لغته الأم تجربة بائسة مشتركة مع ابنه.

يقول أسامة: «نتحدث أنا وابني العربية باللهجة اللبنانية، والتي يفهمها ابني بصورة حسنة كفاية، وتزداد تحسنًا في كل يوم. بيد أننا لا نجد سوى حفنة من الكتب المكتوبة بتلك اللهجة، أو الكتب التي كتبت بلهجات أخرى يسيرة ومفيدة، سواء أكانت المصرية أو العراقية. وفي المقابل، وعلى الرغم من أننا نجد كتبًا أكثر بالعربية الفصحى، فإن ابني لا يفهم منها سوى القليل».

أما كتب الأطفال المتوافرة في المكتبات فنادرة، بينما الكتب التقليدية عسيرة قراءةً وفهمًا على الأطفال، معتقدًا أن الأطفال لا يبحثون عن الإصدارات المكتوبة بالعربية القديمة بسبب استخدام الكلمات المجهولة والتراكيب النحوية غير المألوفة لهم. يعاني الآباء لغرس حب اللغة والتعلم في أبنائهم، بل إنهم يعانون ليفهموا بأنفسهم تلك النصوص.

اللغة العليا واللهجات المسفهة

الصورة: الجريدة

يلقي أبو الزهر باللوم على حالة لسانية تدعى الازدواجية اللغوية أو التعدد اللغوي، ويظن أن العرب ينكرون دورهم في تعزيز هذه الحالة وتعدد مستويات اللغة العربية ما بين عربية فصيحة ولهجات عديدة.

يمكن تعريف الازدواجية اللغوية بأنها موقف نجد فيه شكلين أو أكثر من نفس اللغة يُدمجان مع بعضها من خلال ظروف اجتماعية وثقافية وسياسية. وفي حالة اللغة العربية، ثمة العديد من اللهجات المحكية الموجودة بجانب اللغة الرسمية الفصحى، والمعروفة أيضًا بالعربية النموذجية أو الكلاسيكية.

يقول أبو زهر: «حاول العرب إعلاء شأن ما يُدعى بالعربية الحقيقية أو النقية، بينما عملوا على تسفيه، وإبطال، وحتى تدمير اللهجات. وبذلك، فإنهم تركوا اللغة الرسمية في حال سيئة، ولا يعتبرها أحد لغته الأم، جاعلين من اللغات الفطرية المختلفة تبدو دون المستوى، وجافة، وعديمة الفائدة».

يرى الكاتب في النداءات التي تناشد صون اللغة العربية الفصحى اعترافًا صريحًا بأن اللغة العربية في حاجة إلى الحماية، والتي من دونها ستموت، جاعلة من قراءتها تجربة بغيضة لمعظم المتحدثين بها، بما فيهم الذين يتحدثونها بطلاقة. والأهم من ذلك، في رأيه، أن الترسيخ أو النظرة المقدسة تجاه اللغة القديمة قد أثر بصورة مباشرة على اللهجات.

إذا اختفت اللهجات، سيعاني الناس من صعوبة التخاطب بالعربية الفصحى في أحاديثهم اليومية.

وعن توثيق اللهجات المحكية، يعتقد أبو زهر بصعوبة توثيق وتدوين اللهجات المحكية لأسباب عديدة، منها «افتقادهم للدعم المؤسسي، وقلة الأدوات المتوافرة، ومعاناتهم من التكبر السوسيوثقافي إزاء اللهجات المحكية، وعدم قدرتهم أيضًا على النفاذ إلى العربية الكلاسيكية التي يبجلها الجميع، لكن لا أحد يتحدثها بوصفها لغته الأصلية». 

يصف أبو زهر العربية -الكلاسيكية كما يسميها - بأنها «ليست لغة مكتملة أو حية حتى»، مدعيًا عدم استخدامها من قبل الناس كثيرًا، بل إنهم يحصرون استخدامها في المواضع الرسمية (المراسلات الحكومية غالبًا). ويقول: «تفتقر العربية الكلاسيكية إلى الجودة التعبيرية التي نحتاجها في خطابنا اليومي، وذلك ما يجعلنا ننصرف عن تداولها بشكل أوسع، وهو ما يخلق بدوره سيناريو لا يستطيع العرب فيه تطوير جمل تعبيرية».

ويؤكد أنه في في حال إذا اختفت اللهجات، فسوف يعاني الناس من صعوبة التخاطب بالعربية الفصحى في أحاديثهم اليومية. لكن لا يخفى على أبو زهر أن اللهجات محدودة أيضًا، وغالبًا ما تشترك مع العربية الفصحى في الإبهام، ويعقد بأن اللهجات المحكية «تفصلنا عن الناس الذين يعتبرون جزءًا من مجال مرتبط ثقافيًا باللغة العربية، كاللغة العربية النموذجية في الصحافة وغيرها من الممارسات والتقاليد السوسيوثقافية». ويعترف بافتقاد اللهجات المحكية للشرعية والقبول في مجالات محددة، كالتعليم والقانون والإدارة.

الفصحى الثقيلة والمخيفة

الصورة: كونا

يبقى الهم الرئيسي لدى أبو زهر هو تلقي الأطفال للغتهم العربية، ويظن أن نظرة العرب إزاء لغتهم تتجلى في تعليقاتهم على ما يتلقاه أطفالهم في شأن اللغة، قائلًا: «يضحك الآباء على أطفالهم حينما يلتقطون كلمات عربية كلاسيكية، من الرسوم المتحركة مثلًا، فيوبخون أطفالهم بتعليقات من قبيل: «لا أحد يتحدث هكذا». لكنهم أيضًا يستجدون أطفالهم لتعلم اللغة التي أظهروها وكأنها عديمة النفع ومحل تهكم». ويتذكر أسامة في مقاله تعليقًا ساخرًا صدر من أستاذة جامعية في اللغة العربية بعدما تشاجر أبناؤها وصاح أحدهما في الآخر «تبًا لك».

على الجانب الآخر هناك من الناس من يحطون من قدر اللهجات واهتمام الأطفال بها، والذين يسألون عن سبب استخدام عبارة ما، فتأتيهم الإجابة بأنهم يتحدثون لغة «تخلو من قواعد النحو». والأسوأ من ذلك، في رأيه، هو وصم لهجة ما بالسوقية. وبفعلهم ذلك، فإن الآباء يلصقون العار بلغتهم اليومية. ويجزم أبو زهر بأنه «على النقيض من العربية الكلاسيكية، فإن اللهجات لا تحكمها ضوابط وتمنح أفضلية لمستخدميها في ابتكار كلمات جديدة واستيعاب عبارات جديدة من لغات أجنبية أو من اللغة القديمة». 

يتحدث المقال عن دراسة أجراها أستاذ اللغات جون ميهيل، بعد مراجعته لمعدلات تعلم القراءة والكتابة مقارنة بالأموال التي أُنفقت على التعليم، والتي توصلت إلى أن «التركيز على العربية الكلاسيكية في التعليم الرسمي أضر بمعدلات تعلم القراءة والكتابة في البلدان الناطقة بالعربية. وينطبق ذلك حتى على دول الخليج الأغنى، حيث معدلات تعلم القراءة والكتابة باللغة العربية أدنى من المتوقع، بالنظر إلى الأموال التي أنفقتها تلك الحكومات على التعليم».

اختبارات القراءة في أربعة دول عربية أظهرت عجزًا واسعًا في فهم النص المكتوب.

المشكلة أكبر مما تقترحه الأرقام، وعلى الرغم جرس الإنذار الذي يدقه بلوغ نسبة الأمية 28% في مصر مثلًا، فإن نتائج الاختبارات، والطريقة المستخدمة على نحو موسع لقياس النجاح التربوي، قد فشلت في نقل صورة دقيقة لمستوى كفاءة اللغة. واستنادًا إلى تقارير، فثمة رشاوى تُدفع لاجتياز تلك الاختبارات، وذلك بحسب مقالة منشورة في موقع الفنار، وتقييم أكاديمي، ولقاءات أجراها أبو زهر مع المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال التعليم بمصر.

يعترف الناطقون بالعربية بنظرتهم السلبية إلى الفصحى، فقد استمع أبو زهر إلى العديد من طلبة الثانوية وحتى البالغين الذين عبروا عن «كرههم للقراءة عمومًا، وقراءة النصوص الطويلة كالكتب خصوصًا». وفي دراسة أجريت في مصر، وجدت نيلوفر حائري أستاذة اللغويات في جامعة جونز هوكنز، أن العربية الفصحى «ثقيلة ومخيفة»، إذ لم يستمتع المشاركون في الدراسة بنشاط القراءة، ورأوا أنها نشاط أصعب وأكثر «ترهيبًا».

طرحت حائري فكرة أن معدلات تعلم القراءة والكتابة متصدعة في أفضل الأحوال، وتشير إلى أن «غالبية الناس لا يكتسبون مستوى من التعلم يمكنهم من المشاركة في المجتمعات المدنية أو الإبداعية، والتي تتطلب مستوى من الكفاءة في اللغة الرسمية، حتى أن معلمي النحو، والمدققين اللغويين، وخريجي الجامعات، يتحدثون بشكل متكرر عن خوفهم من الوقوع في الأخطاء». 

تؤكد هيلين أبادزي عضوة هيئة التدريس في كلية التربية بجامعة آرلينغتون، في مقال لها، أن اللغة العربية عسيرة على الأطفال بسبب تعقيدات النص. وتشير إلى أن اختبارات القراءة في أربعة دول عربية قد «أظهرت عجزًا واسعًا في فهم النص المكتوب»، واصفةً القضايا التي يواجهها الأطفال بأنهم يتعلمون لغة ما في المنزل، بينما يقرأون ويكتبون بلغة أخرى في المدرسة، مختتمة مقالها بأن المشكلة تكمن في تعقيدات النص العربي. 

بيد أن النص، أو النص وحده، لا يمكن أن يكون المشكلة. فاللغات الأخرى، كالفارسية، تستخدم ذات الحروف باللغة العربية، ولكن متحدثيها لا يواجهون في قراءتها وكتابتها تحديات مماثلة.

التعليم وازدواجية اللغة

«لا نخطئ القول عندما نصرح بأن المشكلة تكمن في ازدواجية اللغة»، هكذا يعلق أبو زهر، متسائلًا: «عندما درست العربية في طفولتي، وعندما عدت لدراستها في سن البلوغ، لم أكن أعلم الكثير عن تلك القضايا. فكلما تعلمت أكثر، ازداد غضبي أكثر. لماذا كان علي أنا والملايين من الأطفال الخوض في نظام تربوي سيئ يجعلنا ساخطين وكارهين للغتنا؟ ثم خوض ذلك مجددًا عندما نعيد تعلم العربية في سن البلوغ، أو عندما نحاول تعليمها لأطفالنا؟».

ويدعو إلى تطوير نظام تعليمي يتصدى لتحديات ازدواجية اللغة، ويكون قادرًا على تحويل تعدد مستويات اللغة العربية من فصحى ومحكية إلى نقاط قوة، وهو ما سيؤدي إلى المحافظة على العربية الفصحى واللهجات معًا.

أطلق أبو زهر موقعًا أسماه «لغتنا» في عام 2003، يستهدف فيه فئة وحيدة من الجمهور: «أنا»، كما يقول. وعمل على توفير قاعدة بيانات عالية الجودة يمكن للمستخدم الولوج عبرها لعالم اللهجات العربية المختلفة، هادفًا إلى ابتكار أدوات لدراسة اللغة العربية ولهجاتها، عبر التوسع في القواميس الأساسية ثم المواد المتعلقة باللهجات.

بيد أن المشروع لم يكن بسيطًا كما افترض أبو زهر في البداية، بل «استمرت مهمتي في التعقيد أكثر فأكثر؛ فاللهجات غير مشار إليها نسبيًا في المراجع، على عكس اللغة وقواعد النحو فيها، والمفردات لم تكن مفهومة وموثقة كحال اللغات. اضطررت إلى البحث أكثر مما توقعت، وكنت أجد وباستمرار كلمات وعبارات جديدة أضيفها إلى قاعدة البيانات».

استهدف أبو زهر تعليم ابنه، الذي أراد له تعلم اللغة العربية بمستوياتها المتعددة لغويًا، فسعى للحصول على مراجع ككتب الأطفال، والأغاني، والرسوم المتحركة، والألعاب، لكنه اصطدم بواقع أنه ليس بإمكانه العثور على مراجع كافية، مقارنًا ذلك بالوضع مع لغة أقل انتشارًا: «على سبيل المثال، لغة الشانغان التي تتحدثها أقلية البانتو في بوتسوانا وزيمبابوي، والتي تعلمتُها حينما عملت مع فرق السلام، ويتحدثها عدد يقدر بثلاثة ملايين ونصف نسمة، أي أقل من 1% من أصل 400 مليون متحدث بالعربية على وجه الكوكب. تتوفر مراجع لتعليم الأطفال لغة الشانغان، وتفوق ما يمكن توفره للغة العربية الفصحى ولهجاتها معًا».

يعترف أبو زهر بأنه «عالق حاليًا، كما الآخرين، في تعليم طفلي لهجة قليلة المراجع والتوثيق، وهي اللهجة اللبنانية ذات الرقم القليل نسبيًا في عدد المتحدثين بها، والخالية من المراجع أساسًا، وهذا في أثناء تعليمه العربية الكلاسيكية شبه الغريبة عليه، مستعينًا بالعديد من المواد المتعلقة بالقراءة والكتابة. وكحال الآخرين، فإنني أتعلم لكي أستطيع التدريس».

رفض ومحاولات 

الصورة: كونا

حاول أبو زهر توسيع نطاق تعلمه إلى ما هو أبعد من اللهجة اللبنانية، فأضاف لهجات بلاد الشام بمجملها، والتي يتحدثها ما يقارب 40 مليون نسمة، وعثر مؤخرًا على مواد قليلة أغلبها نُشر في العقد السابق، وأبدعها مؤلفون ومنتجون ودور نشر لم يأبهوا بالانتقادات المتعلقة بإصدارات ذوات لهجات مختلفة.

يقول: «تمكنت من الحصول على إصدارات دار قنبز، وهي دار نشر لبنانية أصدرت كتبًا باللهجة اللبنانية. واكتشفت أيضًا أعمال ريهام شندي، والتي نشرت مؤخرًا مجموعة قصصية كتبت باللهجة المصرية». ويصف تصدر إصدارات شندي قائمة المبيعات في مكتبة ديوان بمصر، بأنه دليل على كفاءة وتمكن شندي من الكتابة للأطفال.

أعانته كذلك الرسوم المتحركة المدبلجة للمصرية، والقصص المكتوبة بلهجات بلاد الشام، والبرامج الناطقة باللهجات الخليجية، وتلك الأخيرة بالذات، حسب رأيه، أصبحت أكثر توفرًا في السنوات الأخيرة. ولكن، لا يزال الأطفال بحاجة إلى كتب أكثر، وبحاجة إلى ما هو أكثر من الكتب للتعلم والاستمتاع.

يتحدث أبو زهر عن الذين يصرون على ما يسميه «الطرق القديمة وغير المجدية»، ومنها الاطلاع المبكر على العربية الفصحى، وأن ذلك سيسهم في إتقان الأطفال لها. ويتهم السلطات العربية، والمختصين، والشخصيات الدينية وغيرهم، بأنهم «وضعوا العربية الكلاسيكية تحت حمايتهم وعرقلوا اللهجات»، وأن الحكومات العربية «حافظت على العربية الكلاسيكية بوصفها لغة الإرشاد والتوجيه في المدارس والمحاكم وسجلات الوثائق، وغيرها الكثير».

وعن مقاومة معظم العرب أي اقتراح للتغيير في طرق تعليم اللغة، يستدل أبو زهر بما حدث في المغرب، حيث قلل السياسيون من حملة دعت لاستخدام أوسع للهجة المحكية، مدعين أنها تهدف إلى تقسيم البلاد وحصر استخدام العربية الكلاسيكية على المساجد فقط. ضغط السياسيون على نور الدين عيّوش مؤسس الحملة للتخفيف من هدفه، فعوضًا عن الارتقاء باللهجات المغربية، أعلن عيّوش أنه أراد الترويج لعربية مبسطة. وبالمثل، هاجم أكاديميون جزائريون وأفراد من العامة مقترح وزيرة التربية الجزائرية التدريس باللهجة المحلية في السنتين الأوليين من المرحلة الابتدائية.

وعن أعذار المؤيدين للإبقاء على العربية الفصحى في التعليم، يستدل أبو زهر بمقال نشر في موقع رصيف22، والذي يؤكد أن استخدام المغرب اللغة العامية في التعليم «سيصطدم بالتعددية اللغوية» بسبب اختلاف اللهجات هناك، داعين إلى الإبقاء على العربية الفصحى لأنه الحل الأسهل.

يشترك السياسيون والمختصون، وفقًا لأبو زهر، في «الادعاء بأن الفروق بين العربية الكلاسيكية واللهجات محدودة، وأنه بالإمكان تصحيحها بطريقة تجعل العربية الكلاسيكية مفهومة أكثر للأطفال»، متهمًا إياهم برفضهم رؤية الحقيقة أو القول بها، وبتناقضاتهم وأسلوبهم العقيم تجاه لغتهم الوحيدة. يقول أبو زهر: «حوّل العرب الازدواجية اللغوية إلى لعنة، لعنة تصيب العربية الكلاسيكية بالتحجر أو الموت حتى، وإلقاء اللهجات إلى التهلكة».

ويعلق على الجدال بين المؤيدين لكل جانب من اللغة ظانين أنهم سيفرضون حلولهم بالقوة، بأنهم سوف يجعلون الأمور أسوأ في حال استمروا في تبني نهج مزدوج. ويوضح وجهة نظره قائلًا إن «أنصار العربية الكلاسيكية من المسؤولين والمؤثرين أصروا على تنقية اللغة من اللهجات التي يتحدثها الناس ويفهمونها»، متهمًا أنصار الفصحى بأنهم «لم يكتفوا بإقصاء لهجاتهم من المساحات العامة المهمة، بل ردعوا مرارًا طرقًا معينة للتعلم في المساحات الخاصة، جاعلين من الصعب على الآباء في قطاعات مختلفة من المجتمع، لا في مجتمع المهجر فحسب، أن يمرروا موروثهم الثقافي إلى الأبناء».

يدعو الكاتب العرب إلى الاقتداء بالتجربة السريلانكية، و«تجربة أدوات جديدة لردم الهوة بين العربية الكلاسيكية واللهجات الحديثة بصورة فعالة ويسيرة، إذ يمكن لأنظمة الكتابة باللهجات أن تؤسس بطريقة تزيد من الإحالات إلى العربية الكلاسيكية، وهذا ما حاولت تنفيذه أثناء عملي على قاموسي الخاص. حتى وإن أصبحت العربية الكلاسيكية هي الشكل الوحيد للغة العربية، فإن العرب سيحتاجون إلى توسيعها لجعلها ملائمة للتواصل اليومي».

لماذا نهتم؟

لا يزال أبو زهر، وبعد اطلاعه على الدراسات والمقالات الأكاديمية، يفكر بشأن ابنه وكيف يستطيع أن يمرر له جزءًا من تراثه: «التواري ليس خيارًا الآن. نحن نعيش في الولايات المتحدة ونستطيع زيارة لبنان، حيث أصلنا وتراثنا، على فترات متباعدة». ويقول: «يتحدث ابني الآن العربية بطلاقة. لكنني حتى أنا صاحب الخبرة والشغوف بلغته وطرق تعليمها، لا أستطيع ابتكار مواد كافية له، ونواجه حاجزًا بعد آخر، ثم نصل إلى هضبة بعد أخرى. وفي كل الأحوال، لا يملك كل أب الوقت والخبرة والرغبة في ابتكار تلك المواد لأطفاله».

يعرب أبو زهر عن قلق يتعدى كلمات لغته التي يقرأها أو يسمعها؛ قلق يتعلق بالهوية وحب الذات: «أريد أن أمرر محبة الذات، لكي يحب ابني كل جزء منه». ويرى أن العرب وغيرهم من المتحدثين بلغتهم يصرحون بحبهم للعربية الفصحى، بينما يحتقرون أنفسهم لعدم قدرتهم على إتقانها، وينظرون إلى لهجاتهم نظرة متدنية، رغم تعاملهم اليومي معها». ويختتم حديثه بأنه «ربما أريد فقط لابني أن يكون متحررًا من ذلك التناقض الخاطئ والمؤلم، وأن أجعله يشعر أنه بمقدوره أن يحب العربية ويحتويها، بكل أشكالها، دون أن يدخل في صراع مع نفسه أو في داخله».

مواضيع مشابهة