دراما المحجبات: هكذا اخترقت أغطية الرأس المسلسلات المصرية

لقطة من مسلسل «الحساب يجمع» - الصورة: العدل جروب

محمد حسين الشيخ
نشر في 2017/06/19

رغم تراجع التيار الإسلامي في المجتمع المصري، وانتشار ظاهرة خلع الحجاب بعد إسقاط حُكم جماعة الإخوان المسلمين عام 2013، يظهر عدد من الفنانات بالحجاب في مسلسلات رمضان 2017، أبرزهن يسرا في «الحساب يجمع»، وهيفاء وهبي في «الحرباية»، وكذلك ماجدة زكي ومي نور الشريف ووفاء صادق في «اللهم إني صائم».

ترتدي الحجاب أيضًا ريهام عبد الغفور في مسلسل «رمضان كريم»، ومي كساب في «لأعلى سعر»، وياسمين عبد العزيز في «هربانة منها»، ونهال عنبر في «وضع أمني»، وأخيرًا تظهر نيللي كريم بالنقاب في «لأعلى سعر».

ظهر الحجاب في المجتمع المصري خلال ثمانينيات القرن العشرين، وانتشر بشكل واسع في التسعينيات حتى صار الغالب على ملابس النساء المسلمات، إلا أن الشاشة (السينما أو التليفزيون) كانت تتجاهله، ويُستثنى من ذلك الأعمال التي تتحدث عن مجتمعات لها طبيعة خاصة، مثل الريف والصعيد، التي ترتدي فيها المرأة حجابًا محليًّا لا علاقة له بالذي ظهر بعد ذلك، وكذلك الأعمال التاريخية.

المحطة الأولى للحجاب: عمر 2000

منى ذكي في لقطة من فيلم عمر 2000
منى زكي في لقطة من فيلم «عمر 2000» - الصورة: الشركة العربية

كان عام 2006 حاسمًا، ففيه عادت نجمات معتزلات إلى التمثيل وهن محجبات.

يجوز أن يكون التمهيد لظهور الحجاب بدأ بما يسمى «السينما النظيفة» في النصف الثاني من التسعينيات، التي شهدت عُلُوَّ نجم محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأشرف عبد الباقي وغيرهم من الشباب، الذين قدموا سينما كوميدية خالية من القبلات والمشاهد الساخنة.

لكن عام 2000 كان المحطة الأولى في دراما المحجبات. يرى الناقد الفني طارق الشناوي أن ظهور المرأة المحجبة ليس من الأمور التى تمت ببساطة في السينما، مشيرًا إلى أنه بدأ عن طريق منى زكي في فيلم «عمر 2000»، الذي أخرجه أحمد عاطف، وأحدث ضجة وقتها حتى أن الصحف امتلأت بصور من الفيلم مع شائعات بأن منى زكي ارتدت الحجاب فعلًا.

بعد «عمر 2000» بدأت الأدوار تتوالى لكن على استحياء، فظهرت منى زكي محجبةً مرةً أخرى في فيلم «سهر الليالي» عام 2003، وهند صبري في «أحلى الأوقات» عام 2004، وياسمين عبد العزيز في «صايع بحر» عام 2004.

كان عام 2006 حاسمًا في هذا الخصوص، إذ عادت بعض النجمات المعتزلات إلى التمثيل وهن محجبات، وظهرن في كل المشاهد بغطاء رأس. رجعت سهير رمزي المعتزلة عام 1993 بمسلسل «حبيب الروح»، وظهرت سهير البابلي التي اعتزلت عام 1997 في مسلسل «قلب حبيبة»، وصابرين المعتزلة عام 2000 في «كشكول لكل مواطن»، وقدمت حنان ترك مسلسل «أولاد الشوارع»، كأول دور تظهر فيه بحجابها.

دراما المحجبات برعاية الدعاة الجدد

عمرو خالد يشرح وجهة نظره في علاقة الفن بالدين 

في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، كانت ظاهرة الدعاة الجدد بقيادة عمرو خالد في أعلى منحنياتها، ونجحت في اختراق عالم الفنانين، وتبنى خالد منهجًا يرى أن الفن ليس حرامًا لكن بشروط، كما تبنى فكرة أن الفن قد يكون وسيلة للدعوة الإسلامية.

تزامن ذلك مع اتجاه الفنان أحمد الفيشاوي إلى التدين، وارتداء عدد من الفنانات الحجاب، على رأسهن حنان ترك وعبير صبري وميرنا المهندس وحلا شيحة وعبير الشرقاوي وغادة عادل والمغنية شاهيناز.

قد يعجبك أيضًا: ماذا يحدث في سوق البرامج الدينية؟

عادت دراما المحجبات بقوة بعد ثورة يناير، وبلغت القمة عام 2012 مع وصول الإخوان إلى السُّلطة.

ظنَّ كثيرون أن عمرو خالد ينتمي إلى الإخوان، في مرحلة شهدت صعود الجماعة وتراخي يد الدولة المصرية عن المعارضين. سبق ذلك ظهور حركة «كفاية» واتجاه أمريكا إلى الحوار مع ما وُصف بالحركات الإسلامية المعتدلة في العالم، وضغط الولايات المتحدة على مصر لتخفيف قبضتها عن المعارضين.

لم تفتح الدولة المجال لآخره، إذ منع التليفزيون الحكومي عرض مسلسل «حبيب الروح» عام 2006،  وقالت بطلته سهير رمزي إن زوجة الرئيس سوزان مبارك كانت وراء القرار، لأن المسلسل كان يحبب الفتيات في الحجاب. كذلك، منع التليفزيون الرسمي عرض مسلسل «قلب حبيبة» لسهير البابلي.

تراجعت دراما المحجبات بعد ذلك تدريجيًّا، إلا أنها عادت بقوة بعد ثورة 25 يناير، وبلغت القمة عام 2012 مع وصول الإخوان إلى السُّلطة، فصار الإخواني صلاح عبد المقصود وزيرًا للإعلام، وبدأت مذيعات محجبات تقديم نشرة الأخبار على التليفزيون الحكومي.

في عام 2012 قدمت حنان ترك مسلسل «أخت تريز»، وظهرت ياسمين رئيس بالحجاب لأول مرة في «طرف تالت»، وهالة فاخر في «هرم الست رئيسة»، وبثينة رشوان في «النار والطين»، والراقصة دينا في «باب الخلق»، وأدت نرمين الفقي شخصية فتاة محجبة ضمن أحداث «لعبة السنين».

أما مسلسل «ورد وشوك» فقد كان بمثابة دعاية للحجاب، فأظهر صابرين وميس حمدان وبثينة رشوان بالحجاب. وفي مسلسل «خرم إبرة» ظهرت سوسن بدر محجبةً، وكذلك ارتدته رشا مهدى في «حارة خمس نجوم»، وكانت هبة مجدي منقبة في «الزوجة الرابعة».

شهد العام نفسه أيضًا عرض مسلسل «أم الصابرين»، الذي يحكي سيرة القيادية الإخوانية زينب الغزالي، وأدت دورها رانيا محمود ياسين، وبالطبع كانت ترتدي الحجاب.

اقرأ أيضًا: التمرد على التقاليد في إيران: رجال محجبون ونساء سافرات

تراجع الحجاب بعد سقوط الإخوان

الرئيس عبد الفتاح السيسي يلوم أحمد السقا ويسرا على محتوى الدراما

اهتم النظام السياسي الجديد في مصر بالتدخل في الفن من أجل «ضبط أخلاق المجتمع».

في عام 2013، الذي سقطت فيه جماعة الإخوان وعُزل محمد مرسي من الرئاسة، تراجعت دراما المحجبات عن العام الذي سبقه، لكنه شهد عرض مسلسل «جداول» لسهير رمزي، كما شاركت صابرين في مسلسل «الشك»، وظهرت الفنانة المحجبة عفاف شعيب في مسلسل «ميراث الريح»، وريهام عبد الغفور وندى موسى في «الداعية»، الذي هاجم الجماعات الإسلامية وأفكارها.

استمر هذا التراجع في العالم التالي، فلم يشهد 2014، الذي انتُخب فيه عبد الفتاح السيسي رئيسًا، ظهورًا بارزًا للحجاب سوى في مسلسلين، هما «السبع وصايا» مع هنا شيحة وأيتن عامر، و«سجن النسا» مع نيللي كريم ودرة.

اهتم النظام السياسي الجديد في مصر بالتدخل في الفن لضبط أخلاق المجتمع، وبدا ذلك في عدة مواقف، منها ما حدث خلال خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في عيد الشرطة عام 2015، حين لام أحمد السقا ويسرا قائلًا: «يا أستاذ أحمد، يا أستاذة يسرا، والله هتتحاسبوا (...) عاوزين ندِّي للناس أمل في بكره، ونحسن قيمنا وأخلاقنا».

المنتجون والحجاب: «اللي تكسب به العب به»

كيف يرى الناقد السينمائي طارق الشناوي «السينما النظيفة»؟

ترى الناقدة هويدا حمدي أن ظهور المحجبات هذا العام جاء واقعيًّا، فلم تظهر به الممثلات في غرف نومهن، كما في دراما المحجبات التي بدأت في الانتشار قبل أكثر من 10 سنوات.

تشير حمدي، خلال حديثها مع «منشور»، إلى أن أغلب سيدات المجتمع المصري من المحجبات، ولا يمكن تجاهل هذا في الدراما.

لكن هناك عاملين آخرين يفرضان الحجاب على المسلسلات، أولهما السياسة، وهو ما ظهر جليًّا في عهد جماعة الإخوان، فلم يقتصر الحجاب على الدراما فقط، وإنما امتد إلى الصحف القومية والتليفزيون الحكومي، فكانت الأولوية للمحجبة، بحسب هويدا حمدي.

العامل الثاني هو التوزيع، فالمجتمعات الخليجية المحافظة باتت تتحكم في شراء جزء كبير من الإنتاج التليفزيوني وتوزيعه، عن طريق شبكات فضائية ضخمة مثل «mbc» و«دبي» و«روتانا» وغيرها، لذلك يحرص المنتجون على تقديم أعمال تلقى قبولًا هناك.

مصدر مسؤول في أحد أكبر شركات الإنتاج الفني أكد لـ«منشور» أن تلك القنوات، وعلى رأسها «mbc»، قد تحذف مشاهد دون الرجوع إلى شركة الإنتاج قبل العرض، فهي المتحكم الخفي في صناعة الدراما العربية، إذ تملك المال الذي تشتري به الأعمال الفنية من شركات الإنتاج، فيضطر بعض المنتجين إلى التعامل مع فنانين وكُتَّاب ومخرجين بعينهم، لأن وجودهم يجعل العمل مرغوبًا لدى تلك القنوات رغم ضعف مستواهم الفني.

الدراما محاكاة للواقع بكل ما فيه، من حجاب وعري وجنس وصلاة وتفاصيل يومية.

ويشير طارق الشناوي إلى أن شركات الإنتاج لا يعنيها سوى الربح، فالموزع السينمائى محمد حسن رمزي كان يركز على أفلام نادية الجندي ونبيلة عبيد ذات المشاهد الساخنة في الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات، وكان يحرص على تصدير صور شبه عارية لهما على أفيشات الأفلامه لأن الجمهور كان يُقبل على هذه النوعية من الأفلام وقتها، لكن حين بدأت حقبة «السينما النظيفة» منع رمزي القبلات في أفلامه.

قد يعجبك أيضًا: +18: الجنس في دراما رمضان 2017

يرى الشناوي أن دراما المحجبات بشكلها الذي بدأت به لم تلقَ نجاحًا لضعفها، خصوصًا أنها تخاصم الواقع، فكيف يقتنع المُشاهد أن سيدة تجلس في غرفة نومها في منزلها المغلق عليها وهي ترتدي الحجاب؟

الدراما محاكاة للواقع بكل ما فيه من حجاب وعري، من جنس وصلاة، وغيرها من تفاصيل يومية في حياة الناس، ونجاح الفنان المبدع يكمُن في تقديم تلك الحياة بحبكة فنية متقنة دون إسفاف أو مغالاة، لكن صُنَّاع العمل الفني ليسوا دائمًا أحرارًا في ما يقدمون.

مواضيع مشابهة