أربع ترشيحات لفيديو غيمز تهتم بالصحة النفسية

عندما تحدثنا عن موضوع الصحة النفسية والفيديو غيمز، كان الحوار عفويًا، وانطلق النقاش بسبب تجربتنا مع لعبة أنيمال كروسنغ (Animal Crossing). إلا أن حديثنا استمر، وتناقشنا عن ألعاب أخرى تتقاطع مع الصحة النفسية، إلى أن انتهى بنا المطاف هنا نتحدث عن قائمة تتناول موضوع الصحة النفسية بين ألعاب الفيديو. هذه القائمة تمثل تجاربنا مع تلك الألعاب تحديدًا خلال السنة الماضية، ومع ظروف الجائحة والجلوس في المنزل منعزلين عن باقي أمور حياتنا. كيف ساعدتنا هذه التجارب في اجتياز هذا الوقت الصعب؟

أنيمال كروسنغ: Switch

أتت لعبة أنيمال كروسنغ في وقت توقف العالم فيه عن الدوران، لملازمة الناس بيوتهم خوفًا من جائحة كورونا التي كانت في بداياتها آنذاك. تبدأ اللعبة بزيارة لجزيرة مهجورة، وعليك الآن إعادة بنائها وتطويرها بالشكل الذي تريده، بمساعدة توم نوك الشخصية المشهورة من السلسلة.

آخر الدراسات تؤكد أهمية ألعاب مثل أنيمال كروسنغ على الصحة النفسية، وأنها تعزز من شعور الاسترخاء لتقليلها من حدة التوتر ونوبات الاكتئاب.

تجربتنا مع أنيمال كروسنغ كانت حميمية جدًا، خصوصًا خلال تلك الفترة التي تدهورت فيها صحتنا النفسية مع بدء حظر التجول والخوف من كورونا. الروتين الذي تعودنا عليه بدأ في التفكك، ودخلت الأيام بعضها في بعض، وتلاشى الفارق بين الليل والنهار، وهنا أتت أنيمال كروسنغ.

عندما شغلت اللعبة لأول مرة سمعت صوت الموسيقى الهادئ ونوتات اليوكليلي والبوق المرحين كتحية مرحبة بي في هذه الجزيرة الهادئة، كأنها سُلوان بعيدًا عن صخب الجائحة. سرعان ما دخلتُ إلى هذا العالم، ولاحظت نفسي أعود إلى الروتين الذي افتقدته في أول أيام الجائحة، وعقلي الذي أنهكه الدوران والقلق بدأ يشعر بالراحة. من هنا بدأ روتيني اليومي في اللعبة: أستيقظ مبكرًا لقطف الفواكه من بستاني، وصيد السمك والحشرات، وتزيين بيتي بأثاث وديكورات مختلفة، وشراء الملابس لشخصيتي في اللعبة. وخلال الليل، أستمتع بالجلوس مع سكان جزيرتي والاستمتاع بمناظر الجزيرة.

حسب إحصائيات نينتندو، كانت أنيمال كروسنغ اللعبة الأكثر مبيعًا في العالم خلال أول أيام الجائحة، ما يشير إلى أن تجربتي كانت مشتركة مع الملايين من البشر حول العالم. من خلالها تمكنا من التواصل مع الكثير من الأصدقاء، إذ نزور جُزر بعضنا البعض، مما يخفف مرارة الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي الذي كان أيضًا سببًا من أسباب الثقل على الحالة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن آخر الدراسات تؤكد أهمية ألعاب مثل أنيمال كروسنغ على الصحة النفسية، وأنها تعزز من شعور الراحة والاسترخاء لتقليلها من حدة التوتر ونوبات الاكتئاب.

سبيريت فارار: Steam وPS4 وSwitch وXbox One وStadia

من الوهلة الأولى تبدو لك سبيريت فارار (Spiritfarer) لعبة لطيفة ذات رسوم كارتونية، والشخصية الأساسية تتبعها قطة طوال اللعب. إلا أن في طياتها الكثير من المعاني العميقة المتمثلة في فقدان حبيب أو شخص قريب، فهذا هو محور اللعبة الأساسي.

تتمحور اللعبة حول الشخصية الأساسية التي تتحكم فيها كلاعب، وتدعى ستيلا، وكيفية إسعاد الأرواح الضائعة في العالم خلال آخر لحظات عمرها قبل توديعهم إلى الحياة الآخرة. هذه الأرواح تأخذ هيئة حيوانات لطيفة، وعادة ما تضمها خلال اللعب وتطعمها وجباتها المفضلة لكي تزيد من شعورها الرضا.

الجمع بين العالم الجميل والمضمون الروحاني سيشعرك بأن هذه اللعبة هي رحلة روحية لك أنت أيها اللاعب.

خلال اللعب تتحكم في القارب الذي يجوب بحار العالم وجزرها، ومن خلال الإبحار تتعرف إلى شخصيات وأرواح لم تستطع العبور إلى الحياة الأخرى، فتدعوها إلى قاربك الكبير. وفي أثناء فترة وجودها على القارب، يمكنك تنظيم العديد من الفعاليات مع ضيوفك، مثل الزراعة والطبخ والحرف اليدوية التي يمكنك أن تمتهنها، لإسعاد هذه الشخصيات والأرواح العابرة وإرضائها قبل أن تودعها إلى السماء.

حسب دراسة أعدتها كلية الثقافة والتكنولوجيا الكورية، تتشابه سبيريت فارار في طريقة لعبها وبنائها مع نظرية مارغريت ستروبِ وهينك شوت عن الفقدان وخسارة شخص مقرب، فالحزن والفقد ليسا عملية خطيَّة أو مرحلية، بل هي تذبذب بين مواجهة الفقدان والتهرب من واقع الفقد. توضح الدراسة أن هذا النوع من الألعاب، وتحديدًا سبيريت فارار، ساعدت أشخاصًا مروا بظروف فقدان عزيز وتعاملوا مع حالة الفقد عن طريق اللعب، وهو ما ساعدهم على تخطي الخسارة في الواقع.

رسوم اللعبة جميلة جدًا، ولديها نظام يجمع بين المغامرة لاستكشاف العالم وفي نفس الوقت بناء علاقاتك مع شخصيات تَعلم مقدمًا أنك ستخسرها، وأنها ستعبر إلى الحياة الأخرى في الوقت المناسب لها. هذا الجمع بين العالم الجميل والمضمون الروحاني سيشعرك بأن هذه اللعبة هي رحلة روحية لك أنت أيها اللاعب.

هيدز: Steam وSwitch وPS4 وXbox One وXbox Series X/S

هيدز (Hades) تعتبر لعبة Roguelike، وتدور قصتها حول زاغريوس ابن الإله هيدز ومحاولته الهروب من مملكة أبيه السفلى إلى أعلى الجبل. يدور نمط هذا النوع من الألعاب حول مواجهة مراحل عشوائية متزايدة الصعوبة، فعند اجتياز أي عائق أو منطقة في اللعبة تزيد الصعوبة، وهكذا تجد نفسك تموت مرارًا وتكرارًا حتى تصل إلى نهاية اللعبة.

قد تبدو لعبة هيدز غريبة نوعًا ما كمثال للحديث عن منافع الفيديو غيمز للصحة النفسية، لكن نمط اللعب المبتكر يحاكي تقلبات الصحة النفسية التي نعيشها في حياتنا اليومية. تبدأ اللعبة بالمحاولة الأولى للأمير للهروب من مملكة أبيه والوصول إلى أمه على سطح الأرض. وصُممت اللعبة على مستوى صعوبة متزايد، فالموت مكتوب عليك في أولى محاولاتك للهروب، ولكن المختلف أنك مع كل تجربة موت ستعود إلى العالم السفلى أقوى من المرة الماضية.

هنا يتبين لنا أثر هيدز على الصحة النفسية، وعلى الاكتئاب تحديدًا. وجدتُ نفسي أستمتع بصعوبة اللعبة، بالموت تكرارًا، وبالرجوع إلى نقطة الصفر بعد كل محاولة لكن أقوى قليلًا من قبل. وجدت نفسي أسعى للمحاولة مرة أخرى قبل النوم وحتى آخر ساعات الليل. اتضحت لي الصورة عندما أدركت أن المهم هو التقدم التدريجي نحو الأمام، وليس الفشل في المحاولات. قد تسود العبارة السابقة كليشيهات اعتدنا سماعها من خبراء الإيجابية وكتب المساعدة الذاتية، لكن تجربتي مع هيدز ساندتني خلال مراحل اليأس والعزلة، فقد التفتُّ نحو هيدز كملجأ من صخب العالم الخارجي.

هنا نرى أن نمط لعبة هيدز هو الاحتفاء بالحياة، واكتشاف هذه الأنماط قد يعزز شعورنا بالحياة. ونرى أن هذه اللعبة في عالم الأساطير اليونانية تحمل في طياتها محاكاة رائعة لطبيعة الاكتئاب وموجاته، وأن العقبات التي يصورها الاكتئاب لا تمثل تجربة العيش بأكملها. هيدز حتمًا كانت نوعًا غريبًا من العلاج النفسي.

أولبوي: Steam وSwitch وPS4 وXbox One

عند مشاهدتك لأي مقطع من أولبوي (Owlboy) لن تجد ما قد يجعلك تربطها بالصحة النفسية، وذلك يبدو صحيحًا من حيث المبدأ، لكن ما أن تلعبها فأول شيء ستشعر به هو رحلة الاكتئاب التي مر بها صانع اللعبة نفسه. استغرقت اللعبة عشر سنوات لتطويرها، وهي مدة طويلة جدًا على لعبة ثنائية الأبعاد، لكن هذا يعود إلى كمية المشاعر ومراحل الاكتئاب التي مر بها فريق العمل خلال مدة التطوير بسبب إعادة برمجتها.

إحدى أهم مراحل تطوير اللعبة كانت خلال عام 2016، عند الإعلان عن موعد إصدارها بعد خمس سنوات من التأجيلات. يوضح صانع اللعبة أن هذا اليوم كان شاقًا نفسيًا عليهم، فمن سيحضر مؤتمر إصدار لعبة تأجلت كثيرًا؟ إلا أن المفاجأة كانت حضور أكثر من 400 شخص، وبحسب كلام المخرج، «كان تصفيق الجمهور مبهرًا».

تتطرق قصة أولبوي إلى مشاعر الاكتئاب من خلال الشخصيات الأساسية التي تدعى «أوتوس»، وهو شخصية صامتة غير قادرة على التعبير عن نفسها، لكنه يحارب اكتئابه خلال أحداث اللعبة بعد أن غزت جيوش القراصنة مدينته الطائرة في السماء. وبعد هذه الحادثة، يقرر أوتوس معرفة المزيد عن تاريخ سلالته، وسبب طيران مدينتهم في السماء.

من خلال الرحلة ستكتشف الكثير عن مشاعر الاكتئاب. وكلاعب، ستلاحظ تطور المراحل وتعقيدها وتبسيطها بحسب حالة المطورين الذين استغرقوا عشر سنوات في بناء عالم اللعبة، فهذه التجربة لن تحس بجميع معانيها إلا من خلال تجربتك لها.

الصحة النفسية تتقاطع مع أغلب أمور حياتنا، إلا أن تطوير الفيديو غيمز والألعاب نفسها تعتبر واحدة من أفضل الوسائل للتعبير عن هذه التجارب. ومن خلال هذه القائمة حرصنا على تقديم مجموعة مختلفة من التجارب المرتبطة بالصحة النفسية. وهناك العديد من الألعاب التي تطرقت لهذا الموضوع ولم يسمح لنا المجال بالتعبير عنها، لكن ندعوكم لتجربتها.