تحرص على اختيار رِفقة رائعة لهذا المساء، تبتاع الفيشار وعلبة مشروبك الغازي البارد، تتهيأ لمشاهدة الفيلم الذي سمعت عنه كثيرًا، تجلس على مقعدك في السينما وتقوم من عليه كما جلست: لم تفهم شيئًا، لقد اختار الرقيب الكويتي أن يقتطع ما يريد ويريك ما يريد.
تذهب إلى معرض الكويت للكتاب شغوفًا، تفتح قائمتك الخاصة للكتب، يهمس أحد الباعة في أذنك: «هل تريد كتبًا ممنوعة؟»، ومن تحت الطاولة يخرج لك مجموعة كتب لا تريد لك الرقابة أن تقرأها، مثلما اختارت لك أن لا تسمع إحدى الأغنيات على الإذاعة في ذلك اليوم.
إذا كان الرقيب في الكويت يشكل وعينا ويختار ما نرى وما نسمع وما نقرأ، فكيف نقول إننا نختار معتقداتنا؟
ميم 3: مرئي ومقروء ومسموع
يواجه الإبداع في الكويت رقابة صارمة في مجالاته المقروءة والمرئية والمسموعة، وقد أثار منع تصوير وعرض مسلسل «ساق البامبو» لتناوله قضية العنصرية في البلاد ضجة كبيرة عام 2016، وهو عمل مأخوذ عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية للكاتب الكويتي سعود السنعوسي. كذلك، مُنعت رواية الكاتب نفسه «فئران أمي حصة»، التي تتحدث عن قضية الطائفية في الكويت.
قد يهمك أيضًا: السينما الكويتية تكافح ضد محاذير الرقابة
أثمرت جهود مجموعة «ميم 3» في معرض الكويت الدولي للكتاب، إذ سُمح بعدد كبير من الكتب التي كانت ممنوعة في السابق.
نتيجةً لذلك، برزت على الساحة الثقافية مجموعة ناشطة في مجال حرية التعبير والرقابة هي «ميم 3»، التي تحدثت إلى «منشور» عبر أحد أعضائها عبد الله الخنيني.
كان هدف «ميم 3» الأول إلغاء قانون المطبوعات والنشر، عن طريق الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية بدعوى معارضته حرية الفكر والإبداع المكفولة في الدستور الكويتي، إلا أن تحصين المحكمة قانون «منع الاختلاط» المتهم بمناهضة الحريات تسبب بمخاوف لدى المجموعة من تحصين قانون المطبوعات هو الآخر، ففضلوا التوجه للضغط على صناع القرار في وزارة الإعلام والبرلمان، والتقوا أعضاء من الرقابة واكتشفوا أنهم يعتبرون أنفسهم «مدافعين عن المجتمع».
يذكر الخنيني أن جهود المجموعة أثمرت في معرض الكويت الدولي للكتاب عام 2016، إذ سُمح بعدد كبير من الكتب التي كانت ممنوعة سابقًا.
هل ترغب في هيئة تراقب ما يدخل عقلك؟
يشير استبيان أجرته شركة «الراي للدراسات» على شريحة كبيرة من الفئات المختلفة داخل المجتمع الكويتي إلى وجود تناقض، بحسب وصف عبد الله الخنيني، فالمجتمع الذي يؤيد الرقابة على الكتب بنسبة 36% هو نفسه الذي يقر بأن مفهوم الآداب العامة يختلف من شخص إلى آخر بنسبة 48%، ويوافق بشدة على مراقبة الكتب بنسبة 38%.
نسبة 39% من المشاركين في الاستبيان يرفضون منع الكتب بتاتًا، إلا أن 39% منهم كذلك وافقوا على أن الرقابة ضرورة للحفاظ على الآداب العامة، ووافق 25% منهم على هذا بشدة.
قد يهمك أيضًا: كيف يُقمَع الإبداع في العالم العربي؟
لماذا الرقابة؟
«إنشاء دار للأوبرا في دولة تولي اهتمامًا صارمًا ومتشددًا بالرقابة على حرية التعبير كمن يخيط ذيل حصان إلى مؤخرة قرد». الكاتب المسرحي بدر محارب.
حاولنا التواصل مع الرقابة دون جدوى، رفض كل من تواصلنا معه الحديث مع الصحافة، وطلب إجراءات بيروقراطية مطولة للحصول على تصريح.
لكن في تصريح نُشر سابقًا، قال أحد أعضاء لجنة الرقابة على السينما، علي عدنان السيد الرفاعي، إن الرقابة لا تقبل أي تعرُّض للدين بصورة سلبية، وترفض تناول تنظيم داعش مثلًا في المصنفات الفنية، وتضع قيودًا على الصورة التي تظهر بها المرأة، فمن غير المقبول أن تصور النساء في وضع اجتماعي أو اقتصادي مهين، لأنه ينبغي الحفاظ على «المكانة الرفيعة» للمرأة الكويتية، فلا يمكن أن تظهر المرأة كنادلة أو طاهية في مطعم.
الرفاعي أكد أن «المخدرات والعنف المفرط من تابوهات الرقيب الكويتي، ونرى لها تأثيرًا سلبيًّا على الشباب، فالرقابة تحذف أكبر قدر ممكن من مشاهد العنف».
يعتقد الشاعر فيصل الرحيل، خلال حديثه مع «منشور»، أن جهاز الرقابة من أغرب الأجهزة التي عرفتها البشرية: «يعملون كما لو أن الله عيَّنهم حُماةً للفضيلة. فكرة سخيفة جدًّا أن يعتقد هؤلاء أنهم يؤدون عملًا بطوليًّا ويحافظون على المجتمع».
يلفت الرحيل إلى أن الرقابة أجازت كتابه «تمهل أيها الفأس إن نصفك شجرة» بعد مرور 378 يومًا فقط: «لم يستغرق وقتًا، بالنسبة لجهاز يواجه جيشًا من المجرمين يتسلحون بأقلام وأوراق».
كيف يمكن أن يخرج الإبداع وسط كل تلك الحواجز والتابوهات؟ كيف نتمكن من الإنتاج ونحن نعلم أن مقص الرقيب سيمزق إبداعنا؟ إن كنا نشكو من انحدار المستوى الفني في الكويت، فالرقابة من الأسباب الجوهرية في ذلك.
الصراع لرفع يد الرقابة عن عنق الإبداع في الكويت «ليس صراعًا إسلاميًّا ليبراليًّا، فحتى معارض الكتاب الإسلامية تخضع للرقابة» مثلما يقول الخنيني، لكن المشكلة تكمن في حرية الفرد في التفكير وقدرته على التعرف إلى الأفكار واختيارها، بدلًا من أن تختارها له هيئات الدولة.