كثيرًا ما نسمع كلمة «Anti-Hero» (نقيض البطل) في السينما والدراما بشكل عام. نعرف جيدًا «Hero» (البطل) و«Villain» (الشخصية الشريرة)، حتى إننا نتذكر تلقائيًّا بطولات رشدي أباظة ومعاركه المستمرة مع الأشرار وإنقاذه الفتيات الحسناوات. في الجانب المقابل تسترجع ذاكرتنا لؤم توفيق الدقن ومؤامرات محمود المليجي المستمرة للإيقاع بالأبطال. هذا المثال الذي قدمته لنا سينما زمن الفن الجميل يجسد الثنائية الشهيرة: الخير والشر.
لكن إذا تطرقنا للحديث عن (نقيض البطل)، سنجد أنفسنا نتساءل عن المكان الذي يحتله هذا الغامض في الثنائيات المماثلة.
مع تَطَور الدراما وفنونها بدأ الكُتاب والنقاد في جميع الثقافات يلاحظون أن زمن تمجيد البطولات قد ولَّى، وأن الدراما يجب أن تتطور لتواكب وعي الإنسان، في سياق ما تعرَّض له من صدمات إنسانية وثقافية، وبخاصة خلال القرن العشرين. هنا بدأنا ندرك حقيقة أن الحياة الواقعية ليس فيها أبطال بالمعنى المثالي، ولا يوجد هذا الشرير الذي يخطط ويدبر المؤامرات لتدمير العالم، وإنما يوجد الخير والشر معًا في النفس البشرية معقدة التكوين. من هنا بدأ يتطور مفهوم «نقيض البطل»، تلك الشخصية التي تقع في الوسط بين «Hero» (البطل الخيِّر) و«Villain» (الشرير).
سنحاول فهم هذه النوعية من الشخصيات المركبة، مع ذِكر أربع علامات للتمييز بين الشخصية الشريرة ونقيض البطل، وذلك عن طريق تطبيق هذه الفروق على ثلاث شخصيات، من أهم ما قدمت الدراما التلفزيونية الأمريكية:
- شخصية «Walter White» - مسلسل «Breaking Bad».
- شخصية «Frank Castle» - مسلسل «The Punisher».
- شخصية «Dexter Morgan» - مسلسل «Dexter».
1. إلى أي حد تتمادى الشخصية؟
هذا الفارق أول ما يُمَيِز الشرير عن نقيض البطل الذي غالبًا ما يرتكب أفعالًا لاأخلاقية لا تختلف كثيرًا عما يرتكبه الشرير، لكن دائمًا ما نجد أن الشرير لديه استعداد أكبر لـ«التمادي» في هذه الأفعال حد الهوس.
في مسلسل «Breaking Bad»، الشخصية الرئيسية «Walter White» يظهر «Anti-Hero». فبعد إصابته بالسرطان يقرر أن يصنع مخدر الميثامفيتامين «Meth»، ويجني كثيرًا من المال. وفي الموسم الثالث، يقابل وولتر شخصية «جاس فرينغ». في هذه الحالة يكون جاس هو الشرير. فعلى الرغم من كل ما يرتكبه وولتر من أفعال شنيعة، فإن له حدودًا لا يتمادى بعدها، في حين أن جاس لا يوقِفه شيء. المشهد الذي هدد فيه جاس بقتل وولتر وزوجته وابنه وابنته حديثة الولادة، بعد تفاقم الصراع بينهما، خير مثال على ذلك.
في مسلسل «Dexter»، إذا دققنا النظر في الشخصيات التي ناصبت ديكستر العداء، على مدار المسلسل، سنجد دائمًا أن العامل المشترَك بينهم أنهم يفتقرون إلى ما يملكه ديكستر، أي قدرته على تحديد النقطة التي يجب عندها أن يتوقف.
أما «Frank Castle»، في مسلسل «The Punisher»، فالأمر بالنسبة إليه يتوقف عندما ينتهي انتقامه ويثأر لعائلته. لا يزيد عن ذلك ولا ينقص، وهذا ينقلنا إلى العلامة الثانية.
2. هل تعتبر أفعال الشخصية رد فعل على ظلم أو ظروف قاسية؟
في حين يكون للشرير أهداف واضحة منذ البداية، ودوافع ذاتية في غالبية الأحيان، نلحظ أن نقيض البطل غالبًا ما يُطور دوافعه على أساس أفعال خارجية، كظلم يتعرض له، فيسعى للانتقام، أو ظروف قاسية تصيبه باليأس من تحقيق غاياته الأساسية، فيضطر إلى اللجوء للطرق الملتوية بهدف تحقيقها.
كيف للدموية والقتل وصناعة مخدرات عالية الكفاءة أن تخدم هدفًا أخلاقيًّا؟
في مسلسل «The Punisher» نتابع قصة «فرانك كاسل»، جندي المارينز الأمريكي السابق، ونعرف أن زوجته وأبناءه تعرضوا للإبادة على يد القيادات التي كانت ترأسه في الجيش، بعد أن رفض التعاون والإذعان للأوامر، لأنه كان يشك في نواياهم وطبيعة أعمالهم غير القانونية. هنا يتحول فرانك من «بطل» وجندي شجاع إلى دموي (نقيض البطل)، لا يجد لحياته مغزى سوى الانتقام من أولئك المتورطين في مقتل أسرته بأبشع الطرق. بذلك نلحظ أن علامتنا الثانية تنطبق عليه بشكل تام، فقد صنعوا وحشًا من إنسان كان سويًّا، في رد فعل منه على ظلم تعرض له.
أما بالنسبة إلى «وولتر»، فإنه يتعرض لظرف قاسٍ، وهو دنو الموت بسرطان الرئة. أو بمعنى أصح، يصبح الوقت عدوه الأول والأشرس.
عندما نعود بالزمن إلى الوراء، نعرف أن «ديكستر» رأى والدته تُقتَل أمام عينيه، عندما كان في الرابعة من عمره، ما يفسر هوسه المستقبلي بالدماء والقتل. لذلك يُطور مع والده بالتبني نسقًا أخلاقيًّا (Ethical Code) يجعله يُطَوِع هذا الهوس في تحقيق العدالة.
لكن كيف للدموية والقتل وصناعة مخدرات عالية الكفاءة أن تخدم هدفًا أخلاقيًّا؟
قد يهمك أيضًا: «ديكستر»: القتل كوسيلة مشوشة بين المتعة والغاية
3. هل تستخدم الشخصية أساليب ملتوية لتحقق هدف أخلاقي؟
سيظل وولتر وايت نقيض البطل، لأنه دائمًا يبحث عن حلول غير دموية وأخلاقية.
هذه العلامة واضحة في النماذج الثلاث. ديكستر يقتل المجرمين والهاربين من العدالة، وولتر يصنع المخدر ويبيعه ليجني مالًا يضمن لأسرته حياة كريمة بعد وفاته القريبة، فرانك كاسل يتصرف بدموية شديدة تحقيقًا لعدالة لم يجدها في قاعات المحاكم المتواطئة مع المجرمين الأساسيين، ذوي المناصِب السيادية.
ولأن هؤلاء بشر، فأحيانًا تختلط عليهم الأمور، ويتضافر ما هو أخلاقي بما هو غير ذلك، إذ يضطرون إلى ارتكاب تجاوزات من وقت إلى آخر، ما يجعل باقي شخصيات القصة تنقسم عليهم، بين مؤيد ومعارض، ويصبح تحديد موقفنا منهم، كمشاهدين، أكثر صعوبة.
هذه النقطة تنطبق على شخصية وولتر وايت. فبعضهم قد ينقسم عليه، لكنه سيظل نقيض البطل، لأنه دائمًا يبحث عن حلول غير دموية وأخلاقية، وعندما تضيق به السبل يلجأ إلى ما هو عكس ذلك، وغالبًا يندم ويَعِد نفسه وشريكه «جيسي» بأنهم لن يسفكوا دم أحد مُجددًا، وهذا شيء نادرًا ما يفعله «الشرير».
اقرأ أيضًا: لأغراض سياسية: قصة اختراع الخير والشر في الحكايات
4. أي وجهة نظر تسرد القصة؟
بما أننا تطرقنا إلى مسألة تعاطُفنا كمشاهدين، فهذه هي العلامة الرابعة. وعلى الرغم من أنها الأكثر بديهية، فإننا لا نلحظها إلا بصعوبة شديدة.
السبب الذي يجعل شخصية تنتمى إلى نقيض البطل، وليس الشرير، أن السرد يكون من وجهة نظر الأولى. فنحن نعيش الحياة من وجهة نظرنا، أيًّا كان موقعنا من العالم الخارجي. فمن يعترض طريقنا نحسبه شريرًا، ومن يساعدنا وينضم إلينا نراه صديقًا.
هذا هو الأمر في الدراما أيضًا. إنه لا يتعلق بحقيقة الأشياء بقدر ما يتعلق بالزاوية التي ننظر منها، أو بالزاوية التي يُرغمك صناع العمل على النظر منها.
إذًا، وتلخيصًا لكل ما حاولنا تحليله من نوعية هذه الشخصيات المُركَّبة، يُمكننا الخروج باستنتاج مهم، وهو حقيقة أننا نُحِب البطل و الشرير لأنهما يستطيعان ارتكاب أفعال لا نستطيع ارتكابها، فتعجبنا بطولة الأبطال وبسالتهم، ونفتتن بالأشرار وقدراتهم. لكن من يكسب تعاطفنا في نهاية الأمر هو «Anti-Hero» (نقيض البطل)، لأنه الأقرب إلينا كآدميين. فهو لا ينتمي إلى الملائكة، وليس شيطانًا، لكنه مثلنا، يقع في مكان بين هذا وذاك: حائر ومُعَذَّب وغير مستقر.