«آدم كيرتس» صانع أفلام وثائقية بريطاني بدأ مهنته في التليفزيون خلال ثمانينيات القرن العشرين. تميزت أعمال كيرتس بنمط يمكن للمُشاهد استنباطه: يحاول في أعماله مناقشة وتعرية الأفكار التي يستند إليها الساسة وأصحاب القوى في تحكمهم وتطويعهم للشعوب.
من خلال استكشاف أفلام كيرتس، يمكن لنا أن نعرف أساليب التحكم في الناس.
استخدام عامل الخوف
تكلم كيرتس عن جمال عبد الناصر، وتصويره الإخوان كعدو داخلي لشغل الناس عن الفشل السياسي.
تعتبر «The Power of Nightmares»، وهي سلسلة من ثلاث حلقات، من أكثر أعمال كيرتس إثارةً للجدل وتشويقًا، يتحدث فيها عن كيف وُظِّفت مخاوف الناس كمحرك وعامل لبناء الثقة.
اعتاد الساسة وأصحاب القوى إطلاق وعود وآمال بمستقبل باهر ومشرق، وهو ما يعتبر تحديًا كبيرًا لأن احتمالات الإخفاق في تحقيق هذه الوعود واردة جدًّا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدما كانت وعود المنتخَبين تتمثل في حياة ومستقبل أفضل، أصبح الوضع مختلفًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمر.
قد يهمك أيضًا: كيف تستفيد الأنظمة من رهبة الشعوب؟
تناول الفيلم كذلك حرب سيناء أيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، حين صوَّر العسكر الإخوان على أنهم العدو الداخلي لشغل العامة عن أسباب الفشل السياسي وعدم تحقيق أحلامهم بالانتصار على الاحتلال الإسرائيلي.
استعمال نظريات علم النفس السلوكي
عند تصفحِّك صورًا التُقطت خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ستلاحظ أن الناس في تلك الفترة يرتدون نفس الثياب ويتشابهون في قصات الشعر، ولا يكادون يخرجون عن نمط محدد.
رغم ذلك، كانت تلك الفترة تتسم بألوان من الازدهار في الفن والسياسة والثقافة، إلا أن الناس كانوا في تلك الفترة يعبرون عن أنفسهم في الأزياء بالطريقة ذاتها.
قد يعجبك أيضًا: توجهاتنا السياسية تحدد العلوم التي نفضل قراءتها
يزعم آدم كيرتس أن مرحلة التعبير عن الذات تضخمت في الستينيات والسبعينيات حتى صارت الشركات تبيع سلعًا ومنتجات تحت مسمى «التعبير عن الذات»، أو كما يحلو لبطل مسلسل «Mr. Robot» تسميته بـ«وهم الاختيار».
نعيش في عالم يمارس فيه أصحاب القوى الخداع. نحن نعلم أنهم يكذبون، وهم على علم بأننا نعلم أنهم يكذبون.
تتحدث سلسة أفلام «The Century of The Self»، المكونة من سِت حلقات، عن استغلال أصحاب السُّلطة والساسة ومُلَّاك الأعمال نظريات فرويد للتحكم في الجموع. لا يقتصر تركيز السلسلة على فرويد شخصيًّا، فإسهامات عالم النفس الكبير وحده لم تثمر إلا بمساعدة أخته «آنا» وابنها «إدوارد بيرنيز»، إذ وظَّف الأخير أعمال خاله للتحكم في الجموع وجعلهم يرغبون في استهلاك ما لا يحتاجون.
استعمال العلم الطبيعي
تتحدث سلسلة «Pandora’s Box» المكونة من سِت حلقات عن عواقب ومخاطر تسييس العلم واستعماله كأداة، سواء لمحو الحقائق وإعادة تشكيلها أو عواقب التسيس بشكل عام. في كل حلقة تناول كيرتس مجتمعًا مختلفًا، بدءًا من الاتحاد السوفييتي وأمريكا وبريطانيا حتى غانا.
أن تعرف أنك جزء من الجموع المتحكَّم بهم.. ولا تهتم
كان «جورج أورويل» يخشى من منع الكتب وتعتيم المعرفة، بينما ارتعد «ألدوس هكسلي» من فكرة عدم وجود سبب لتعتيم المعرفة والحقائق بسبب انعدام من يريد أن يعرفها أصلًا.
في الإعلان الدعائي لأحدث أعمال آدم كيرتس، «HyperNormalisation»، يقول معلقًا: «نعيش في عالم يمارس فيه أصحاب القوى الخداع. نحن نعلم أنهم يكذبون، وهم على علم بأننا نعلم أنهم يكذبون».
اقرأ أيضًا: ماذا يخبرنا التاريخ عن الإرهاب؟
يزعم كيرتس في سلسلته هذه أن العامة في القرن الواحد والعشرين على علم تام بما يجري وما يُحاك، لكنهم لا يحركون ساكنًا، وهذا شيء طبيعي، إذ نعيش كما يزعم في عالم ما بعد الحقيقة، حيث يُسهم تكرار الأحداث وتتابع الكوارث في تطبيعها وجعلها أمورًا معتادة ولا تستحق الاهتمام.
يُنتقد آدم كيرتس كثيرًا، ويوصف أحيانًا بأنه مهووس بنظرية المؤامرة، وبعض أعماله تفتقد تفاصيل محورية مهمة، لكن هذا لا يقلل من جودة ومتعة ما يقدمه.