زين الدين زيدان: ليس أفضل مدرب في العالم، لكنه الأفضل

الصورة: منشور

محمود عصام
نشر في 2017/10/26

«لا أرى نفسي أفضل مدرب في العالم». هكذا أعلن الفرنسي زين الدين زيدان، المدير الفني لفريق ريال مدريد الإسباني، عقب حصوله على جائزة أفضل مدرب لعام 2017 من الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا».

لقب استثنائي جديد لزيدان يجعله أول من يحصل على جائزة الأفضل كلاعب ومدرب في التاريخ، ويضيفه إلى ألقاب أخرى وعلامات تاريخية حققها في كرة القدم، مثل كونه أول مدرب يفوز بدوري أبطال أوروبا عامين متتالين خلال أول عامين له كمدير فني.

تصريح كذلك قد يكون غير معتاد في مناسبات الاحتفال، إلا أن الحدث تختلف تفاصيله إذا كان بطله زيدان، فزيدان المدرب هو نسخة مطورة من زيدان اللاعب، الرجل الذي امتلك دومًا فلسفته الخاصة، لم يكن الأمهر أو الأقوى، لكنه كان الأفضل لسنوات.

زيدان المدرب لم يقدم الكرة الأجمل في أوروبا ولا العالم، ولم يقدم تطويرًا تكتيكيًّا في فنيات كرة القدم، لكنه في النهاية أصبح المدرب الأفضل. فلسفة زيدان تتلخص في البساطة والواقعية الشديدة عند تعامله مع كرة القدم، إضافةً إلى نظرته المختلفة التي لازمته لاعبًا ومدربًا.

زيدان المحظوظ: استسلِم للعاصفة، وفُز

يسير  زيدان بخطوات ثابتة وسط عاصفة التشكيك، وحده يستطيع أن يستسلم للعاصفة ويخرج فائزًا.

زيدان المدرب لم يختلف كثيرًا عن زيدان اللاعب، دائمًا يرى ما لا يراه الآخرون. عندما تحقق أهم بطوله في العالم مرتين متتاليتين في مُستهَل مسيرتك التدريبية فقد وضعت نفسك في وسط العاصفة تمامًا، عاصفة محملة بالتشكيك الدائم. تلاحقك العاصفة دومًا، مرة بانتقادات الحظ وأخرى بالتقليل من دورك كمدرب على رأس فريق كامل.

أمامك خياران: إما أن تقاوم العاصفة وتؤكد للجميع أن النتائج المثالية واستمرارها لا يمكن أن يتحقق بالحظ وحده، وأن هذا الفريق بنفس لاعبيه فشل في انتزاع البطولات لسنوات، لكنك حينئذ ستتوقف عن السير وتتفرغ للمقاومة.

الخيار الآخر أن تستسلم تمامًا للعاصفة، تغمض عينيك وتسد أذنيك حتى لا تتسلل الرمال إليهما، وتسير بخطوات ثابتة حتى تتبخر العاصفة تمامًا من حولك، وهذا هو اختيار زيدان، وفي كرة القدم، وحده زيدان من يستطيع أن يستسلم للعاصفة ويخرج فائزًا.

اقرأ أيضًا: كيف استغل الساسة شغف جماهير كرة القدم؟

زيدان المهاجر: «ميرسي زيزو»

تحدث زيدان عن أبيه بكثير من الاحترام والفخر: «تأثرتُ به كثيرًا، علَّمني في صغري أن المهاجر يجب أن يبذل ضعف المجهود الذي يبذله أي شخص آخر، المهاجر لا ييأس».

هكذا تكوَّن وعي زيدان طفلًا، المهارة وحدها لا تكفي كما يردد دائمًا. يجب أن تبذل المجهود، وهكذا فعل زيدان حتى أصبح يسبق الجميع بخطوة. في شوارع مارسيليا التي تعج بالجاليات بدأ زيدان لعب كرة القدم بعقل المهاجر، الذي لا يكتفي بمهارته وحدها بل يتدرب بجدية تامة، حتى أصبح يتفرد بمصطلح يخصه وحده في كرة القدم: «المهارة الجادة تمامًا».

أنهى زيدان حياته الكروية وهو نجم متوهج تمامًا، لم ينقص من بهائه شيء، وهو ما سيفيده كمدرب في ما بعد.

إذا كانت كرة القدم لعبة استغلال المساحات، فزيدان وحده كان قادرًا على خلق هذه المساحات، لأنه لم يكن يكتفي بمهارته، فبعد أن يراوغ خصمًا أو اثنين لا يشعر بفخر أو إنجاز، يعلم أن تلك المراوغة صارت شيئًا من الماضي، والماضي عند زيدان ما مرَّت عليه ثانية واحدة. وبينما تتعلق أعين الجميع بتلك المراوغة، يقرر زيدان أن يمرر الكرة بعيدًا، كأنه ببساطة يرى ما لا يراه غيره.

رأس زيدان قادت فرنسا إلى كأس العالم 1998 لأول مرة في تاريخها، فتزين قوس النصر بصورته وتحتها كُتب «ميرسي زيزو». لكنه لم يكتفِ، بل حقق مع فرنسا بطولة أوروبا بعدها بعامين، ثم انتقل إلى ريال مدريد وحقق دوري أبطال أوروبا.

أعوام من المجهود المبذول يوميًّا صنعت أسطورة زيدان، ثم بدأ يشعر أنه لن يستطيع أن يبذل مزيدًا من الجهد وسيتحول إلى لاعب عادي يملك المهارة، لكنه لا يملك تلك الخطوة التي يسبق بها الجميع، فقرر أن يتوقف عن اللعب. لم يصدق أحد، هذا الرجل يستطيع أن يؤدي لسنوات، لكن زيدان يعرف أكثر، فأنهى حياته الكروية وهو نجم متوهج تمامًا، لم ينقص من بهائه شيء، وهو ما سيفيده كمدرب في ما بعد.

قد يهمك أيضًا: كاسياس: قديس مُكلَّل بالنسيان

زيدان المدرب: لا توجد مشكلة أبدًا

كانت نتيجة أسلوب زيدان البسيط في التدريب أن ريال مدريد أصبح أفضل فريق في أوروبا من حيث الكفاءة والعدد وتنوع الأدوار.

تولى زيدان تدريب ريال مدريد وسط ظروف تنطوي على كثير من التحدي، فخلافة «كارلو أنشيلوتي» ليست سهلة أبدًا، والإيطالي يستحوذ على غرفة تغيير الملابس بشخصيته الطاغية.

زيدان، أفضل لاعب في العالم وإحدى أساطير كرة القدم فى التاريخ، لم يجد صعوبة في السيطرة على اللاعبين، لكن التحدي الأكبر كان هويته التدريبية.

اتبع زيدان أسلوبه المعتاد، البساطة في كل شيء، كرة القدم بسيطة، والتدريب لا ينطوي على فنيات فقط، بل إن جزءًا كبيرًا منه يتعلق بتجهيز اللاعبين وتحديد الأهداف وتوفير البدائل.

هل فقد رونالدو مع الزمن بعضًا بريقه كجناح أيسر؟ حسنٌ، سيلعب مهاجمًا في بعض المباريات. هل يواجه ريال مدريد مشكلة في استخلاص الكرة؟ لا توجد مشكلة، «كاسيميرو» سيلعب في هذا المركز حتى يتقنه. نواجه مشكلة بدائل؟ إذًا دعونا نعطي الفرصة لبعض اللاعبين الشباب الجائعين لإثبات أنفسهم. النتيجة كانت أن ريال مدريد أصبح أفضل فريق في أوروبا من حيث الكفاءة والعدد وتنوع الأدوار.

قد يعجبك أيضًا: كلاسيكو المتعة والصناعة: من يفوز بـ«كرة القدم»؟

زيدان الاستثنائي: هيا نلعب كرة القدم

زيدان رجل استثنائي تمامًا، يضع الأمور في حجمها الحقيقي، وربما ذلك أهم ما يميزه وسط جنون كرة القدم، جنون المشجعين والمبالغة الدائمة، جنون الأموال التي تنفَق، جنون الأرقام القياسية للاعبين. لا يأبه زيزو بكل ذلك، لا يشعر أنه استثنائي مثل «مورينيو»، ولا هو مهووس بفنيات التدريب مثل «بيب غوارديولا»، بل يقف في موقف الرجل الذي يعلم تمامًا كيف تسير الأمور دون مبالغة ودون تقليل.

إذا اعتبرنا ملعب كرة القدم صندوقًا، فمورينيو يعرف كل أبعاد الصندوق من الداخل والخارج، يحفظها عن ظهر قلب، أما غوارديولا فيقف خارج الصندوق ويعيد تشكيله كيفما يشاء، لكن زين الدين زيدان سيظهر كي يعيد الأمر إلى حقيقته: هذا ليس صندوقًا من الأساس، إنه ملعب كرة قدم، فهيا نلعب.

مواضيع مشابهة