لا تزال الفجوة قائمة بين المواطن والحكومة السعودية فيما يتعلق بدعم الأنشطة الثقافية والترويج للأعمال الفنية؛ ففي حين يبادر السعوديون بخلق إنتاجات وحلول مبتكرة قد تسهم في ازدهار الحركة الثقافية المحلية، والتي من المفترض أن تكون ضمن خطة رؤية ٢٠٣٠، تسعى هيئات دولته ومؤسساتها لشل تلك المبادرات ووقف مشاريع الإنتاجات بطرق مختلفة.
الأمثلة في هذا السياق عديدة؛ ففي الثاني من نوفمبر، قامت وزارة الثقافة والإعلام السعودية بمصادرة الكتب المعروضة في مقهى ثقافي باسم «الراوي» في مدينة الرياض، دون تقديم أية مبررات في ذلك الوقت، مما أغضب بعض المهتمين بالشأن الثقافي في الساحة السعودية.
عفوًا، الكتب غير مفسوحة*
*الفسح هو خطاب الموافقة بطباعة الكتاب من قِبَل وزارة الثقافة والإعلام.
ضمن هاشتاغ #مصادرة_كتب_مقهى_الراوي، عبَّر المغردون عن استيائهم الشديد من موقف الوزارة الصادم، وطالبوا بالإفصاح عن السبب الحقيقي وراء مصادرة الكتب بدلًا من دعم المبادرة الثقافية التي قام بها صاحب المقهى نواف القديمي.
يقول الصحفي جمال خاشقجي:
#مصادرة_كتب_مقهى_الراوي تبعث رسالة سلبية ، ان انصرف أيها الشاب عن التفكير والثقافة وكن بسيط سطحي ، كان حري بالوزارة دعم مبادرة كهذه .
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) November 4, 2016
بينما أشارت الإعلامية إيمان الحمود لتصرف الوزارة على أنه خطوة رجعية:
كنّا ننتظر ان تحصل السينما على ڤيزا لدخول السعودية .. فإذا بها الثقافة قد حصلت على تأشيرة خروج بلا عودة !! #مصادرة_كتب_مقهى_الراوي
— ايمان الحمود (@imankais1) November 5, 2016
و شبه المحلل والناشط السعودي "خالد العلكمي" ردة الفعل الغير متوقعة بالفزع:
لماذا هذا الفزع من "الوعي"؟!
— خالد العلكمي (@AlkamiK) November 4, 2016
.#مصادرة_كتب_مقهى_الراوي
بعد ثلاثة أيام من تداول الهاشتاغ، أصدرت وزارة الثقافة بيانًا صحافيًا أوضحت من خلاله سبب مصادرة كتب «الراوي» لأجل غير مسمى على الرغم من كون «القديمي» قد حرص مسبقًا على التأكد من أن محتوى تلك الكتب يتفق وسياسة الوزارة وبأنها مسموحة التداول محليًا.
تابعنا على فيسبوك: منشور Manshoor
«أيام سعودية» في هوليوود
بالتزامن مع حدث «الراوي»، انطلقت فعاليات «أيام سعودية» في الثالث والرابع من نوفمبر، بتنظيم خاص من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، وبحضور الأمير تركي الفيصل، المدير الأسبق للاستخبارات السعودية، لعرض أفلام سعودية أنتجها ومثَّل فيها سعوديون داخل واحدة من أكبر صالات العرض في استديوهات باراماونت بيكتشرز في مدينة لوس أنجلس الأمريكية، وهي بادرة سمحت للنقاد والكتاب وصناع السينما الأمريكية بإلقاء نظرة على صناعة السينما السعودية التي بدأت تكبر شيئًا فشيئًا بعيدًا عن أرض الوطن.
لوحظ على هامش الفعالية وجود فضول كبير من قبل هوليوود لمعرفة المزيد عن الثقافة السعودية؛ إذ بيعَت جميع التذاكر في اليوم الثاني من عرضها، مما شكَّل دافعًا للمخرجين السعوديين المشاركين لتسليط الضوء على المشهد السعودي في مزيد من الأعمال القادمة.
الأعمال السعودية شكَّلت مفاجأة لصناع الأفلام العالمية، وبخاصة وأنها تحمل ثقافة المجتمع السعودي بشكلها الحقيقي.
يقول مخرج الفيلم الوثائقي «القط»، فيصل العتيبي، وهو أحد المشاركين في الفعالية: «إن الأعمال السعودية شكَّلت مفاجأة لصناع الأفلام العالمية، وبخاصة وأنها تحمل ثقافة المجتمع السعودي بشكلها الحقيقي».
لربما كان من الأحرى أن يتم تدعيم مثل هذا اللقاء الحصري بين المواهب المحلية و«هوليوود» على أرض المملكة، ودعوة الجماهير المحلية لمشاهدة الأفلام السينمائية المعروضة، وهو ما من شأنه أن يسهم في تعزيز خطة «الهيئة العامة الترفيه» لبث الثقافة الفنية بين المواطنين ودعم الحركة السينمائية والكوادر المحلية وبالتالي تصديرها للخارج كصناعة محلية مدعومة.
الهيئة العامة للترفيه
القاسم المشترك بين واقعة «الراوي» و«أيام سعودية» هو كونهما لا يجدان الدعم الكافي ولا الاعتراف الرسمي بهما من قِبَل كيانات الدولة باعتبارهما مبادرات فردية أو حتى مؤسسية، بالرغم من الجهود المبذولة من القائمين عليها.
لو حدث ذلك كله قبل عام ٢٠١٦ لكان للأمر أهمية أقل، لكن أن يجري بعد إعلان رؤية السعودية ٢٠٣٠ وقرار إقامة الهيئة العامة للترفيه فهو أمر مثير للاستغراب، وبخاصة مع انتشار أخبار الواقعتين في وسائل الإعلام العالمية.
تقول إحدى الناشطات الأجنبيات في موقع «هافينغتون بوست»:
أعترف بأنني لا أفهم طريقة عمل السياسة المحلية في الشرق الأوسط.
«بصفتي ناشطة تدعو للسلام، أعترف بأنني لا أفهم طريقة عمل السياسة المحلية في الشرق الأوسط؛ فهي تبدو لي صعبة الفهم نوعًا ما، بالرغم من أن أصدقائي يستمرون في شرح الثقافة السعودية لي، إلا أنني لا أتفق مع سياسات متخذي القرار بصفة دائمة».
وربما لا تكون الكاتبة هي الوحيدة التي لا تفهم طريقة عمل السياسة المحلية، التي تشجع السينما السعودية في الخارج بينما تمنعها في الداخل، وتروّج للثقافة والإبداع في رؤيتها المستقبلية بينما تقيد القُراء من حرية المطالعة. إذا كانت الجماهير مستعدة لتلقي المنتجات والهيئة متاحة للعمل فلماذا يا تُرى التأخير والتسويف؟ ومتى سيأتي هذا اليوم الذي سننشئ فيه المكتبات بلا قلق من مصادرة الكتب غير «المفسوحة»؟ متى سنشاهد الأفلام التي تمثل البيئة المحلية في دار عرض سعودية بدلًا من السفر لمشاهدتها في.. هوليوود؟