بعيدًا عن الدراما الاجتماعية والميلودراما والرومانسية والتشويق، تبقى المسلسلات الكوميدية دائمًا وأبدًا مادة جذابة لأي مُشاهد خلال شهر رمضان.
ستفكر كثيرًا قبل أن تختار العمل الذي يجذبك موضوعه من بين أكثر من 30 مسلسلًا مصريًّا يُعرض في رمضان 2017، لكنك ستبحث سريعًا عن الأعمال الكوميدية لتختار أيها يكون مورد ضحك و«إيفيهات» خلال الشهر، ثم بقية العام أيضًا عن طريق «الكوميكس» على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تكون المسلسلات الكوميدية مصدرًا مهمًّا لها.
كثير من الكوميديا.. قليل من الضحك
بعكس عام 2016، يشهد رمضان 2017 منافسة قوية بين المسلسلات الكوميدية، فهناك من صاروا ضيوفًا أساسيين مثل دنيا سمير غانم بمسلسل «في ال لا لا لاند»، والعائد بعد عام من الابتعاد أحمد مكي بشراكة جديدة مع الثنائي شيكو وهشام ماجد في «خلصانة بشياكة»، فيما يشترك أحمد فهمي مع أكرم حسني في بطولة «ريَّح المدام»، وبجانب هؤلاء تظهر ياسمين عبد العزيز للمرة الأولى في مسلسل من بطولتها هو «هربانة منها».
رغم الكم الضخم من المسلسلات الكوميدية في رمضان 2017، جاءت النتيجة مخيبة للآمال.
يُطل بيومي فؤاد بطلًا لمسلسل «شاش في قطن»، وأحمد رزق في «إزي الصحة»، بينما يمزج عادل إمام الدراما الاجتماعية بالكوميديا كالعادة في مسلسل «عفاريت عدلي علام»، وكذلك يفعل مصطفى شعبان في «اللهم إني صائم».
اقرأ أيضًا: سلام يا صاحبي: الشيخوخة تنخر عرش الزعيم عادل إمام
تبقى الأولوية في المشاهدة، بناءً على أرقام موقع يوتيوب، للمسلسلات الأربعة الأولى: «في ال لا لا لاند» و«ريَّح المدام» و«خلصانة بشياكة» و«هربانة منها»، مع ملاحظة عدم عرض مسلسلي عادل إمام ومصطفى شعبان على يوتيوب بشكل رسمي من الأساس.
رغم هذا الكم الضخم من المسلسلات الكوميدية، إلا أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال إلى حدٍّ كبير، ففي 2016 كان الكَمُّ قليلًا لكن الرابح «نيللي وشريهان» كان ناجحًا للغاية، بعكس العام الحالي الذي لا يبدو أن فيه ما سيبقى طويلًا في ذاكرة المشاهدين بعد انتهاء رمضان، ولا حتى بعد انتهاء عرض كل حلقة.
السقوط «في ال لا لا لاند»
«اوعوا تروحوا شمال ويمين.. لغز وحدوتة وأغاني كمان
افطروا حلُّوا واقعدوا يللا.. استنوا نيللي وشريهان».
الكلمات السابقة لواحد من أنجح مسلسلات رمضان 2016، «نيللي وشريهان»، الذي حقق نسب مشاهدة تبتعد عن معظم منافسيه على يوتيوب خلال عرضه، وحتى الآن بعد انقضاء عام يصعب المرور أمام أيٍّ من حلقاته دون التوقف عندها واستكمالها حتى نهايتها.
يعود هذا النجاح إلى عدة أسباب، أولها فريق الممثلين الذي ضم عددًا من الكوميديانات ولم يعتمد على دنيا سمير غانم وحدها، وثانيها المخرج أحمد الجندي، الذي نجح في استغلال هؤلاء الممثلين حتى تخرج الكوميديا بشكل متزن، فترتفع نسبة الضحك في الحلقة الواحدة إلى عدة أضعاف.
نجاح المسلسل قاد دنيا إلى تكرار التجربة مع الفريق نفسه تقريبًا من المؤلفين والمخرج وبعض الممثلين مثل محمد سلام ومحمد ثروت، لكنهم وقعوا في مشكلة حقيقية في ما يخص فكرة العمل.
جذبت فكرة المغامرات المتتالية لإيجاد الكنز مشاهدي «نيللي وشريهان»، وأبقت المسلسل يقدم جديدًا كل عدة حلقات، بالإضافة إلى استغلال مراحل الرحلة المختلفة لإدخال عدد من ضيوف الشرف الذين أضافوا المزيد من الكوميديا للمسلسل، وهو عكس ما حدث مع «في ال لا لا لاند» الذي لم يقدم جديدًا منذ حلقته الثانية تقريبًا.
تسقط الطائرة التي تقل أبطال العمل على جزيرة، وتمضي الحلقات في رصد بعض المواقف الكوميدية التي تحدث لهم هناك.
يمكن اعتبار «في ال لا لا لاند» بضعة مشاهد كوميدية، لا مسلسل.
لا توجد أزمة حقيقية، لا يوجد تطور في العلاقات ولا جوانب مختلفة لدى الشخصيات، ومع بقاء الأبطال في مكان واحد طيلة الحلقات فقد المسلسل كثيرًا من جاذبيته، فبات يمكن للمُشاهد إسقاط بضع حلقات أو حتى مشاهدتها دون ترتيب ولن يشعر بأي اختلاف، وهو أمر ليس في صالح المسلسل، لأنه ليس مكتوبًا بنظام الحلقات المتصلة المنفصلة مثل مسلسلين سنذكرهما لاحقًا.
تظهر هنا قيمة وجود سيناريو حقيقي يدفع الأحداث إلى الأمام ويطور من الشخصيات، فليس المسلسل الكوميدي مجرد جمع لعدد من الممثلين يطلق كلٌّ منهم تعليقاته فتتكون حلقة.
السيناريو القوي يقود إلى التوظيف الجيد للممثلين، لهذا شاهدنا شيماء سيف في حلقتين فقط في «نيللي وشريهان»، وكانت الكوميديا نابعة من توظيف شخصيتها داخل المواقف وليس من السخرية المستمرة من مواصفاتها الشكلية كما يحدث في «في ال لا لا لاند»، إذ يمكن حذف أو إضافة المزيد من التعليقات الساخرة دون أن تؤثر بأي شكل إيجابي في تكوين المسلسل أو الحلقة.
هكذا أصبحت لدينا بضعة مشاهد كوميدية مضحكة يقدمها عدد من الممثلين، لكن ليس لدينا مسلسل.
«خلصانة» دون أي «شياكة»
منذ انطلاقة أحمد مكي وهو يعتمد على تقديم أفكار مختلفة، الأهم هو الفكرة البراقة ومن بعدها تأتي المعالجة لتضع هذه الفكرة في قالب كوميدي جيد، وقد نجح بالفعل في فيلمي «طير إنت» و«لا تراجع ولا استسلام» ومسلسل «الكبير أوي».
لكن مع استمرار المسلسل جاء موسمه الخامس بعيدًا عن الزخم الذي صاحَبَ الموسمين الأولين تحديدًا، حتى رغم الدفع بشخصية «حزلقوم» الشهيرة داخل الأحداث، لهذا كان على مكي التقاعد من شخصية الكبير والبحث عن فكرة مختلفة للعودة إلى الجمهور.
بجانب مكي، هناك هشام ماجد وشيكو اللذان انفصلا عن أحمد فهمي في 2016، وقدما فيلم «حملة فريزر» الذي لم يكن على المستوى المطلوب وحل ترتيبه متأخرًا بين الأعمال الأخرى التي تزامن عرضها معه. لكن يبقى للثنائي جمهوره، وهذا الجمهور شاهدهما من قبل في عمل تليفزيوني وحيد هو «الرجل العناب»، الذي حقق معدلات مشاهدة جيدة ربما بعد انتهاء عرضه التلفزيوني.
بعد عرض الفكرة الأساسية لمسلسل «خلصانة بشياكة»، تختفي الأحداث بشكل شبه تام.
يشهد المسلسل التعاون الأول بين مكي والثنائي هشام ماجد وشيكو، وما زاد من حالة الترقب كان الإعلانات التي أظهرت الشخصيات في ملابس غريبة وزمن غريب، لكن بقدر ما كان الترقب كان الإحباط.
يعرض المسلسل فكرته التي لا يمكن إنكار جاذبيتها في أول حلقتين: الأرض كما نعرفها تنتهي نتيجة حرب عالمية بين الرجال والنساء، وتبقى مصر فقط لكن ليس بالشكل الذي نعرفه، بل يغيب عنها أي مظهر للتحضر أو التكنولوجيا، فيعود البشر الباقون إلى الحياة البدائية بشكل مختلف وأسلوب خاص، مع استمرار العداء بين الجنسين وانتظار وقوع حرب أخرى بينهما.
سريعًا تظهر مشاكل المسلسل، فبعد عرض الفكرة الأساسية تختفي الأحداث بشكل شبه تام. في نهاية الحلقة الثانية يبدأ الحديث عن هدنة بين الرجال والنساء، وننتظر عدة حلقات حتى يوافق الطرفان على الهدنة، وبين الحدثين لا يوجد جديد، بل يُفرِد المسلسل حلقة كاملة لعرض قصة حب حدثت في زمن سابق لا تضيف إلى الأحداث، ويمكن حذفها دون تأثُّر المسلسل على الإطلاق.
بالعودة إلى «الكبير أوي»، يمكن ملاحظة وجود موضوع مختلف لكل حلقة أو اثنتين في الموسمين الأولين تحديدًا، ثم تحول الأمر إلى حدث رئيسي لكل مجموعة حلقات، ولكن كان هناك دائمًا ما يدفع المسلسل إلى الأمام بجوار المواقف الكوميدية المعتادة، لكن في «خلصانة بشياكة» اكتفى فريق العمل بجاذبية الفكرة والديكورات والملابس دون اهتمام بالمحتوى، ليصبح أحد أكثر الأعمال إحباطًا في 2017.
«ريَّح المدام» و«هربانة منها»: وجهان لمسلسل واحد
بعيدًا عن الممثلين الذين يستندون إلى أعمال سابقة ينقِّبون فيها عمَّا أعجب الجمهور لمحاولة إعادة توظيفه، يأتي «هربانة منها»، البطولة التليفزيونية الأولى لياسمين عبد العزيز، و«ريَّح المدام»، البطولة الثانية لأحمد فهمي بعد «الرجل العناب» والأولى لأكرم حسني، لكن لم يجمع المسلسلان معًا حداثة عهد أبطالهما بالتليفزيون فحسب، بل أنهما يقدمان الفكرة نفسها دون أدنى اختلاف تقريبًا.
يدور كلا المسلسلين حول امرأة تتعرض لحادث تدخل بسببه في حالة فقدان ذاكرة، ونتيجةً لذلك تتخيل نفسها في شخصية مختلفة مع كل حلقة.
التشابه بين عملي أحمد فهمي وياسمين عبد العزيز وضَع كلًّا منهما في منافسة مضاعفة لإثبات نفسه.
الاختلاف أن مسلسل «هربانة منها» لم يعرض تاريخ الشخصية الرئيسية، بل بدأ بالحادث ودخول المستشفى، ثم تعرض كل حلقة شخصية جديدة للبطلة دون معرفة ما يحدث للشخصية الأساسية المصابة، بينما يعرض «ريَّح المدام» الحادث الذي تتعرض له الزوجة (مي عمر) وفقدها الذاكرة، ومحاولات الزوج متابعتها في كل شخصية جديدة تتقمصها والزواج منها في نهاية الحلقة، بمساعدة صديقه الطبيب النفسي.
هكذا يعتمد المسلسلان على فكرة الحلقات المتصلة المنفصلة، بوضع الحلقات داخل خط رئيسي يجمعها مع وجود حدث جديد منفصل في كل حلقة، لهذا لا مشكلة هنا في متابعة الحلقات دون ترتيب، إذ تبقى لكل حلقة قصتها الخاصة التي لن تؤثر في الفكرة الرئيسية أو تطور الشخصيات والأحداث.
يعلم أي متابع للسينما والتليفزيون أن الفكرة ليست جديدة، بل قدمها من قبل فيلم «عفريت مراتي» عام 1968، لهذا فإعادة إحياء فكرة قديمة عبر مسلسلين في التوقيت نفسه كان أمرًا غريبًا، حاول بعض المتابعين تفسيره بعرض فيلم «Split» الذي قدَّم بطله عدة شخصيات، لكن هذا مستبعد لأن المضمون مختلف تمامًا، ولأن تصوير مسلسل «ريَّح المدام» بدأ في نهاية ديسمبر 2016، أي قبل عرض الفيلم الأمريكي.
هذا التشابه بين العملين وضع كل منهما في منافسة مضاعفة لإثبات نفسه، لكن بمرور الحلقات تبدأ المسافة في التفاوت، ويحقق مسلسل أحمد فهمي أفضلية لعدة أسباب.
«المدام» تنتصر للشباب
يقع «هربانة منها» في مشكلة النجم الواحد، فرغم مشاركة مصطفى خاطر في البطولة ووجود عدد كبير من ضيوف الشرف، إلا أنه من الصعب أن يمر مشهد دون ظهور ياسمين عبد العزيز، وكأنه محظور على بقية الممثلين أن يكونوا مصدرًا للكوميديا.
كذلك يبتعد المسلسل عن الإيقاع الكوميدي المعاصر للمسلسلات، ويعتمد على المشاهد الطويلة التي تقوم على الحوار لا الموقف، بالإضافة إلى إعادة تقديم بعض الأفكار المستهلكة دون إضافة أي جديد لها، مثل الفتاة التي تبحث عن زوج، أو الزوجة المتحكمة في زوجها التي تجعله يطيع كل ما تأمر به أمها، أو فكرة الطلاق.
يتحرر «ريَّح المدام» من هذه الأفكار التقليدية، ويعتمد في الحلقات على مهنة أو هواية مختلفة تذهب وراءها الزوجة، ويبحث الزوج عن طريقة لإيقاعها في حبه عن طريق المهنة أو الهواية نفسها، بتقديم خط جانبي يخص قصة الحب بين أم البطل (رجاء الجداوي) وصديقه الطبيب (أكرم حسني).
هكذا جاءت الكوميديا ذات أفكار أكثر عصرية، فنشاهد في إحدى الحلقات الشحات مبروك يتحدث بكلمات أغاني محمد فؤاد، وفي حلقة أخرى يقرر البطل إجراء عملية تجميل لوجهه في لبنان، فيختلط الأمر في غرفة العمليات ويُجري له الأطباء عملية تكبير ثدي. هذه الأفكار منحت المسلسل بعض الاختلاف والكوميديا الجيدة، وإن بقي يعاني أمرًا آخر.
في مسلسل يعتمد بالأساس على تقمص البطلة شخصية مختلفة في كل حلقة، لم تكن مي عمر الوجه الأفضل لهذا الدور، إذ يصعب ملاحظة أي تغيُّر حقيقي في أدائها بين الشخصيات المتنوعة، ويصبح الاختلاف الوحيد هو الماكياج والملابس.
من سيصل إلى رمضان 2018؟
ليس السؤال هنا عن مَن سيقدم عملًا جديدًا في العام القادم، بل مَن سينجح ويبقى مسلسله يُعرض على القنوات طيلة العام حتى رمضان 2018، مثل ما حدث مع «نيللي وشريهان» و«الكبير أوي»؟
ممَّا عُرِض حتى الآن، لا يبدو أن هناك عملًا سيصل إلى هذه المكانة، ويمكن ملاحظة عدم حضور أيٍّ من هذه المسلسلات بشكل قوي على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يعود هذا إلى أن كثيرًا من «الإفيهات» مأخوذ في الأساس من تلك المواقع، ولا توجد «كوميكس» تستمد أفكارها من المسلسلات، إلا تلك التي تقدمها صفحات هذه الأعمال نفسها.
على الرغم من وجود الكثير من الأعمال مرتفعة المستوى في موسم رمضان 2017، يبدو أنه لن يكون هناك فائز حقيقي من المسلسلات الكوميدية.