«حرب كرموز»: مغامرة السبكي المضمونة

لقطة من فيلم «حرب كرموز» - الصورة: السبكي للإنتاج السينمائي

نرمين يُسر
نشر في 2018/06/22

«الحرب ابتدت». الجملة التي تصاعد بها صوت أمير كرارة في نهاية الفيديو الدعائي لفيلم «حرب كرموز» لم تكن فقط تصلح للحديث عن المعركة التي تناولتها قصة الفيلم، بل إنها في الوقت نفسه جاءت في موضعها. فقد خاض كرارة والمخرج بيتر ميمي حرب إيرادات موسم عيد الفطر، وخرجا منها بلقب الأعلى إيرادًا. فالجميع كان يتشوق لرؤية كرارة وهو يُصارع «بويكا» في عصر خرج فيه وطناهما من حرب عالمية مُهلِكة.

قدَّم السبكي في عيد الفطر نوعًا جديدًا من أفلام الأكشن يختلف عن فيلم «هروب اضطراري» الذي عرضه في 2017، فيلم يحكي قصة «الحصار»، وهي قصة مكررة عالجتها السينما العالمية بطرق مختلفة، أقربها في فيلم «Dunkirk» الذي استند إلى قصة حقيقية لحصار جنود الميناء الذي يحمل الاسم نفسه، للمخرج «كريستوفر نولان».

أما «حرب كرموز»، فقد اختار له منتجه وكاتبه محمد السبكي قصة حربية تاريخية أخرجها بيتر ميمي. تدور قصة الفيلم خلال النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، حين كانت مصر تقع تحت الاحتلال البريطاني، وتحديدًا في أحد أحياء مدينة الإسكندرية الشعبية: كرموز.

تتعرض فتاة قاصر للاغتصاب على يد ضابط بريطاني لينتبه ثلاثة من الإسكندرانية الشجعان، فتقع معركة بالأيدي تنتهي برصاصة إنجليزية تخترق صدر واحد من الشباب، فترديه قتيلًا. يرفض البكباشي يوسف المصري (أمير كرارة) تسليم الضابط الإنجليزي المغتصِب والشابين السكندريين لقوات الاحتلال في عناد سافر، فتحاصر الدبابات والأسلحة قسم الشرطة كاملًا.

«حرب كرموز»: شخصيات نمطية

إعلان فيلم «حرب كرموز»

نعلم جميعًا أن الثقافة السينمائية المصرية تفرض أنماطًا معينة من البشر، فالراقصة يجب أن تكون «سونيا»، والقوَّادة «مدام سوزي»، وزعيم العصابة يجب أن يُدخن السيجار الكوبي، إلخ.

يدور سيناريو بيتر ميمي حول شخوص نمطية منقولة من الكتب الشعبية القديمة، فيصور شخوص الفيلم والموجودين بالصدفة داخل جدران قسم الشرطة مُستعرضًا من سيصبحون في ما بعد أبطال المعركة.

هناك «عصفورة» (مصطفي خاطر) اللص الذي اشتهر بتسلق المواسير، وهي عادة اللصوص في ذلك العصر، لذلك سُمِّي عصفورة لخفة حركته، ويرتدي زي اللصوص الشهير في الرسوم المتحركة: القميص الأبيض ذا الخطوط العرضية السوداء، ويُحتجَز في انتظار ترحيله إلى النيابة.

أما «زوبة» (غادة عبد الرازق)، فبائعة جنس تنتظر تجديد رخصة ممارسة البغاء (التي كان القانون يسمح بها آنذاك)، ترتدي اللون الأحمر وطلاء شفاه من اللون نفسه، لها أسلوب رقيع وفج في الحوار، إضافة إلى أنها تلوك علكة بصوت مزعج تأكيدًا للصورة النمطية لبائعات الهوى.

ليس هذا فقط، فالشكل النمطي اتسع ليشمل الشخصية الرئيسية وبطل الفيلم (البكباشي يوسف المصري) الذي ظهر بالقوة والبأس اللذين يليقان بضابط شرطة شريف، بل ويبالغ في إظهار هذا الشرف عبر طريقة تناوله للتهديدات التي تلقاها من الجنرال البريطاني. يبالغ البكباشي كذلك في إظهار عواطفه الرقيقة تجاة شقيقتيه اللتين تريانه في مكانة الوالدَيْن الراحلين، فيظهر بشخصية الضابط الصارم والأخ الحنون في آن واحد.

اتبع السبكي في قصة الفيلم نهج أفلام هوليود الحربية، بالتركيز على التعمق في تفاصيل المعركة الواحدة في موقع التصوير الواحد.

يظهر الجنرال البريطاني بنمطيته في شخصية المحتل المتغطرس الذي يستخدم السياسيين المصريين، ومنهم بيومي فؤاد، عضو البرلمان، الذي ظهر بنفس الصورة التقليدية للسياسي الموالي للاحتلال.

تطغى النمطية على تطور الشخصيات وتصاعد الدراما من خلال التطوع غير المدروس لمواجهة الخطر، مثلما فعل عصفورة برفضه الرحيل من مقر القسم مستسلمًا، وزوبة التي قررت البقاء إلى جانب الفتاة المغتصبة، ومع الوقت قررت التوبة كما تفعل معظمهن في المواقف العصيبة التي تطلب فيها الواحدة منهن النجاة.

مكان واحد للتصوير، وخط درامي يخلو من التفرعات

لقطة من فيلم «حرب كرموز» - الصورة: السبكي للإنتاج السينمائي

اتبع محمد السبكي في كتابة القصة الرئيسية في «حرب كرموز» نهج أفلام هوليوود الحربية بالتركيز على التعمق في تفاصيل المعركة الواحدة في موقع التصوير الواحد، وما يسفر عن ذلك من صراعات وتصعيدات درامية كان من شأنها أن تقدم تفاصيل معركة كبرى.

القصة الرئيسية تتسم بأنها «قماشة عريضة» تتحمل مزيدًا من الشخصيات الأساسية بخلاف ضيوف الشرف الذين شاركوا في العمل، مثل فتحي عبد الوهاب مثلًا، الذي كان من المتوقع إفراد مساحة أكبر لدوره المهم كضابط زميل للبكباشي، منوط به تنفيذ أوامر القائد الإنجليزي، لكنه يتراجع عن تنفيذ القرار في آخر لحظة.

أو شخصية مثل الممثل البريطاني «سكوت آدكنز»، الشهير باسم «بويكا» (اسم أشهر شخصية قدمها في أفلامه)، والذي كان من المتوقع أن يظهر بدور أكبر من مجرد مشاهد قتالية معظمها من ركلات الكونغ فو غير المشهورة في مصر في ذلك الوقت. إضافة إلى الأختين اللتين لم تضيفا إلى القصة الرئيسية كثيرًا سوى استغلال وجودهما للضغط على البكباشي بهدف الخضوع لأوامر الجنرال «فرانك آدم» (فؤاد شرف الدين).

موسيقى «هانز زيمر» في سينما السبكي

من الواضح أن مؤلف موسيقى فيلم «حرب كرموز»، الملحن العراقي سيف عريبي، متأثر بموسيقى «هانز زيمر»، إذ نجده يبث موسيقاه على مشاهد الفيلم بالترتيب نفسه الذي تناوله الموسيقي الألماني في روائعه الحربية مثل «دانكرك» و«King Arthur». وعلى كلٍّ، فانها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها السبكي موسيقى عالمية في أفلامه كما في فيلم «هروب اضطراري» للبطل نفسه.

أمير كرارة: لعنة «باشا مصر»

لقطة من فيلم «حرب كرموز» - الصورة: السبكي للإنتاج السينمائي

هناك ممثلون يستغلون نجاح أحد الأدوار التي أدُّوها، فيكررونها طمعًا في مزيد من النجاح،  ربما كان أشهرهم في الأعوام السابقة محمد سعد في سلسلة «اللمبي».

ما زال أمير كرارة مُصرًّا على الوقوف عند ناصية محددة لم يغادرها بعد، وذلك منذ تقديمه الأدوار الخفيفة في بداياته الفنية، مثل «حازم» في فيلم «زكي شان» 2005 أمام أحمد حلمي، أو في مسلسلات رمضان بأدوار البطولة الأسطورية، مثل «تحت الأرض» 2013، و«حواري بوخاريست» 2015، وأخيرًا «كلبش» 2017 و2018.

من وقتها لم يتخلص كرارة من شخصية «سليم الأنصاري»، فظهرت أيضًا في أدائه شخصية الضابط يوسف المصري، حتى تكاد تلتصق أدوار الضباط بشارب أمير كرارة، الذي يسع المئات من شخصيات الضباط الأبطال الأسطوريين والشرفاء الواقفين على أهبة الاستعداد للتضحية بحياتهم في مقابل أن يستتب الأمن والسلام في وطنهم.

محمود حميدة وغادة عبد الرازق: أداء متوقع

لقطة من فيلم «حرب كرموز» - الصورة: السبكي للإنتاج السينمائي

يضم فيلم «حرب كرموز» عددًا من النجوم أصحاب التاريخ الفني الذي لا يُستهان به، مثل محمود حميدة الذي أدى دور الضابط المتمرد «عزت الوحش»، بذيء اللسان، صاحب العبارة الأشهر في الأيام القادمة على مواقع التواصل الاجتماعي: «أمك صاحبتي».

ظهر حميدة بصورة الرجل قوي البنية، وكأن سنوات العمر لم تؤثر فيه، ولعب دوره بإتقان شديد كعادته، فجسد شخصية المتمرد والهارب من السجن والإعدام. يظهر ذلك في ردود أفعاله واستعداده للوقوف جنبًا إلى جنب مع البكباشي يوسف المصري، ابن صديقه المقرب، والضابط الوطني الذي لا يرضى بالخضوع لقوات الاحتلال. لم تخلُ مشاهد حميدة من الفكاهة وإلقاء النكات الساخرة على الوضع السياسي المهين في ذلك العصر.

لم تقدم غادة عبد الرازق دورًا جديدًا، فقد بدت تشبه إلى حد كبير الممثلة لبلبة، بعد أن جعل مشرط جراح التجميل وجيهيهما متقاربين لدرجة التناسخ. أغلب أدوار غادة تنحصر في لعب دور فتاة الليل، أو «الريكلام» التي تُكرِّس نفسها لـ«فرحة الناس» كما جاء على لسان شخصية «زوبة» التي تؤديها في الفيلم.

ظهرت «زوبة» تقليدية ونمطية إلى حد بعيد: العاهرة الطيبة التي ترفض طبيعة عملها ظاهريًّا، لكنها تشعر بدور الضحية في داخلها، دون ترك بصمة يتذكرها الجمهور. أي إنها لم تُوَفَّق في إقناع هذا الجمهور بأنها «عاهرة نقية»، مثلما أقنعت نادية لطفي جمهورها بنقاءها في دور «ريري» في فيلم «السمان والخريف» عام 1967. ربما ليس هذا ذنب غادة، يبدو أنها لم تتلق توجيهات مخرج مثل حسام الدين مصطفى.

مصطفي خاطر: أداء جاد، وجيد

لقطة من فيلم «حرب كرموز» - الصورة: السبكي للإنتاج السينمائي

«عصفورة ما بيهربش، عصفورة مابيخافش، أنا هاخرج دلوقتي لأني كنت كده ولَّا كده هاهرب من الحبس بالليل». كلمات جاءت على لسان مصطفى خاطر الذي جسَّد شخصية اللص المحب لوطنه الغيور على ابنة بلده، لدرجة أنه يُقدِّم نفسه كبش فداء لحبل المشنقة الذي أعدته القوات البريطانية للبكباشي يوسف.

لم يخلُ أداء خاطر الجاد من الإفيهات الكوميدية في سابقة جديدة عليه، وبعيدًا عن الأدوار الهزلية التي اعتادها سابقًا، سواء في «مسرح مصر» أو مسلسلات الساعة السابعة بتوقيت إفطار رمضان. يمكن القول إن «حرب كرموز» كان إعادة اكتشاف لقوة أداء خاطر التمثيلية التي يمكن إثراؤها وتطويرها.

السبكي: «صارف ومكلِّف»

بذخ الإنتاج بدا واضحًا في استخدام تقنيات تصوير حديثة ومتطورة. الصورة عالية النقاء حتى تكاد تقارب الأفلام العالمية، إضافة إلى تكلفة الملابس والديكورات وتصميمات المعارك التي من الممكن وصفها بـ«المتقَنة» ما عدا معركة المشهد الأخير الذي كان فوضويًّا، فلا تعرف أي جهة تصارع الأخرى.

«حرب كرموز» مغامرة غير مسبوقة في تاريخ عائلة السبكي، لكنها أتت أُكُلها، فقد حقق الفيلم إيرادات بلغت 24 مليون جنيه في أسبوعه الأول.

لا يمكن الإشارة إلى تكلفة الإنتاج دون ملاحظة اشتراك الممثل والمقاتل «سكوت آدكينز»، الذي جاء إلى مصر كي يُكمِل منظومة البذخ التي انتهجها الفيلم. لكن كان من المتوقع أن تُستغَل مشاركته في مساحة درامية أكبر، عوضًا عن نعته طول الوقت بـ«الضابط المجنون» أو «The crazy one»، في حين أنه لم يقدم من هذا الجنون سوى مشهد وحيد أمام أمير كرارة.

لا عجب عندما نعرف حجم ميزانية الفيلم التي بلغت 60 مليون جنيه (3.5 ملايين دولار تقريبًا)، إذ إن تكلفة الأسلحة والديكور وصلت إلى 13 مليون جنيه، في ظل تعويم الجنيه المصري وانخفاض قدرته الشرائية.

«حرب كرموز» مغامرة غير مسبوقة في تاريخ عائلة السبكي، لكنها أتت أُكُلها، فقد حقق الفيلم إيرادات مرتفعة بلغت 24 مليون جنيه في أسبوعه الأول، وربما يكون دافعًا لمزيد من «المغامرات السبكية» في المرحلة القادمة.

مواضيع مشابهة