«مين الراجل الكبير ده؟»، سؤال استنكاري ألقاه الوافد المميز بغضب، ردًّا على جملة نطق بها أحد حضور عزاء والدة المخرج شريف عرفة، حين تدافع الناس للسلام على ذلك الوافد لمَّا وصل إلى سرادق العزاء. كانت الجملة التي نطق بها الرجل تقول «بالراحة يا جماعة ده راجل كبير»، وكان الرجل الكبير عادل إمام، أو «الزعيم» كما يحب أن يُطلق عليه.
وُلد عادل إمام في 17 مايو 1940، أي أنه كان قد أوشك على إتمام عامه السابع والسبعين حين سمع هذه الجملة، ومع ذلك غضب منها، فلماذا غضب وهو بالفعل في سن الشيخوخة؟ هل يشعر أن الشيخوخة العمرية قد تنذر بشيخوخة فنية؟ أم أن تلك الشيخوخة الفنية داهمته بالفعل ويحاول مقاومتها؟
بالمنطق التجاري، ما زال عادل إمام نجمًا، فهو الأعلى أجرًا في مصر بـ44 مليون جنيه عن آخر مسلسل قدمه، «مأمون وشركاه»، وتعاقد على تقاضي 45 مليونًا عن مسلسله الجديد «عفاريت عدلي علام»، الذي سيُعرض في رمضان 2017.
حين علم إمام أن شركة «O3»، المسؤولة عن العمليات الإنتاجية لمجموعة «MBC»، ستتعاقد مع الفنان محمد رمضان على نفس الأجر ثار واعترض، لأنه بذلك سيتساوى به، فخفضت الشركة أجر رمضان إلى 125 مليون جنيه عن ثلاثة أعمال مقبلة، بواقع 41 مليونًا عن كل عمل، بحسب مصدر مقرب من إدارة «O3».
يتمتع عادل إمام بعلاقة جيدة مع مجموعة «MBC»، فهي التي تحتكر عرض مسلسلاته خلال الأعوام الستة الماضية.
يقول الناقد الفني طارق الشناوي إن إمام ربما لا يكون أهم موهبة تمثيلية، لكنه بالتأكيد أهم نجم شباك في التاريخ المصري والعربي خلال الأربعين عامًا الماضية، وهو أمر جدير بالتأمل والإشادة، لأن لغة الأرقام إحدى وسائل التعبير عن ارتباط الفنان بالجمهور.
لكن مصدرًا قريبًا من عادل إمام قال لـ«منشور» إن السيناريست يوسف معاطي، الذي يكتب لإمام خلال السنوات الماضية، حرص على تجنب كتابة مشاهد ترهق الزعيم في التمثيل، من حيث زمن المشهد ومستوى الحركة فيه. ووضَّح المصدر أن عادل إمام لا يستغرق في التصوير أكثر من ستِّ ساعات يوميًّا، وأحيانًا لا يزيد على أربع ساعات، وهي مُدد قليلة مقارنةً بما كان يفعله في الماضي، إذ كان يستطيع العمل لأكثر من 15 ساعة في اليوم.
رجَّح المصدر أن هذا من العوامل الرئيسية في ابتعاد عادل إمام خلال السنوات الأخيرة عن المسرح، الذي يتطلب حضورًا يوميًّا لقاعة العرض، والوقوف لفترات طويلة.
شيخوخة مسرحية
ربما خسر عادل إمام النجومية الكبيرة التي حققها خلال تاريخه بسبب مسرحية «بودي جارد».
آخر مسرحيات عادل إمام كانت «بودي جارد»، التي بدأ عرضها في 1999 واستمر حتى 2010، ومنذاك الحين لم يقدم الزعيم أي أعمال مسرحية جديدة. قوبلت «بودي جارد»، التي كتبها سمير خفاجي ويوسف معاطي وأخرجها رامي إمام، بانتقادات واسعة، خصوصًا حين عُرضت في البحرين ودبي عام 2007، وشهدت قاعة العرض انسحاب بعض الجمهور اعتراضًا على ما اعتبروه «إسفافًا وابتذالًا».
هاجمت الصحافة الإماراتية عادل إمام وقتها، إذ قال الناقد في صحيفة «البيان»، جمال آدم، إن إمام قدم مسرحية غلب عليها الطابع التجاري، لهذا خرجت غنية بالإسفاف وتحوي إيحاءات جنسية أثارت استياء الجمهور. بحسب آدم، ظهر الزعيم في المسرحية متعبًا ثقيل الوزن، وغابت عنه البهجة وأَلَق الأيام الماضية، فهل السبب هو التقدم في السن أم التراجع في الموهبة؟
كذلك قال الناقد الفني أنس الأموي إن عادل إمام قدم مسرحية سيئة الأخلاق، وخرجت منه ألفاظ بذيئة أحرجت الجمهور الذي لم يكن يتوقع ذلك، معتبرًا أن إمام سجن جمهوره في المسرح لثلاث ساعات، قدم خلالها كمية من الشتائم والعبارات الجارحة للذوق العام، التي دعت بعض الحضور إلى مغادرة القاعة.
وقتها، سرت شائعات حول إيقاف عادل إمام عرض المسرحية، واعتبرت شبكة «MBC» أن إمام ربما خسر النجومية الكبيرة التي حققها خلال تاريخه بسبب «بودي جارد»، وأنه كان يستطيع تقديم مزيد من الأعمال المسرحية الناجحة، إلا أنه اكتفى ببطولة خمس مسرحيات فقط على مدار 40 عامًا، بدأت مع «مدرسة المشاغبين»، وسبقتها أدوار صغيرة في بضعة أعمال خلال بداياته الفنية.
شيخوخة سينمائية
خاصم عادل إمام السينما، أو خاصمته، خلال السنوات السبع الأخيرة، بعد تاريخ سينمائي طويل. وفي 2016، أعلنت شركة «سينرجي» إنتاج فيلم للزعيم يُعرض في 2017، إلا أن مصير الفيلم ما زال معلقًا، ولم توضح الشركة أو إمام أي تفاصيل.
فيلم «زهايمر» ممل وبطيء الإيقاع، وأفضل مشاهده تلك التي ظهر فيها سعيد صالح.
واجه عادل إمام هبوطًا في مستوى أفلامه الأخيرة، حتى من ناحية الإيرادات، خصوصًا فيلمه قبل الأخير «بوبوس»، الذي اعتبره طارق الشناوي ساقطًا، وتجاريًّا، وأشار إلى أن مشاهد الجنس والعري فيه أتت مبتذلة ودون داعٍ، وهو ما انعكس على الجمهور الذي لم يُقبِل على الفيلم.
بعد «بوبوس»، قدم عادل إمام فيلمه الأخير «زهايمر» عام 2010، الذي اعتبره البعض أفضل من سابقه، وحقق إيرادات أعلى نسبيًّا، إلا أن الناقدة والكاتبة فاطمة ناعوت رأت أنه فيلم ممل، بطيء الإيقاع، فيما كانت الموسيقى التصويرية التي وضعها عمر خيرت، ومشهد سعيد صالح الذي يتبول فيه بشكل لا إرادي، القيمتان الوحيدتان في «زهايمر».
هروب إلى الدراما
ربما كان الفراق بين عادل إمام والسينما والمسرح هو السبب الرئيسي في اتجاهه إلى الدراما التليفزيونية، التي بدأها بمسلسل «فرقة ناجي عطا الله» في رمضان 2012، وكان آخرها «مأمون وشركاه» عام 2016، الذي شهد انتقادات واسعة، ووُضع في مقارنة مع مسلسل «البخيل وأنا» للراحل فريد شوقي.
اعتبر الناقد الفني نادر عدلي أن هذا العمل شهد أضعف حالات الزعيم على الشاشة، وانتقد ما وصفه بالبطء في إيقاع الأحداث الذي أصاب المُشاهدين بالملل.
طارق الشناوي قال إن عادل ظهر مرهقًا أمام الشاشة خلال المسلسل ولم يقدم جديدًا، وإن رصيده القديم هو ما جذب الجمهور ليشاهده، مشيرًا إلى ما وصفه بالخلل في المضمون الدرامي للمسلسل، الذي أثر بشكل سيئ على العمل بأكمله، وجعل المخرج لا يستطيع التغلب على العواقب التي واجهته.
هيمنة تؤدي إلى التراجع
ربما يدفع التجديد دماءً جديدة إلى عروق الزعيم التي شاخت، ربما يكون الحل في العمل مع مخرجين وكُتَّاب آخرين.
يحكي محمود كمال، مدير إنتاج مسلسل «مأمون وشركاه»، أن عادل إمام كان يأتي من بيته إلى موقع التصوير قبل موعده بساعة، جاهزًا «كوافير وماكيير»، مرتديًا ملابس العمل حتى لو كانت «بيجامة» أو «بدلة سجن».
يذاكر إمام النص وينشغل به حتى خلال ركوبه سيارته، يحرص على أن يجتمع بفريق العمل حتى الفنيين والعمال، يشارك في كل المناسبات حتى لو كانت لعامل إضاءة، يسيطر على موقع التصوير، يهابه الجميع ويحترمونه.
يرى طارق الشناوي أن عادل إمام تأثر في انضباطه بوالده الذي كان يعمل في الشرطة. لكن، على ما يبدو، أخذ الزعيم عن هذه الحياة حب السيطرة والتحكم، خصوصًا في سنواته الأخيرة، إذ صار يتحكم في كل كبيرة وصغيرة في العمل، ولذلك يفضل أن يشتغل مع ابنه رامي كمخرج، ويوسف معاطي كمؤلف، وهو أمر طالب الشناوي بتغييره كي لا يصاب الجمهور بالملل.
وترى الناقدة ماجدة خير الله أن سبب تراجع أعمال عادل إمام في الفترة الأخيرة هو مؤلفها يوسف معاطي، الذي تسبب طول علاقته الفنية بإمام في جمود فني، وأدى إلى تناقص شعبية الزعيم في الدراما التليفزيونية كما تراجعت شعبيته في السينما.
ربما يكون هذا هو الحل، من وجهة نظر خير الله. ربما يدفع التجديد دماءً جديدة إلى عروق الزعيم التي شاخت، ربما تكون الرغبة في خوض مغامرة مع كاتب جديد ونمط مختلف من الموضوعات، بالإضافة إلى تكتيكات إخراجية جديدة، أمرًا محفزًا على الإبداع.