«الفرقة الماسية بقيادة المايسترو أحمد فؤاد حسن»، جملة تحمل نصف تاريخ الأغنية المصرية والعربية، فعلى مدار أكثر من 30 عامًا، في أكثر فترات الموسيقى العربية نهوضًا وانطلاقًا وريادة (1950 - 1980)، كانت الفرقة الماسية تقف خلف أغلب المغنين، وعلى رأسهم بالطبع مطرب مصر الأول عبد الحليم حافظ.
حليم ابن الثورة وخارج من رحمها. صحيحٌ أن بداياته كانت قبلها بقليل، كما كانت بداية الماسية أيضًا، في حفل في معهد فؤاد الأول (معهد الموسيقى العربية) عام 1948، إذ قدّم أحد طلاب دفعة التخرج في السنة نفسها مقطوعة موسيقية اسمها «البوهيمية»، بمصاحبة عازفين من طلاب المعهد، وظهرت الفرقة في شكل متناسق وبزي موحد، وقدمت عرضًا لاقى استحسانًا كبيرًا من الحاضرين، ومن هنا جاءت فرقة أحمد فؤاد حسن، لكن اسمها تحول إلى «الفرقة الماسية». لاحقًا
جاء اسم الماسية من وحي التعبير المتداوَل في مجال الموسيقى، عند تشبيه أصابع العازف بالألماس، من شدة إتقانها العزف.
أعادت ثورة 1952 تشكيل كل شيء، وأعادت الفرقة الماسية تشكيل الموسيقى العربية، وطورت شكل الفرق الموسيقية القائمة على التخت الشرقي.
أسلاف الفرقة الماسية
بكل تأكيد كان هناك عديد من الفرق قبل ظهور الماسية، منها فرق تعزف الموسيقى فقط، مثل فرقة جورج ميشيل وفرقة علي فراج، لكن كان هناك كثير من العوامل جعلت الماسية هي الفرقة الأولى في مصر حتى ثمانينيات القرن الماضي.
فكرة تثبيت أعضاء الفرقة جعلت بينهم انسجامًا واضحًا ومؤثرًا في العزف الجماعي، وكذلك الاهتمام بمظهر العازفين الخارجي والزي الواحد، واختيارهم على أعلى مستوى من الدراسة والعلم بجانب الموهبة، والانسجام التام بين الأصوات الصادرة من الآلات الموسيقية، وكثرة التمارين والتدريبات، واستخدام أفراد كثيرة، وتطعيم الفرقة بآلات غربية وحديثة أولًا بأول، ومواكبة تطور الألحان في مصر، خصوصًا مع ظهور الآلات الغربية في الأغاني المصرية على يد بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب.
كانت الماسية نظامًا متكاملًا، عازفون على أعلى درجة من التوافق والالتزام والجدية، قادرون على قراءة النوتة، وبعضهم كان متخصصًا في كتابة نُوَت الألحان للعظماء.
لكن يظل السر في ثورة 1952، والعمل على تقديم وجوه جديدة في كل المجالات، مضمونٌ ولاؤهم، ومقتنعون بأنهم أبناؤها، وأنها جاءت تخلِّصهم من كل فساد وظلمات العهد الملكي، بخاصة عند بداية عملهم مع عبد الحليم حافظ، فأصبحوا جزءًا من موسيقى الثورة، ومشاركين أساسين في صناعة هذه الموسيقى والأغاني الثورية، بصحبة حليم في الأساس ومطربين آخرين أيضًا.
اقرأ أيضًا: لعنة العندليب: ما فعله «حليم» بعماد وفادي وعمر
كان قوام الفرقة يقترب من 25 فردًا، على رأسهم عازف الناي محمود عفت، وعازف الرق حسن أنور، وعازف الكمان أحمد الحفناوي، وحسن كمال ومجدي بوليس على التشيلو، ومحمود القصبجي وعبد المنعم الحريري وميشيل المصري ونصر عبد المنصف ومحمد خيري، كلهم كانوا من أمهر عازفي الكمان في مصر، وهم الضلع المشترك بين الفرقة الماسية وفرقة أم كلثوم، وعلى رأسهم الحفناوي بالطبع.
كانت الماسية نظامًا متكاملًا، عازفون على أعلى درجة من التوافق والالتزام والجدية، قادرون على قراءة النوتة، وبعضهم كان متخصصًا في كتابة نُوَت الألحان للعظماء مثل عبد الوهاب ورياض السنباطي، كل ذلك جعل الفرقة الماسية الأولى في مصر.
كان حلم كل عازف صغير أن يعمل مع الفرقة الماسية، إنه أعلى تكريم حقيقي لأي عازف، ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي بأكمله، فكانت الماسية تضم عديدًا من العازفين من سوريا والسودان ولبنان.
كان للفرقة دور مهم في تسجيل أغلب الأغاني الوطنية على مدار الثلاثين عامًا التي عملت خلالها. ما يحدث كان أن أعضاء الفرقة يجلسون في استوديو الإذاعة، ويبدأ المطربون والملحنون في الوفود عليهم، وفي لحظات قليلة تُوزّع النوت الموسيقية على الفرقة، فيبدؤون في العزف كأنهم مدربون عليها منذ فترة، وتذاع بعدها بقليل، ثم يدخل مطرب آخر وملحن جديد، وهكذا يتغير الصوت والملحن وتبقى بصمة الماسية في كل الأغاني الوطنية.
الماسية: مجاورة التاريخ المصري الفني
عملت الفرقة الماسية مع كل مطربي الصف الأول عدا أم كلثوم، فعزفت خلف عبد الوهاب وحليم وفايزة أحمد ووردة، وغيرهم كثير.
تعاملت الفرقة مع نوعين من الأغاني:
- أغانٍ سريعة: لا تحضِّر الفرقة لها، فقط تسجلها في الاستوديو بعد قراءة النوتة سريعًا
- أغانٍ لها بروفات: ستؤديها الفرقة «لايف» في حفلات موسيقية، لذلك تجد أهمية أن يجيد العازف قراءة النوتة.
وبسبب ذلك، كان مجدي الحسيني لا يعمل مع الفرقة في تسجيلات الاستوديو، لأنه لم يكن يجيد قراءة النوتة، وكان هذا سببًا كافيًا لاستبعاده في البداية، وعانى الحسيني من مشاكل كثيرة بسبب هذا، فكان يصعب عليه تحديد مكان الصولو الخاص به، أو كيف يتماشى مع باقي العازفين، لكن موهبته كانت سبب بقائه في الفرقة.
عملت الفرقة الماسية مع جميع مطربي الصف الأول عدا أم كلثوم بالطبع، فعزفت خلف محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد ووردة، وغيرهم كثير. ولِما كانت تتمع به من دقة في عزف اللحن دون أخطاء أو نشاز، وبصورة أقرب إلى الكمال، كان حلم كل مطرب أن تكون الماسية جزءًا من أغنيته، فهي بالطبع تُثقل اللحن وتُخرجه في أحسن صورة.
قد يهمك أيضًا: فرقة أم كلثوم: من أين تأتي كل تلك الموسيقى؟
بجانب عمل الفرقة الماسية مع النجوم المصريين، كان للفرقة الماسية دور مهم حقًّا في إثراء الوطن العربي بعديد من العازفين ذوي الخبرة والأساتذة الكبار، إما في التدريس أو في تكوين فرق موسيقية وقيادتها، حدث ذلك بقوة في بداية بزوغ دول الخليج الموسيقي
مرحلة الخليج
مع بداية السبعينيات، كان للموسيقيين نصيب كبير في السفر إلى الخليج، إما للعمل في الفرق الموسيقية هناك، أو لبناء فرق جديدة وتعليم العازفين، أو لتدريس الموسيقى، وبعض من سافروا إلى هناك كانوا يعملون في الفرقة الماسية.
برغم تغير الموسيقى واختفاء الشكل الطربي الذي يلزمه فرقة كالماسية، فإنها ستبقى أشهر وأهم فرقة في تاريخ الأغنية المصرية.
كان للماسية دور كبير في تسجيل الأغاني الخليجية في بداية السبعينيات، وعملت مع أغلب نجوم الخليج في وقتها، على رأسهم طلال مداح ومحمد عبده، وكان المطرب يأتي إلى القاهرة لتسجيل الأغاني مصطحبًا معه عازفي الإيقاع الخليجي فقط.
قدمت الفرقة أيضًا مقطوعات موسيقية عديدة، بعضها من تأليف قائدها أحمد فؤاد حسن، وكانت تُعزف قبل صعود المطرب على المسرح، وفيها تتضح مهارة العازفين.
رحل أحمد فؤاد حسن في بداية التسعينيات، وتفرقت فرقة الماسية بوفاة واعتزال أغلب مطربي وقتها، وتغيُّر الموسيقى واختفاء الشكل الطربي الذي يلزمه فرقة كالماسية.
انتهت الفرقة الماسية، لكنها ستبقى أهم فرقة في تاريخ الأغنية المصرية وأكثرها شهرة، وجزءًا لا يتجزء من أهم فترات الأغنية العربية.