وينك يا عازف عود: الثابت والمتحول لدى خالد الشيخ

عبد الوهاب سليمان
نشر في 2019/11/17

الكويت، في صباح يوم اﻹثنين 17 سبتمبر 2019، أعلن مركز الشيخ جابر اﻷحمد الثقافي عن موسمه الثقافي لعامي 2019-2020، عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف اليومية.

لعل الإعلان لم يكن حدثًا مهمًا ومرتقبًا بالنسبة لكثيرين، كقرعة بطولة دوري أبطال أوروبا على سبيل المثال. ومن بين الفعاليات المتنوعة كالمسرحيات وعروض السيرك والباليه واستضافة روائيين، شهدت فعالية واحدة تفاعلًا كبيرًا تردد حتى خارج الكويت، وتراوحت ردود الأفعال بين سرور ورغبة في معرفة تاريخ طرح التذاكر، وإثارة مشاعر الحنين، بل وحتى مشاعر الرفض الناتجة عن مرحلة حملت الكثير من التشويش بقدر الوضوح.

يظهر بطل الفعالية في إعلان خاص متربعًا على اﻷرض بأريحية، معتمرًا قبعة بيسبول لازمته والغترة في جميع صوره العامة وألبوماته وحفلاته وبرامجه، عدا مرة وحيدة في غلاف ألبومه الغنائي اﻷول عام 1983، وبين يديه ألبوم صور أمعن بالنظر فيه بطريقة لا تخلو من الحنين، ويستقر بجانبه العود، رفيقه اﻷثير، الذي بينهما علاقة تفسر جانبًا من استعارة عنوان كتاب أدونيس، فالعود ثابت في ألبوماته الغنائية وأعماله المسرحية والتلفزيونية، والمتحول هو فهم هذه اﻵلة وتطبيق مناهج متجددة في العزف والتأليف الموسيقي.

لم يخلُ عنوان الفعالية من إشارة إلى مكان مهم في مسيرة الضيف. بدأت العلاقة مع المكان في الجامعة، ثم عبر برنامج إذاعي شهير وشركة إنتاج فني بارزة وألحان لكبار الفنانين: مصطفى أحمد وغريد الشاطئ ومحمد البلوشي وعبد الله الرويشد. ويأتي حفل مركز الشيخ جابر اﻷحمد استمرارًا لخصوصية ذلك المكان في مسيرته. المكان هو الكويت، والعنوان: «خالد الشيخ، دفتر الكويت».

نحاول في هذه المساحة، بقدر المستطاع والمتاح، التعرف أكثر إلى خالد الشيخ، الذي كان من السهل الكتابة عنه لو كان العود رفيقه الوحيد، لكن رحلته ومغامراته المستمرة مرت وتمر رفقة آلات موسيقية أخرى ومجلات ثقافية قديمة اقتنص منها كلمات أشهر اﻷغاني التي أداها بنفسه أو غيره، وكتب الموسيقى وكتب الفلسفة من ماركس حتى سيوران، وقصائد الشعر التي تنوعت بين الصوفية والفصحى والنثر والحداثة، وأصدقاء وخصوم رافقوه في رحلة اﻹبداع والتحولات الفكرية والثقافية.

«عندما كنتُ صغيرًا»

في كتاب حمل اسمه وتناول سيرته، أعده الكاتب والمسرحي خالد الرويعي، يقول الشيخ: «عبثتْ بي شقاوتي إلى المبادرة وقيادة اﻵخرين في بيتنا أو خارجه، عجنت شخصيتي كالصلصال، ومثل باقي الشباب أغرتني الكرة، فركلتها، وغدت الشيء المهم في حياتي، هي حريتي وانطلاقي إلى عالم خارج أسوار البيت».

ولد خالد محمد الشيخ عبد اللطيف آل سعد في 23 سبتمبر عام 1958، في مكان وزمان حاسمين على صعيد وعيه الشخصي وفاقًا واختلافًا. الحيز الصغير من المكان هو منزل والده، سليل إحدى اﻷسر النجدية التي هاجرت للبحرين في الربع الأول من القرن الثامن عشر، وتولى أبناؤها التعليم واﻹمامة والقضاء، ومن أشهرهم الشيخ محمد بن سعد المتوفى سنة 1889، والقاضي عبد اللطيف آل سعد (جد خالد)، ووالده خريج جامعة اﻷزهر، الذي شغل منصب رئيس محكمة الاستئناف.

أما الحيز الكبير من المكان فهو حي الفاضل، أو فريج الفاضل في اللهجة المحكية، أحد أشهر أحياء العاصمة البحرينية المنامة. سُمي الحي نسبة إلى آل الفاضل، إحدى أسر العتوب التي تنحدر منها اﻷسرة الحاكمة، وقطنت الحي الواقع شمال شرق المنامة، وجاورتها أسر بحرينية وخليجية بارزة سياسيًا وتجاريًا واجتماعيًا وثقافيًا، ووُلد وعاش فيه شعراء مثل علي الشرقاوي وعبد الرحمن رفيع وغازي القصيبي.

دوَّن الشيخ على جدران بيته كلمات أغاني عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز وعبد الكريم عبد القادر.

في ما يتعلق بالزمان، كان سكان حي الفاضل يمارسون وعيهم السياسي والقومي، ونضالهم في سبيل بحرين عربية ومستقلة، في زمن صعود الخطاب القومي والانقلابات ومقاومة الاستعمار. خرجت من الحي أكبر مظاهرة في البحرين للتنديد بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. ويستذكر محيي الدين بهلول، أحد سكان الحي، تلك الأيام في لقاء صحفي، وكيف كان الجنود البريطانيون يتجولون في دوريات بأزقة حي الفاضل، ويعتقلون النشطاء السياسيين من أبناء الحي ومنهم عبد الرحمن الباكر وكثيرون.

يتحدث الشيخ، في لقاء مع زاهي وهبي عام 2001، عن جانب يرى أنه أسهم كثيرًا في حبه للغة العربية منذ الطفولة: عندما اصطحبه والده إلى «الكتاتيب» لحفظ وتجويد القرآن، إذ كان اﻷخير يريد لابنه البكر السير على خطى أسرته في تحصيل العلوم الشرعية أو تولي المناصب المدنية الرفيعة، وما جرى لاحقًا هو إصابة خالد بما أسماه في لقائه مع وهبي «فيروس الفن».

عن أول عهده بالموسيقى يقول: «سجلت اﻷغاني التي حفظتها، ودونتها في دفتري الصغير القديم الذي شكَّل ذاكرتي وعالمي الذي لم يمسك خيوطه أحد». ودون الشيخ في دفتره وعلى جدران بيته كلمات أغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز وعبد الكريم عبد القادر. وقلد غناء من استهواه من الفنانين: «اكتشفت امتلاكي قدرة غناء كلمات اﻷغاني بطريقة سليمة، مثلما التقطتها أذني، كما اخترقت إحساسي، كيفما سمعتها، ﻷنتقل بعدها من طور كتابة ما أسمع إلى طور كتابة الكلمات بدافع الموسيقى ذاتها، وليس بدافع أدبي أو تأليف شعري».

انتقل خالد من تدوين الكلمات وغنائها إلى امتلاك اﻵلات الموسيقية والعزف، وأهداه صديقه جاسم خيري أول عود اقتناه، وتعلم بالسمع عزف اﻷغاني المحببة إليه، وأولها «يمه القمر ع الباب» لفايزة أحمد.

«اقتنيت آلة العود، أخفيتها خارج البيت، لن يقهرها بشر، وتطور الموضوع، واشتريت آلة كمان أخفيتها هي اﻷخرى أسفل سرير والدي، ثم اشتريت طبلًا، فنشأ حينها مجتمع موسيقي في بيتنا، فمن أخواتي من طبَّل وزمَّر، ومن غنى، فكانت هواية للجميع، بعدها لحنت وموسقتُ أي كلام أغراني، واستعملت آلة التسجيل».

يسرد الشيخ في كتاب الرويعي نشاط الفرقة الصغيرة التي ألفها من إخوته، والتي كانت تجتمع في سفر والده، وتحل ذاتها بعودته. فلم يكتفِ بفرقة عائلية ارتهن نشاطها بسفر اﻷب، بل أسس رفقة أبناء الحي ممن يشاركونه حب الفن فرقة اتخذت من عشة توسطت ساحة خالية من بيته مقرًا لهم، وأسسوا مسرحًا صغيرًا في مساحة خالية لصيقة ببيته. يقول: «وفي غفلة من الوالد وأثناء سفره، نفذنا بعض المسرحيات ودعونا أولاد الحي لحضور العروض ومشاهدتها مقابل رسم دخول زهيد، تراوح ما بين 20 إلى 150 فلسًا (أو الروبية آنذاك)».

استمرت العروض حتى علم والد خالد بشأن العشة وحطمها، معربًا عن موقف حاد تجاه ما يستهوي ابنه البكر، الذي أخذ بالاشتراك في أنشطة الموسيقى في المدرسة الثانوية، وتلقى أولى الدروس الموسيقية في مدرسة جاسم العمران. يتذكر خالد كلمات أبيه له: «منذ نحو 200 سنة عاشت هذه العائلة في كنف دينها اﻹسلامي والتقوى والمحافظة على التزامها في أداء الشعائر الدينية اﻹسلامية، ومسيرك في هذا الاتجاه مرفوض، مرفوض البتة».

فسر الشيخ موقف والده بأنه لم ينبع من رفض الموسيقى نفسها، فأبوه وأعمامه لم يحرموا الموسيقى، وقد تعرف إلى أم كلثوم من والده الذي كان يملك اسطواناتها: «مشروع والدي لي لم يكن مشروعًا دينيًا، إنما وظيفة في السلك الدبلوماسي، أن أدرس العلوم السياسية والاقتصاد، ولا أخفيكم سرًا، كان نبع اهتمامه من الوجاهة ليس إلا، لذا خاف على مشروعه، ليس بسبب كرة القدم، وإنما بسبب الفن والموسيقى، إذ إن مستقبل هذا اﻷمر سيكون مزمنًا، وسيطرت على باله فكرة ضبط إيقاع الشاب، فإن لم يستطع منعي في هذا العمر من الشغف بالموسيقى، فإنه لن يستطيع ذلك مستقبلًا أبدًا». 

«كبر حبك على صدري»

أنهى خالد دراسته الثانوية صيف عام 1975، وشعر اﻷب بالانتصار عندما انتسب ابنه إلى جامعة الكويت لدراسة العلوم السياسية والاقتصاد، إذ لم تتأسس جامعة البحرين إلا عام 1986، حتى إنه حدث وزير خارجية البحرين آنذاك ليضمن لولده وظيفة في الوزارة فور تخرجه.

وصل الشيخ لجامعة الكويت وسط مناخ سياسي ملتهب، ونشاط مدني فاعل لم يترك الجامعة لتكون مجرد مكان للتأهيل الوظيفي، بل منصة فاعلة في اﻹسهام السياسي والمجتمعي. جاء خالد بعد عام ونصف من عقد أشهر ندوات الجامعة بالاشتراك مع جمعية الخريجين: «أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي»، التي حاضر فيها أدونيس والدكتور أحمد عبد الملك، وعقب شهور قليلة من نيل أحمد الربعي شهادة البكالوريوس في الفلسفة، وبينما يسير في أروقة الجامعة ومبانيها أساتذة مثل فؤاد زكريا وخلدون النقيب، وطلبة كويتيون وعرب نشطوا في العمل النقابي وأصبحوا لاحقا سياسيين بارزين، مثل خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس.

التقينا في «منشور» بالسيد محمد أشكناني، أحد طلبة جامعة الكويت آنذاك، الذي استرجع اﻷنشطة العديدة التي كانت تنظمها الاتحادات الطلابية، الكويتية منها والعربية، والتي تنوعت بين اﻷنشطة السياسية مثل الندوات والتظاهرات، والاجتماعية كالرحلات البحرية، والفنية كالحفلات الغنائية. وبرزت من تلك الاتحادات اتحاد طلبة البحرين في الكويت، بنشاطاته الاجتماعية والفنية المتعددة، وانشغاله بالهم السياسي في البحرين والوطن العربي، إذ كانت الكويت محطة مهمة للنشاط الطلابي البحريني بجانب بيروت والقاهرة وبغداد.

أدى الشيخ «سأغني يا فلسطين» و«يا نجوم الصباح البعيدة» عن ثورة ظفار العمانية، و«أخي أيها اﻹنسان» التي تمجد الطبقة العاملة المصرية إثر انتفاضة الخبز.

وجد الشيخ في جامعة الكويت مساحة لنمو حبه للموسيقى، وذكر في لقاءات عدة دور أشكناني في تعليمه قراءة النوتة الموسيقية بعد أن كان يعزف عن طريق السمع، وهو أمر علق عليه أشكناني بأن دوره بسيط فيه، ولكن «خالد وفي ﻷصدقائه».

استرجع أشكناني معنا التواصل اﻷول مع خالد الشيخ، وكيف جاءه اﻷخير ليثني على عزفه للبيانو في حفل نظمته جمعية العلوم السياسية والاقتصاد في حرم العديلية الجامعي. وتعددت اللقاءات بعد ذلك، إما في منطقة النزهة مكان سكن أشكناني، أو في سكن الطلبة بحرم الشويخ الجامعي محل إقامة الشيخ في الكويت.

في هذه المرحلة في حياة خالد، يبرز اسم الكاتب والناقد السعودي أحمد الواصل، الذي حاز الماجستير من جامعة اﻹسكندرية عن رسالة بعنوان «الخطاب الثقافي في الشعر المغنَّى: تجربة خالد الشيخ نموذجًا»، ونشرها في كتاب حمل عنوان «اﻷغنية السياسية في الخليج في تجربة خالد الشيخ - اﻷغنية، والعروبة، والالتزام».

يذكر الواصل تجارب غنائية تأثر بها الشيخ، مثل مارسيل خليفة وناس الغيوان والشيخ إمام، وتفاعل خالد مع طالبين آخرين هما أمينة أحمد ومحمد الجميري (شقيق الفنان أحمد الجميري)، مع الخطاب السياسي السائد لدى الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، والذي كان عنوانه اﻷبرز القضية الفلسطينية.

يطرح الواصل أمثلة على أغنيات أداها الشيخ، منها «سأغني يا فلسطين» و«يا نجوم الصباح البعيدة» عن ثورة ظفار العمانية، و«أخي أيها اﻹنسان» التي تمجد الطبقة العاملة المصرية إثر انتفاضة الخبز عام 1977، وذلك إما في جلسات خاصة سُجلت في سكن الشيخ، أو في حفلات نظمها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين.

سألنا السيد أشكناني عن أداء الشيخ لهذه اﻷغنيات، وما إذا كان اختيارها يعود لتحيزاته السياسية أم الفنية، فأجاب: «كانت أجواء الجامعة في تلك الفترة غنية بالأفكار السياسية والأيديولوجية، وقد تركت ظلالها على كل من عمل في الوسط الطلابي، ولم يكن خالد الشيخ استثناءً في تلك الأجواء، ولكن نزعته الإنسانية وحسه المرهف وتعاطفه الكبير مع المظلومين والمهمشين، هو ما دفعه في تلك الفترة إلى اتخاذ هذا المسار، ونجد أن خالد كان ولا يزال، في بحثه عن الكلمات المفعمة بالشعرية وخلق الجمل الموسيقية، يُفسح مكانًا للاعتبارات الفنية والجمالية والانسانية دائمًا».

واصل خالد تحصيله الدراسي والموسيقي، وأكمل ثلاثة سنوات في دراسة العلوم السياسية والاقتصاد. وازدادت في حينها تطورات تعلقت بالمشهدين السياسي والطلابي في الكويت والبحرين اشتباكًا.

في البحرين، وبعد حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور، صدر قانون ﻷمن الدولة عام 1975، واعتُقل بسببه المعارضون داخل البحرين، ومنهم أعضاء ومقربين من الجبهة الشعبية (التي يميل لها الشيخ سياسيًا)، مثل علي الشرقاوي وقاسم حداد. أما في الخارج، فلم يصدر تعاون صريح بين السلطات في البحرين والسلطات اﻷمنية في الدول التي تنشط فيها الاتحادات الطلابية البحرينية، ومنها الكويت، فكان الحل في تأسيس نادي البحرين بإشراف سفارات البحرين في الخارج، كيانًا طلابيًا موازيًا لاتحاد طلبة البحرين، لاستقطاب الطلبة في الخارج.

أما في الكويت، فقد صدر مرسوم بحل مجلس اﻷمة وتعليق العمل ببعض أحكام الدستور عام 1976، وعارضت جمعيات النفع العام، ومنها اتحاد طلبة الكويت، هذا المرسوم، وأصدرت بيانًا عامًا ضده. وكتب الصحفي علي حسين العوضي دراسة أوضحت أن الاتحاد الوطني لطلبة الكويت كان المتنفس الوحيد للقوى المطالبة بعودة الديمقراطية، خاصة بعد اتحاد قائمتي الوسط الطلابي والقائمة الديمقراطية، وخوض انتخابات الاتحاد في نوفمبر 1976 بقائمة واحدة (الوسط الديمقراطي)، وفوزها بـ13 مقعدًا من أصل 15، وكان الباقي منها من نصيب القائمة المعتدلة المدعومة من اﻹخوان المسلمين. 

يستعرض العوضي تصاعد الصراع بين الاتحاد وإدارة الجامعة التي أرادت تحجيم النشاط الطلابي، حتى صدر قرار تجميد أنشطة الاتحاد بُعَيد انتخاباته في يناير 1978. وكتب إبراهيم المليفي في «القبس» الكويتية عن ملامح الحركة الطلابية الكويتية ذاكرًا: «كشَّرت عمادة شؤون الطلبة عن أنيابها بتجميد أنشطة الطلبة في 1978 وباقي المنظمات الطلابية العربية، مع أول خلاف نشب بين الطلبة الكويتيين فقط، رغم أنه لا علاقة للمنظمات العربية به».

بطبيعة الحال، كان الاتحاد الوطني لطلبة البحرين أحد ضحايا القرار، ومعه الطلبة المشاركون في أنشطته، الذين جرى إبعادهم من الكويت، ووُزعوا على عدة مخافر للشرطة ليلة ترحيلهم، ومنهم خالد الشيخ، ولم يتأكد لنا إن كان للسلطات البحرينية أي تنسيق مع السلطات اﻷمنية الكويتية في ذلك اﻹجراء. 

ويبدأ خالد الشيخ فصلًا جديدًا مع رحلة الموسيقى.

«الحب اللي شلته في صدري حمام»

حمل الشيخ حبه للموسيقى، وامتنانه لمرحلة مهمة في تكوين وعيه الثقافي، وعاد بهما إلى البحرين. ثم أتته فرصة الدراسة في المعهد العالي للموسيقى «الكونسرفاتوار» في القاهرة، بدعم مالي من عمته دون علم من والده. 

يسترجع الشيخ، في كتاب الرويعي، هذه المرحلة التي تعرف خلالها إلى دواوين الموشحات واﻷزجال، وقبوله في المرحلة التحضيرية من المعهد (بما يعادل الصف ما قبل اﻷول ثانوي).

يقول خالد: «اندهش مَن أشرف على امتحان قبولي في المعهد بقرار ترك دراستي للعلوم السياسية والانتظام في مرحلة تحضيرية جنبًا إلى جنب مع من يصغرني سنًا، وعوضني عن ذلك قبولي طالبًا مستمعًا في المرحلة الثانوية تحت إشراف الدكتور جمال عبد الرحيم في قسم التأليف الموسيقي. كنت طالبًا مخلصًا للحلم الذي تمنيته طيلة عمري، وحولت اﻷوقات السعيدة لبعض زملائي البحرينيين ممن كانوا يدرسون الموسيقى في ذلك الوقت في القاهرة، إلى أوقات غير سعيدة بسبب إصراري على التعلم والفهم الموسيقي منهم، وأعتقد أنني لا أزال احتفظ بالصفات المزعجة إياها، لكن هذا الحلم انتهى بتركي مقاعد الدراسة في القاهرة بعد مضي عام، واضطراري للعودة ثانية إلى البحرين».

يتطرق خالد إلى أسباب مغادرته القاهرة في لقاء مع صحيفة «الحياة» يقول فيه: «فُتحت سفارة لإسرائيل في شارع محيي الدين أبو العز في منطقة الدقي بالقاهرة، وكان في تلك الأيام معارضة عربية لافتتاح سفارة إسرائيلية في مصر، وكنا مجموعة من الطلاب العرب نسكن في الشارع نفسه وتجاه مبنى السفارة، وكانت عليها طبعًا حراسة مشددة، وعندما كنا نمشي في الشارع كان الحراس ينظرون إلينا نظرة ارتياب وشك. صرت أتضايق شخصيًا من هذا الوضع، فغادرت مصر بعد السنة الأولى في الكونسرفاتوار وتابعت تعليم نفسي بنفسي».

عاد الشيخ إلى البحرين، وعمل في شركة ملاحة أجنبية لمدة تقارب خمس سنوات، ويتذكر سعادته بالمكافأة المالية التي نالها بعد تركه العمل هناك، وتخصيصه إياها لاستكمال دراسة الموسيقى بالتعلم الذاتي والانتساب لمعهد الموسيقى البحريني الخاص، الذي أسسه اﻷستاذ عبد الجليل شبر. وفي المعهد، كان تحول الشيخ من طالب تتلمذ على يد اﻷستاذ شبر، إلى مدرس متخصص يدرِّس آلة العود، وتحديدًا نظريات الموسيقى.

«إنها الفترة التي بذلت فيها مجهودًا كبيرًا كي أكون مقبولًا عند الطلبة، ليس كمدرس فقط، وإنما كموسيقي. تعلمت كل مناهج عزف آلة العود خلال تدريسي في المعهد، خصوصًا تلك التي اعتمدَتها المعاهد المصرية».

في تلك الفترة كان موقف الشيخ السياسي واضحًا في القضايا العربية، وأهمها القضية الفلسطينية، أما في الحرب العراقية الإيرانية فلم يصدر منه سوى تصريح وحيد أشاد به بشجاعة الجندي العراقي دون التطرق لصدام حسين، بسبب ما قد يكون من تعارض اليسار القومي مع حزب البعث، واليسار القومي هو التيار الذي ارتبط به خالد خلال دراسته في الكويت عبر الجبهة الشعبية، وهم حاضرين اليوم في البحرين عبر جمعية«وعد». أما في الشأن المحلي البحريني، فربما تسبب عمل الشيخ في إدارة التراث بوزارة الإعلام البحرينية في تجنيبه التطرق للشأن المحلي، ذلك عدا الانقسام بين القوى السياسية في البحرين بسبب أحداث المنطقة.

برزت نتائج الحراك الثقافي والاجتماعي في البحرين في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات عبر اﻹنتاج الفني، إذ شكَّل الفنان سلمان زيمان وآخرين فرقة «أجراس» عام 1980، واتخذوا من موضوعات كالحرية والأمل منطلقًا ﻷعمالهم. واتكأ محمد يوسف الجميري في أغانيه على الموروث الثقافي القروي للبحرين، كأغنية «ياللوز» التي لحنها الشيخ، المستوحاة من أهزوجة تتغنى بها البنات بثمار اللوز المرتبطة بقرى ومزارع البحرين.

في وسط ذلك الحراك الفني، زار إعلامي كويتي البحرين لملاقاة أصدقائه الذين حدثوه عن شاب موهوب ذي ذائقة مميزة في اقتناص الكلمات وتأليف اﻷلحان. والتقيا بالفعل خلال الزيارة في أحد الفنادق، وهو اللقاء الذي أعلن مرحلة جديدة في مسيرة البحريني الموهوب.

«لا بندر يوقفنا ولا مينا»

ظهر خالد الشيخ للجمهور عبر إذاعة البرنامج العام في الكويت، وتحديدًا في برنامج «استراحة الخميس» رفقة اﻹعلامي عبد الله المحيلان. نال البرنامج متابعة كبيرة منذ بداية بثه في منتصف ديسمبر 1982، وفيه غنى الشيخ لأول مرة أغنية «شويخ»، التي غناها لاحقًا أحمد الجميري.

وفي عام 1983، ظهر الشيخ ملحنًا ومؤديًا في كاسيت مرفق مع المجموعة الشعرية المشتركة لعلي الشرقاوي وفتحية عجلان «أفا يا فلان» و«شمس الظهاري»، وشارك أيضًا في كاسيت مرفق لمجموعة «عصافير المساء» لعلي عبد الله خليفة. وأصدر خالد ألبومه الغنائي اﻷول «كلما كنت بقربي» في العام نفسه، بعد أن تدبر المحيلان اللقاء بين الشيخ ويوسف الرفاعي، مالك شركة النظائر للإنتاج الفني، ليبدأ ما أسماه النقاد «المرحلة اﻷولى من الإنتاج الغنائي للشيخ»، وأتبعه بعد ذلك بثمانية ألبومات وعدة ألحان لكثير من الفنانين، منهم مصطفى أحمد وغريد الشاطئ وعلي عبد الستار وعبد المجيد عبد الله، وغيرهم.

التقى «منشور» بالموسيقي البحريني محمد حداد، الذي تحدث عن علاقته بموسيقى الشيخ، واسترجع علاقته بأسرته، وتحديدًا والده الشاعر قاسم حداد، وكيف كان خالد يرسل إليهم الأشرطة قبل نزولها اﻷسواق مكتوبًا عليها «ليس للنسخ»، سائلًا عن آرائهم.

يذكر حداد طريقة الشيخ في ترتيب اﻷغنيات في الألبوم، إذ كان الوجه الأول من الكاسيت يحوي ما يُعد «أغاني السوق»، والوجه الثاني يحوي الأغاني الفصيحة. سألنا حداد عن سمات اﻷغنية لدى الشيخ، فحددها باﻵتي:

  • تهذيب المفردة المحلية في اﻷغنية
  • تحرير الكورال من دور المرددين
  • تكريس اﻷغنية الفصيحة في كل ألبوم
  • «صولوهات» العود الجريئة والمتمردة عن السائد في الموسيقى الخليجية، والتي كان الشيخ يعزفها في الاستوديو، مثل أغاني «غيبة زمن» و«آن اﻷوان»

أما أنواع النصوص التي مَوْسقها الشيخ، فقد قسمها أحمد الواصل إلى:

«سبعة شهور»

المقال الذي تسبب في منع أغاني خالد الشيخ

لم يدُر في بال الشيخ عندما ذهب إلى إسبانيا ورفقته شابين كويتيين لتقديم حفل غنائي أن يقع احتلال العراق للكويت، ومن ثَم منع أغانيه في إذاعة وتلفزيون الكويت، بلد انطلاقته وإنتاجه الفني.

اتخذ قرار المنع في حينها مدير المنوعات في تلفزيون الكويت، إثر مقال للصحفية ليلى أحمد في جريدة «الرياض» (مارس 1991)، وفيه انتقدت ما أسمته صمت خالد الشيخ وعدم غنائه للكويت خلال الاحتلال.

تحدثنا في «منشور» مع ليلى أحمد، التي وصفت موقف الشيخ السياسي بما هو مُثبت عنه بعد التحرير. وقالت: «كان موقفه مع العراق في غزو الكويت على أن تتحقق القومية العربية، الحلم القديم. أيامها رُزق ببنت أسماها سماوة، على اسم إحدى المدن العراقية». وعلقت ليلى عن رغبتنا في الكتابة حول هذا الجزء من سيرة الشيخ بأن «تقليب الماضي في ما يجرح الكويتيين ليس أمرًا سليمًا».

لم تكن ليلى وحدها من كتب حول ذلك، فقد كتب آخرون منتقدين تسمية الشيخ مولودته سماوة، وهو أمر وضحه الشيخ في لقائه مع زاهي وهبي، إذ أكد أنه اتخذ قرار تسمية ابنته قبل الاحتلال، وأن الاسم يأتي من السمو. كان من هؤلاء الكاتبة الكويتية منى الشمري، التي تحكي لـ«منشور» عن توطد علاقتها بالشيخ لاحقًا، وكيف أن اﻷمور اتضحت لها، خصوصًا في ما يتعلق باسم سماوة، وأن الموضوع تبين أنه على عكس ما كتبت في حينه.

برر الشيخ عدم غنائه خلال الاحتلال بأن الحفلات التي نُظمت في وقتها جعلت من القضية مادة دعائية وحفلات لبيع الكويت على القمصان والحقائب، بينما تمثل الكويت بالنسبة له ما هو أسمى من ذلك. ويذكر محمد يوسف الجميري، في حديث مع أحمد الواصل الذي أشار إليه في كتابه، أن الشيخ ارتأى الصمت لتوقعه أن الغزو سيتعدى الكويت إلى دول أخرى، فكانت اللحظة بالنسبة لخالد لحظة صمت وترقب لا غناء.

شهد عدة فنانين من الكويت لصالح الشيخ، منهم عبد الله الرويشد بحسب مصدر لا يود ذكر اسمه. ويذكر محمد أشكناني، الذي كان على اتصال بالشيخ خلال الاحتلال، عن حجم الصدمة لدى خالد: «أتذكر كلماته جيدًا في ما معناه: هذه الكويت كبلدي تمامًا، أمام هذا الألم والغضب والحزن الذي يعتصرني، أبحث عن كلمات بحجم المأساة ومرارتها».

استمر المنع حتى عام 1996، رغم الشهادات والمعطيات التي تخالف الاستنتاج الذي أدى إليه، ومنها غناء الشيخ بعد التحرير، ودون مقابل، للطلبة الكويتيين الذي تابعوا دراستهم خلال الاحتلال في جامعة البحرين، وكونه ثاني فنان يستضيفه تلفزيون الكويت في أثناء التحرير بعد سعاد عبد الله، ووقتها أدى أغنية «سبع شهور» من كلمات الشرقاوي، التي وجد في كلماتها ما أراد قوله، وطرحها في ألبوم «غزالي» (1991) المتداول في أسواق الكويت رغم المنع في وسائل اﻹعلام الرسمية.

يطرح الواصل في دراسته أن خالدًا رأى في احتلال الكويت هدمًا للقضايا القومية «بوصفها أساطير مؤسِّسة انهارت لحظة غزو بلد عربي ﻵخر»، وذلك عبر ألبوم عطش النخيل (1992) وتحديدا أغنيتي «أصحابنا» و«ورد العصر». ففي اﻷولى، يلحظ الواصل أداء الشيخ المنفعل وغير المحايد، إذ «ذَوَى الأمل وكُشفَ الكذب» من قبل الذين انحازوا إلى صدام حسين ومنهم منظمة التحرير الفلسطينية. وأما في اﻷغنية الثانية «فيعيد الشيخ توظيف مجاز الورد، رامزًا إلى المثقف بوصفه شهيد الصراعات السياسية ومواقفها».   

بعد ألبوم «عطش النخيل»، اتخذ الشيخ قرارًا بالتوقف عن إنتاج الألبومات الغنائية.

«لك ماضي ولي ماضي»

«أنا لا أهمِّش عملي، وإنما أركز على التضارب وعدم الانسجام بين ما قدمت. هناك تضارب بين أغنيتي كمنجة (1986) وعيناك (1986)، وكذلك بين يَوّد عليه (1985) وأبيات غزل (1985)». كان هذا ما صرح به الشيخ في حواره مع علي المسعودي، الذي نُشر في مجلة «المختلف» عام 1998، عما قدمه في ألبوماته قبل التوقف، وحسم أمره بمراجعة نقدية لتجربته.

يقول في كتاب الرويعي: «توقفت مدة ست سنوات عن اﻹنتاج، المسافة الطويلة هي بمثابة العودة إلى أصولي وجذوري، هي العودة إلى عالم الموسيقى التي افتقدتها، ﻷبدأ بعدها بالمواظبة المنتظمة على تحصيل معلومات خاصة بعلم الكمبيوتر والاهتمام بالاطلاع المتعمق في نظريات الموسيقى العالمية». وخلال هذه الرحلة رافقته مكتبته المزدهرة بالمصادر والمراجع العربية واﻷجنبية، التي كونها منذ مراحل دراسته اﻷولى في القاهرة: «يشهد سور اﻷزبكية القديم على كم الكتب القديمة المستعملة التي ابتعتها وأغنيت بها مكتبتي الموسيقية».

كانت المقاربة بين الموسيقى واللغة من أهم ما توقف عنده الشيخ خلال تلك الفترة، إذ أعلن أن «إنتاج الموسيقى كان بدافع وجود شعر، الشعر بقوالبه المكتوبة عكس نفسه على الموسيقى، فكان لا بد أن تكون الموسيقى تابعًا»، مؤكدًا أن «الكلمة الموسيقية مرتبطة بالكلمة اﻷدبية، انفعال الجملة الموسيقية مرتبط بانفعال الجملة الشعرية، التصور النهائي للإيقاع في اﻷغنية هو التصور النهائي الموجود في القصيدة».

قدم الشيخ خلال توقفه عن إنتاج اﻷلبومات أغنية «لك ماضي» (1996) في الدورة الخامسة من مهرجان اﻷغنية العربية، وألحانًا لمطربين مثل عبد الله الرويشد: «لمني بشوق» (1995) و«تصور» (1996)، وأعمالًا موسيقية وغنائية للدراما التلفزيونية مثل «أولاد بو جاسم» (1994) و«ملفى اﻷياويد» (1995) من كلمات علي الشرقاوي. يقول خالد إن المسلسلات البحرينية «ساعدتني كثيرًا على تطوير المدى الحواري وتشكيل عباراتي، وبدأت أميل إلى التعبيرية في الجملة».

يستشهد المخرج أحمد يعقوب المقلة بأثر موسيقى الشيخ في اﻷعمال التي أخرجها: «الموسيقى التصويرية تحديدًا لم تكن مجرد موسيقى كمالية لسد فراغ في تلك اﻷعمال، بل كانت علامة مميزة أضافت الكثير من الحس الفني الرائع لها، وشكلت بطولة، وجاءت مكملة للحس الدرامي وداعمة للأداء التمثيلي، فمن منا لا يذكر الموسيقى التصويرية في مسلسل سعدون، الذي يعد التجربة اﻷولى والحقيقية بالنسبة لخالد الشيخ في وضع الموسيقى التصويرية».

وفي عام 1996، وصلت إلى الشيخ دعوة ﻹنجاز تعاون مؤجل منذ أوائل الثمانينيات.

«كأنه يسمع، كأنه يرى»

في كتاب «فتنة السؤال»، وفي إجابة لسؤال من الشاعر نوري الجراح، يقول قاسم حداد إن خالد الشيخ حاول ذات مرة أن يلحن أحد نصوصه من كتاب «قلب الحب» أوائل الثمانينيات، وكان قد قطع شوطًا في ذلك العمل: «اتصل بي ذات مساء وأسمعني على الهاتف قسمًا من العمل، ولكنه بعد قليل اعترف بأن اﻷمر ليس سهلًا، ﻷنه لم يحب ما أنجز، وقال: ربما لم يحن الوقت بعد».

لكن الوقت حان في عام 1997، إذ دُشن معرض ومشروع «وجوه» في المنامة، باقتراح من الفنان التشكيلي إبراهيم بو سعد على قاسم حداد، وبادر اﻷخير بدعوة الشيخ للاشتراك في العمل، الذي جمع بين التشكيل والنحت والشعر والتمثيل المسرحي والموسيقى والغناء.

أسهم الشيخ في تأليف موسيقى نصوص قاسم، وغنتها مجموعة من اﻷصوات مثل هدى عبد الله وباسل أحمد وغيرهما، ووزع في المعرض شريط كاسيت حوى النصوص بصوت أدونيس وبموسيقى الشيخ وأداء المجموعة. لاقى العمل الذي احتفى بالثقافة الرفيعة صدى تعدى المنامة مكان العرض، وتناولته الصحافة الثقافية العربية تحليلًا وحوارًا، وأبدى كثير من المثقفين إعجابهم بالمشروع، ومنهم الشاعر اﻷردني أمجد ناصر، الذي كتب أن مفاجأة «وجوه» الحقيقية هي البناء الموسيقي الفذ الذي قدمه الشيخ.

يؤكد قاسم، في معرض حديثه عن تعامل خالد مع نصوص العمل، أن الشيخ وجد في الاقتراح «اﻷفق الذي يسعى إليه منذ زمن طويل. فهو لم يكن غريبًا عن كتابتي عمومًا، ونصوصي الشعرية خصوصًا. لقد كان خالد الشيخ يقرأ شيئًا يتصل بالروح اﻹنسانية ويمس تجربتها في العمق». بينما كان رأي الموسيقي محمد حداد أن الشيخ «عندما دخل للنثر خلع عباءة الملحن، فظهر ثوب المؤلف الذي كان مختبئًا طوال الوقت».

بعد عام من تجربة «وجوه»، نال خالد تفرغًا رسميًا من الدولة، وكان أول مبدع بحريني ينال التفرغ، وتبعه بعد ذلك علي الشرقاوي وقاسم حداد، ليقرر العودة إلى إنتاج اﻷلبومات الغنائية.

«هجرك من المستحيل»

مرتديًا قميصًا وقبعة بيسبول سوداء، محتضنا العود وفي اﻷسفل اقتباس لقاسم حداد: «لا أعرف بالضبط ما أنا ذاهب إليه، ولكنني أدرك تماما ما أذهب عنه»، هكذا صدر غلاف ألبوم «مستحيل» (1998)، اﻷول له منذ «عطش النخيل» (1992). 

اختار الشيخ كلمات محمد أحمد السويدي، الذي كان يشغل آنذاك منصب اﻷمين العام للمجمع الثقافي ﻷبو ظبي، وهو خيار فسره محمد حداد بأن نصوص السويدي «قريبة من الفصحى، والتعامل معها يسمح بتطبيق رؤى الشيخ الموسيقية» في أغنيات مثل «لا خط لا هاتف» و«عذبة الصوت».

وصف علي عبد اﻷمير اﻷلبوم بأنه «عمل مجبول بكثير من الجرأة، إذ تأتي الصياغة الموسيقية المختلفة عن السائد خليجيًا وعربيًا من أغنيات». تلى «مستحيل» أربعة ألبومات أخرى: «مكان آمن للحب» (2000) و«رحلة الغجر» (2002) و«صباح الليل» (2004) و«اسمي وميلادي» (2005).

ومن أهم سمات النصوص التي تعامل معها الشيخ في ألبوماته بعد تخليه عن الموشحات واﻷزجال:

  • قصيدة النثر: ومنها أعمال طرحها الشيخ في «وجوه» ثم أعاد تنفيذها وإصدارها في ألبوماته، مثل «مكان آمن للحب» (2000) و«صباح الليل» (2004) لقاسم حداد

كتب الواصل في أطروحته عن اختيارات الشيخ لنصوص درويش، مشيرًا إلى أن خالدًا أراد أن يؤرخ غضبه من الموقف الفلسطيني الرسمي من احتلال الكويت (1990) واتفاقية أوسلو (1993) حين اختار غناء نص لحن غجري، وأنه «تجاوز في اختياراته من المرحلة الدرويشية اﻷولى في موضوعة التهجير والثانية موضوعة الهزيمة، نحو موضوعة احتلت مجموعاته الشعرية لاحقًا هي موضوعة الغياب».

«فشدا الكون وغرد»

توقف الشيخ بعد ألبوم «اسمي وميلادي» عن إنتاج اﻷلبومات الغنائية بسبب ما عزاه إلى «تغير ظروف اﻹنتاج الفني» وعدم اقتناعه بمعطياته مثل الفيديو كليب: «نحن لسنا راقصين، أعيدونا إلى أيام زمان وأوقفونا بجوار شجرة فقط». لكنه واصل تقديم ألحانه للفنانين، وقدم موسيقى ﻷعمال درامية، وشارك في التحكيم ببرامج المواهب الغنائية مثل «ذا إكس فاكتور» و«صوت الخليج»، ورفض تقديم أغانٍ مفردة (سنغل) ﻷنه، وفق تفسير محمد حداد «يحب المشروع أكثر من اﻷغنية».

تجلى حب خالد الشيخ للمشاريع الكبرى في عملين هما أوبريت «عناقيد الضياء» (2015) وحفل الدورة 12 من مهرجان سوق عكاظ (2018). ولا يزال الشيخ، الذي نال الشهادة الأصعب من والده قبل وفاته بأن سمع كلاما طيبًا عنه، يبحث عن مشاريع كبرى يطلق فيها فراشات مخيلته الموسيقية، فهل يكون «دفتر الكويت» أحدها؟

مواضيع مشابهة