حي بن يقظان، ألف ليلة وليلة: الفانتازيا العربية سبقت الغرب

روبنسون كروزو - الصورة: Currier and Ives

ندى حنان
نشر في 2017/10/27

متى وردت سيرة الرجل الخفي لأول مرة؟ من خطرت بباله فكرة التنقل عبر الزمن؟ هل نعرف من توقع صُنع طائرات في المستقبل؟ كيف فكر شخص عاش في زمن سابق، ولم يركب في حياته سوى بغل أو حمار أو جمل، أن بإمكان البشرية الوصول إلى كواكب أخرى؟ من ألَّف حكايات الخيال العلمي التي أسَّست لحاضرنا ومستقبلنا؟

أول ما يفعله العقل عند التفكر في هذه الأسئلة هو إحالتها إلى الغرب، وتجاهل ما جاء في كتب الأدب العربي والإسلامي القديمة مثل «ألف ليلة وليلة» مثلًا، الذي يحتوي مجموعة من الحكايات الشعبية كانت متداولة في عصر الإسلام الذهبي، ما بين القرنين الـ13 والـ18 الميلادي.

لا يمكن اعتبار هذه الإحالة بريئة تمامًا، فقد تعوَّد كثير من الناس النظر إلى «الغرب» باعتباره الموطن الأصلي لكل تفكير إبداعي وكل خيال خصب، لكن مسحًا سريعًا لتاريخ الآداب العربية والإسلامية سيشككنا بالتأكيد في هذه الفكرة.

نشر موقع «Aeon» مقالًا يستعرض مجموعة من هذه الأعمال، بعضها من التراث وبعضها حديث، ستساعدنا على رؤية نوع الأدب الخيالي الذي أنتجه العالم الإسلامي طَوَال تاريخه. يتجاوز «الأدب الخيالي» هنا حدود «الخيال العلمي»، ليشمل كذلك أنواع الأدب التي تتناول عوالم مستقبلية طوباوية، سواء كان تقدمها هذا علميًّا أو أخلاقيًّا.

للخيال أشكال أخرى

تخيُّل مرسوم لحي بن يقظان - الصورة: الحكواتي

لا يهتم الغرب، في الغالب، بالأدب الخيالي الناشئ في العالم الإسلامي، وبالتالي تغيب عن ذاكرته دور المؤلفين في هذه المنطقة في اختراع بعض الأفكار التي ينسبها إلى نفسه، أو على الأقل الاعتراف بمشاركتهم في تطويرها.

حبكة الرواية عربية «حي بن يقظان» تشبه قصة «روبنسون كروزو»، لولا أن الأخيرة سيؤلفها «دانييل ديفو» في القرن الـ18 لتصير واحدة من كلاسيكيات الأدب العالمي.

توسعت الإمبراطورية الإسلامية في عصرها الذهبي لتصل حدودها إلى أراضٍ بعيدة، وضمَّت ألسنة متباينة وثقافات مغايرة، فبرز دور الأدب في تناول مشكلة اجتماعية عصيبة واجهها الحكم آنذاك، إذ كيف يمكن لدولة واحدة أن تمزج بين تلك الشعوب المختلفة؟

جاء الفارابي في القرن العاشر الميلادي ليعرض رؤيته الخاصة للتعامل مع هذه الأزمة في كتاب «آراء أهل المدينة الفاضلة»، متأثرًا بكتاب «الجمهورية» لأفلاطون. تخيل الفارابي مجتمعًا فاضلًا يحكمه الفلاسفة المسلمون، ووضع نظام حكم مناسبًا لإدارة العالم الإسلامي.

انطبعت كتابات المفكرين المسلمين في هذا العصر بصبغة الفلسفة السياسية، وانشغلوا بالبحث في قيمة العقل بالنسبة إلى الإنسان، فظهرت الرواية عربية الشهيرة «حي بن يقظان»، التي تشبه حبكتَها قصةُ «روبنسون كروزو»، لولا أن الأخيرة سيؤلفها «دانييل ديفو» في القرن الـ18 وتتحول إلى واحدة من كلاسيكيات الأدب الغربي والعالمي.

تحكي الرواية الغربية عن الحياة الغريبة الحافلة بالمغامرات الصاخبة التي عاشها روبنسون كروزو، البحار القادم من مدينة يورك، والذي فُقد وحيدًا على جزيرة مهجورة لمدة 28 عامًا قرب السواحل الأمريكية.

يقدم مؤلف «حي بن يقظان» بُعدًا تأمليًّا للظروف والأحوال التي يمر بها البطل، ويجسد تجربة فكرية ذاتية تعكس ما يمكن لإنسان عاقل تعلُّمه مباشرةً من حياته في الطبيعة دون أي تدخل خارجي، فهناك طفل وحيد تربيه غزالة فوق جزيرة بعيدة، لا يعرف شيئًا عن الثقافات الإنسانية والأديان، يقضي حياته منعزلًا حتى يقابل أخيرًا أحد البشر، ليكتشف أنه أنتج وحده معرفةً تساوي ما بلغه أفضل المثقفين.

الجن في مواجهة الاستعمار

مؤلف رواية «فرانكشتاين في بغداد» يتحدث

طَرَق الخيال العلمي في العالم الإسلامي نواحٍ جديدة في أوائل القرن العشرين، وتحول إلى أداة لمجابهة الاستعمار الأجنبي، فخطَّ محمدو بيلو كاغارا، وهو كاتب نيجيري ينتمي إلى قبائل «الهوسا»، حلمه بالتغيير في روايته «غاندوكي» عام 1934. عاش غاندوكي، بطل الرواية، في عالم موازٍ، فيه الجن وغيره من المخلوقات الروحانية جنبًا إلى جنب مع البشر، ويقاتل السكان الأصليون الاستعمار بضراوة.

برزت السخرية من الأوضاع السياسية في مؤلفات الخيال العلمي بعد ذلك بعقود، خصوصًا عندما ضعفت القوى الاستعمارية. فترى هذه السمة بارزةً في رواية «إكسير الحياة»، على سبيل المثال، التي صدرت في عام 1974 للمفكر المغربي محمد عزيز الحبابي، وفيها يُكتشف سر الخلود، لكن بدلًا من أن تعم السعادة الناس، تنشب أعمال الشغب، ويبدأ الصراع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، ويتفكك المجتمع.

ظهرت في الآونة الحالية مؤلفات خيالية أكثر تشاؤمًا وأشد ظلامًا من سابقاتها، وتعتبر رواية «فرانكشتاين في بغداد»، للكاتب العراقي أحمد سعداوي، تمثيلًا لهذا الاتجاه. تدور أحداث الرواية في أعقاب غزو العراق عام 2001، فيُصنع مسخ متوحش من أعضاء ضحايا النزاعات العِرقية والدينية، ويبدأ في الثأر لهولاء الموتى الذين يتكون جسده من أعضائهم، وتحمل الأحداث في طيَّاتها كثيرًا من الإسقاطات على الواقع، وتُبرز حماقة الحرب التي تودي بحياة الأبرياء.

النساء قادمات: أدب خيالي نسوي

الكاتبة البنغالية رقية سخاوات حسين - الصورة: Md. kamrul hasan

عرف المسلمون الكتابة النسوية للخيال العلمي كذلك، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى عمل رقية سخاوات حسين، الناشطة والكاتبة البنغالية، رواية «حلم السلطانة» عام 1905، التي تدور أحداثها في مملكة أسطورية تحكمها النساء، إذ تشتعل ثورة تستعين فيها السيدات ببراعتهن العلمية للتغلب على الرجال، فيسود السلام المملكة.

في الرواية، تلاحظ «سلطانة»، التي كانت غريبة على المجتمع النسوي المعكوس، سخرية الناس منها، ثم تشرح لها مرشدتها:

  • تقول النساء إنكِ تتصرفين كالرجال
  • أتصرف كالرجال؟ ماذا يقصدون بذلك؟
  • يقصدون أنكِ خجولة ورقيقة مثلهم

تشعر سلطانة بالفضول فتسأل:

قد يهمك أيضًا: كيف أصبحت نسوية نكدية؟

هل الخيال العلمي العربي الحديث امتداد لميراثه؟

الكاتب السعودي ياسر بهجت يتحدث عن أدب الخيال العلمي العربي

انشغل بعض كُتَّاب العالم الإسلامي في الفترة الأخيرة بهذا النوع من الأدب، فنُشر مزيد من الأعمال التي تعزز هذا الاتجاه، مثل رواية «أجوان» في عام 2013 للكاتبة الإماراتية نورة النومان، التي تسرد قصة امرأة فضائية شابة تحارب للوصول إلى ابنها المخطوف. تحولت الرواية، التي انشغلت بقضايا اللاجئين والتلقين السياسي، إلى مسلسل أنيمي باسم «Ajwan: A Space Saga».

اقرأ أيضًا: «الأنيمي»: لمحة من تاريخ الرسوم المتحركة في اليابان

ربما تستدعي قصة التطور الطويلة لأدب «الخيال العلمي» العربي والإسلامي مزيدًا من الاهتمام لم تلقَه.

كذلك، تعاون الكاتبان السعوديان إبراهيم عباس وياسر بهجت لإخراج أول رواية خيال علمي في المملكة باسم «حوجن»، أثارت جدلًا واسعًا لما تناقشه من مواضيع حساسة، مثل العلاقة بين الرجل والمرأة والتعصب الديني والجهل، وقدم الكاتبان تفسيرًا «خيال علمي» لوجود الجن، الذين يعيشون في بعد فيزيائي موازٍ.

وفي روايته «يوتوبيا»، يصور الكاتب المصري أحمد خالد توفيق بلاده عام 2023، حيث تحتمي الطبقات الراقية في مجتمعات محصنة بأسوار، وتعزل نفسها عن باقي الناس بعد انهيار مصر.

ويبدو تأثر طابع الخيال العلمي بما يُطلق عليه «الربيع العربي» في رواية «الطابور» للكاتبة المصرية بسمة عبد العزيز، إذ نرى البطل «يحيى»، المصاب بطلق ناري، يقف منتظرًا في طابور مكتظ بالبشر أمام بوابة لمدة 114 يومًا حتى يحصل على تصريح لممارسة حياته.

لكن هذا النوع من الأعمال الحديثة يطرح سؤالًا مهمًّا: هل يمكن إيجاد علاقة تجمعه بميراث الأدب الخيالي العربي الأقدم؟ أم أنه يمثل تعريبًا حديثًا للخيال العلمي الغربي المعاصر منقطع الصلة بماضيه؟ وكيف يمكن تفسير حضور الجن جنبًا إلى جنب مع سفن الفضاء في هذا النوع من الأدب؟

ربما تستدعي قصة التطور الطويلة لأدب «الخيال العلمي» العربي والإسلامي مزيدًا من الاهتمام، لم تلقَه بسبب افتراض ساذج مفاده أن هذا النوع من الأعمال مستورد ببساطة من الخارج.

مواضيع مشابهة