بثقة وخطوات ثابتة، يدخل آدم ابن التسعة أعوام مرتديًا بدلته الرسمية إلى معهد الموسيقى في منطقة الإسعاف وسط القاهرة، حاملًا طبلته على كتفه، استعدادًا للصعود إلى المسرح لعزف المقامات التي تعلمها على يد معلمه سعيد الأرتيست، عازف الإيقاع الشهير، في حفل يشاركه فيه كثير من كبار العازفين وزملائه الشباب.
«النهارده هعزف مقسوم على الشنبر، وبعدين هقول مقسوم على الدمام، وبعد ما أخلص هعزف مقسوم على السقفة». بتلك الكلمات يصف آدم ما سيعزفه على المسرح خلال الحفل الذي يقوده سعيد الأرتيست.
«تالتة ابتدائي»
كلما سُئل آدم عن عمره، تزوغ عيناه باحثتين عن رد، ثم تأتي الإجابة: «أنا في تالتة ابتدائي».
يرقص الطفل الصغير «التنورة» بجانب عزفه للإيقاع، وبدأ ذلك فور أن شاهد والده مصطفى يرقص مع فرقة الفنانة عايدة الأيوبي، ثم تطور الأمر داخله بعد أن بدأ أبوه يصطحبه إلى البروفات والحفلات التي يقدمها في المناسبات وعلى المسارح المختلفة، لتبدأ لاحقًا مرحلة مشاهدة رقصات التنورة على يوتيوب وتقليدها، بشكل طالما راقبه الأب.
«التنورة وإلا...»
طلب آدم من والده أن يرقص التنورة فرفض، فامتنع الصغير عن الذهاب إلى الحضانة وساءت حالته النفسية، وهنا اضطر الأب إلى قبول رغبة الابن، فجلب له تنورة صغيرة، ارتداها آدم وظل يدور بها، وكلما سقط على الأرض حاول مرة أخرى، حتى اعتاد عليها وصار قادرًا على الدوران.
«اتعلمت من أستاذ سعيد حاجات كتير، لكن الوقفة على المسرح محدش علمهاني».
صعد ابن التسعة أعوام المسرح، وقدم إلى جوار والده عديدًا من عروض التنورة في الأفراح والمناسبات المختلفة، وأمطره كثير من الحاضرين بكلمات المحبة والإعجاب.
يحكي آدم لـ«منشور»: «كانوا بيقولوا لي إنت شاطر، وكنت ببقى مبسوط باللي بيقولوه». وبحسب عازف الإيقاع الصغير، كانت والدته أيضًا تشعر بسعادة جَمّة بما يحققه طفلها يومًا بعد يوم: «ماما بتيجي تتفرج عليّا، ولما بقدِّم العروض بتاعتي بتقول لي إنت شاطر».
«الوقفة على المسرح محدش علمهاني»
نشر والد آدم صورة لطفله مرتديًا جلبابًا وعِمامة وممسكًا بطبلة على فيسبوك، فشاهدها عازف الإيقاع سعيد الأرتيست، وكتب معلقًا: «نفسي أشوفك وأسمعك»، فأرسل إليه الأب رسالة موضحًا أن طفله لا يعزف الإيقاع بشكل احترافي، بل «يلعب» فقط على الآلة.
لكن بعد مكالمة هاتفية في الثالثة صباحًا بين الأب والأرتيست، انضم آدم إلى ورشة عمل لعزف الإيقاع في معهد الموسيقى، يحاضرها سعيد، ومن هنا بدأ التعارف بين الصغير ومعلمه، صاحب لقب «أول الإيقاعيين في الشرق الأوسط».
«اتعلمت من أستاذ سعيد الأرتيست حاجات كتير، زي السامبا، والمقسوم، والملفوف الراي، وحاجات تانية كتير، لكن الوقفة على المسرح محدش علمهاني، والحوار الموسيقي بيني وبين أستاذ سعيد على المسرح بنتدرب عليه قبل العرض». بتلك الكلمات يلخص آدم علاقته بمعلمه سعيد، التي يتخللها كثير من الود والحنان الأبوي يظهر في عيني معلمه.
«مِن جاوِر السعيد يسعد»
«في بعض الأحيان، قبل أن أصعد المسرح، أقول له بتحدٍّ يفهمه جيدًا: يا أنا، يا إنت».
يخشى الأب أن يتعرض صغيره لمساوئ مجال الفن، لكن ما يُطمئِنه هو وجود آدم مع معلمه صاحب المسيرة المشرفة، بحسب قوله. يضرب الوالد مثلًا يراه مناسبًا لوصف وجود طفله بجوار سعيد الأرتيست: «مِن جاوِر السعيد يسعد».
مع استمرار آدم في ورشة معهد الموسيقى، ضمّه سعيد إليه في حفل بدار الأوبرا المصرية، ثم جمعتهما حفلات أخرى غيرها: «أنا رُحت مع عم سعيد الأوبرا، وإسكندرية، والقلعة». ليس هذا فحسب، ففي المناسبات الدينية، يفتتح آدم ووالده الحفلات برقصة التنورة جنبًا إلى جنب.
«يا أنا، يا إنت»
حين شاهد آدم على المسرح للمرة الأولى، شعر أبوه بفرحة عظيمة، كان بجواره طوال الوقت.
يحكي الوالد أنه حين يجمعهما حفل واحد، «أسبقه في الصعود إلى المسرح، لأنني أعلم جيدًا أنه سيخطف ضوء الكاميرا مني، حتى إن كنت إلى جواره. وعند نزولي من المسرح أقول له بتحدٍ: على فكرة أنا طلعت وكسّرت الدنيا، فيا تطلع وتثبت نفسك، يا خلاص. وفي بعض الأحيان، قبل أن أصعد المسرح، أقول له بتحدٍّ يفهمه جيدًا: يا أنا، يا إنت».
«التنورة والطبلة نشاط مدرسي»
يمارس آدم رقص التنورة وعزف الإيقاع كنشاط مدرسي، في مدرسة صلاح الدين الخاصة بمنطقة بولاق الدكرور في القاهرة.
يوضح أبوه لـ«منشور» أن آدم يشارك في حفلات المدرسة وكذلك في المسابقات، مثل مسابقة «مواهب» التابعة لمديرية الجيزة التعليمية التي ستبدأ قريبًا، ويتمنى الأب أن يصعد آدم للمنافسة على مستوى المحافظة لرفعه اسم مدرسته.
«لم يشاهدوني مع منى الشاذلي»
بصوت يملؤه الشجن، يروي آدم أن زملاءه في المدرسة لم يشاهدوه حين ظهر في برنامج «معكم منى الشاذلي»، مشاهدة والدته وشقيقاته وباقي عائلته للحلقة عوّضته، ودعّمه أكثر احتضان والدته له عقب عودته إلى المنزل، وتزيين وجهه بقبلة حنون.
«مينفعش أبطل»
بحماس يعلن آدم، عازف الطبلة وراقص التنورة الصغير: «مينفعش أبطّل لا التنورة ولا الطبلة، لأنهم مهمين. بحب الاتنين ومينفعش أسيبهم، وده مايمنعش إن الدراسة كمان مهمة».