يبدو أنه يمكن للرجال من ذوي البشرة البيضاء أن يفعلوا أي شيء ويفلتوا من المحاسبة.
هذا هو الدرس المرعب الذي تلقَّته النساء مؤخَّرًا، إذ رأينا دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة يعترف في أحد برامج محاكاة الواقع بتحرشه جنسيًّا بزميلة له، إلى جانب تورطه في فضائح أخرى تتضمن الإساءة إلى النساء، ومع هذا انتخبه الشعب الأمريكي رئيسًا للبلاد بعد أسابيع من تلك الحوادث.
من المؤسف أن الساحة الفنية تضم أمثلة مخيفة كثيرة لإساءة معاملة المرأة، إذ يواجه فنانون بيض اتهامات بالتحرش بالنساء والإساءة إليهن، ومع هذا يظل نجمهم ساطعًا لا يخبو، وهو ما سلطت عليه الضوء «سادي دويل» في مقالها لموقع (Elle).
فنانون يواجهون تهم الإساءة إلى النساء
كُشف مؤخرًا أن المخرج والكاتب الإيطالي «برناردو برتولوتشي» (Bernardo Bertolucci) والممثل والمخرج الأمريكي «مارلون براندو» (Marlon Brando) اعتديا على الممثلة الفرنسية «ماريا شنايدر» (Maria Schneider) في أثناء تصوير مشهد اغتصاب في فيلم «Last Tango in Paris».
ظهر كذلك شريط مسجَّل للممثل والمخرج الأمريكي «ميل غيبسون» (Mel Gibson)، وهو يعنِّف صديقته بشدة ويقول لها إنها ستكون المسؤولة إذا تعرضت للاغتصاب، قبل أن يهددها هو نفسه بالقتل والاغتصاب. وفي حفل الأوسكار، رأينا غيبسون، الذي تخطى الستين، يجلس في الصف الأول ليشاهد فيلمه (Hacksaw Ridge) يحصد جائزتين، في حين يفوز «كيسي أفليك» (Casey Affleck) بجائزة أحسن ممثل.
فوز أفليك بالأوسكار يمنحه أدوارًا أكثر ويسلط عليه الأضواء.
وأفليك، لمن لا يعرف، متهم بإرهاب زميلات له في أثناء تصوير فيلم وثائقي ساخر بعنوان (I'm Still Here)، ويواجه اتهامات بسبب وصفه زميلاته بأنهن «بقر»، كما أصرَّ على أن تشاركه إحدى الموظفات غرفته في الفندق، وعندما رفضت بعث إليها بسيلٍ من الرسائل البذيئة.
وغير ذلك، ادَّعت سيدة أنها استيقظت ذات مرة لتجده بجوارها في السرير، وأنها حين طردته من غرفتها جلب زملاءه من فريق العمل ليتحرشوا بها حتى اضطُرت إلى الاستقالة.
قد يعجبك أيضًا: شبح «كلام الناس» يطارد النساء في العالم العربي
تألق مهني وجوائز أوسكار رغم الإساءة للمرأة
تضيف كاتبة المقال أن المحزن في الأمر ليس أن أفليك فاز، فالجائزة في حد ذاتها لن تؤذي في شيء، غير أن فوزه بالأوسكار سيعطيه دفعة مهنية كبيرة، تمنحه عددًا من الأدوار مستقبَلًا وتسلط عليه الأضواء أكثر من ذي قبل. وكلما ازداد توهُّج الفنان باتت فرصته في الهروب من المسؤولية أكبر، ويعني هذا أن فرص النساء اللاتي آذاهن ستكون أقل في أن يجدن من يصغي إليهن.
الأمر أكبر من مجرد امرأة أو اثنتين، فما يحدث سينعكس على كل النساء اللاتي يقعن فرائس لتحرش الرجال. وقد تبدو هذه التوقعات مبالِغة في التشاؤم، لكن تاريخًا طويلًا يقف شاهدًا على أن المؤسسات الفنية تقبل الأعمال التي يؤديها رجال غير صالحين.
لنضرب مثلًا بالممثل والمخرج البولندي «رومان بولانسكي» (Roman Polanski)، الذي اغتصب طفلة في الثالثة عشرة من عمرها واعترف بذلك أمام المحكمة، غير أن أحدًا من مسؤولي الأوسكار لم يعتبر ذلك عائقًا أمام فوزه بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه (The Pianist)، ولا منعت جريمته وقوف الحضور جميعًا للتصفيق عند إعلان فوزه، بمن في ذلك الممثلة «ميريل ستريب» (Meryl Streep).
كذلك خرج الممثل «هاريسون فورد» (Harrison Ford) والابتسامة تغطي ملامح وجهه ليتسلم الجائزة عن بولانسكي، بسبب تعذر حضوره الحفل لإدانته باغتصاب الطفلة، هكذا كما لو كان الأمر عاديًّا.
«جوني ديب» و«شون بين» متهمان بالعنف الأسري ورُشِّحا للأوسكار.
ليس بولانسكي استثناءً، بل إن الممثلة «كيت بلانشيت» (Cate Blanchett) حاولت في عام 2014 أن تصور فوزها بأوسكار أحسن ممثلة عن فيلم (Blue Jasmine) للمخرج «وودي آلين» (Woody Allen)، على أنه انتصار للمرأة، لكن «ديلان فارو» (Dylan Farrow)، ابنة وودي آلين المتبنَّاة، كانت قد نشرت للتوِّ خطابًا مفتوحًا في جريدة «نيويورك تايمز»، أعادت فيه اتهام أبيها باغتصابها حين كانت في السابعة من العمر، كما ذكرت في رسالتها أن إشادة الممثلين بوالدها في المهرجانات تسبب لها صدمة.
حالات اعتداء كثيرة على النساء قد تكون أقلَّ خزيًا، منها مغني الراب الأمريكي «إمينيم» (Eminem)، الذي كان يسيء إلى زوجته ويهددها كثيرًا ومع هذا حصلت أغنيته (Lose Yourself) على أوسكار أفضل أغنية أصلية عام 2003.
اتهامات العنف الأسري تطول مرشحين كثيرين للأوسكار، مثل الأيرلندي «مايكل فاسبندر» (Michael Fassbender)، والممثل والمنتج الأمريكي «جوني ديب» (Johnny Depp)، والممثل الأمريكي «شون بين» (Sean Penn) الذي فاز بجائزة أحسن ممثل مرتين.
اقرأ أيضًا: 3 مشاهير احتقروا النساء وعظَّمتهم الجماهير
فصل الفن عن الفنان.. فقط لو كان أبيض البشرة
لا يزال القائمون على الأوسكار يصرون على «فصل الفن عن الفنان» حين يتعلق الأمر فقط بالرجال البيض الذين يؤذون النساء، وخير دليل على ذلك فوز كيسي أفليك بالجائزة في نفس العام الذي ظهرت فيه الاتهامات ضده، فلجنة الأوسكار لم تتعلم في ما يبدو من حالة الضيق التي صاحبت فوز آلين وبولانسكي من قبل.
إن الدعوة إلى فصل الفن عن الفنانين ستكون نبيلة بحق إذا ما طُبِّقت على الجميع لا على بيض البشرة فقط، فواقع الأمر أن التعامل مع اتهامات الإساءة إلى المرأة يجري بانتقائية، فحين انكشف ماضي الاعتداءات الجنسية للمخرج الأسود «نيت باركر» (Nate Parker) في 2016، فشل فيلمه (The Birth of a Nation) وتحول إلى شخص منبوذ.
يتحجج كل من يريد لأمثال أفليك وبولانسكي وغيبسون أن يظلوا موجودين في صناعة السينما بأن عزلهم اعتداء على الفن والثقافة، وأن الأصل في الجرائم أن تفصل فيها المحاكم لا البلاتوه.
غير أن نجاح أفليك وسواه يعني أنه تحول إلى سلعة قيِّمة لمن يعملون معه، وأن الإصغاء إلى الاتهامات الموجهة إليه من شأنه أن يقلل أرباح المنتجين والقائمين على الصناعة، وهذا يعني بالتالي أن ضحاياه هو وغيره سيُجبَرن على العمل معه رغم ما يمثله ذلك من خطر عليهن، إن صحَّت الاتهامات الموجهة إليه.
قد يهمك أيضًا: أبرز الأفلام التي تناولت حياة وقضايا المرأة العربية
احذروا عُزوف النساء عن مجال صناعة الأفلام
في النهاية ستُضطر هؤلاء الضحايا إلى ترك العمل، وقد تعزف النساء عن مجال صناعة الأفلام، لأن استمرارهن في المهنة لن تحكمه موهبتهن، بل قدرتهن على استيعاب تصرفات رجال يحتقرون المرأة، وعلى الانصياع لرغبات رجال غير أسوياء.
تضيف كاتبة المقال أنه كان يمكن أن تذهب الجوائز التى نالها أفليك وغيبسون وبولانسكي لغيرهم لو أننا حرمناهم منها نتيجة سلوكهم غير الأخلاقي، وحينها قد يكون من بين الفائزين نساء أكثر استحقاقًا لها، فحتى هذا التاريخ لم تفُز بأوسكار أحسن مخرجة سوى امرأة واحدة هي «كاثرين بيغلو» (Kathryn Bigelow).
حين نتغافل عن الإساءة إلى المرأة، فإننا نرسل رسالة مفادها أن معاناتهن أقل أهمية من فوز رجل أبيض بجائزة عن عمل قدمه، وبهذه الطريقة فنحن في سبيلنا لأن نخسر الفن الذي تقدمه هؤلاء النساء.