ماذا يقول العلم.. عن قوة الدين والصلاة في الشفاء من المرض؟
ماذا نعرف حقًا عن قوة الصلاة في مساعدة الناس عندما يكونون مرضى؟.. سؤال تم طرحه على الدكتور روبرت كليتزمان، وهو طبيب نفسي ومدير برنامج الماجستير في الأخلاقيات الحيوية في جامعة كولومبيا ومؤلف كتاب "دكتور، هل تصلي من أجلي؟ الطب والقساوسة وشفاء الشخص بالكامل".
ويقول الدكتور روبرت في هذا الشأن، بصفتي طبيب متدرب، عالجت ذات مرة امرأة شابة مصابة بسرطان الثدي النقيلي، وكانت عيناها الزرقاوان المتلألئتان تنظران إليّ كل صباح بأمل، لقد بذلت قصارى جهدي من أجلها طبياً، ولكن للأسف انتشر سرطانها إلى أبعد من ذلك، أصيبت بحمى مستمرة وغثيان، وسرعان ما أصبحت نادراً ما تلقي نظرة عليّ عندما أدخل غرفتها، كانت في أغلب الأيام ترقد على جانبها، منهكة، ووجهها متجه إلى الحائط.
تشير الأدلة إلى أن وجود معتقدات روحية أو دينية قوية، مهما كان تعريفها، يمكن أن يساعد نفسيا في مكافحة المرض والتعامل معه
ويضيف الدكتور روبرت في حديثه لصحيفة واشنطن بوست: "كانت هذه المريضة كاثوليكية، وفي أحد الأيام، لاحظت أن أحد القساوسة بدأ يزورها، وبعد أسبوع، عندما دخلت الغرفة، نظرت إلي مرة أخرى وابتسمت، شعرت أنها شعرت بارتباط متجدد بشيء يتجاوزها.. لسوء الحظ، توفيت بعد شهر، لكنها بدت أقل يأسًا، لقد عرض عليها كاهنها شيئًا لم أستطع أن أفعله".
مساعدة روحية
تساعد الديانة والروحانية والصلاة العديد من المرضى، ولكن بطرق مختلفة، حيث يشعر المرضى المصابون بأمراض خطيرة وأسرهم عادة بالخوف واليأس، ويصلون إلى تقدير المعتقدات الدينية والروحية.
وجد استطلاع رأي أجرته وكالة أسوشيتد برس ونورك في عام 2023، أن 72 في المائة من الأميركيين يؤمنون بقوة الصلاة، كما ارتبط حضور الخدمات أو المناسبات الدينية مثل الصلاة بانخفاض خطر الوفاة والانتحار وتعاطي المخدرات، وانخفاض الاكتئاب.
هناك أبحاث لم تؤكد أن ما يسمى بالصلاة الشفاعية أو قيام الآخرين بالصلاة من أجل مريض، حتى لو لم يكن المريض على علم بذلك، يمكن أن يغير بشكل مباشر العمليات البيولوجية في جسم المريض
ويقول الدكتور روبرت، لقد قمت مؤخرا بإتمام دراسة معمقة مبنية على مقابلات مع قساوسة المستشفيات من مناطق مختلفة من البلاد وخلفيات دينية مختلفة ـ بما في ذلك المسيحيون واليهود والمسلمون والعلمانيون، وقد أظهر هذا البحث مدى أهمية القضايا الدينية أو الروحية بالنسبة للعديد من المرضى وأسرهم، وكيف يساعد رجال الدين في كثير من الأحيان بطرق لا حصر لها.
لماذا تساعدنا الروحانية والصلاة؟
يضيف الدكتور روبرت: "إن بعض الادعاءات المتعلقة بالدين والصحة غير صحيحة وقد تكون مؤذية، فقد أخبرني بعض المرضى: "تقول أختي إنني لو صليت أكثر لما أصبت بالسرطان".
ويعتقد بعض الناس أن الله يتسبب بطريقة أو بأخرى وبشكل مباشر وعن قصد في شفاء المرض. وبصفتي طبيب متدرب، فقد رأيت أيضًا مرضى سرطان تجاهلوا العلاج الفعال، واختاروا الصلاة بدلاً من ذلك، حتى مع انتشار المرض في أجسادهم، والآن لا نستطيع أن نفعل الكثير من أجلهم، باستثناء جعلهم يشعرون بالراحة أثناء وفاتهم.
الصلاة الشفاعية
يعتقد بعض الناس أن ما يسمى بالصلاة الشفاعية ـ قيام الآخرين بالصلاة من أجل مريض، حتى لو لم يكن المريض على علم بذلك ـ يمكن أن يغير بشكل مباشر العمليات البيولوجية في جسم المريض، ولكن الأبحاث لم تدعم هذا الادعاء بشكل عام.
في تجرية قامت بها جمعية القلب الأميركية على 3000 شخص وجدت أن من يمارسون الصلاة يحققون المقاييس الرئيسية لصحة القلب المثالية
ولكن الأدلة تشير إلى أن وجود معتقدات روحية أو دينية قوية، أياً كان تعريفها، يمكن أن يساعد نفسياً في مكافحة المرض والتعامل معه، وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن تؤثر بها الصلاة والإيمان على صحة المريض وفق ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية:
• تغيرات الدماغ:
تظهر الأبحاث في مجال علم الأعصاب أن المعتقدات الدينية أو الروحية القوية ترتبط بأجزاء أكثر سمكًا في الدماغ، مما يوفر احتياطيات عصبية يمكن أن تحمي من الاكتئاب واليأس.
• الغرض:
الدين والروحانية، بالمعنى الواسع، يوفران إحساسًا بالمعنى والغرض والأمل.
• المعنى:
يأتي العديد من المرضى للبحث عن مصادرهم الخاصة للمعنى أو بناء هذه المصادر، وقد يكون ذلك من خلال الإيمان التقليدي أو الإيمان بالفن أو الشعر أو العلوم أو الرياضيات أو الطبيعة أو الكون.
ويذكر الدكتور روبرت أن أحد المرضى، قال له إنه "ليس متدينًا.. لكنه أضاف أنا أؤمن بالقانون الثالث للديناميكا الحرارية: لا يمكن إنشاء الطاقة ولا تدميرها؛ بل إنها تستمر في شكل آخر".
• الدعم الاجتماعي:
تقدم المجموعات الدينية والروحية أيضًا دعمًا اجتماعيًا وتفاعلات قيمة، ولا يلزم أن تكون هذه المجموعة دينية، يمكن أن تكون مجموعة يوجا أو ناديًا للقراءة أو مجموعة مناقشة على فيسبوك حول هاري بوتر.
وجد استطلاع رأي أجرته "وكالة أسوشيتد برس ونورك" في عام 2023 أن 72 في المائة من الأميركيين يؤمنون بقوة الصلاة في الشفاء من الأمراض
الصلاة وفوائد التأمل
تقول دراسة نشرت في المجلة الهندية للطب النفسي، إن الصلاة تعتبر شكلاً خاصًا من أشكال التأمل، وبالتالي قد تنقل جميع الفوائد الصحية المرتبطة بالتأمل، ولقد ثبت أن أنواعًا مختلفة من التأمل تؤدي إلى تغييرات نفسية وبيولوجية مرتبطة فعليًا أو محتملًا بتحسين الصحة.
حيث وُجِد أن التأمل يُنتج انخفاضًا كبيرًا سريريًا في ضغط الدم أثناء الراحة وكذلك أثناء الحركة، ويقلل من معدل ضربات القلب، ويؤدي إلى مزامنة القلب والجهاز التنفسي، ويغير مستويات الميلاتونين والسيروتونين، ويكبح انتقال النبضات العصبية الغلوتاماتية القشرية المخططية، ويعزز الاستجابة المناعية، ويقلل مستويات أنواع الأكسجين التفاعلية كما تم قياسها من خلال انبعاث الفوتونات فائقة الضعف، ويقلل من التوتر ويعزز حالات المزاج الإيجابية، ويقلل من القلق والألم ويعزز احترام الذات ويكون له تأثير إيجابي على جودة الحياة بشكل عام والروحية في مرحلة المرض المتأخرة.
الصلاة ومعايير القلب السليم
في دراسة أخرى، أجريت على ما يقرب من 3000 بالغ أمريكي من أصل أفريقي ونشرت في جمعية القلب الأميركية، تقول أن أولئك الذين ذكروا أنهم قاموا بالصلاة بشكل متكرر و"الشعور بحضور الله"، كانوا أكثر عرضة لتلبية المقاييس الرئيسية لجمعية القلب الأمريكية للصحة القلبية الوعائية المثلى، مقارنة بآخرين أفادوا بمشاركة أقل في الشعائر الدينية أو عدم وجود مثل هذه المعتقدات.
ويشير الباحثون إلى أن هذا هو أول دليل على أن المعتقدات الدينية القوية والروحانية قد يكون لها تأثيرات مفيدة على صحة القلب لدى الرجال والنساء الأمريكيين من أصل أفريقي.
أولئك الذين لا ينتمون إلى أي دين يمكنهم أن يجدوا معنى وهدفاً في حياتهم وهم يتعاملون مع المرض أو نهاية الحياة عبر المشي إلى نهر أو بحيرة أو قمة تل والاستمتاع بجمالها، وفق ما يراه الدكتور روبرت كليتزمان
وتقول الدكتورة لابرينسيس سي بروير، وهي مؤلفة رئيسية للدراسة وخبيرة في أمراض القلب الوقائية وأستاذة مساعدة في الطب في مايو كلينيك في روتشيستر بولاية مينيسوتا: "يتعين على المتخصصين في مجال الصحة والباحثين أن يدركوا أهمية التأثيرات الدينية والروحية في حياة الأميركيين من أصل أفريقي ـ الذين يميلون إلى التدين الشديد، ومع وضع المعتقدات الدينية والروحية في الحسبان في نهجنا، فقد نتمكن من تحقيق اختراقات كبرى في تعزيز العلاقة بين المرضى والأطباء وبين أفراد المجتمع والعلماء لبناء الثقة والتفاهم الاجتماعي والثقافي بين هذه الفئة من السكان".
ماذا لو أن الصلاة ليست من اهتماماتي؟
يقول الدكتور روبرت، لقد رأيت أن الصلاة تساعد العديد من المرضى نفسياً حيث يلجأ بعضهم لدعاء السكينة بالقول: "اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما".
ولكن أولئك الذين لا ينتمون إلى أي دين يمكنهم أن يجدوا معنى وهدفاً في حياتهم وهم يتعاملون مع المرض أو نهاية الحياة، ويجد بعض المرضى، على سبيل المثال، أن المشي إلى نهر أو بحيرة أو قمة تل والاستمتاع بجمالها، أو الجلوس في حديقة، مفيد.
وفق دراسات علمية فقد ارتبط حضور المناسبات الدينية المتمثلة في الصلاة بانخفاض خطر الوفاة والانتحار وتعاطي المخدرات وانخفاض الاكتئاب
يمكنك أيضًا ممارسة التأمل واليقظة الذهنية، ركز انتباهك بهدوء على تنفسك، أو على شيء واحد، مثل ما يشعر به كل جزء من جسمك.
يخصص بعض المرضى لحظات من اليوم للتعبير عن امتنانهم لكل ما لديهم، مثل الأشخاص الذين يحبونهم.