مصر في كأس العالم: أشياء تنتهي قبل أن تبدأ
منذ المباراة الودية أمام الكويت والأمور واضحة بصورة كبيرة. مع غياب محمد صلاح انكشف «اللا أسلوب» المصري في اللعب، والشُّح الهجومي غير المبرر أمام منتخب متواضع كرويًّا يخضع اتحاده الكروي لعقوبات صارمة من الاتحاد الدولي لكرة القدم منذ ثلاث سنوات، بينما عضويته فيه مُعلَّقة.
خرجت الكويت من الدور الأول لآخر بطولة خليجية في 2017 محققةً نقطة واحدة من تعادل سلبي أمام الإمارات، وبخسارتين أمام السعودية وعُمان. لكن ما الذي كان ينقص السيد «هيكتور كوبر» في جميع مبارياته كي يجرب اللعب بطريقة هجومية، أو يسجل أهدافًا تضمن له الفوز أمام منتخب يحمل مثل تلك النتائج الضعيفة للغاية، ويعمل تحت ظروف توقف النشاط الكروي؟
تؤدي المقدمات الخطأ إلى نتائج خطأ، وانتظار نتيجة مغايرة جراء تكرار نفس الأفعال أدعوه بشيء من التحفظ: سذاجة.
كوبر: خطة قتل كل ما هو ممكن
يلعب كوبر بطريقة ثابتة لم تتغير. لا يوجد أي سيناريو لحالة استقبال هدف أو أكثر، وهو ما لا يضعه في الحسبان مطلقًا كما يبدو، لا من مبدأ الحذر، ولا على سبيل التأهب للعودة في المباراة إذا فشل الحذر في منع الكارثة بالرغم من أنها تحدث كل مرة بنفس الطريقة: من داخل منطقة الست ياردات نتيجة كرة عرضية، هنا يُجري تبديلاته الروتينية المعتادة: إخراج تريزيغيه وإدخال رمضان صبحي، إخراج عمرو وردة/النني وإشراك كهربا أو العكس، وفي حالة وجود مروان محسن أساسيًّا، فإن كهربا يصبح بديلًا له.
في الغالب يحتاج كوبر لمواجهة فرق بمستوى الكونغو أو أوغندا فقط كي يصنع نتائج إيجابية، نظرًا إلى الشح الهجومي الذي يفشل معه الفريق المصري في إكمال هجمة مرتدة بطريقة صحيحة، في ظل الوجود الأساسي لصانع اللعب عبد الله السعيد البطيء للغاية، لكن هذه ليست مشكلة كبيرة بالنسبة إلى صانعي اللعب.
المشكلة في تأخر قرارات السعيد بالتمرير وخسارته الكرة بسهولة أمام المدافعين، حتى إن السيد كوبر قد جرَّبه أكثر من مرة كبديل لصلاح، في حين أنه يفتقد أحد أهم مميزات صلاح، أي السرعة.
حتى مع وجوده في مركزه المعتاد صانعًا للعب أمام روسيا، تسبب السعيد في تعطيل المرتدات، وفي فوضى منتصف الملعب الحاصلة بسبب أن كل لاعبي الوسط ذوو مهام دفاعية خالصة، وليسوا مؤهلين لنقل الكرات بدقة من الدفاع إلى الهجوم أو للتقدم في المرتدات.
لم نطلب من السيد هكتور اللعب بطريقة زيدان مع ريال مدريد في دوري الأبطال، ولا نملك الغباء الكافي كي نطلب ذلك.
طارق حامد يدافع بصورة جيدة كادت تكون ممتازة في المباراة الأولى ضد أوروغواي حتى الإصابة، مع استمرار أخطاء تمركز حجازي وعلي جبر خصوصًا في الكرات الثابتة، بينما يظل دور النني في الملعب مجهولًا، وتستمر معاناته بين التراجع دون أي أثر دفاعي إيجابي (شاهدَ النني كل الأهداف المسجلة ضدنا عن قرب دون حراك)، والتقدم كلاعب وسط دون أي مهمات هجومية واضحة، أو حتى مهمات ارتكاز. أشياء كهذه جعلت النني الذي نراه في المنتخب مخالفًا تمامًا للنني الذي نراه مع آرسنال.
أما عن عبد الله السعيد مرة أخرى، فيبقى صانع اللعب المتألق فقط أمام الفرق المتواضعة في الدوري المصري الممتاز، الدوري الذي انخفض مستواه كثيرًا في الأعوام السابقة تحت تأثير غياب الجمهور.
نحن لم ولن نطلب من السيد هكتور اللعب بطريقة زيدان مثلًا مع ريال مدريد في دوري الأبطال، ولا نملك الغباء الكافي كي نطلب ذلك. لكن بالرغم من عدم كوني خبيرًا، فإنني كمشجع أعرف عن كرة القدم شيئين لا ثالث لهما تقريبًا إلا استثناءات:
- فريق يهاجم ويلعب بطريقة مفتوحة
- فريق يدافع ويصنع هجمة مرتدة
هناك نموذجان مثاليان لذلك، فريقان من مدينة واحدة هما الأنجح في أوروبا الآن: ريال مدريد وأتلتيكو مدريد بالطبع. عندما تكره طريقة ريال مدريد المفتوحة في الهجوم، فإنك لا تملك سوى تقليد أتلتيكو مدريد المنضبط دفاعيًّا، والذي يلعب على المرتدات.
ريال مدريد أو برشلونة أو مانشستر سيتي، أتلتيكو مدريد أو مانشستر مورينيو، عليك أن تقلد أحد هؤلاء. أولًا لأنهم الأفضل، وتقليد الأفضل يؤدي على الأقل لأن تكون جيدًا، وثانيًا لأنه ليست هناك كرة قدم غير ذلك. أنا مرة أخرى لست خبيرًا في كرة القدم، لكن هذه هي الكرة بالنسبة إليَّ. هناك استثناءات بالطبع، لكنها لن تحدث هنا والآن لأنك لست زيدان أو غوارديولا أو سيميوني (الأرجنتيني بالمناسبة)، لكن مع ذلك عليك التعلم منهم.
لا شيء لديك لتخسره
المكسيك وآيسلندا فعلتا كل شيء تقريبًا كان على المنتخب المصري فعله ولم يفعله.
خسارة ألمانيا أمام المكسيك قد تعلمنا أشياء كثيرة، أهمها أنه حين لا يكون لديك شيء لتخسره، فإن التحلي ببعض من الجرأة التكتيكية والشجاعة والتحضير النفسي اللازم للاعبين لدفعهم إلى اللعب بندية، كل ذلك قد يمكِّنك من هزيمة الماكينات الألمانية بعد وضعها تحت ضغط قليلًا ما نراها خاضعة له.
اعتمد المكسيكيون على الهجمات المرتدة التي سجلوا منها هدف الفوز، ولعبوا بطريقة منظمة في الدفاع، وتجنبوا خسارة الكرة في منتصف ملعبهم بأقصى صورة ممكنة. انطلقوا بسرعة في المرتدات لاستغلال المساحات المفتوحة قبل تدارك الدفاع الألماني لنفسه.
نفس الشيء فعله الآيسلنديون تقريبًا أمام الأرجنتين، مع مراعاة التفوُّق الألماني بالطبع وخط الوسط (أقوى خط وسط تقريبًا في البطولة)، والأخطاء التكتيكية الملحوظة لدى الأرجنتين في حالة المقارنة بين المنتخبين.
المهم أن المكسيك وآيسلندا فعلتا كل شيء تقريبًا كان على المنتخب المصري فعله ولم يفعله. قد يبرر بعضهم ذلك بأن المكسيك تشارك للمرة الـ17 في كأس العالم، لكن ماذا عن آيسلندا التي تشارك للمرة الأولى؟
مصر، وأوروغواي، والسعودية: يحسبه الظمآن ماء
لم نواجه ألمانيا. لعبنا ضد أورغواي، وقدمنا أداء يحسبه الظمآن ماء. لكن الحقيقة التي اختفت عن أعيننا ربما بسبب مفاجأتنا بأننا خسرنا بهدف واحد فقط، هي أنه لولا تألق رجل المباراة الحارس محمد الشناوي كنا سنخسر بالأربعة أو الخمسة.
هناك أخطاء كثيرة ارتكبها اللاعبون، أحدها على حدود المنطقة، وكاد «كافاني» يسجل منه أحد أهدافه الكثيرة التي ضاعت أمام براعة الشناوي، فيما كان «سواريز» (الذي أتيحت له فرص قاتلة في ظل الاهتزاز الدفاعي وسوء تمركز حجازي وجبر) منعدم التركيز تقريبًا. لم يقدم سواريز موسمًا كبيرًا كمواسمه السابقة مع برشلونة، واستمر ذلك حتى المباراة الأولى في كأس العالم. لم يسجل أمامنا من وضعيات كان سيسجل منها بنسبة 100% لو كان في مستواه المعتاد.
رغم ذلك سعدنا بالأداء الذي لم يتمكن معه لاعبو أوروغواي، في الغالب، من معرفة ما إذا كان مروان محسن مهاجمًا أم لا إلا من خلال ارتدائه الرقم 9.
مروان مهاجمنا الوحيد الحائر الذي كان موجودًا أمام مرمى الشناوي أكثر من وجوده أمام مرمى خصومه. تبرير ذلك يأتي بعودته القريبة من الإصابة برباط صليبي، وهو الذي لم يكن مستواه مع ناديه (الأهلي المصري) مبهرًا حتى قبل الإصابة، بل كان عاديًّا وشحيحًا في الأهداف.
بينما تبقى الأسئلة مطروحة حول عدم استدعاء صلاح محسن، مهاجم الأهلي واللاعب الأغلى في تاريخ الدوري المصري، الذي لم يتعرض للتجريب في مباراة ودية، وحول أسماء أخرى مميزة لم تُجَرَّب، ولو في مباراة واحدة.
سجلت السعودية واحدًا من أعلى معدلات التسديد في البطولة الحالية إن لم يكن أعلاها: 23 تسديدة مقابل 7 تسديدات فقط لمصر.
أمام السعودية تأكدنا أن السيد كوبر لم يكن ليغامر بفتح اللعب أمام منتخبات كبيرة بالفعل كأوروغواي، أو منتخبات أوهَمَنا وأوهَم لاعبيه بأنها كذلك، كروسيا، ليس فقط لأنها منتخبات كبيرة، بل لأنه لا يملك على أرض الواقع (أنا هنا أحكم على الواقع لا النوايا) أي رؤية هجومية تُمكِّنه من التسجيل أمام منتخبات مُكافِئة أو حتى أصغر. انكماش المنتخب المصري في نصف ملعبه فتح اللعب أمام الهجوم السعودي الذي لم يلعب تقريبًا في المباراتين السابقتين، وظهر فجأة بقوة وبغزارة في التسديدات أمام الدفاع المصري.
مررت السعودية 641 تمريرة، بينما تمريرات مصر بلغت 360. لديهم ما يقرب من ضعف عدد التمريرات. استحواذ السعودية أمام مصر بلغ 64% مقارنةً بـ39% نسبة استحواذ للسعودية أمام روسيا.
أما عن التسديدات، فقد سجلت السعودية واحدًا من أعلى معدلات التسديد في البطولة الحالية إن لم يكن أعلاها: 23 تسديدة مقابل 7 تسديدات فقط لمصر.
سبع تسديدات، ومن المفترض أنك تلعب لأجل الفوز أمام منتخب وَصَفه كل المحللين المحليين والدوليين بـ«الساذج» بعد مباراته الأولى أمام روسيا. أنقذتنا سذاجة الفريق السعودي بالفعل من خسارة تاريخية، لأنه إذا حدث وامتلك لاعبوهم دقة معقولة في التسديد، فإن 30% فقط كانت كفيلة بتسجيل من ستة إلى سبعة أهداف في شباك الفريق المصري. يدافع السيد كوبر بـ11 لاعبًا، وبـ10 في وجود صلاح، ولم يزل يدرك أن ذلك غير كافٍ كي لا تتلقى شباكه أهدافًا.
ربما كان الأداء ضد أوروغواي إقناعًا وهميًّا بأن شيئًا يتحسن، لأننا لم نخسر بثلاثية كما حدث أمام بلجيكا في الودية الأخيرة.
يُستَهلك لاعبو الوسط والهجوم المصري بدنيًّا في الدفاع، وبالتالي ينهارون في الشوط الثاني كما حدث خلال المباريات الثلاثة في دوري المجموعات، بينما يتحرر دفاع الخصم من الضغط في وسط ملعبهم، وبالتالي يتمكن من نقل الكرات بدقة وتركيز إلى الهجوم، أو التحكم في إيقاع المباراة وتضييع الوقت على الفريق المصري.
ما الذي كان ينقص السيد كوبر كي يحفز لاعبيه نحو الهجوم أمام فريق استقبلت شباكه ستة أهداف في مباراتين، خمسة منها في مباراة واحدة؟ ما الدافع للخوف أمام السعودية؟ ما الفائدة أو الحكمة الغائبة عنا من تمركز رأس الحربة الوحيد في المنتخب حول دائرة الوسط، أو حتى تغطيته الدفاعية أكثر من اللازم؟
خطة كوبر: أشياء تنتهي قبل أن تبدأ
ربما كان الأداء ضد أوروغواي إقناعًا وهميًّا بأن شيئًا يتحسن لأننا لم نخسر بثلاثية كما حدث أمام بلجيكا في الودية الأخيرة قبل المونديال. لكن مباراتنا أمام روسيا، حتى في وجود صلاح المتأثر بالعودة من الإصابة، وضعت النقاط على الحروف، وأعادت التعريفات الصحيحة.
خطة السيد كوبر مع منتخب مصر ليست هجومية، وليست دفاعية، وليست شيئًا على الإطلاق. إنها أشياء كالتي يفعلها رمضان صبحي أمام بلجيكا منفردًا بالمرمى، أو محمود عبد الشافي أمام أوروغواي، أو تريزيغيه أمام السعودية. أشياء مثل ركل الكرة بفوضوية وحماقة في أي نقطة حول المرمى، أو إرجاع الكرة مرارًا من أمام منطقة جزاء الخصم إلى طارق حامد في الوسط، أو إلى حجازي وعلي جبر في الدفاع. أشياء تنتهي قبل أن تبدأ.
ما الذي يجعلنا مقتنعين بأن كوبر حقق نتائج جيدة وأهَّلنا لنهائي إفريقيا وكأس العالم، وليس بأن صلاح من فعل؟
خطة السيد كوبر «لَخْبَطَة تجريبية» تبحث من خلالها عن لاعب واحد: صلاح، أو تريزيغيه في غيابه. لم يكذب المشجعون المصريون حين وصفوا تلك الخطة بأنها «باصي لصلاح»، الذي سيتكفل بالباقي كما تكفَّل به تمامًا في بطولة الأمم الأخيرة، وفي التصفيات. أما في حالة غياب صلاح، فإن الخطة تتحول إلى «باصي لتريزيغيه».
لكن المشكلة أن تريزيغيه ليس هدافًا كصلاح، وللأسف ليس مارادونا كي يمر من بين ستة لاعبين ويسجل هدفًا، المشكلة أن صلاح لاعب قد يُصاب كما حدث بالفعل، وقد يتقدم مستواه وقد يتراجع حتى في الظروف العادية.
الأرقام المبكرة جدًّا، حتى قبل بداية المونديال، تقول إن مجموع أهدافنا في خمس مباريات ودية هدفان، الأول لصلاح أمام البرتغال، بينما في غياب صلاح سجلنا هدفًا واحدًا في أربعة وديات كان من نصيب أيمن أشرف، في الدقائق الأخيرة أمام الكويت.
أول أهدافنا في المونديال كان لصلاح في الجولة الثانية أمام روسيا، وثاني وآخر أهدافنا في المونديال كان لصلاح أيضًا، وهو يقدم أضعف مستوياته.
ما الذي يجعلنا مقتنعين حتى الآن، أو واثقين إلى هذا الحد، بأن السيد كوبر حقق نتائج جيدة وأهَّلنا لنهائي الأمم الإفريقة وكأس العالم، وليس بأن صلاح فعل؟ احذف صلاح في «فورمته» الجيدة من منتخب مصر تصبح النتيجة «صفرًا». احذف صلاح من تشكيلة الـ23 لاعبًا التي ذهبت إلى روسيا تجد النتيجة «صفرًا».
بطريقة أو بأخرى، سيسعد عشاق الكرة حول العالم بأن الفرق التي تلعب بذلك الأسلوب، أو «اللا أسلوب»، في العادة ترحل مبكرًا كي تتركهم يستمتعون بنوعين من الفرق لا ثالث لهما، يصلان عادةً إلى الأدوار المتقدمة: النوع الأول يُمتِع لأن لديه كثير ليكسبه، بينما الثاني يُمتِع أيضًا لأنه ليس لديه شيء ليخسره. إلى أي نوع تنتمي مصر كوبر؟
أمين حمزاوي