مو عادي: لماذا تتقبل المرأة العربية عنف الرجال؟
هل سبق لك أن تحدثت مع فتاة تحكي بشكل اعتيادي عن حادث عنف تعرَّضت له وكأنه جزء من حياتها اليومية؟ هل تابعت مشهدًا تليفزيونيًّا أو قرأت خبرًا عن عنف ضد امرأة وبدت لك المسألة مقبولة أو معتادة؟ هل سمعت بامرأة تؤمن أن من حق زوجها أن يضربها؟
هذا التطبيع هو ما نتناوله هنا، التطبيع مع العنف كجزء عادي من حياة كل فتاة عربية.
مو عادي.. ماتسامحيش
يتربى الذكر المسلم في بيئة تعطيه حق ضرب المرأة بشكل شرعي.
«يزي ما تسكتيش .. اتكلم»، «وري تونس»، «ماتسامحيش»، حملات تونسية أُطلقت لمناهضة العنف ضد المرأة، تدعو فيها النساء في تونس مثيلاتهن لعدم السكوت وكشف آثار العنف وعدم مسامحة الفاعل وفضحه، إذ تذكر إحصائيات وزارة المرأة في تونس أن أكثر من 47% من النساء التونسيات تعرضن لأحد أنواع العنف، 87.1% منهن تعرضن لعنف نفسي، و47.4%من التونسيات تعرضن لعنف جنسي، و41.2% تعرضن لعنف جسدي.
في الكويت، نظمت جمعية سوروبتمست حملة مشابهة تحت عنوان «مو عادي»، لمناهضة اعتيادية العنف ضد المرأة وحثها على الرفض.
قالت الجمعية، في إحصائية أرسلتها إلى «منشور»، إن 60% من المشاركات ذكرن أنهن تعرضن للعنف في حياتهن. وشكَّل العنف اللفظي النسبة الأكبر بما يقارب 83% من العنف الذي تعرضن له، يليه العنف النفسي بنسبة 70%، ثم الجسدي بنسبة 48.5%، ثم المالي بنسبة 18%، وأخيرًا العنف الجنسي 17%.
تبيَّن أن غالبية المعتدين من الذكور بنسبة %48، يليها بنسبة 44% العنف المنفَّذ من كلا الجنسين، أما العنف من الإناث فتشكل نسبته 5% فقط.
في المملكة العربية السعودية، أطلقت مجموعة من طلبة الماجستير في جامعة الملك سعود حملة ضد العنف تحت عنوان «العنف ضعف».
تتكرر النسب العالية والحملات المضادة للعنف في كل الدول العربية تقريبًا، مثل حملة «كوني» في مصر، وحملة «وعاشروهن بالمعروف» في البحرين، وحملة الستة عشر يومًا من المناهضة للعنف في السودان، فكيف وصلت الأرقام والحملات إلى هذه الأعداد المخيفة؟
اقرأ أيضًا: المأساة الجنسية في العالم العربي
ألف باء تاء: ألف اضرب
هل يمكنك تخيل سلوك الذكور الذين يولدون ويتربون على يد نساء يؤمنَّ بحقهم في ممارسة العنف الجنسي والجسدي والنفسي؟
«فيه حاجات ماتجيش غير بالضرب»، هذا هو رد الشيخ محمد متولي الشعراوي على مسألة ضرب الزوجة.
يتربى الذكر المسلم في بيئة تعطيه حق ضرب المرأة بشكل شرعي، يتفق في ذلك السنة والشيعة، ويفسر ذلك بعض رجال الدين بأن الضرب المشروع لا بد أن يكون خفيفًا لا يؤذي ولا يترك أثرًا، لكنهم يتجاوزون الأذى النفسي الذي يسببه الضرب وإن لم يترك أثرًا على الجسد، ويهملون المهانة التي يشعر بها إنسان مُعنَّف، وكيف يؤثر ذلك في تقدير الذات والروابط الأسرية.
لا يتبنى وجهة النظر هذه «رجال» الدين وحدهم، وإنما تبشر الداعيات المسلمات أيضًا بالضرب كجزء من حق الزوج إذا خرجت زوجته دون إذنه أو امتنعت عن معاشرته، في مطالبة مرعبة بأن تتحول اللحظة الحميمية بين الأزواج إلى عملية اغتصاب تحت التهديد بالضرب.
هل يمكنك تخيل سلوك الذكور الذين يولدون ويتربون على يد هؤلاء النساء اللاتي يؤمنَّ بحقهم في ممارسة العنف الجنسي والجسدي والنفسي؟ هل يمكنك تصوُّر تصرفات الإناث اللاتي يتربين على أيديهن ويعتدن العنف؟
التربية الدينية التي تحاول أن تطبِّع العنف ضد المرأة، حتى لو بتخفيف وقع الموضوع بأن يقال إنه لا يترك أثرًا أو أن يكون على الجسد لا الوجه، ألا تضع حجر أساس تدميري لكيان المرأة واحترامها لذاتها واحترام الآخرين لها؟
ألف باء تاء: باء بالقانون اضرب
«أنا مستباحة»، هكذا عبَّرت إحدى الفتيات المصريات عن تجربتها المريرة مع التحرش الجنسي في الشوارع، وكيف لجأت إلى رجال الأمن لإنقاذها فوجدت أحدهم يضحك مستهزئًا.
تساند كثير من القوانين العربية العنف ضد المرأة بل وتقننه، في عملية بناء فكري للعقل الجمعي، إذ يمنح القانون الجنائي الأردني والكويتي عذرًا تخفيفيًّا لمن يقتل إحدى محارمه من الإناث تحت تأثير الغضب، في حالة مفاجأته لهن في «وضع مستفز» حدده المشرع الكويتي بأنه مخل للأدب.
لا تحدد قوانين السعودية واليمن سن الزواج للإناث، ممَّا يؤدي لحالات زواج قاصرات ويتسبب في وفاة 8 طفلات يوميًّا في اليمن.
ينص القانون الأردني على إعفاء المغتصِب من عقوبته إذا تزوج من ضحيته، وهو في ذلك مثل القانون العراقي، بينما لم يكتفِ القانون في سوريا بإعفاء المجرم من العقوبة، فاستثنى اغتصاب الزوجة من التجريم بصريح العبارة في المادتين 489 و508، ومثل هذه القوانين معمول بها في ليبيا والبحرين وموريتانيا والجزائر.
في كتابه «النظام الجنائي السعودي» الذي يدرَّس في جامعة الملك عبد العزيز، يذكر أستاذ القانون في كلية الحقوق، الدكتور زكي محمد شناق، أن «التأديب حقٌّ للزوج على زوجته، إن شاء تركه وإن شاء استعمله، ولا يُسأل الزوج، لا مدنيًّا ولا جنائيًّا، عن آثار التأديب طالما استخدم حقه هذا ضمن الحدود».
بالإضافة إلى ذلك، لا تحدد قوانين السعودية واليمن سن الزواج للإناث، ممَّا يؤدي لحالات زواج قاصرات ويتسبب في وفاة ثماني طفلات يوميًّا في اليمن.
القانون هو البنية التحتية للفكر في المجتمع، يتأثر ويؤثر فيه، لكن طالما كان العنف الجنسي والجسدي المغيِّب للأمان النفسي أمر مقنن ويستند إليه المجرم للإفلات من العقاب، أفلا يجعل هذا المجتمع يعتاد العنف؟ وأليس حدوث ذلك بطريقة ممنهجة من الدولة أمرًا خطيرًا؟
قد يعجبك أيضًا: شبح «كلام الناس» يطارد النساء في العالم العربي
ألف باء تاء: تاء تليفزيون وسينما.. اضرب
يعرض التليفزيون والسينما العربية مشاهد عنف جسدي ضد النساء، تخلق حالة من التعود على مشاهدة ضرب المرأة.
«يسلم اللي نفخك»، «دلوقتي إنتي متنكريش إنك متنـ..»، «يا بخت اللي لعب وهاص»، هذا ما تسمعه النساء المصريات الحوامل. تقول إحداهن: «كل من تحرش بي وأنا حامل كان يقف أمامي مباشرة، وكان يقترب مني ليرمي ببذاءته في وجهي بهدوء وقوة دون خوف».
بينما يركز الإعلام الغربي على نبذ العنف ضد المرأة في الأعمال الفنية، ويُظهر شخصية المعنِّف كشخص سيئ وشرير أو مريض، يتعامل معه الإعلام العربي كشخص طبيعي يتصرف بطريقة رجولية.
يحتوي عدد كبير من المَشاهد السينمائية والتليفزيونية العربية عنفًا جسديًّا ضد النساء، ممَّا يخلق حالة من التعود على مُشاهدة ضرب امرأة دون الشعور بالنفور أو القرف. يكفي أن تبحث على يوتيوب عن «مشهد ضرب» لترى كم تزخر الدراما بالعنف الجسدي واللفظي ضد النساء، وكيف يتقبل المُشاهدون هذا في تعليقاتهم على مقاطع الفيديو.
حتى أعين الفتيات والنساء باتت تعتاد مشاهد الضرب التي يكون أغلب ضحاياها من نفس جنسهن، وهو ما يؤسس لتقبُّل الفكرة والتطبيع معها.
قد يهمك أيضًا: أبرز الأفلام التي تناولت حياة وقضايا المرأة العربية
«عادي.. هذا يحدث في كل بيت»
هل فعًلا أسَّس الإعلام ودعاة الدين والقانون لشعور المرأة بطبيعية تعرضها للعنف؟ كي نفهم هذا سألنا فتيات من دول عربية مختلفة، لكن نشرنا أقوالهن تحت أسماء مستعارة حفاظًا على خصوصيتهن.
تعرضت عبير للصفع من قِبل أخيها بسبب رفضها إعداد الطعام له، لكنها ترى أن هذا أمر عادي ويحصل في كل بيت.
تقول مريم، الفتاة الكويتية التي تبلغ 26 عامًا، إنها تعرضت للضرب مرةً على يد أخيها بسبب سوء فهم اعتذر عنه لاحقًا وعادت الأمور إلى طبيعتها، لكنها تذكر أن أختها وقعت ضحية حوادث ضرب عديدة ومتكررة بسبب خلافات مع العائلة.
تحكي مريم لـ«منشور»: «كنت أنام الليل على صراخ أختي في الغرفة المجاورة. ضربها أخي مرةً بسبب اكتشافه علاقتها بأحد الشبان، ربطها من رجليها ويديها وجَلَدها بالسوط حتى تجلَّط الدم تحت جلدها، وكان يقول لها في تلك الأثناء إنه يحبها وإن هذا لمصلحتها».
أما سعاد، السعودية البالغة 22 سنة، فتشير إلى أن والدتها كانت تضربها على الدوام منذ طفولتها، دون سبب سوى أنها غاضبة وتريد صب غضبها على أحد. وقفت سعاد في وجه والدتها لتمنعها من ضربها حين كبرت، لكنها حملت في صدرها كراهية كبيرة، ويطاردها طَوَال الوقت سؤال: «طيب ليه؟».
تحكي لطيفة (34 عامًا من الكويت) لـ«منشور» أنها تعرضت للتحرش الجنسي من قِبل عمها، الذي تحسس أجزاء من جسدها، لكنها لم تقل لأحد خشية أن تصبح هي المُلامة، فيما تخبرنا عبير (40 سنة من الكويت) أن أخاها صفعها عندما رفضت إعداد الطعام له. لم تتقدم عبير بشكوى بالطبع، لأن «هذا أمر عادي، يحصل في كل بيت، لا يصل إلى حد الشكوى».
في الفترة الماضية، انتحرت المعنَّفة السعودية خديجة بعد تعرضها للشلل إثر تعذيب زوجها لها. خديجة ليست حالة وحيدة ولا فريدة، فكم خديجة ننتظر؟
شيخة البهاويد