النباتيون يقتلون أيضًا: الزراعة أكثر فتكًا بالحيوانات من تربية الماشية
هل أنت نباتي؟ تؤمن بحق الحيوانات في الحياة؟ تعتقد أن تناولك الخضراوات والفاكهة والبقوليات سيجنبك قتل المزيد منهم؟ تقاطع الألبان واللحوم والمصنوعات الجلدية إيمانًا بأنك تحافظ على حياة الحيوانات؟ نأسف لإحباطك، لكن بعض الدراسات أثبتت أنك تقضي على أعداد أكبر من الحيوانات رغم حسن نواياك.
جرائم نباتية
يردد النباتيون شعارات عدة تؤكد أن نظامهم الغذائي هو الوسيلة الوحيدة لتجنب إيذاء الكائنات الحية، لكن بعض الإحصائيات التي أُجريت في أستراليا على حقول القمح والبقوليات تثبت أن عدد الحيوانات المقتولة بسبب الزراعة يزيد عن مثيلتها المذبوحة في المزارع الحيوانية 25 ضعفًا.
يعني هذا أن توسع الزراعة بسبب تحولك إلى تناول النباتات قد يُزهق أرواح حيوانات أكثر من استمرارك في أكل اللحوم.
يحتاج مربي الحيوانات ما بين اثنين إلى 10 كيلوغرامات من النباتات لتغذية كل كيلوغرام من الماشية، وبالتالي تحتاج بقرة صغيرة يبلغ وزنها 20 كيلوغرامًا إلى 40 كيلوغرامًا من النباتات على أقل تقدير. ونظرًا لمساحة الأراضي الزراعية المحدودة، يعتقد الإنسان أن التركيز على الزراعة كمصدر لغذائه سيكون أقل كُلفةً من الاعتماد على لحوم المواشي، سواءً على مستوى وفرة الغذاء أو حياة الحيوانات، إلا أن المسألة ليست بهذه البساطة.
يرتكب الفلاحون جرائم في حق الحيوانات كي يجهزوا الأرض للزراعة.
يضطر الفلاحون إلى فِعل شيئين من أجل زراعة المحاصيل التي يعتمد عليها النباتيون في نظامهم الغذائي، كي تتناسب مع الضغط الاستهلاكي عليها:
- زيادة نسبة الأسمدة والمبيدات لتكثيف زراعة محاصيل بعينها في مساحة محدودة من الأرض، وتجاهل تأثير الكيماويات السلبي على البيئة والتنوع البيولوجي للمنطقة.
- الحصول على المزيد من الأراضي لزراعتها بالقمح والأرز والحبوب، عن طريق إزالة الغابات والأراضي العشبية بأقسى الطرق، وهو ما يقضي على كثير من الفصائل النباتية والحيوانات المختلفة.
من أجل تجهيزها للزراعة، يُضرم الفلاحون النار في الغابات ويحرقون أعشاش الطيور بقاذفات اللهب، وبعد إعداد الأراضي ينثرون الحبوب السامة لقتل الطيور التي تأتي باحثةً عن الغذاء، ويضعون الأسلاك الشائكة المُكرهبة لمنع الحيوانات البرية من دخول الحقول، أو يصطادونها بالبنادق.
هل يمارس النباتيون العنصرية ضد الحيوانات؟
أثبتت الأرقام أن الزراعة تقتل أعدادًا أكبر من الحيوانات لتوفير البروتين للإنسان.
يميل الناس عادةً إلى التعاطف مع أنواع من الحيوانات بعينها، مثل البقر والماعز والدجاج والكلاب والقطط، ويدينون آكلي لحوم الكلاب والقطط في الصين وغيرها من المدن الآسيوية، لكن ماذا عن الكائنات الأخرى؟
تشاركنا كثير من الحيوانات والطيور الإحساس بالألم، لكنها لا تدخل في اعتبارات النباتيين. وإذا تغاضينا عن قتل أعداد هائلة من الحشرات والعناكب والثعابين والسحالي خلال زراعة المحاصيل، باعتبار أن هذه الكائنات تملك وعيًا وذكاءً أدنى، وبالتالي قدرةً أقل على الشعور بالمعاناة، فهل يمكننا تجاهل قتل الفئران، التي أثبتت التجارب أنها من أكثر الكائنات حساسية، وتملك قدرًا عاليًا من الشعور والذكاء؟
ليس النظام النباتي خاليًا من الوحشية إذًا، ولا يؤدي غرضه الأساسي بحماية الكائنات الحية، فمن يتحمل مسؤولية نفوق الأسماك وموت الضفادع وغيرها من الكائنات البحرية بسبب تسرُّب المبيدات المستخدمة في زراعة الفاكهة والخضراوات إلى المياه؟ ومن يتحمل مسؤولية معاناة الماشية التي تتولى حرث الأراضي وجر المعدات الثقيلة في الحقول؟
يؤكد رئيس جماعة التوعية النباتية في كاليفورنيا أن موت بعض الحيوانات عند استخدام الأراضي للزراعة أمر مُسلَّم به، لكنه يقع مرة واحدة فقط، وليس بصفة مستمرة مثلما يحدث في صناعة اللحوم، إلا أن هذا غير صحيح، إذ أثبتت الأرقام أن الزراعة تقتل أعدادًا أكبر من الحيوانات من أجل توفير حاجة الإنسان من البروتين، لكن كيف؟
اقرأ أيضًا: كيف يُسهم تناول اللحوم في التغير المناخي؟
مجازر البروتين النباتي
لمعرفة نسبة البروتين التي تصل إلينا من اللحوم ومقارنتها بالبروتين النباتي، نحتاج إلى إجراء عملية حسابية معقدة. يبلغ الوزن المتوسط للذبيحة الواحدة قرابة 288 كيلوغرامًا، تصل نسبة اللحم الصافي فيها إلى 68%، وتحتوي كل مئة غرام من اللحم على نحو 23 غرامًا من البروتين، لذا نحصل على 45 كيلوغرامًا من البروتين من كل ذبيحة، أي أننا نحتاج إلى ذبيحتين فقط أو ثلاثة على الأكثر لاستخلاص مئة كيلوغرام من البروتين.
في المقابل، ماذا يفعل النباتيون للحصول على قدر البروتين نفسه؟ في البداية يقلِّب الفلاحون تربة المراعي لزراعة القمح، ممَّا يقتل أعدادًا كبيرة من الحيوانات التي تعيش على هذه الأراضي، مثل الثعابين والسحالي والفئران، تمهيدًا لزراعة المحاصيل التي تمد النباتيين بالبروتين.
تواجه الأراضي الزراعية في أستراليا زيادةً ملحوظةً في أعداد الفئران كل أربع سنوات، فيظهر من 500 إلى ألف فأر في كل عشرة آلاف متر مربع، ويتخلص المزارعون من 80% منها عن طريق السم، أما في الأوقات العادية، فيُقتل سنويًّا مئة فأر لكل عشرة آلاف متر مربع من الأراضي بغرض زراعة الحبوب، أي فأرًا واحدًا لكل مئة متر مربع.
ويبلغ متوسط الإنتاج في هذه الحقول 1.4 طن من القمح لكل عشرة آلاف متر مربع، تصل نسبة البروتين فيها إلى 13%، ممَّا يعني أنك تحتاج إلى زراعة 5,500 متر مربع تقريبًا للحصول على مئة كيلوغرام من البروتين النباتي، ويضطرك هذا بالتالي إلى قتل نحو 55 فأرًا في العام (من الحصاد إلى الحصاد)، أي 25 ضعف عدد الحيوانات المقتولة للحصول على الكمية نفسها من البروتين الحيواني، دون حساب الحيوانات الأخرى غير الفئران، فأي الغذائين أكثر رحمة بالحيوانات؟
اقرأ أيضًا: لماذا تدعونا الأرض لإسقاط النظام؟
التوسع في الزراعة سيؤذي البشر
تصل نسبة الأطفال العاملين في الزراعة إلى 60% من عمالة الأطفال بشكل عام.
على الرغم من رغبة النباتيين في اتباع نظام غذائي غير مؤذٍ للكائنات الحية، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فالنباتيون يعتقدون أنهم لا يؤذون الكائنات الحية فقط لأنهم يتجاهلون العنف الذي تمارسه الزراعة على الحيوانات، ويتجاهلون كذلك وضع البشر فيها.
يُصاب العاملون في زراعة «الكاجو» مثلًا بحروق، نتيجة تعاملهم مع الأحماض الموجودة بين طبقتي القشرة الصلبة للكاجو، ويعمل بعضهم إضافةً إلى ذلك في معسكرات بالسخرة، حيث يُضربون ويُصعقون بالكهرباء لإجبارهم على جني المحصول.
وتعتمد عملية إنتاج الشوكولاتة على الأطفال، فيعمل في مزارع الكاكاو أطفال تبدأ أعمارهم من خمس سنوات، ويُضطرون إلى استخدام أدوات حادة في الحصاد، كما أن نسبة 60% من عمالة الأطفال عمومًا تشتغل بالزراعة.
أما العاملون في مزارع القهوة فيعيشون من 40 إلى 60 شخصًا في الغرفة الواحدة، ولا تتوفر لهم مياه نظيفة أو صرف صحي، ويتعرضون لمواد سامة تضر بصحتهم وصحة عائلاتهم، ويعملون دون عقود ولا يتقاضون الحد الأدنى للأجور.
لا جدل حول الهدف السامي للنباتيين، لكن الوسيلة التي يحاولون بها تحقيق هذا الهدف، بزيادة رقعة الأرض الزراعية لتوفير غذاء نباتي لجميع الناس، ربما تكون أكثر قسوةً في حق الحيوانات، فهل تتوقف عن اتباع النظام النباتي بعدما عرفت هذه الحقائق؟
ندى حنان