أحسن من مافيش؟ بعض الأعمال تضر صحتنا النفسية أكثر من البطالة
لا ينهار سوق العمل بالضرورة مع تردي الأوضاع الاقتصادية، بل ينتعش أحيانًا، فقد أصبح سوق العمل في بريطانيا مثلًا أكثر مرونةً منذ الأزمة الاقتصادية العالمية، فلم ترتفع نسبة البطالة كما كان متوقعًا، بل عاد السوق إلى مستوياته السابقة للركود الاقتصادي سريعًا.
لكن رغم هذا الانتعاش، ظهرت مشكلة أخرى هي رداءة العمل، إذ لجأ كثيرون إلى وظائف مؤقتة وغير مستقرة تهدد الإنتاجية والتنافسية ومستويات الاندماج الاجتماعي للموظفين، وأخيرًا رفاهية القوى العاملة.
قد نجادل بأن الوظائف الطارئة ضرورية لاستمرارية سوق العمل، لكن ما تأثير هذه الوظائف على الموظفين أنفسهم؟
حاول أستاذ العلوم الإدارية «ستيفان بيفان» بحث هذا السؤال في مقال له منشور على موقع جريدة «الواشنطن بوست»، فسعى لإيجاد علاقة بين نوع الوظيفة الطارئة ورداءة الحالة الاجتماعية والصحة النفسية للموظفين الذين يشغلونها، ووضعنا أمام سؤال: هل نحن دائمًا أفضل حالًا في العمل؟
علاقة العمل بالصحة النفسية
يؤكد بيفان أن البطالة أمر سيئ، بسبب تأثيرها على الدخل ومشاعر الاعتزاز بالذات والكرامة والاندماج الاجتماعي والعلاقات والصحة، لهذا تبدو سياسة الحصول على أي وظيفة عقلانية تمامًا، بحسب الحكمة القائلة إن «أي عمل أفضل من لا شيء»، وهكذا يسعى السياسيون عادةً إلى توفير فرص عمل وبرامج تشغيل تركز على مبدأ العمل نفسه أكثر من نوعه وجودته.
مستوى التردي في الصحة النفسية الناتج عن الوظيفة السيئة أسوأ من الذي ينتج عن البطالة.
يعزز العمل الصحة النفسية بقدر ما يعزز الشعور بالسيطرة والاستقلالية والتحدي والتنوع وقيمة الإنجاز، وثَمَّة أدلة واضحة على العلاقة بين جودة العمل والصحة النفسية للموظفين.
العمل الرديء أسوأ من البطالة
من مواصفات العمل السيئ بحسب بيفان: أن يكون روتينيًّا ومملًّا، أو أن يكون نوعًا من البطالة المقنَّعة، أو تحديًا رديئًا وغير حقيقي لمهارات الموظف. وأظهرت نتائج البحث الذي يشير إليه بيفان أن مستوى التردي في الصحة النفسية الناتج عن الوظيفة السيئة أسوأ من ذاك الذي ينتج عن البطالة نفسها.
أظهر الذين انتقلوا إلى وظيفة مثالية تحسنًا كبيرًا في الصحة النفسية مقارنةً بالذين ظلوا دون وظيفة، أما الذين انتقلوا إلى وظيفة رديئة فأظهروا انحدارًا كبيرًا في الصحة النفسية مقارنةً بالعاطلين، وهكذا حصلنا على جواب مختلف بعض الشيء للسؤال عمَّا إذا كان العاطل عن العمل أفضل حالًا ممَّن يقبل بأي وظيفة.
هكذا، على أولئك الذين يعتقدون بوجوب استخدام النبرة التأديبية لدفع العاطلين إلى قبول أي وظيفة أن يتساءلوا عن صحة موقفهم، وعلينا أن نتساءل في الوقت نفسه عمَّا إذا كانت الوظائف «سريعة التدوير»، التي تتخلص من موظفيها وتوظف غيرهم باستمرار، مثل شركات خدمة العملاء، هي مسبب جزئي للأداء الضعيف، بالإضافة إلى سوء تأثيرها على الصحة النفسية للعمال، بسبب طبيعة العمل نفسه.
يجب أن لا تمنعنا هذه النتائج من مساعدة الآخرين للحصول على فرص عمل، بل يجب بالعكس أن تجعلنا نفكر أكثر في تأثير هذه الوظائف على صحة العاملين وإنتاجيتهم، لكننا الآن نعرف أن «أي وظيفة» ليست بالضرورة أفضل من لا شيء.
مها عامر