7 مرات حاول فيها الطلاب تغيير التاريخ
يسهل ملاحظة أهمية الدور الذي لعبته الحركات الطلابية في العالم كله على مدار التاريخ، إذ كان لها إسهام حقيقي في تحريك المياه الراكدة. لكن هناك ظاهرة متكررة يسهل تمييزها بدراسة الحركات الطلابية الأكبر تأثيرًا في العقود الأخيرة: فهي دائمًا ما تظهر عندما ينحسر دور وتأثير الأحزاب السياسية والتفاعل السياسي بشكله التقليدي. عندما تتخلى الأحزاب عن دورها يظهر تأثير الطلاب.
في مقالها المنشور في «نيويورك تايمز»، تناقش «ماغي أستور» دور الحركات الطلابية التقدمية في دفع المجتمع إلى الأمام.
لماذا لا نفهم نشاط الطلاب؟
في أمريكا، وكل بضعة أسابيع أو أشهر، وبعدما يقتحم رجل مسلح تسليحًا عاليًا مدرسة أو كنيسة أو ملهى ليليًّا ويفتح النار على الجميع، تشتعل ردود الأفعال في البداية، ثم تفقد الاستجابة المجتمعية قوتها بطريقة رتيبة، ربما بطريقة مسرحية، ذلك أن الغضب يستمر عدة أيام قبل أن يتلاشى ضجيج السياسات الأمريكية.
لكن النقاش لم يخمد بعد قرابة ثلاثة أسابيع من اقتحام رجل مسلح مدرسة مارغوري ستونمان دوغلاس في باركلاند وقتل 17 شخصًا ببندقية عيار «AR–15»، لأن طلاب المدرسة ناضلوا بقوة في قضية السيطرة على السلاح. كانوا قد ضغطوا على مشرعي الدولة في تالاهاسي، وتحدثوا بالفعل مع الرئيس ترامب، وتوصلوا إلى إقناع عدد من الشركات بقطع علاقاتها بالاتحاد القومي للأسلحة، وعقدوا مقابلة مع رابطة طلابية تحارب العنف المسلح في شيكاغو.
كثير من هؤلاء الطلاب، ومن وجهوا إليهم النقد، لاحظوا ظاهرة النفور جراء تورط المراهقين في السياسة، غير أن التاريخ مليء بحركات قادها طلاب أو كانوا جزءًا أساسيًّا فيها. بعض هذه الحركات نجح وانهزمت أخرى بطريقة وحشية، لكن حتى تلك الأخيرة لا يزال صداها مدويًّا.
نستعرض هنا سبع لحظات في التاريخ الحديث تحدى فيها الطلاب المجتمعات البالغة من أجل أهداف سياسية أو ثقافية أو اجتماعية.
اقرأ أيضًا: بين العدمية وحروب الهاردكور.. هنا ترقد أجيال الربيع العربي
1. اعتصامات غرينسبورو 1960
اعتصامات طاولة الغداء التي غيرت التاريخ الأمريكي بدأت بأربعة مراهقين سود، قصدوا طاولة غداء كلية وولوورث في ولاية كارولينا الشمالية، ورفضوا المغادرة.
قوة الدفع التي بدأت مع طاولات غداء وولوورث أسهمت بشكل كبير في الطريق إلى إقرار الحقوق المدنية التي أنهت الفصل العنصري في الأماكن العامة.
كانت قوانين الفصل العنصري في هذه الفترة تمنع جلوس الطلاب السود على طاولات غداء مشتركة مع البيض، بل وتمنعهم من الجلوس جوار بعضهم في الحافلات العامة.
هؤلاء المراهقين الأربعة كانوا «إيزيل بلير» (18 عامًا)، و«فرانكلين ماكين» (19 عامًا)، و«جوزيف ماكنيل» (17 عامًا)، و«ديفيد ريتشموند» (18 عامًا)، وكانوا من طلاب كلية الزراعة والتقنية في جامعة كارولينا. بدؤوا اعتصامهم في 1 فبراير 1960، وفي خلال ثلاثة أيام انضم إليهم 300 آخرون، وبحلول الصيف انتشرت الاعتصامات إلى ما يقرب من 50 مدينة، مما سرّع عملية إلغاء التمييز العنصري.
قادت الوقفات، التي سميت لاحقًا «شباب غرينسبورو الأربع»، إلى تكوين «لجنة تنسيق الطلاب السلمية»، إذ ألحت «إيلا بيكر»، ناشطة الحقوق المدنية، على الطلاب أن يشكلوا لجنة في إبريل 1960 لتنسيق استمرار الاعتصامات. وفي ما بعد، ستلعب اللجنة دورًا هائلًا في تجربة الحقوق المدنية الأمريكية إضافة إلى الاشتراك في تسجيل الناخبين في الجنوب.
قوة الدفع التي بدأت بطاولات غداء وولوورث أسهمت بشكل كبير في الطريق إلى إقرار مرسوم الحقوق المدنية، الذي أنهى الفصل العنصري في الأماكن العامة.
ربما الشيء الأكثر قوة الذي أظهرته نتائج اعتصامات غرينسبورو هو قوة مجموعة صغيرة من الطلاب، أعدُّوا أنفسهم ليقفوا وحدهم إذا لزم الأمر.
في حديث أُجري معه عام 2005، قال فرانكلين ماكين أحد الطلاب الأربع: «الناس تسألني مرارًا ما الذي علينا أن نفعله. ما هذا السؤال؟ انظر حولك، وعندما تتبين ما تريد فعله، لا تطلب من الناس أن تساعدك لأنهم لن يفعلوا».
قد يهمك أيضًا: عودة الحركات العنصرية في أمريكا
2. انتفاضات الطلاب 1968
احتل طلاب من جامعة كولومبيا عدة مبانٍ لمدة أسبوع كامل، قبل أن يقتحم ألف ضابط شرطة الحَرَم ليُخرجوا الطلاب منه.
في ربيع 1968، انفجرت احتجاجات الطلاب في قارات متعددة. بعض هذه الاحتجاجات حقق غرضه، وبعضها الآخر لم يُوَفق، غير أن تلك الأخيرة أسهمت في إقامة مناخ يجعل التغيير ممكنًا، ويستلهم منه الناس مزيدًا من العمل.
في مارس، استولى نحو ألف طالب على مبنى إدارة جامعة هوارد، واعتصم آخرون داخل بيوت الطلبة. كان أول طلباتهم أن يقدم رئيس الجامعة استقالته، وأن يشمل منهجهم التاريخ والثقافة الإفريقية لأمريكا، وتشكيل نظام قضائي يشمل الطلاب، وكذلك طالبوا بأن تسقط الإجراءات التأديبية التي اتُّخذت ضد الطلاب المشاركين في الاحتجاجات السابقة. ووافقت الجامعة على المطلبين الثالث والرابع.
بعد شهر تقريبًا، اتخذ طلاب من جامعة كولومبيا تكتيكات مشابهة لتلك التي نفذها طلاب هوارد، إذ احتلوا عدة مبانٍ لمدة أسبوع كامل، قبل أن يقتحم ألف ضابط شرطة الحَرَم ليُخرجوا الطلاب منه. استمرت الهجمات حتى آخر الفصل الدراسي، ما أدى إلى شلِّ الجامعة بشكل أساسي حتى بعد خروج الطلاب منها.
كان هناك سببان رئيسيان للطلاب المتظاهرين:
- أن أعمال التشييد في الصالة الرياضية للجامعة في متنزه الجانب الصباحي في هارلم ستسمح بدخول محدود للسكان
- إلغاء عقود مراكز أبحاث الأسلحة في جامعة كولومبيا الخاصة بحرب فيتنام
وافقت الجامعة على المطلبين.
وعلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلنطي، ثار الطلاب في فرنسا وبولندا. ففي وارسو، احتج من 20 إلى 30 ألف طالب على الرقابة الحكومية، لكن الانتفاضة قُمِعَت في نهاية المطاف. وفي باريس احتشد نحو 20 ألف طالب في السوربون في مايو، محولين السيارات إلى متاريس، واشتبكوا مع قوات مكافحة الشغب، وانضمت نقابات العمال والمدرسين إلى الانتفاضة العامة لدعم الطلاب، لكن الانتفاضة فشلت في الإطاحة بـ«شارل ديجول». ورغم ذلك، كان لهذه التظاهرات الباريسية أثر بالغ في الحياة السياسية والثقافية الفرنسية، وبقيت شعاراتها في الذاكرة الجمعية للحياة الثقافية الفرنسية.
3. الفصل العنصري (1970-1980)
اندلع في الفترة بين 1970 و1980 عدد من الانتفاضات والاعتصامات الطلابية، نفذها طلاب المدارس الحكومية في سويتو بجوهانسبرج الجنوب إفريقية، والتي كان لها أبلغ الأثر في الحياة السياسية في ذلك الوقت.
في 16 يونيو 1976، بدأ بضعة آلاف من الطلاب قريبًا من جوهانسبرج مسيرة سلام تحولت إلى «مسيرة موتى»، عندما اقتحمت الشرطة المسيرة بالبنادق والغازات المسيلة للدموع.
كان المتظاهرون يعترضون على قانون يحظر تعليم اللغة الأفريكانية، وهي اللغة الخاصة بالسكان السود، في مدارس جنوب إفريقيا، لكن الحركة التي بدأت بالفعل كانت قد تحولت إلى حركة دولية ضد الفصل العنصري. جذبت صور الشرطة العنيفة، وبخاصة صورة طالب مدرسة ثانوية يحمل جثة المراهق «هيكتور بيترسون» ذي الـ13 عامًا، انتباهًا دوليًّا لوحشية حكومة جنوب إفريقيا واسعة النطاق.
نتجت عن مظاهرات الطلاب في سويتو حملة كبيرة قادها طلاب الكليات في أمريكا، الذين بنوا «مدن الصفيح» في الحرم الجامعي والمباني المحاصرة، ومزقوا خطابات السياسيين في جنوب إفريقيا. ومن جامعة كولومبيا إلى كاليفورنيا، أجبر المتظاهرون الإداريين على منع استثمار مليارات الدولارات في شركات مرتبطة بحكومة جنوب إفريقيا. وبعد وقت طويل، أسهم الضغط الاقتصادي، إضافة إلى عوامل أخرى، في وقف الفصل العنصري.
قد يهمك أيضًا: مَن يُصلِح ما فشل فيه مانديلا؟
4. مظاهرات ساحة تيانانمان - الميدان السماوي (1989)
انتشرت صورة أيقونية من مظاهرات ساحة تيانانمان، لشخص غير معروف الهوية يقف قبالة صف من الدبابات المتجهة لسحق المتظاهرين، ويرفض التحرك.
في 4 يونيو 1989، بعد عدة أسابيع من اندلاع مظاهرات طلابية مؤيدة للديمقراطية في بكين، انتهت المظاهرات بمذبحة عندما أطلق آلاف من قوات الشرطة الصينية النار على المتظاهرين في ساحة تيانانمان، ومن المُرجح أن عدد القتلى قد وصل إلى الآلاف.
بعد 30 عامًا، تظل الصين غير ديمقراطية، ويتواصل اتجاهها الذي بدأ 1989 نحو التحرر الاقتصادي، وليس الاجتماعي والسياسي.
الحق أن تلك المظاهرات قدمت نموذجًا حيًّا لما يمكن أن تذهب إليه الحكومات. وبالرغم مما يثيره هذا في النفس من الشعور بعدم الجدوى والانسحاق، فإن هنالك صورة أيقونية وصلت إلينا من يوم 5 يونيو لشخص وحيد، غير معروف الهوية حتى الآن، يقف قبالة صف من الدبابات المتجهة لسحق المتظاهرين، ويرفض التحرك.
يثير هذا الرجل التأمل بالفعل، بملابسه البسيطة والأكياس البلاستيكية التي يحملها في يده، والتي توحي بأنه كان يعبر بالصدفة. ورغم هذا، في لحظة شجاعة، أو جنون مؤقت، قرر التوقف ومواجهة رتل دبابات بمفرده. بعد كل هذه السنوات، ما زالت الصورة تمثل شعارًا للتحدي في مواجهة الصعاب.
5. الثورة المخملية (1989)
بدأت الانتفاضة بآلاف الطلاب، وازدادت حتى وصلت إلى نصف مليون محتج في براغ، ظلوا مُصرين على السلمية بعناد كبير حتى بعدما هجمت قوات مكافحة الشغب عليهم، مانحين الثورة اسمها. وبعد 11 يومًا من بدء الاحتجاجات، تخلى الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا عن القوة، وعبّد الطريق للكاتب المسرحي «فاتسلاف هافيل» ليصبح رئيس الجمهورية في ديسمبر من العام نفسه.
يقول المؤلف «تيموثي جاردن» إنها «لم تكن ثورة عادية، كانت سريعة وغير عنيفة تمامًا، وسعيدة، ومرحة، وواحدة من الثورات مكتملة النجاح التي قادتها حركة طلابية في التاريخ الحديث».
6. إيران (1999)
لا تزال تقاليد النشاط الطلابي مستمرة في إيران، أكثر مما هو الحال في عدد من البلاد ذات الأنظمة السياسية المماثلة.
بعد سلسلة من المشاجرات بين طلاب الكليات والشرطة في يوليو 1999، اقتحمت مجموعة من الضباط سكن الطلاب في جامعة طهران، وجرحوا 20 طالبًا على الأقل، واعتقلوا 125.
كان هدف الشرطة من الاقتحام وقف الاضطرابات في البلاد، لكن في استجابة سريعة وواسعة، نزل إلى الشوارع أكثر من مئة ألف طالب إيراني، أجبروا المسؤولين، ومن ضمنهم رئيس البلاد محمد خاتمي، وآية الله الخميني، على إدانة عنف الشرطة، وحث الخميني على ضبط النفس حتى «لو كان المحتجون يحرقون صورتي أو يمزقونها». كان هذا تصريحًا ملحوظًا من حكومة لم تكن متسامحة تمامًا مع المعارضة السياسية.
لكن ربما الشيء الأكثر أهمية هي العواقب طويلة الأمد، فمنذ ثورة إيران عام 1979، ارتبط الطلاب الناشطون عادةً بالأحزاب السياسية. لكن بعد احتجاجات 1999 توقف ذلك التقليد.
وبينما لا يزال المجتمع والسياسة الإيرانيان محكمين بشكل صارم، فإن تقاليد النشاط الطلابي لا تزال مستمرة هناك، أكثر مما هو الحال في عدد من البلاد ذات الأنظمة السياسية المماثلة.
7. حياة السود مهمة (2013-حتى الآن)
بدأت قضية «Black Lives Matter» بثلاث نساء في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات: «باتريسا كولورز» و«أليشيا جارزا» و«أوبال توميتي». لكنها تحولت إلى حركة وطنية في 2014، عندما قتلت الشرطة «مايكل براون» (18 عامًا)، وإثر ذلك ملأ عدد من الطلاب المحتجين شوارع المدينة.
كان المحتجون يتظاهرون ضد عنف الشرطة المسلح، الذي غالبًا ما يتعرض له المشتبه بهم من السود العُزّل.لم يكن المتظاهرين يمدحون الخطاب العام السائد، ولم يجرِ التعامل معهم بهدوء في البداية، بل كان من المعتاد وصفهم بالمخرِّبين ومثيري الشغب.
لكن حتى بعد وقوع حوادث إطلاق نار مشكوك فيها من الشرطة، لا تزال إدانات الضباط نادرة، مع استمرار الاحتجاجات في الشوارع، غير أن قضية «حياة السود مهمة» ذات تأثير جوهري في الحوار الوطني عن التحيز العنصري واستخدام الشرطة للقوة المفرطة.
أحمد ليثي