ساعات ساعات: كيف يمكننا التلاعب بسرعة الزمن؟
متى ينتهي هذا اليوم؟ لماذا يبدو هذا الشهر كأنه بدأ منذ خمسة سنوات؟ هكذا نتساءل ونتعجب من بطء مرور الوقت أحيانًا، رغم أننا نعرف منذ سنوات عمرنا الأولى أن الدقيقة ستون ثانية، وأن الساعة ستون دقيقة، وأنه لا سبيل لتغيير هذه القوانين الطبيعية، لكننا في كثير من الأحيان نشعر بمرور الوقت بطُرُق مختلفة.
هل فكرت يومًا أن بإمكانك التحكم في سرعة مرور الزمن؟
نشرت مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية تقريرًا عن كيفية إدراكنا للوقت، وتأثير هذا الإدراك على شعورنا بسرعة الزمن أو بطئه، وكيف يمكننا أن نستخدم إدراكنا للتحكم في الشعور بوتيرة مرور الدقائق والساعات.
الوقت مخلوق نسبي
يمكن تشبيه فهمنا للوقت كأنه خط مستقيم ندركه عن طريق نقاط عليه، تتيح لنا أن نستوعب مفاهيم مثل «قبل» و«بعد»، أو عن طريق مقارنة فترات زمنية بغيرها، ممَّا يجعلنا نستخدم عبارة «فترة طويلة» أو «قصيرة»، وأحيانًا نحدد نقطة مركزية مثل حدث ما لتصنيف أفعالنا حسب المبكر منها والمتأخر، ويعني هذا أن شعورنا بالوقت دائمًا شعور نسبي يرتبط بأشياء أخرى.
ليس للوقت معنًى واضح خارج إطار ما نؤديه من أنشطة وتجارب، لذلك يمكن من خلال التلاعب بأنشطتنا أن نتلاعب أيضًا بإدراكنا وشعورنا بالوقت، فمتعاطو صبَّار «البيوت» يخرجون عن إطار الشعور بالزمن المعروف لدينا، ويشعرون أن الوقت يتباطأ شيئًا فشيئًا حتى يتلاشى كليًّا.
دونها لا يوجد وقت
الطريقة الأكثر شيوعًا للتحكم في سرعة مرور الوقت هي تغيير طريقة تفكيرنا فيه.
يُعد الحرمان الحسي لفترة طويلة من التجارب التي تثبت أن إدراك الوقت نسبي، إذ أننا نفقد الشعور بالوقت عندما نكون بمعزل عن أهم محدداته المعروفة لدينا، ضوء الشمس.
استطاع الجيولوجي الفرنسي «مايكل سيفر» أن يجعل هذه الفكرة مقبولة بشكل واسع عام 1962، عندما عزل نفسه داخل أحد الكهوف المظلمة، فانقطع عن الحياة الخارجية وضوء الشمس والقمر والنجوم لمدة معينة كي يدرس الإدراك الذاتي للزمن، بأن يعيش في مناخ حرمان حسي من جميع المؤثرات الخارجية التي تُشعره بمرور الوقت.
قضى سيفر وقته في الكهف يقرأ أو يكتب، ولا يحدد نومه أو نشاطه سوى شعوره بالحاجة إلى الراحة أو الرغبة في النوم، وقضى على ذلك المنوال فترة قدرها هو بـ35 يومًا، لكن عندما خرج إلى الحياة الطبيعية فوجئ بمرور 60 يومًا، أي ضعف تقديره تقريبًا.
تحكم في سرعة وقتك
يشبه الأمر وعاء حليب وقفت إلى جواره حتى يغلي، إذ تشعر في أثناء انتظارك أن الوقت لا يمر أبدًا.
لا يعني هذا أننا ندعو لتناول صبَّار «البيوت» أو الانعزال في كهف، لكن الطريقة الأكثر شيوعًا للتحكم في سرعة مرور الوقت هي تغيير طريقة تفكيرنا فيه، فعندما نغير طبيعة نشاطنا يتغير معه شعورنا بسرعة الوقت أو بطئه، وهو ما عبَّر عنه «ويليام جيمس» في كتابه «مبادئ علم النفس»، فقال إن اليوم المليء بالإثارة والحركة يمر بسرعة كبيرة، مقارنةً بيوم كله انتظار ورغبة في تغيير الوضع القائم، يبدو وكأن ليس له نهاية.
يشبه الأمر وعاء حليب وضعته على الموقد ووقفت إلى جواره حتى يغلي، إذ تشعر في أثناء انتظارك أن الوقت لا يمر أبدًا، لكن بمجرد أن تتركه وتنصرف إلى شيء آخر، سرعان ما تسمع صوت الحليب يفور فوق الموقد.
تكمُن الإجابة عن سؤال كيف يمكننا أن نسرِّع مرور الوقت هي أن نفعل أشياء تجعلنا ننغمس بكل روحنا وتفكيرنا فيها، وغالبًا ما تكون هذه الأشياء ذات أهداف كبيرة، لكن حتى إن لم تكن لها أهداف عظيمة، فإن الوصول إلى حالة تنغمس فيها كل حواسنا في ما نفعله تُعد هدفًا قَيمًا في حد ذاته.
سر السعادة
بدلًا من أن يشغلك التفكير في ملل الانتظار، اشغله بما حولك من تفاصيل يمكنك التفاعل معها.
يطلق عالم النفس «ميهاي تشيكسنتميهاي» على استغراقنا في أنشطة تشغل جميع حواسنا «سر السعادة»، وخلال أداء مثل هذه الأنشطة نغوص في اللحظة الحالية فقط، فلا نفكر في النتائج أو ننتظر شيئًا، ولا نقلق بشأن أي ظروف محيطة، وعندها نجد أننا أصبحنا أكثر استرخاءً وإنتاجية، فضلًا عن شعورنا بأننا سرَّعنا وتيرة مرور الوقت بدرجة غير مسبوقة.
اقرأ أيضًا: 10 خطوات بسيطة تفتح لك أبواب السعادة
في المرة القادمة التي تجد نفسك فيها لا تفعل شيئًا سوى انتظار مرور الوقت وإعادة النظر في ساعتك عشرات المرات، تذكر أنك لا تفعل شيئًا سوى زيادة التوتر والضغط على أعصابك، ولن يُخرجك من نفق الوقت المظلم سوى حضور اللحظة الحالية بكل تفاصيلها.
إن لم تجد نشاطًا مفيدًا تفعله وقتها، فلا تترك نفسك فريسة لعقلك، وبدلًا من أن يشغلك التفكير في ملل الانتظار، اشغله بما حولك من ألوان وأصوات وتفاصيل يمكنك التأمل فيها والتفاعل معها، حتى تشعر بأنك جزء متناغم ممَّا حولك، ولست مجرد شخص مجبر على تحمل ظروف بعينها لفترة محددة من الوقت.
أيمن محمود