لماذا يجب أن تختلط عناصر المجتمع المختلفة؟

دينا ظافر
نشر في 2017/04/15

 الصورة: Jon Rawlinson

يبدو أن هناك صلة بين تصاعد النعرة الوطنية التي تغزو مناطق واسعة من الغرب، ومدى التنوع الذي تتمتع به نفس هذه المناطق، فأنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسياساته التي تضع «أمريكا أولًا» ينتمون إلى أماكن يقل فيها عدد المهاجرين المكسيكيين، وكذا الحال مع البريطانيين، الذين ارتفعت نسب تصويتهم لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في المناطق التي يقل فيها عدد المواطنين من أصول غير إنجليزية.

ربما يشعر الأفراد بعداوة تجاه من يختلفون عنهم في المجتمع، إلا أن هذا الشعور تقل حدَّته إذا خالطوهم في حياتهم اليومية، وهذا ما يكشفه مقال على موقع «كوارتز»، تناول بحثًا أجراه ثلاثة من أساتذة الاقتصاد.

هل الاختلاط بين المختلفين أفضل للجميع؟

الصورة: Désirée Fawn

لا فائدة من التنوع إذا انغلقت المجموعات على نفسها.

كان هدف البحث معرفة ما إذا كانت زيادة التفاعل بين المجموعات المختلفة في المجتمع تؤدي إلى تحسُّن العلاقات بينها، حسب ما يُعرف بـ«نظرية الاتصال»، أو إذا كان الاندماج بين هذه المجموعات سينمِّي مشاعر التمييز والكراهية كما تعتقد «نظرية النزاع»، وجمع الاقتصاديون الثلاث معلومات من كل دول العالم تقريبًا لاستخدامها في بحثهم، وجاءت نتائجهم في مصلحة نظرية الاتصال، حسب المقال.

اقرأ أيضًا: كيف تعني «الوطنية» كُره الآخَر؟

كانت أبحاث سابقة قد أشارت إلى أن التنوع الإثني (العِرقي والثقافي) واللغوي يؤدي إلى تقليل الإنفاق على السلع العامة، وفُسِّر هذا بأن المجموعات المختلفة لا تفضل التشارك فيما بينها.

على سبيل المثال، يُفسر بعض الباحثين الإنفاق السخي للحكومة السويدية بتجانس كتلتها السكانية وقلة تنوعها النسبي، مقارنةً بنمط الإنفاق في الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة بتنوع سكانها. ويُفهم ممَّا سبق أن التنوع لا فائدة منه إذا انغلقت المجموعات المختلفة على نفسها.

ما آثار الاختلاط؟

ماذا يعني التنوع الثقافي؟ وما أهميته؟

قسَّم الباحثون العالم إلى شبكة من الخلايا، مساحة كل منها خمسة كيلومترات مربعة، ثم قدَّروا عدد الأشخاص الذين يتحدثون لغات مختلفة في كل خلية، وباستخدام هذه المعلومات نجحوا في حساب مؤشرين للتنوع:

  1. التنوع على مستوى البلد: يشير إلى احتمال أن يكون شخصان عشوائيان من بلد واحد يتحدثان نفس اللغة، وكلما انخفض هذا الاحتمال دلَّ ذلك على تنوع أكبر في اللغات المستخدمة.
  2. التنوع على مستوى المنطقة المحلية: يشير إلى احتمال أن يتحدث شخص نفس لغة شخصين، اختير الأول عشوائيًّا من نفس منطقته المحلية، بينما اختير الآخر عشوائيًّا كذلك ولكن من منطقة أخرى في نفس البلد. واعتبر الباحثون هذا المؤشر مقياسًا لدرجة الانعزال الثقافي، فكلما ارتفعت الدرجة، دلَّ ذلك على مستويات أعلى من العزل بين متحدثي اللغات المختلفة وعدم اختلاطهم.

وبحساب الدرجتين، وجد الباحثون أن الهند، على سبيل المثال، حصلت على درجة عالية على مقياس التنوع على مستوى البلد ككل، بينما جاءت درجة التنوع على مستوى المناطق المحلية منخفضة، ممَّا يعني أن المجموعات المختلفة فيها لا تندمج كثيرًا. أما الولايات المتحدة فجاءت على العكس من الهند: أقل تنوعًا على مستوى البلد ككل، ولكن مجتمعاتها المحلية المختلفة تنخرط بدرجة أكبر.

وجد الباحثون كذلك أن التنوع على مستوى البلد عمومًا له تأثير سلبي على أمور مثل معدلات وفيات الأطفال ومعدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، بينما يكون التنوع على المستويات المحلية الأصغر، أي الاندماج الثقافي، إيجابيًّا. وقد يُفهم من هذا أن الانفصال بين المجموعات اللغوية المختلفة في زيمبابوي مثلًا يُسهم في سوء أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية مقارنةً بجارتها بوتسوانا، التي تتمتع بنفس درجة التنوع على مستوى البلد ولكن جماعاتها المختلفة أكثر اختلاطًا.

ستستفيد المجتمعات كثيرًا إذا شجعت حكوماتها الاختلاط بين مجموعاتها المختلفة.

يشير البحث إلى أن الاختلاط بين المجموعات المختلفة له آثار مهمة، ففي المتوسط ينخفض كثيرًا معدل وفيات الأطفال في البلدان المصنفة ضمن الـ20% الأكثر تنوعًا على المستوى المحلي، مقارنةً بالبلدان الأخرى التي تتمتع بنفس درجة التنوع العام لكنها تأتي في الـ20% الأقل من ناحية الاندماج الثقافي. كما يبدو أن التنوع المحلي له تأثير ملحوظ على أمور مثل التطعيم ضد الحصبة، والإلمام بالقراءة والكتابة، والنظافة، بحسب المقال.

الاختلاط تفرضه السياسة

كيف نقوم بالتربية على المواطنة والتنوع الثقافي؟ 

يخلُص الباحثون إلى أن المجتمعات ستستفيد كثيرًا إذا شجعت حكوماتها الاختلاط والاندماج بين مجموعاتها المختلفة، لما لهذا الاختلاط من آثار إيجابية على الصحة والتعليم، كما يشيرون إلى أن سياسات الإسكان وبناء المدارس ينبغى أن تراعي الدمج.

هذا هو ما تفعله حكومات أوروبية كثيرة، عن طريق توظيف سياسات الإسكان لتوزيع الأقليات الإثنية بصورة أفضل، كي تكون معظم المدن والأحياء متساوية في تنوعها. كما تطبق سنغافورة نظام الحصص السكنية، الذي يضمن أن تكون كل كتلة سكنية ممثلة للمجموعات الإثنية المختلفة.

ربما استحقت هذه النتائج فعلًا أن تأخذ قدرًا من اهتمام صُنَّاع السياسات العامة، حتى إن كان الثمن هو التضحية ببعض الحرية المتعلِّقة باختيارات الأفراد لنوع محيطهم، من أجل جني ثمار اجتماعية مهمة.

دينا ظافر