مستقبل الجنس: هكذا حطمت التكنولوجيا المسافات والقدرات المحدودة في العلاقة الحميمة
يحزم أمتعته في حزن ويودِّع زوجته ومنزله للحاق بالطائرة التي ستحمله إلى خارج البلاد؛ طلبًا للرزق وهربًا من ضيق العيش في بلاده.
سيناريو متكرر في كثير من دول عالمنا العربي ويحمل معه تبعات خطيرة؛ من بينها انقطاع العلاقة الحميمة بين الزوجين لشهور قد تطول أعوامًا، واختزالها في مكالمات هاتفية يطمئن فيها كل طرف على أحوال الآخر المعيشية، فماذا لو تحول هذا الهاتف إلى جهاز يمكنه إشباع الاحتياجات الجنسية؟
وعرض موقع (Futurism) بعض المجالات التي استطاعت بها التكنولوجيا الحديثة إزالة الحدود بين طرفي العلاقة الحميمة، سواءً أكانت المسافات أو ضعف القدرات. وإن كان أحد مساوئ التكنولوجيا إسهامها في مزيد من ضعف التواصل الاجتماعي على أرض الواقع، فلا بد أن محافظتها على العلاقة الحميمة بشكل ما هي أحد أهم إنجازتها في العصر الحديث.
البعيد عن العين قريب من القلب
ظهرت على ساحة الصناعات التكنولوجية شركات متخصصة في مجال العلاقات الجنسية عن بُعد، منها «Kiiroo» و«Vibease»، ابتكرت أجهزة أطلقت عيلها اسم (Teledildonics)، وهي عبارة عن أعضاء تناسلية اصطناعية هزازة متصلة بالإنترنت تتفاعل مع اهتزازات الطرف الآخر عن بُعد عبر تطبيق للهواتف الذكية والكمبيوترات، وتنقل الإحساس بالحركة بين الطرفين عبر القارات.
وهو ما يعني حرفيًا إزالة الفوارق بين ممارسة علاقة حقيقية والخيالات الجنسية.
وتسعى مثل هذه الشركات حاليًا إلى تطوير نماذج لأجهزة التقبيل، وبِدَل للعناق عن بُعد، ووسائد متصلة بالإنترنت تنقل صوت نبضات قلب الإنسان لشريكه مهما كانت المسافات بينهما، ومن المنتظر أن تشهد هذا التقنيات تطورًا نوعيًّا هائلًا في السنوات القليلة المقبلة، تجعل تجربة هذه التقنيات أكثر واقعية وجاذبية وإثارة.
اقرأ أيضًا: التكنولوجيا عدو أم صديق؟
من الخيالات الجنسية إلى الواقع الافتراضي
زاد الحديث في السنوات الأخيرة عن تقنيات الواقع الافتراضي واستخداماتها التي تنوعت بين أغراض علمية وفضائية وترفيهية، ولم يُهدِر تلك الفرصة مطورو تقنيات ممارسة العلاقة الحميمة عن بُعد، ويمكن اعتبار تقنيات الواقع الافتراضي في هذا المجال أشبه بامتداد متطور للخيالات الجنسية.
وظهر في الوقت الحالي ما يُعرف بعوالم الواقع الافتراضي الجنسي؛ مثل (Red Light Center) و(3DXChat)، التي يمكن للمستخدم فيها تكوين البيئة المحيطة وشكل الشخصيات التي سيقابلها، ويمكنه خلال تلك التجربة مقابلة أشخاص حقيقيين يشاركونه المتعة الافتراضية لحظةً بلحظة، وينتقلون بين مناطق الترفيه المختلفة والحفلات، الأمر الذي يُسهم في رفع الحالة المعنوية للاعب ويزيده ثقةً بنفسه.
وبدأت بعض عوالم الجنس الافتراضي في دمج استخدام الأعضاء الجنسية الاصطناعية في الواقع مع ما يراه المستخدم في عالمه الافتراضي، وهو ما يعني حرفيًّا إزالة الفوارق بين ممارسة علاقة حقيقية والخيالات الجنسية.
قد يعجبك أيضًا: مسلسل «Westworld» يثير التساؤل: هل نعيش في واقع افتراضي؟
العاشق الآلي
تتسابق الشركات في ابتكار شريك جنسي آلي يتمتع بجميع مهارات الشريك التقليدي؛ بعضها حقق نجاحات محدودة وأخرى قطعت شوطًا لا بأس به في هذا المجال، من بينها شركة (Abyss Creations) المنتجة للدُّمَى الجنسية الآلية، والتي بدأت هذا المشروع عام 2015 بهدف تصنيع دُمية آلية متحدثة، ومن المنتظر أن يبدأ الحجز على منتجاتها نهاية 2017.
ويسعى مطورو الشركة لإنتاج شريك جنسي آلي مندمج مع عالم الواقع الافتراضي، بالتعاون مع شركة (Hanson Robotics) المعروفة بإنتاجها روبوتات شبيهة بالإنسان باستخدام إمكانيات الذكاء الاصطناعي (AI).
وقد يُستخدم هذا النوع من الروبوتات مستقبلًا في علاج قصور الأداء الجنسي، أو الإسهام في تعليم الناس كيف يصبحون الشريك المثالي لعلاقة حميمة أفضل.
دعوة لتعلم أصول الجنس
تقدم بيئة الواقع الافتراضي طريقة مثالية وآمنة لاستكشاف القضايا الاجتماعية المتعلقة بالعلاقة الحميمة، وتحذر الراغبين في إقامة العلاقة من المخاطر التي قد تنطوي عليها.
وأطلقت جمعية الشبان المسيحيين (YMCA) في مدينة مونتريال الكندية حملة لتعليم الجنس باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، إذ يدخل المشاركون من الذكور تجربةً من منظور المرأة للتفاعل مع شريك جنسي ذكر؛ بهدف رفع الوعي بالمساواة بين الجنسين ولفت الانتباه إلى خطورة العنف ضد المرأة، وهو ما لن يحدث إلا إذا عاش الرجال تجربة من داخل جسد أنثوي.
وأعلن فريق من علماء جامعة إيموري الأمريكية ومعهد جورجيا للتكنولوجيا خطَّةً لتثقيف الفتيات جنسيًّا؛ بتطوير برامج تستخدم تقنيات الواقع الافتراضي تساعدهن على تجنُّب الممارسات الجنسية الخاطئة، ومكافحة الأمراض الجنسية المعدية، ومنع حالات الحمل العشوائي.
قد يهمك أيضًا: خبير سابق في غوغل يرصد كواليس هوسنا بوسائل التواصل الاجتماعي
قدرات جنسية بلا حدود
يقدم الطب باستمرار كل ما هو جديد في مجال تعويض قصور القدرات الجنسية، الأمر الذي جعل إنسان العصر الحديث يعيد النظر في مفهوم حدود قدراته الجنسية، التي ربما أثَّرت عليها إصابة أو مرض. وبالفعل، نجح أطباء أمريكيون في زراعة قضيب لشخص خسر عضوه الذكري في سبيل الشفاء من السرطان، كما تمكنت امرأة سويدية من الإنجاب بعد إجرائها جراحة زراعة رحم.
الفهم التكنولوجي للعلاقة الجنسية بات يتعدى مسألة التكاثر إلى ترسيخ فكرة المتعة.
وفي ظل نقص عدد المتبرعين بالأعضاء التي يعتمد عليها الأطباء لإتمام مثل تلك العمليات، يظهر دور تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تُستخدم لصناعة نسيج عضوي يحل محل الأعضاء الطبيعية من المتبرعين، وهو ما تُوِّج بنجاح علماء مركز (Wake Forest Baptist) الطبي في زراعة مِهبل مصنوع معمليًّا لامرأة، كما استخدم العلماء تقنيات الهندسة البيولوجية لزراعة أنسجة القضيب عند الأرانب.
ومن المتوقع أن تلغي التكنولوجيا مفهوم القدرات الجنسية المحدودة أو المعاناة من أي عجز أو مرض. ويبدو واضحًا أن الفهم التكنولوجي للعلاقة الجنسية بات يتعدى مسألة التكاثر، ويتجاوزها إلى ترسيخ فكرة المتعة وكيفية إيصالها بشكل حقيقي لغير القادرين على التواصل المباشر.
ومنذ بداية معرفة الإنسان للابتكار والإبداع وهو يدرك جيدًا أن كل اختراع جديد هو في الحقيقة سلاح ذو حدين؛ قد يستخدمه لما ينفعه ويُسهم في تطور ورفاهية الأجيال القادمة من بعده، وفي الوقت نفسه يمكنه، في غياب الضمير، استعماله في ما يدمره ويسيء به إلى نفسه والمحيطين به، وهو ما يتكرر بالتأكيد في علاقة التكنولوجيا بالجنس، ليبقى الطريقان أمام الإنسان وتبقى له حرية الاختيار بينهما.
أيمن محمود