الجنس في مصر: طريق السعادة أم اكتشاف المجهول؟

محمود جمعة العريني
نشر في 2017/05/22

الصورة: Jihan Abdalla

وسط تأمل زحمة الغايات، ورؤية الزهد والشقاء والأمل في أعين الناس وخطواتهم السريعة في الحياة، تتبادر بعض الأسئلة إلى الأذهان، مثل «ما الذي يجعل هؤلاء البشر في حاجة إلى بعضهم؟»، وبالتحديد: «ما الذي يجعل نوعًا معينًا يحتاج إلى نوع آخر؟ ماذا لو كانت البشرية كلها رجالًا فقط، أو كلها نساء؟».

تساؤلات كثيرة تتصارع في الرأس وتتجه جميعها نحو إجابة وحيدة واضحة: الجنس.

تكتُّم شديد

كيف يرى المصريون الحديث عن الجنس؟

ساعدت التكنولوجيا في فرض الثقافة الجنسية وإخراجها إلى السطح.

على مر العصور، كان الجنس ولا يزال الغريزة الأهم والأعمق في حياة البشر والدافع لكثير من أفعالهم، المفهومة منها وغير المفهومة. وفي مصر، يوجد تكتُّم شديد حول الجنس وكأن التفكير فيه خطيئة، شيء ينكره المصريون ولا يريدون الإفصاح عنه بأي شكل إلا في «الوقت المناسب» من وجهة نظرهم، وهو وقت زواج أبنائهم، فحينها يقدمون لهم النصح في بعض الأمور، وأحيانًا لا يفعلون بحجة الخجل، لكن إذا تأملت الفكرة تجدها فجوة حوار عميقة.

تُعد المشكلات الجنسية لدى أحد الزوجين من الأسباب التي تؤثر بالسلب على العلاقة الزوجية ومسار حياة الاثنين فيما بعد. قديمًا كان من المستحيل أن يتحدث أحد عن مشكلة له مع زوجته، أو أن يذهب الزوجان إلى استشاري صحة جنسية لمحاولة الوصول إلى المشكلة ومعرفة أسبابها ومن ثَمَّ علاجها، وكان المجتمع لا يتقبل تلك الفكرة من الأساس، ولا يعترف بالحديث إلى الأطباء في مثل هذه الأمور.

أما الآن فقد تغير الوضع كثيرًا، إذ ساعدت التكنولوجيا في فرض ثقافة جديدة لم تكن موجودة من قبل، وظهرت الندوات الطبية والبرامج التليفزيونية والمواقع الإلكترونية التي تتناول هذه الموضوعات مع مختصين في الصحة الجنسية.

أحد هؤلاء هي الدكتورة هبة قطب، التي تظهر كثيرًا على شاشات التليفزيون وبدأ التفاعل معها يزداد شيئًا فشيئًا، والعامل الذي ساعد في هذا أنها امرأة، ولذلك عظيم الأثر في تشجيع النساء على الحصول على نصائح من أجل حياة زوجية سعيدة.

التوجه إلى المواقع الإباحية

الدكتورة هبة قطب تتحدث عن أسباب لجوء الشباب إلى المواقع الإباحية

ينصح معظم المتزوجين أصدقاءهم بألا يُقدِموا على الزواج بحجة المسؤوليات والهموم الثقيلة.

مع التكتُّم الشديد الذي يُتوارث ويُرسَّخ في ثقافة المجتمع، يتجه معظم الشباب إمَّا إلى المواقع الإباحية، كونها المرجع الوحيد المتاح للتأكد ممَّا يدور في أذهانهم من خيالات وأفكار، أو سؤال الأصدقاء الذين يستقون معلوماتهم من المجتمع أو الإباحيات ولا يخلو حديثهم من مبالغة.

بسبب ذلك، تتكون لدى الشاب صورة ذهنية عن الجنس ترتبط بما تقدمه أفلام «البورن»، ثم يُفاجأ بعد الزواج بأن كل ما شاهده مجرد خيال لا يمكن تطبيقه، وربما يكتشف ذلك بعد تورطه في إدمان هذه المواقع، التي قد يجد فيها لذته أكثر من زوجته.

الفتور بين الزوجين

لا يسعى أحد إلى السعادة الزوجية، ولا يعرف الغالبية عنها شيئًا في مصر رغم أن الجميع يرغب في الزواج، وأغلب الشباب يريد أن يتزوج بحجة الاستقرار والحصول على شخص يرعاه ويُكمل معه حياته. يحمل هذا المنطق بين طيَّاته مشاعر ورغبات دفينة، إذا تم التعامل معها بشكل سليم سيتحقق الشعور بالسعادة، أما إذا تم تجاهلها ستسير الحياة في دائرة مملة، مثل تروس الآلة التي لا تعرف التجديد أو الأمل.

ربما يكون هذا سر ما يقوله الناس عن الزواج في مصر، إذ ينصح معظم المتزوجين أصدقاءهم بألا يُقدِموا على تجربة الزواج بحجة أنه يأتي ومعه مسؤوليات كبيرة وهموم ثقيلة لا يمكن احتمالها، لكن أحدًا لا يتحدث عن السعادة في وجود الطرف الآخر، أو متعة احتوائه، أو العلاقة الطبيعية التي شرَّعها الله بين الزوجين.

الثقافة الجنسية ضرورة

ما رأي المصريين في تدريس الجنس بالمدارس؟

تأتي الحاجات الأساسية والفسيولوجية للإنسان، ومنها الطعام والماء والنوم والجنس، في الطبقة الأولى من هرم الاحتياجات الأساسية بحسب عالم النفس الأمريكي «أبراهام ماسلو».

ومن الطبيعي أنَّ نسبة كبيرة من أفراد المجتمع تصارع الوقت كي تتزوج وتُشبع هذه الغريزة، وتلهث وراء السكن والوظيفة كي تنعم بالزواج باعتباره الإنجاز الوحيد، إذ تسعى الغالبية إلى ممارسة الجنس في إطار ديني ومجتمعي صحيح لكن دون علم أو معرفة، ولا يفكر أحد كيف يكون سعيدًا في زواجه، أو كيف يُسعد شريك حياته.

الحل في التعليم والقراءة والمعرفة الجيدة وتربية الأبناء. يجب عدم إغفال أن خُلُوَّ المناهج الدراسية من معلومات عن الصحة الجنسية كان سببًا رئيسيًّا في سيادة التكتُّم، وانتشار ثقافة المجتمع الذي يجد حرجًا في طرح وجهات النظر حول الجنس. للتربية دور مهم في فهم هذا التخبط الواضح، وكذلك للوحدات الصحية دور، إذ يجب أن تعمل على إطلاق حملات توعية تنشر بين المواطنين النظرة الصحيحة والعلمية للجنس.

ماذا لو تعاملنا مع غريزة الجنس كأي غريزة أخرى مثل الطعام أو النوم؟ ماذا لو آمنَّا أنها تحتاج لإشباعها بالشكل الأمثل؟ ماذا لو واجهنا حقيقة أن الجنس ليس عيبًا؟

محمود جمعة العريني