العناية بالذات ليست مجرد تدليل

دينا ظافر
نشر في 2018/01/02

الصورة: Getty/Alexander Ryumin

معنى العناية بالذات يتخطى بكثير تدليل النفس عن طريق التهام كميات كبيرة من الشوكولاتة، أو الاستمتاع بحمام دافئ يحيطك ضوء الشموع.

العناية بالذات تعني أن تنجح في وضع ميزانية مناسبة لبيتك، وتتبع روتينًا يوميًّا سَلِسًا، وتطهو وجبات صحية، وتمارس الرياضة بانتظام طوال الأسبوع، وتتوقف عن الهروب من مشكلاتك وتواجهها بحسم دون تأجيل. وهذا ما يستعرضه مقال منشور على موقع «Thought Catalog»، محاولًا كشف المعنى الحقيقي للعناية بالذات.

قرار عنايتك بنفسك صعب

الصورة: Tara Angkor Hotel

 العناية بالذات، بالتعريف، هي أي نشاط تؤديه من أجل ضمان صحتك الجسمانية والنفسية وجَودَة علاقاتك بالآخرين. وقد يعني اهتمامك بنفسك أصعب شيء يمكن أن تتصور فعله، مثل إنهاء علاقتك بشخص حسبته يومًا صديقًا، أو البحث عن وظيفة إضافية لزيادة دخلك، أو أن تقبل نفسك كما أنت دون السعي إلى الكمال.

إضافةً إلى ما سبق، يدعوك المقال إلى أن تأخذ راحة من الحياة لتدلل نفسك بأمور تراها أساسية أيضًا، مثل الاستمتاع بحمام ساخن، أو قراءة كتاب، أو إغلاق الهاتف والابتعاد عن ضغوط العمل ولو ليوم واحد، أو الخروج لتناول الغداء وحدك أو بصحبة كتاب، وأن تفعل هذا دون أن تجهد نفسك بحثًا عن مبررات، فلا ينبغي أن نقرر التوقف لالتقاط الأنفاس فقط عندما نسقط من التعب.

اجعل النوم أولوية، حتى لو كنت تعتبر نفسك شخصًا يحتاج إلى فترات نوم أقل من الآخرين.

اقرأ أيضًا: انشغالك بالماضي أو المستقبل قد يدل على حزنك

اعتناؤك بنفسك ليس رفاهية

اهتمامك بنفسك يعني بناء حياة لا يكون عليك الهروب منها من وقت إلى آخر، وقد يعني هذا اقتحامك أمورًا تخشى الاقتراب منها.

العالَم الذي يعتبر العناية بالذات رفاهية اختيارية يجوز تركها، هذا عالَم مريض بحسب ما يؤكده المقال. فلا ينبغي أن يكون اهتمامنا بأنفسنا أمرًا نلجأ إليه عندما تُشقينا الحياة ونشعر بالإنهاك التام، فنسعى حينها إلى الهروب من الضغوط الحياتية المستمرة.

لا تُثقل نفسك بالمسؤوليات وتضع رغبات الآخرين دائمًا فوق رغباتك، حتى يأتي يوم تصبح فيه غير قادر على الاستمتاع بالأمور العادية، مثل اصطحاب أولادك/إخوتك في نزهة، أو إعداد وجبة شهية للأسرة، فالأصل أننا نستمتع بهذه الأشياء، لأنك إذا استنفدت قواك، لن يعود لديك ما تعطيه.

واجِه الفشل.. جرب أشياء جديدة

اهتمامك بنفسك يعني بناء حياة لا يكون عليك الهروب منها من وقت إلى آخر، وقد يعني هذا اقتحامك أمورًا تخشى الاقتراب منها، فالعناية بالذات تتطلب مواجهة إخفاقاتك وخيبات أملك بصورة صارمة، وإعادة رسم خططك الحياتية، وقد يعني هذا التخلي عن رغباتك الحالية، أو ربما تطلّب ترك الأمور تسير في مجراها، أو العكس: الإقدام على خيارات جديدة.

في كل الأحوال، تدعوك كاتبة المقال إلى التركيز على الوجهة التي ترغب في الوصول إليها، فلا تدع كثرة العثرات أو طول الطريق يثبط عزيمتك، لا يوجد طريق مستقيم دون منحنيات أو عقبات. اختيارك طريقًا لم يمشِه سواك ربما يعني الوصول إلى أرض لم يسبقك إليها أحد.

ثِق في قرارة نفسك أن السيناريو الأسوأ الذي يراودك لن يحدث، وإن حدث فإنك على الأرجح ستجد طريقةً ما لتخطيه، وفق الكاتبة، ولعل هذا ما قصده الروائي البرازيلي «باولو كويلو» حين قال: «لو كنت لا تمشي سوى في الأيام المشمسة، فلن تصل أبدًا إلى وجهتك».

العناية بالذات لا تعني مكافأة نفسك على طول الطريق، بل تتضمن تربية النفس وتقويمها، واختيار أشياء تحقق الأفضل لك على المدى الطويل، وقد تؤدي إلى خذلان بعض الأشخاص، أو قد تدفعك إلى التضحية من أجلهم.

تغاضَى عن صغائر الأمور قليلًا

الصورة: Joakim Berndes

تقول كاتبة المقال إن عنايتك بنفسك قد تتمثل في أن تكون عاديًّا، غير مميز، أن تترك سيارتك متسخة أو دولابك غير مرتب، أو لا تراقب وزنك كل يوم. الاهتمام بنفسك قد يتطلب منك أن تركز على أكبر استفادة من إمكاناتك، وربما تغيير طريقة التفكير التي تعودت أو تربيت عليها.

تعلّم أن تتخلص من بعض الأهداف غير المهمة من أجل تحقيق أهداف أخرى حيوية. كن صادقًا، ولو كلفك هذا محبة بعض الناس.

في داخل كل منا ناقد لاذع أو صوت مدمر يُملي علينا أن نحقق أهدافًا معينة كي «تصبح لنا قيمة»، وذلك الصوت يوهمنا دائمًا بأن كل ما نفعله لأنفسنا محض أنانية، ويشتتنا ويؤثر في سلوكنا وحالتنا المزاجية، وهو المسؤول غالبًا عن رغبتنا في الوصول إلى المثالية.

فإذا سمعت ذلك الصوت يحذرك من «الخروج مع أصدقائك» باعتباره مضيعة للوقت، تَعلّم أن تتجاهله على الأقل في بعض الأوقات.

يأتيك هذا الصوت نتيجة تجارب سابقة، أو تفاعلات مع أقرانك، أو إخوتك، أو غيرهم من الأشخاص، وكثيرًا ما يكون مصدره ترسبات قديمة من تفاعلاتك مع أبويك أو تفاعلاتهما معًا.

قد يهمك أيضًا: لا داعٍ لتغيير العالم.. استمتع بحياتك العادية

كن بطل حياتك

العناية بالذات تعني أن لا تصبح حياتك المزدحمة بالمسؤوليات سببًا لتدمر نفسك بتدخين السجائر، أوحجة لتسوِّف قرارات مهمة. ربما يحل اهتمامك بنفسك كثيرًا من المشكلات التي عجزت عن حلها قبل ذلك. وتذكّر أن اهتمامك بنفسك سيعيد شحن طاقتك ويجعلك أكثر إيجابية، وهو ما سيعود بالضرورة على مَن حولك.

عنايتك بذاتك تعني أن تصبح البطل القادر في حياتك لا الضحية المنهزمة، فهو يساعدك على ترتيب حياتك، حتى لا تصبح حياتك اليومية مشكلة في حد ذاتها تحتاج إلى علاج، وأن تتوقف عن عيش حياة ظاهرها طيِّب وباطنها العذاب.

تَعلّم أن تتخلص من بعض الأهداف غير المهمة من أجل تحقيق أهداف أخرى حيوية. كن صادقًا ولو كلفك هذا محبة بعض الناس، وتعلّم كيف تفي باحتياجاتك، كي لا يأكلك التوتر وتشعر أن حياتك تعتمد على آخرين يديرون دفتها.

لا تقارن، المقارنات فخ

الصورة: panayotis

احذر المقارنات المستمرة التي قد يُكررها عليك عقلك، فلكل شخص ظروفه التي يسّرت له اختيارات بعينها، وأولوياته التي يضعها على قمة حياته. وبينما تفضِّل أنت السفر والترحال، يجد غيرك متعته الكبرى في تغيير سيارته كل بضعة أعوام.

تحرّر من قيد نفسك واحصل على ما تريد، لا تخشَ لَوم الآخرين ما دام ما تفعله لا عيب فيه.

اسأل نفسك دائمًا إذا كانت أهدافك هي أهداف اخترتها برغبتك وليست مطامع تظن أن «عليك» الحصول عليها كي «تسمح» لنفسك بقدر من السعادة. مَن قال إن عليك أن تعيش في «كمباوند» كي تكون سعيدًا، أو أن ابنك ينبغي أن يكون الأول على المدرسة كي ترضى عنه؟

العناية بالذات تتطلب، حسب الكاتبة، أن تصير الإنسان الذي تريد أن تكونه، شخصًا يعرف أن أخذ حمام دافئ أو تناول البيتزا أو مشاهدة فيلم طُرُق للاستمتاع بالحياة وليس الهرب منها.

لا تغار من أشياء يملكها آخرون وتحبسها عن نفسك بقرار منك. إن شئت، تحرر من قَيد نفسك وانطلق للحصول على ما تريد، ولا تخشَ لوم الآخرين ما دام ما تفعله لا عيب فيه.

أَحِب الآخرين

الصورة: Hector Alejandro

ليس هذا تناقضًا، فإذا أردت أن تهتم بأمر نفسك، هَب حبك للآخرين. إذا أردت أن تتعافى من سوء معاملة الناس لك أو قسوتهم أو تجاهلهم، عليك بالتسامح والحب، اغفر حتى لمن آذوك يومًا.

تشير الأبحاث التي أُجريت عن التعلق إلى أن الإنسان خُلق ليتلقى مشاعر الحب ويهبها إلى الآخرين. تعلّم أن تعطي الحب، وأن تعرف أيضًا ما يحبه الناس فيك. جرب مثلًا أن تسأل أصدقاءك أو أفراد أسرتك أو حتى زملاءك في العمل عن صفات ثلاثة يحبونها فيك، وبادلهم التجربة.

العناية بالذات ليست شيئًا نفعله مرة في العمر ثم نسارع بشطبه من قائمة المهام، بل هي عملية مستمرة، وطريقة تفكير تحكم تصرفاتنا وقراراتنا. ستجدها في نوع الموسيقى الذي تختاره وأنت تقود سيارتك متجهًا إلى عملك، وفي الوقت الذي تقرر الخروج فيه للتمشية والاستمتاع بالشمس، وفي مكالمة تسمع فيها صوت شخص تحبه. ستجد العناية بنفسك جزءًا من تفاصيل حياتك اليومية.

دينا ظافر