ما هو سر السعادة الذي لا يعترف به أحد؟
لماذا تبدو السعادة كهدف متحرك، كلما اعتقدنا أننا سنصيبه راوغنا؟ لماذا يعيش أُناس ويموتون دون أن يجدوا السعادة الحقيقية؟
قد تقرأ كتابًا طويلًا يَعدك بالسعادة والأمل دون أن تضيف بسمة واحدة إلى رصيد سعادتك، لكن الوصول إلى السعادة ليس أمرًا صعبًا كما قد نشعر في بعض اللحظات المظلمة من حياتنا، إلا أنه يتطلب قدرًا من الممارسة وتغافلًا عن المشكلات، حسب مقال منشور على موقع «HighExistence».
أَدخلوا السعادة في مجال رؤيتكم
لدينا جميعًا بقع عمياء نفسية، فالأشخاص الذين يعانون فقدان الشهية العصبي يعتقدون أنهم بُدَناء، كما يجد ضحايا العنف المنزلي أعذارًا لسلوك أزواجهم، وبالمثل، كثيرًا ما نكون أسعد في الحقيقة ممَّا نعتقد.
يقول كاتب المقال إنه حينما كان يعاني من الاكتئاب لم يكن يعرف بالتحديد مصدر ما يزعجه، فكان يلقي اللوم على وظيفته حينًا، وعلى أصدقائه حينًا آخر، وعلى سوء حالة الجو أحيانًا، لكنه كان يتملص في كل الأحوال من المسؤولية تجاه تلك التعاسة، حتى بدا الاكتئاب آتيًا من مصدر مجهول خارج السيطرة.
يشرح الكاتب أن الشعور بالاكتئاب دون معرفة السبب أمر مخيف، فبالحسابات المنطقية لم يكن ينقصه شيء، كانت لديه وظيفة مستقرة وشقة جميلة، كما كان يسكن على بعد دقائق من الشاطئ، ولم يعكر صفو حياته سوى المعايير التي وضعها لنفسه، والتي يراها اليوم غبية.
تتحكم الظروف اليومية العشوائية في مزاجنا ومسار يومنا، والسعادة تكون أمامنا طَوَال الوقت لكننا لا نراها.
كان يريد السفر حول العالم لكنه لم يكن يوفر المال الكافي لذلك، وكان يريد أن يتمتع بصحة جيدة لكنه لم يمارس الرياضة أو يتناول غذاءً صحيًّا، وكان يوَدُّ أن يصبح كاتبًا غير أنه لم يتفرغ أبدًا للكتابة، فالإنسان الذي لا يعرف ما يريد يفعل الكثير من الأشياء التي لا يريدها.
يقول الكاتب إنه لم يكن يركز انتباهه على الأشياء التي كان شغوفًا بها، فكانت الظروف اليومية العشوائية تتحكم في مزاجه ومسار يومه، وكانت السعادة أمامه لكنه لم يرها.
تعلموا السعادة
من الصعب تقبُّل فكرة التنازل عن الأحلام، لأننا جميعا لدينا شخص في حياتنا دائم البسمة لا يشكو همًّا.
يقول الفيلسوف الروماني «سينيكا» إن المرء يكون بائسًا بقدر ما يرى نفسه كذلك، فالمشكلات لن تتوقف عن الحدوث، ولكن الناس في هذا العصر صاروا أكثر تطلعًا، إذ باتوا يشعرون أن السعادة حق من حقوقهم، فأصبحوا أقل تقبلًا للأخطاء وأكثر رغبةً في تطبيق خططهم بحذافيرها، وهو أمر جميل لكنه لا يعدو أن يكون حلمًا.
من الصعب تقبُّل فكرة التنازل عن الأحلام، وفق الكاتب، لأننا جميعا لدينا شخص في حياتنا نراه دائم البسمة لا يشكو هَمًّا، وهؤلاء الأشخاص قد يكونوا مصدر إزعاج، لأن التعساء والمكتئبين يحسدونهم على إقبالهم الدائم على الحياة. يقول الكاتب، الذي عانى من الاكتئاب لفترة، إنه كان يتصور أن السعادة التي يشعرون بها تدل على الغباء، وإلا كيف لا يرون بؤس الحياة كما يراه هو؟ لكنه اليوم يعرف أنهم ليسوا أغبياء، هم فقط أوفر حظًّا.
يبدو أن الوصول إلى السعادة أمر سهل على بعض الناس أكثر من غيرهم، تمامًا مثل فقدان الوزن، فهناك من يلتهم كميات كبيرة من الطعام دون أن يزداد وزنه، وآخر يسمن إذا أكل قطعة صغيرة من الحلوى.
لكن حتى أولئك الذين يكتسبون الوزن بسهولة يستطيعون أن ينحفوا إذا بذلوا جهدًا أكبر وتمتعوا بإرادة أقوى، أو مثل ما تقول مؤلفة كتاب «أساطير السعادة»: باستطاعتك أن تجعل نفسك أكثر سعادةً بالضبط كأنك تفقد وزنًا، فكما أنك تستطيع أن تغير عاداتك الغذائية وتمارس الرياضة، يمكنك أيضًا أن تبذل جهدًا يوميًّا من أجل الوصول إلى السعادة.
هذا هو سر السعادة الذي لا يعترف به أحد: السعادة شيء يمكنك تعلمه، فهو لا يتطلب سوى الإرادة والكثير من الممارسة اليومية، ولا أحد مسؤول عن سعادتك سواك، فإذا أردت أن تكون سعيدًا، عليك أولًا أن تختار أن تكون سعيدًا، لكن كيف يمكنك أن تمارس السعادة؟
كبار السن يعطوننا درسًا في السعادة
يشعر كبار السن بسعادة أكبر ممَّن هم أقل سنًّا، لأنهم أقدر على التركيز على الإيجابيات.
يقول «روبرت تشالديني»، مؤلف كتاب «علم نفس الإقناع»، وهو أحد أهم كتب علم النفس في رأي كاتب المقال، إنه يمكنك أن تقنع نفسك أن تصبح سعيدًا.
في آخر كتبه، يشير تشالديني إلى دراسة تكشف سر تمتع كبار السن بسعادة أكبر من غيرهم، رغم أنهم أضعف وأقل نشاطًا وأسوأ صحةً من صغار السن. توضح الدراسة أن سر سعادة كبار السن يكمن في حسن إدارتهم لعقولهم، فهم يعتقدون ببساطة أنه ليس في العمر الكثير ليضيعوه على الأفكار السلبية والذكريات.
في المتوسط، يشعر كبار السن بسعادة أكبر ممَّن هم أقل سنًّا لأنهم أقدر على التركيز على الإيجابيات، لكن لماذا علينا الانتظار حتى نتقدم في العمر كي نتذوق السعادة؟
بحسب أستاذة علم النفس «سونيا ليوبوميرسكي»، تتحقق السعادة عن طريق مجموعة من الأنشطة اليومية، الثلاثة الأولى منها تتمحور حول إعادة توجيه الانتباه، فهي تنصحنا بأن:
- نعُدَّ النعم التي نتمتع بها صباح كل يوم، ونكتبها لتأكيدها.
- نمرِّن أنفسنا على التفاؤل بالنظر دائمًا إلى الجانب المشرق من الأحداث والاحتمالات المستقبلية.
- نقلل الفترات التي نفكر فيها في المشكلات وفي المقارنات غير الصحية.
على بساطة تلك النصائح، فإن القليل جدًّا منا قد يُضمِّنها فعلًا في جدوله اليومي، وينصح الكاتب باتباعها لأنها نجحت في تغيير منظوره للحياة بالفعل.
مساعدة الذات تكون بإسكات العقل أحيانًا
يقول كاتب المقال إنه استعان بكتب التنمية البشرية، التي ساعدته في التأمل وممارسة الرياضة وحب نفسه، رغم أن عقله لم يكن يقبل ما فيها في البداية، بل كان يستهزئ ببساطة الأفكار التي تحث عليها، غير أن تلك الكتب ساعدته في إدراك أن عقله سبب تعاسته فعلًا، فقد كان عليه أن يُسكته أحيانًا كي ينعم بالسعادة.
قد يهمك أيضًا: هكذا تنجح كتب التنمية البشرية في إقناعنا
لم يكن الأمر سهلًا، فالعقل يلح علينا بالسلبيات، تمامًا كما يظل حبيب قديم يطاردنا ويفرض نفسه على حياتنا، لهذا فإن قائمة النصائح اليومية التي تقدمها ليومبوميرسكي تساعد في التخلص من الأفكار السوداء التي تطاردنا.
تَعاقَد على السعادة
الطريق إلى السعادة يتطلب ركضًا طويلًا كالماراثون، فلا ينبغي أن يتملكنا اليأس لمجرد أننا لا نشعر بالسعادة.
يرى الكاتب أن عليك اللجوء إلى بعض الخطوات كي تصل إلى السعادة:
1. خذ عهدًا على نفسك
اكتب: «أتعهد، أنا فلان، أن أبذل جهدًا يوميًّا لتحسين مزاجي وخلق سلوك إيجابي نحو حياتي وحياة الآخرين»، فالكتابة لها تأثير نفسي مهم، وهي علامة على الاستعداد للتغيير، وينصح الكاتب كذلك بالتوقيع على ذلك العهد ووضعه في مكان ظاهر كي تتذكره باستمرار.
2. انتقل إلى الممارسة
ينصح المقال بكتابة نعمة واحدة نتمتع بها عند الاستيقاظ من النوم، ولا مانع من كتابة المزيد، ولا مانع كذلك من كتابة نعمة أخرى قبل النوم، ولن يستغرق هذا أكثر من بضع ثوانٍ فقط.
3. اتبع الخطة حتى النهاية
يقول الكاتب إن الطريق إلى السعادة يتطلب ركضًا طويلًا، فهو مثل الماراثون، ولا ينبغي أن يتملكنا اليأس لمجرد أننا لا نشعر بالسعادة بعد أيام قليلة من اتباع تلك الخطوات. كاتب المقال نفسه لم يستشعر تغييرًا سوى بعد شهرين من الالتزام بذلك الروتين اليومي، الذي جعل والدته تلاحظ ما طرأ عليه من اختلاف.
تشكل الخطوات السابقة الأساس العملي للوصول إلى السعادة، لكن الكاتب ينصح مريدي السعادة بأن يسألوا أنفسهم بعض الأسئلة لتحقيق قدر أكبر منها، وتشمل هذه الأسئلة:
أين أشعر بحيوية أكبر؟ ما هو شغفي؟ ما أحلى ذكرياتي؟ ما الذي يحزنني؟ ما الذي يغضبني؟ متى أفقد السيطرة على مشاعري؟ من الذين يُضفون البهجة على حياتي؟ من الذين يتسببون في إتعاسي؟ ما الأنشطة اليومية التي تعطي قيمة لحياتي؟ ما الأنشطة التي تسبب لي الألم؟
وينصح الكاتب بالأمانة مع النفس ومواجهة الحقيقة، فقد تكون هناك أنشطة نعتقد أنها تجلب لنا السعادة بينما هي عكس ذلك، مثل المخدرات، التي تعطي نشوة وقتية سرعان ما تزول، وينبغي التخلص من الأنشطة السلبية وإضافة كل ما يعطي قيمة للحياة.
يمكن الاستعانة ببعض السيناريوهات التخيلية للمساعدة في تجاوز المشكلات والوصول إلى الصفاء النفسي والسعادة، فيمكنك على سبيل المثال أن تفكر: «لو تحدث أهلي في السياسة، سأحول دفة الحديث»، أو: «لو ضيَّقت سيارة أخرى الطريق أمامي، سوف أستدعي من ذاكرتي لحظة جميلة».
ما سر السعادة إذًا؟
سر السعادة في ممارسة السعادة، والشعور بالمسؤولية، ومحاسبة النفس، فأنت من يملك مفتاح سعادتك. والحقيقة أننا سواء كنا أغنياء أو فقراء، سعداء أو تعساء، فنحن على تلك الحال بسبب الأفعال التي نؤديها.
ستظل هناك أوقات حزينة، لكن عندما تصبح السعادة هدفًا نسعى إليه، يغطي بريق الجانب المشرق من الحياة على عتمتها، ويطغى الجمال على القبح، وعندها فقط نحيا سعداء.
دينا ظافر