وحيد قرن دون قرن: كيف تجرح حيوانًا لتحميه من الانقراض؟
لا بد أنك رأيت صورة «سودان» هنا أو هناك. وحيد القرن الأبيض الأخير من نوعه، والذي مات في مارس الماضي، واحتلت صورته لفترة عناوين الأخبار الرئيسية، ومواقع المهتمين بعالم الحيوان. لكن في الواقع، خلف قصة «آخر وحيد قرن أبيض»، تقبع قصة أخرى أشد حزنًا، قصة عن الجشع ويد الإنسان التي تخرب الطبيعة بسبب ودون سبب.
كان سودان آخر وحيد قرن شمالي أبيض، وبوفاته قلَّت فرص حماية هذه الفصيلة النادرة من الانقراض. بلغ سودان 45 عامًا، وعانى قبل وفاته من أمراض عدة، ما دفع الأطباء إلى قتله قتلًا رحيمًا لإنهاء معاناته. لكن الملفت في القصة أنه عاش محاطًا داخل محمية «أول بيجيتا» في كينيا محاطًا بحرس مسلحين لحمايته من الصيادين.
ساعدت قرون وحيد القرن في حماية نوعه من الانقراض لملايين السنين، لكنها بتغيير الأزمنة، ودخول البشر إلى المعادلة، كانت السبب وراء قتل سبعة آلاف وحيد قرن في جنوب إفريقيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي تقرير نشرته صحيفة «الغارديان»، أشار الكاتب إلى أن الرغبة البشرية المتواصلة في الحصول على قرن هذا الحيوان أدت إلى قتل أكثر من ألف وحيد قرن سنويًّا في الدولة التي تملك أكثر عدد من وحيد القرن في العالم.
لماذا يسعى الصيادون وراء القرون
وفقًا لموقع «انقذوا وحيد القرن»، تتكون قرون وحيد القرن من مادة الكرياتين، وهي نفس المادة التي توجد في الأظافر والشعر، وتحتوي على كمية كبيرة من الأحماض الأمينية، وبخاصة «السيستين» و«التيروزين» و«كربونات الكالسيوم»، و«فوسفات الكالسيوم».
ويشاع في العلاجات الصينية التقليدية القديمة استخدام قرون وحيدي القرن لأكثر من ألفي عام في علاج الحمى والروماتيزم والنقرس، إضافة إلى علاج لدغات الثعابين والهلوسة والصداع. وهناك اعتقاد في عدد من الدول الغربية أن مسحوق القرون يمكن أن يُستخدَم كعقار مثير للشهوة الجنسية. وارتفع البحث عنه في فيتنام بعد ظهور وصفات تقول إنه مفيد في علاج آثار الثمالة، والمرض العضال، حسبما يشير كاتب المقال.
كشفت دراسة استقصائية أجراها موقع «ترافيك»، عام 2013، عن أسباب أخرى للسعي وراء قرون وحيد القرن، وهي أغراض عاطفية أكثر منها علاجية، إذ يسعى المشترون إلى كسب مكانة اجتماعية بين أقرانهم، وهم عادة متعلمون ولديهم دوائر اجتماعية قوية، وغير متصلين بالحياة البرية، ويشترون القرون بغرض منحه كهدية إلى آخرين، سواء كانوا أفراد الأسرة، أو زملاء عمل، أو أصحاب سلطة.
يُحضَّر القرن للاستخدام بطحنه، ثم إذابته في ماء مغلي، وتناوله كمشروب.
جهود الإنقاذ
دفعت معدلات الصيد مديري المحميات الطبيعية بجنوب إفريقيا إلى قص آلاف القرون من وحيدي القرن قبل أن تطالها يد العصابات الإجرامية بالقتل.
كان الطبيب البيطري «مايك توفت» يحوم بطائرة هليكوبتر حول محمية «Somkhanda Game» في جنوب إفريقيا بعد أن أطلق مجموعة مختلفة من العقاقير المخدرة على وحيد قرن ضخم. بدأ وحيد القرن في التمايل والاتكاء على ركبتيه بينما يبدأ مفعول المهدئات في السريان بجسده الضخم.
قد تظن أن مايك ينتمي إلى إحدى عصابات الصيد، لكنه في الحقيقة ابتكر طريقة جديدة للحد من صيد وحيدي القرن، وهي قص قرونهم.
دفعت معدلات الصيد المرعبة عددًا من مديري المحميات الطبيعية في جنوب إفريقيا إلى البدء في هذا الإجراء مؤخرًا، أي قص آلاف القرون من الحيوانات كل عام، قبل أن تطالها يد العصابات الإجرامية بالقتل. وباختفاء القرون التي تعد مكافأة الصيادين لأنها بالأساس ما يسعون إليه، قَلَّ السعي وراء الحيوانات منزوعة القرن.
نجحت الفكرة: شر لا بد منه
أدت استراتيجية قطع القرون إلى نتائج مذهلة في محميات مختلفة. حلل «كريس جاليريز»، رئيس جمعية «Game Rangers Association of Africa»، إحصائيات الصيد غير المشروع من عام 2010 إلى 2015 في المقاطعة الجنوبية الشرقية في محافظة كوازولو ناتال، ووجد أن ربع وفيات وحيد القرن تقريبًا تحدث في المحميات الخاصة. لكن بعد ذلك، وبالتزامن مع الجهود المبذولة في إزالة القرون، تضاءلت النسبة إلى 5% فقط، وهو انخفاض غير مسبوق، حسبما يورد المقال.
عملية إزالة القرن مزعجة وعنيفة، لكن بلا دماء، ولا تسبب ألمًا لوحيد القرن أكثر مما تشعر به حين تقلم أظافرك.
من 2015 إلى 2018، أزال «جاليريز» ما يقرب من 1800 قرن. لكن في الوقت نفسه، يعرف جيدًا أن إزالة القرون ليست حلًّا دائمًا ولا مثاليًّا. ويقول جاليريز إنه شيء لا يرغب في القيام به، لكنه شر لا بد منه، مشيرًا إلى أن العملية عدوانية، ومكلفة، إذ ينبغي توفير 580 دولار لإزالة قرن واحد بأمان.
تتضمن التكلفة تأجير الهليكوبتر، وتوظيف أطباء بيطريين مهرة. ويشير جاليريز كذلك إلى نقطة مهمة، وهي أن عملية إزالة القرون يجب أن تعاد كل 18-24 شهرًا لأن القرون تعود للنمو بشكل طبيعي. وحتى بعد إزالة القرون، وجدوا بعض الحالات التي يستهدف فيها وحيد القرن لأجل جذعه.
طَوَّر «توفت» طريقة لإزالة أكبر قدر ممكن من القرن دون التسبب في ألم للحيوان أو تلف خلايا النمو عنده. إذ تبدأ الإزالة بعد مساحة ثلاث أصابع تقريبًا من القاعدة، ثم يُقلَّم بقية القرن بجهاز تقليم.
عملية الإزالة مزعجة وعنيفة، لكن بلا دماء، ويصر توفت على أنها لا تسبب ألمًا أكثر مما تشعر به حين تقلم أظافرك. ويؤمن هو وجاليريز بأن إزالة القرون يمكن أن تساعد في إنقاذ وحيدي القرن المهدَّدين في إفريقيا وآسيا، لكن التكلفة الكبيرة ربما تتيح العملية فقط داخل المحميات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
يقول توفت إن الحيوانات التي دون قرون تكون أكثر عرضة للخطر في المعارك، لكن الأمر يتساوى بالنسبة إلى وحيدي القرن المزالة قرونهم في حديقة واحدة، ومع ذلك، فما زال بإمكان وحيد القرن حماية نفسه من المفترسين باستخدام ما تبقَّى من قرنه.
ينتشر صيد حيوانات أخرى غير وحيد القرن لأجل منافعها، فمثلًا يصاد الفيل لأجل نابه العاجي. لكن توفت لا يظن أن نزع الأنياب سيشكل حلًّا في هذه الحالة لأن الأنياب تحتوي على جذور وأعصاب حساسة، وإذا أزيل الجزء المجوَّف منها سيظل الجزء المحتوي على الأعصاب ملفتًا للصيادين، والأنياب أدوات أساسية يستخدمها الفيلة في نزع لحاء الشجر والحفر.
يبدو أن نزع القرون يشكل حلًّا ناجحًا كعلاج مؤقت للمشكلة، لكن النقاش الذي بدأ منذ عقود ما زال مستمرًّا حول ما يمكن فعله للحد من السعي وراء قرون هذه الحيوانات المسكينة التي تكلفها الرغبة البشرية حياتها وحياة نوعها كله.
سلسبيل صلاح