ساعد وشجع: المكافأة والعقاب ليست الطريقة المثلى للتربية
تحكي «هيذر تورجيون»، الكاتبة والطبيبة النفسية المختصة برعاية الطفل والتربية، أنه في أحد الأيام أخبرها أحد الأباء في عيادتها، بشعوره بالفزع عندما يحين وقت نوم طفله. فزع من يعرف أن أمامه ساعات طويلة من الصراخ والتوتر في المنزل.
كان الطفل يبدأ المشاغبة فور ذِكر النوم، متجاهلًا كل التوجيهات بإصرار. يتذكر كل الأشياء التي رغب فيها طوال اليوم، وكل الألعاب التي أراد اللعب بها. وبمجرد ذكر كلمة «السرير» يبدأ الطفل في الحركة والابتعاد بأي طريقة ممكنة عن النوم.
سألها الأب السؤال الذي تسمعه باستمرار: عندما يتصرف الطفل الصغير بهذه الطريقة: هل نعاقبه بحرمانه من ألعابه، أم نقلل له وقت اللعب، أم نكافئه بالهدايا عند التزامه؟
تُجيب تورجيون عن هذا السؤال في مقالها المنشور في جريدة «The New York Times»، بأنه أمر مفهوم أن يعتمد الآباء على العقاب، إذ إنهم نشأوا عليه، فهو الطريقة الأسهل والأسرع بالطبع. التهديد بالمنع أمر ناجح بشكل كبير.
إعادة إنتاج القسوة
يشير علماء النفس دائمًا إلى أن المكافآت يمكن أن تقلل من دوافعنا الطبيعية.
يسترجع الآباء الطرق التي كان آباؤهم يتعاملون بها معهم، ويرون أن هذه الطريقة نجحت معهم بالفعل. لذا، فهي على ما يبدو طريقة مناسبة للتعامل بها مع أطفالهم.
لكن ما لا يفكر الآباء فيه أن العقاب يزيد حدة الصراع، وفقدان فرصة التعلم التي قد يكتسبها الطفل من خطأه. يستنبط الأطفال من العقاب أن أمامهم اختيارين: الشِّجار أو الفرار، ما يعني أن تفكيرهم المتقدم سيتنحى جانبًا وستبدأ آليات الدفاع الأساسية في العمل.
العقاب يجعل الأطفال يتمردون أو يشعرون بالخجل أو الغضب أو يقمعون مشاعرهم أو يبذلون جهدًا إضافيًّا في التخطيط لأخطائهم القادمة، حتى لا يكتشف أحد فعلتهم. في هذه الحالة، يرى الطفل أن الحل هو مقاومة توجيهات والديه، وإن لم ينجح في هذه المقاومة، فالحل في إجادة الإخفاء. هل معنى هذا أن المكافأة الاختيار الصحيح؟ ليس بعد.
المكافأة هي التوأم المستتر للعقاب. يرى الآباء أنها عامل جذب للطفل لأن تأثيرها يمكن أن يسيطر عليه للحظات. لكن هذا التأثير يتلاشى أو ربما يأتي بنتائج عكسية. ربما تطلب الأم من الطفل أن يرتب غرفته، فيرد بـ«وعلى ماذا سأحصل في المقابل؟». تتحول المكافأة، من وجهة نظر الطفل، من حافز إلى شيء مستحَق طوال الوقت.
يشير علماء النفس دائمًا إلى أن المكافآت يمكن أن تقلل من دوافعنا الطبيعية. على سبيل المثال، في تجربة أُجريت على مجموعة أطفال لمعرفة تأثير المكافأة فيهم. قسم الباحثون الأطفال إلى مجموعتين: الأولى دفع لها القائمون على التجربة مقابلًا لما يرسمونه، والمجموعة الثانية رسمت دون أي مقابل.
لوحظ أن الأطفال الذين دُفع لهم، رسموا بجودة واهتمام أقل مما رسمه أطفال المجموعة الأخرى. وهذا ما يسميه علماء النفس «Over Justification Effect» (تأثير زيادة الدافع)، وهي ظاهرة يكون فيها لزيادة الدافع أو المقابل، أثر في رغبة الإنسان لعدم فعل الشيء المطلوب منه أصلًا. فالمكافأة الخارجية بالنسبة إلى الطفل هنا، وكل شيء بالنسبة إليه مهم وكبير، تلغي الحافز الداخلي للطفل.
ارتبطت المكافأة أيضًا بانخفاض الإبداع. في تجربة حل مشكلة إلصاق الشمعة بالجدار، أعطى القائمون على التجربة عدة أدوات إلى مجموعة من الأشخاص: علبة دبابيس وشمعة وعلبة أعواد الثقاب.
وطلبوا منهم إيجاد طريقة لتثبيت الشمعة بالجدار، باستخدام هذه الأدوات فقط.
يتطلب الحل تفكيرًا إبداعيًّا ورؤية الأدوات بطريقة غير مرتبطة باستخدامها العادي، واستخدام الصندوق كحامل للشمعة وتثبيته على الجدار جانبيًّا بالدبابيس. الأطفال الذين قيل لهم إنهم سيكافَؤون على حل هذه المعضلة، استغرقوا وقتًا أطول لإدراك الطريقة وإيجادها.
يشير هذا إلى أن مفهوم المكافأة يُضيق مجال رؤيتنا فتتوقف أدمغتنا عن الدهشة والحيرة بشكلٍ حر، ونتوقف عن التفكير بعمق ورؤية الاحتمالات، مركزين تفكيرنا على ما سنحصل عليه.
قد يهمك أيضًا: زرع، حصد: النتائج الكارثية لقسوة الآباء
افتراضات سلبية في معظمها
يعتمد مفهوما العقاب والمكافأة بالكامل على الافتراضات السلبية حول الأطفال. غالبًا ما يفترض الأباء أن أطفالهم يحتاجون إلى السيطرة الكاملة عليهم. وإلى التحكم فيهم، والاعتماد على الأبوين لتشكيلهم بالكامل. لكن يمكننا أن نرى الأمر من جانبٍ آخر، أن ننظر إلى الأطفال على أنهم قادرون على التواصل والتعاطف والتعاون والمشاركة في أعمال العائلة، سيُغيِّر هذا المنظور الكيفية التي يتحدث بها الآباء مع أطفالهم بطرق فعالة.
المكافأة والعقاب من ردود الأفعال المشروطة، لكن حب الآباء وإحساسهم الإيجابي بأطفالهم يجب أن يكون غير مشروط.
عندما يُشرك الوالدان التعاطف في المحادثة، ويستمعان للطفل، فمن المرجح أن يستمع بدوره إليهما. في ما يلي تقدم تورجيون بعض الاقتراحات لكيفية تغيير المحادثة والسلوك مع الطفل.
البكاء والمقاومة والعدوانية الجسدية قد يكون وراءهم الجوع أو الحرمان من النوم أو فرط النشاط أو وجود مشاعر يمر بها الطفل لأول مرة.
لا يضرب الطفل أشقاءه أو يتجاهل والديه أو يُلقي بجسده على الأرض باكيًا على الأرض، رافضًا الاستجابة لكلام والديه وتحذيراتهما دون سبب. عندما يسأل الوالدان الطفل عما يحدث، تكون مساعدتهما ذات فائدة وأمرًا ذا تأثير طويل الأمد. حتى محاولة معرفة ما وراء أفعال الطفل، يجعله أقل دفاعيةً وأكثر انفتاحًا للاستماع إلى الحدود والقواعد التي يضعها الوالدن، ويكون الطفل أيضًا مبدعًا أكثر في حل المشكلات.
عوضًا عن قول: كن لطيفًا مع أخيك وتَشارك معه في ألعابك، وإلا سأحرمك من اللعب. عليك أن تتعامل معه كشخص عاقل يفهم، وأن تخبره بأنك تتفهم أنه لا يرغب في إشراك أحد في ما يلعبه، وأن المشاركة قد تكون صعبة في البداية. سيشعر بالغضب قليلًا، وبدلاً من توجيهه، ربما عليك أن تسأله: هل يمكنك التفكير في خطة بديلة لتُشرك أخوتك في اللعب، وأن تلعبوا معًا؟
البكاء والمقاومة والعدوانية الجسدية قد يكونون ما يراه الأبوان فقط من الطفل، لكن يمكن أن يكون وراءهم الجوع أو الحرمان من النوم أو فرط النشاط أو وجود مشاعر يمر بها الطفل لأول مرة، أو وجوده في بيئة جديدة عليه. إن فكر الأبوان بهذه الطريقة، سيتحولان من خصم موجود ليُسيطر فقط، إلى شريك يوجِّه ويُرشد، من وجهة نظر الطفل.
قد يعجبك أيضًا: نحن لا نتذكر طفولتنا، لحسن الحظ
سارة أُم لطفلين، أحدهما عمره سنتان والآخر أربعة ونصف. لا تستخدم العقاب مع طفليها: إما المكافأة وإما لا شيء. لكنها تؤكد على صحة نظرية تورجيون بأن المكافأة تولِّد إحساسًا بالاستحقاق للطفل. تحكي سارة لـ«منشور» تجربتها مع ابنها الأكبر، عندما كانت تحاول أن تُعوِّده على دخول الحمام بمفرده. في البداية استخدمت أسلوب المقارنة بالكبار: أخبرته بأنه إذا كان يريد أن يحقق رغبته ويصبح كبيرًا، فعليه أن يحاول عدم الاعتماد على الحفَّاضات مجددًا.
نجح الأمر بعض الشيء، لكنه عاد وقرر أنه يريد أن يبقى صغيرًا ويحتفظ بحفَّاضته. رأت الأم وقتها أن المكافأة الحل الأمثل. أخبرت طفلها بأن دخول الحمام بمفرده شيء عظيم، لدرجة أنه كل مرة سيفعلها ويدخل، سيجد «مفاجأة» عندما ينتهي. وجد بالفعل. كانت الأم تضع كل مرة نوعًا من الحلوى يجده الطفل بعد انتهائه، ونجحت في أن يتعوَّد طفلها على الحمام، لكنها تعترف بأنها خلقت عادةً سيئة بأنه كان يدخل الحمام فقط لغرض إيجاد الحلوى فور خروجه، وشكَّل اختفاؤها صدمة له.
يحكي أب آخر تجربته الشخصية مع طفله الذي سيبلغ الرابعة قريبًا. يقول إنه حتى الآن لا يعرف الطريقة المُثلى للتعامل مع طفله، إذ إن طفله لا يتبع نمطًا واحدًا في العِناد أو في الاستجابة للأوامر والتحذيرات.
كل العوامل قد تؤثر في استجابة الطفل، مثل مزاجيته وقت الطلب أو حجم المكافأة أو جدية التهديد. وطفله مُحيِّر بعض الشيء، ربما يستجيب للحافز في وقت ما ويرفضه في وقتٍ آخر. لكنه يوضح أنه في أحيان كثيرة، يدفع التهديد الطفل إلى رفض ما طُلب منه. لذلك يخرج الأمر عن نطاق المكافأة والعقاب، ووحده الموقف ومزاج الطفل من يحددان الطريقة المثلى لمجاراة الأمور وقتها. الأمر الذي يجعل الأب يتفق مع رأي تورجيون في التعامل مع الطفل.
التشجيع بدلًا من المكافأة
فبدلًا من قول: إن نظفت غرفتك يمكننا الذهاب إلى الحديقة. ومن الأفضل أن تفعل ذلك، وإلا فلا حديقة اليوم.
قل: سنذهب إلى الحديقة عندما تكون غرفتك نظيفة، وأنا لا أطيق صبرًا لنذهب. أخبرني إن احتجت إلى المساعدة.
ساعد بدلًا من أن تعاقب
تنقل فكرة العقوبة رسالة إلى الطفل تتضمن «أنا سأجعلك تعاني بسبب ما فعلته». كثير من الآباء لا يرغبون في أن تصل هذه الرسالة إلى أطفالهم، لكنهم أيضًا لا يريدون أن يكونوا متساهلين، فيُخرجون إلى العالم أطفالًا غير مهذبين، لا يملكون أدنى قدرة على التواصل الإنساني الحقيقي. لكن هناك ما يحقق معادلة أن يضع الآباء حدودًا للأطفال، وأن يوجهونهم دون اللجوء إلى العقاب أو المكافأة.
يريد الطفل أن يكون عضوًا كفؤًا في العائلة، وسيرغب في المساعدة إذا عَلِم أن إسهامه مهم فعلًا وليس مساعدة شكلية.
ليس علينا أن نقول لأطفالنا: أنت لا تلعب بحذر على الأرجوحة، لذلك يجب أن تتوقف عن اللعب عليها. كم مرة عليَّ أن أخبرك بهذا؟
قل: أرى أنك تشعر بحماسة عنيفة اليوم، لذلك سأُنزلك من على الأرجوحة لأنها ليست آمنة بسبب طريقتك العنيفة، وسنذهب إلى مكان آخر لنهدأ قليلًا.
لا تقل: كنت وقحًا اليوم، وتلفظت بألفاظ سيئة، هذا غير مسموح. لهذا سأسحب هاتفك منك.
قل: أرى أنك غاضب فعلًا. وليس من الجيد استخدام هذه الكلمات. لذلك سنضع هاتفك بعيدًا عنك الآن حتى تتمكن من تخصيص بعض المساحة لتتمكن من التفكير بصفاء. وأخبرني عما يزعجك عندما تكون مستعدًّا، ويمكننا معًا معرفة ما يتوجب فعله.
اقرأ أيضًا: العاقبة والعقاب: عندما ننتقم من أطفالنا دون أن ندري
سيعمل الإنسان بحرص وجهد إذا شعر بأنه يمثل جزءًا من فريق. يريد الطفل أن يكون عضوًا كفؤًا في العائلة، وسيرغب في المساعدة إذا عَلِم أن إسهامه مهم فعلًا وليس مساعدة شكلية. لذلك يجب على الآباء أن يعطوا الفرصة للطفل ليساعد بطريقة حقيقية بدءًا من طفولته، بدلًا من افتراض أنه بحاجة إلى أن يتشتت انتباهه في أثناء عمل والديه.
من المهم أن يعقد الأبوان اجتماعًا عائليًّا لتبادل الأفكار حول المهمات اليومية التي تحتاج الأسرة لإنجازها، ويطلبان أفكار كل فرد من أفراد العائلة. ومن المهم أيضًا أن يكون هناك جدول مخصص لمهمات الأطفال، مع وجود مكان للإشارة عند اكتمال المهام.
لا يهم مدى صعوبة اللحظات أو المشاعر التي يمر الطفل بها أو غرابتها، دائمًا توجد طريقة ليخبره أبواه بأنهما حوله ودائمًا بجانبه، ليساعداه ويفهماه ويجدا معًا حلولًا للمشكلات، أو يقررا ما الذي يمكن فعله لتمر هذه المشاعر أو اللحظات بسهولة.
مريم ناجي