خُذلك بريك: ما العلاقة بين الكسل والإبداع؟
نعيش في ثقافة تشتهر بالكسل، وتجعلنا الحرارة في بلادنا العربية نميل إلى الاسترخاء على الأرائك والأسِرَّة والشواطئ أو حتى الأرض. وتزداد الأمور سوءًا في شهر رمضان، إذ ننام كثيرًا لدرجة أننا نكون بحاجة إلى اليقظة أكثر ممَّا نحتاج إلى الراحة: قيلولة قبل الإفطار، وغيبوبة بسبب تُخمة الطعام في الإفطار، ونوم قبل السحور وبعده، وقبل العمل وخلاله، أو حتى في طريقنا إلى العمل.
ماذا لو كان هناك غرض للكسل؟ ماذا لو أطلقنا عليه اسم «الراحة» بدلًا من ذلك، وخصصنا له فترة زمنية محددة؟ ربما يزداد معدل إنتاجنا إذا منحنا أنفسنا قسطًا من الراحة، مع العلم أنه عندما تنتهي فترة الراحة سنعود إلى العمل.
ومع أن النوم أكثر من اللازم يمكن أن يسبب أمراض السُّكَّري والسِّمنة والاكتئاب، فإن النوم لفترات قليلة قد يؤدي إلى مشاكل في القلب وفقدان للذاكرة والشيخوخة، فالحل هو تحقيق التوازن. والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا هو: «كيف يمكننا تحويل كسلنا إلى فترة راحة متعمدة؟»، أو «كيف نستطيع الاستفادة من شعورنا بالتعب والإرهاق؟».
الراحة جزء من عملية الإبداع
إن قيمة الراحة مؤكدة، لأن النوم يحمل نفس أهمية اليقظة. النوم هو الوقت الذي تنمو فيه أجسامنا وتحدث فيه عملية «الأَيْض» أو التمثيل الغذائي، كما يهضم عقلنا أفكار اللاوعي بداخلنا في شكل أحلام، والأهم من ذلك أن الراحة تجعلنا أكثر إبداعًا.
النوم والاسترخاء جزء من العملية الإبداعية، وفي فصل «التفكير الإبداعي» من كتاب «How Designers Think»، يحدد المؤلف «براين لوسون» أساليب بعض المنظِّرين والعلماء حول كيفية حل مشاكل الناس والتوصُّل إلى أفكار عظيمة، ويلقى الضوء على خمس مراحل للإبداع هي: البصيرة الأولى، والإعداد، والحضانة، والتنوير، والتحقُّق.
كثيرًا ما نهتم بفترة الحضانة أو الراحة، وعديد من الفنانين الكبار يستلهمون أعظم أفكارهم عندما يكونون نائمين أو في فترات راحتهم.
هل نعتقد أن الفنانين كسالى لأنهم دمجوا الراحة في حياتهم بسلاسة أكثر منا؟
كتب موتسارت في إحدى رسائله: «عندما أكون نفسي، كما كنتُ دائمًا، وحيدًا، مبتهجًا، أسافر في عربة، أو أسير بعد تناول وجبة شهية، أو في الليل عندما لا أستطيع النوم، في مثل هذه المناسبات تتدفق أفكاري بغزارة كأفضل ما يكون».
يتحدث الشاعر «ستيفن سبندر» عن «تيار من الكلمات يسير في ذهنه» عندما يكون في حالة بين اليقظة والنوم. وقيل إن الشاعر الإنجليزي الشهير «صامويل تايلر كولريدج» استلهم الرؤية التي قادته إلى صور «زانادو» في قصيدة «Kubla Khan» بعد تعاطي الأفيون.
هل هذا هو سبب اعتقادنا أن الفنانين كسالى، لأنهم دمجوا الراحة في حياتهم بسلاسة أكثر منَّا؟
قد يعجبك أيضًا: كيف أسهمت المخدرات في تطور البشرية؟
مفاتيح إعادة هيكلة فترات الراحة في حياتنا
كيف يمكننا إعادة هيكلة فترات الراحة؟ المفتاح الرئيسي هو وضع الأهداف وتحديد فترة الراحة. يجب علينا العمل بجِدٍّ على الخطوط العريضة للمشاكل التي نرغب في حلها قبل بدء فترة الراحة. بهذه الطريقة، حتى لو بدا وكأننا لا نفعل شيئًا، فإن أمخاخنا تعمل دون وعي لحل مشاكلنا الأكثر إلحاحًا في العمل والمنزل.
إضافةً إلى ذلك، يساعد تعدد المهام أو وجود مشاريع كثيرة في التغلب على الكسل أو عدم وجود الإلهام.
على سبيل المثال، إذا كنت تعمل خلال نهار شهر رمضان فربما تشعر بالتشتُّت وعدم التركيز. ورغم أن هذا يبدو غير جيد، فإنه يساعد في منحك مزيد من الأشياء للقيام بها. عندما تشعر أنك عالق في سؤال أو مشكلة ما، سيكون مفيدًا أن تركز على مسألة أخرى. ليس المطلوب أن تتخلى عن مشاريعك وتقفز إلى أخرى، بل يعني هذا أن كثيرًا من المبدعين يحتاجون إلى العمل على عدة أشياء حتى لا يضيع وقتهم في العمل على جانب واحد فقط.
قد يهمك أيضًا: هل ينبغي أن يكون العمل الغاية الأساسية من حياتنا؟
تقول «بريجيد شولتي» في كتابها «Overwhelmed»: «الوقت مثل مجسَّم مُعتم، ليس له حواف حادة. ما يهم في كثير من الأحيان، أكثر من النشاط الذي نفعله في لحظة من الزمن، هو ما نشعر به حيال ذلك. في الحقيقة، مفهومنا للوقت هو واقعنا».
لذلك، عندما يمر الوقت ببطء لا تحاول السباحة ضد التيار. استسلم، واستلقِ على ظهرك، وامنح نفسك بعض الراحة، وكن واثقًا أن هذا سيغذي الإبداع في الصورة الكبرى لحياتك.
ليان الغُصين