أغمض عينيك: التنويم الإيحائي بريء من خرافات «التنويم المغناطيسي»

الطيب عيساوي
نشر في 2017/05/03

السعودي هشام الشريف يحاول تطبيق التنويم الإيحائي في برنامج «Arabs Got Talent» - الصورة: MBC

يواجه التنويم الإيحائي (Hypnosis)، الذي يسمى خطأً بالتنويم المغناطيسي، كثيرًا من التهم، مثل كونه مجرد شعوذة أو وسيلة للنصب والاحتيال، وترافقه مجموعة من الأفكار الجاهزة التي تصنفه في خانة العلوم الزائفة، وتكونت هذه الصورة الخاطئة نتيجة قلة الأبحاث العلمية عن منافعه، وعدم معرفة الناس بماهيته وخصائصه.

التصقت صورة التنويم الإيحائي بشخصيات الروايات والأفلام القديمة، أولئك الناس الذين يحملون ساعات جيب متأرجحة، وينَوِّمون الأشخاص ويجعلونهم خاضعين لرغباتهم، بحيث يتحدثون ويتحركون وفق أوامرهم، ويُفشون الأسرار وينفذون كل ما يُطلب منهم.

ارتبط التنويم الإيحائي كذلك بالعروض التي تُقدَّم على خشبات المسارح، وينوِّم خلالها بطل العرض المتطوعين من الحضور ويحركهم وفق مشيئته، ثم يجعلهم يستفيقون بطرقعة من إصبعه، فهل هذا هو التنويم الإيحائي؟ وهل هو حقيقة أم مجرد علم زائف؟

ما التنويم الإيحائي؟

تجربة التنويم الإيحائي

في الآونة الأخيرة، يتلقى التنويم الإيحائي وتاريخه الطويل والمتقلب في الطب والترفيه بعض الاحترام من علماء الأعصاب. وتشير دراسات جديدة أُجريت على أدمغة الأشخاص الأكثر عرضةً للإيحاء إلى أنهم عندما يستجيبون تُظهر أدمغتهم تغييرات عميقة في كيفية معالجتهم للمعلومات. ويبين تقرير الباحثين أن الإيحاءات تغير تمامًا ما يراه الناس ويسمعونه، وما يشعرون ويؤمنون بأنه حقيقي.

في الطب، يعني التنويم الإيحائي إدخال المريض حالة استرخاء يكون خلالها أكثر انفتاحًا على الإيحاءات.

يذكر مقال لجريدة النيويورك تايمز الأمريكية عديدًا من التجارب الجديدة التي استخدمت التصوير الدماغي، إذ يقول إن بعض الأشخاص الذين تعرضوا للتنويم الإيحائي رأوا ألوانًا لم تكن موجودة، وفَقَدَ آخرون القدرة على اتخاذ قرارات سهلة، بينما ظن بعضهم أن كلمات إنجليزية شائعة هي مجرد ثرثرة لا معنى لها.

لا يزال هناك خلاف حول ماهية حالة التنويم الإيحائي، بحسب مقال النيويورك تايمز، سواءً كانت مجرد محاولة لإرضاء المُنَوِّم، أو شكلًا طبيعيًّا من التركيز الشديد يصبح فيه الناس غافلين عن محيطهم بينما هم ضائعون في الأفكار.

حتى مع فهمٍ قليلٍ لكيفية عمله، استُخدم التنويم الإيحائي طبيًّا منذ عام 1950 لعلاج الألم، ومؤخرًا كعلاج للقلق والاكتئاب والصدمات النفسية واضطرابات الأكل.

في مقال على الموقع العلمي الشهير «Live Science»، يذكر الأستاذ المشارك في الطب النفسي السريري بالمركز الطبي لجامعة ستوني بروك في نيويورك، «هارولد باس»، أن التنويم الإيحائي في مجال الطب يعني إدخال المريض في حالة استرخاء معزز، يكون خلالها أكثر انفتاحًا على الإيحاءات، لكنه لا يكون نائمًا ولا فاقدًا للوعي، ولا يفقد السيطرة على أفعاله.

يقدم المقال رأي «مارك يِنسِن»، نائب رئيس الأبحاث في قسم طب إعادة التأهيل بالمركز الطبي في جامعة واشنطن، الذي يوضح أن المريض يدخل في حالة شبيهة بالغيبوبة من الانتباه والتركيز الشديدين، وأن الناس يدخلون ويخرجون من هذه الحالة كل يوم.

من الصدفة والخرافة إلى الممارسة الاحترافية

شاب يحاول تنويم المشاهدين بالإيحاء عن طريق ساعة

شهد التنويم الإيحائي بداية خاطئة في القرن الثامن عشر، عندما ابتكر الطبيب الألماني «فرانز مِسمَر» علاجًا «معجزة» للأشخاص الذين يعانون كل أنواع المشاكل الطبية غير المفسَّرة. ورغم أن مِسمَر فقد مصداقيته في نهاية المطاف لعدم اتباعه المنهج العلمي، فإنه كان أول من يُظهر إمكانية التلاعب بالعقل عن طريق الإيحاء، من أجل التأثير على الجسم.

هذا الاستنتاج المركزي أعاد إحياءه طبيب العيون الإنجليزي «جيمس برايد»، الذي اشتق عام 1842 لفظ «Hypnosis»، أي التنويم الإيحائي، من كلمة يونانية تعني النوم، ويُقال إنه جعل الناس يدخلون في غيبوبة عبر التحديق فيهم باهتمام، إلا أنه لم يكن لديه دليل على طريقة عمله.

وسط هذا الفراغ، تبنى مُدَّعو السحر التنويم الإيحائي، فكانوا يستخدمون ساعات جيب لخلق حالة تنويم لدى المتطوعين من الجمهور، ويجعلونهم يرقصون ويغنون، أو يتظاهرون بكونهم أشخاصًا آخرين، إلى أن يستيقظوا على وقع تصفيق الحضور وضحكهم.

اقرأ أيضًا: دع القلق واشترِ الخرافة: هكذا تنجح كتب التنمية البشرية في إقناعنا

تخلص التنويم الإيحائي من الجانب الهزلي حين انتقل إلى أيدي الأطباء. وفي القرن التاسع عشر، تمكن أطباء هنود من استعمال التنويم الإيحائي بنجاح في التخدير، حتى في حالات بتر الأطراف. هذه الممارسة خرجت عن الخدمة عندما اكتُشِف الأثير، وهو سائل عديم اللون كان يستخدم كمخدر في العمليات الجراحية.

هل يستجيب الجميع للتنويم الإيحائي؟

الصورة: James Whiting

تقول «فون بيل»، المختصة في علم الأعصاب وعلم النفس السريري، في مقال لها على موقع «الغارديان»، إن «قلة من الناس لا يمكن أن تستجيب لكل الإيحاءات، وقلة أخرى يمكن أن تستجيب لها كلها تقريبًا، بينما معظم الناس قد ينجزون بعضها فقط».

أكثر الإيحاءات صعوبةً في التحقيق هي تلك التي تؤثر على مبادئ العقل.

خلافًا للاعتقاد الشائع، وفقًا لبيل، لا يمكن للتنويم الإيحائي أن يُستخدم لجعل الناس يفعلون شيئًا معاكسًا لإراداتهم، حتى رغم أن التأثير يبدو أنه يحدث بشكل لا إرادي.

إذا كان هذا الكلام يبدو متناقضًا، فإن خير مثال عليه هو مشاهدة فيلم. حين تشاهد فيلمًا، فأنت لا تقرر التجاوب عاطفيًّا مع القصة التي تراها على الشاشة، لكن يمكنك أن تختار الابتعاد وفك الارتباط بها في أي وقت. بعبارة أخرى، تتطلب الآثار المترتبة على الفيلم مشاركتك الفعالة، تمامًا مثل التنويم الإيحائي.

أكثر الإيحاءات صعوبةً في التحقيق هي تلك التي تؤثر على مبادئ العقل، مثل الذاكرة والإدراك. فبينما يواجه الأشخاص الأكثر قابليةً للتنويم هلوسة مؤقتة وفقدانًا للذاكرة بعد تعرضهم لإيحاءات مناسبة، بالكاد يخضع الأشخاص الأقل قابليةً للتنويم لتغييرات مؤقتة في إراداتهم وحركاتهم، مثل الإحساس بأن الذراع أثقل من المعتاد.

قد يهمك أيضًا: حكايتان عن ألاعيب العقل: هل علينا أن نشك في ذكرياتنا؟

كيف يمكن لعلاج يستهدف العقل أن يؤثر على الجسد؟

كيف يعمل التنويم الإيحائي؟

يذكر مقال على موقع «Nchypnosis» أن الجسم يستجيب فيزيائيًّا للأفكار، ويعطي مثالًا لذلك بالتفكير في الأمور المرعبة، وما يجلبه هذا من تسارع في نبضات القلب وضيق في التنفس وشعور بآلام في المعدة وتشنج في العضلات وتعرُّق ورجفة. يستجيب الجسد كذلك عند التفكير في موضوعات أو أحداث سارَّة، فينخفض معدل النبض ويصير التنفس أعمق وتسترخي العضلات.

بمعنًى آخر، عندما يُنوَّم الشخص يصبح منفتحًا على الإيحاءات، التي تزيد ردود فعله الجسدية الإيجابية وتقلل من السلبية، وكل هذا يدفعنا إلى طرح تساؤل مهم..

هل التنويم الإيحائي نموذج مميز للوعي؟

الإجابة عن هذا السؤال جاءت في مقال نشرته مجلة «ساينتيفك أميريكان» يتحدث عن دراسات تخطيط أمواج الدماغ، التي أكدت أن الأشخاص الخاضعين للتنويم الإيحائي لا يسقطون في حالة شبيهة بالنوم، بل يكونون مستيقظين، وأحيانًا ينعسون قليلًا. علاوةً على ذلك، يمكن لهؤلاء أن يقاوموا اقتراحات المنوِّم، ولا يكونوا مثل الإنسان الآلي عديم العقل.

أخيرًا، أظهرت نتائج بحث أجراه عالم النفس «نيكولا سبانوس» من جامعة كارلتون أن الفشل في تذكُّر ما حدث خلال جلسة التنويم الإيحائي، أو ما يسمى فقدان الذاكرة التالي للتنويم الإيحائي، ليس عنصرًا جوهريًّا في التنويم، ويحدث عادةً عندما يُقال للأشخاص الخاضعين له أن يتوقعوا حدوثه فقط.

كيف يُستخدم التنويم الإيحائي في العلاج؟

ما الذي يمكن للتنويم الإيحائي علاجه؟

التنويم الإيحائي لا علاقة له بـ«النوم» أو «المغناطيس».

يعتمد العلاج بالتنويم الإيحائي على جلسة تستغرق نحو ساعة في العادة، يستخدم خلالها المعالج المدرَّب تقنيات استرخاء متنوعة لقيادة المريض إلى حالة التنويم. يكون المريض في هذه الحالة واعيًا ويقظًا، لكن جسده يصير أكثر استرخاءً، ويكون عقله أكثر استجابةً لإيحاءات المعالِج، بحسب ما يشير إليه موقع «هيلث لاين».

وفقًا للموقع ذاته، تعتمد الإيحاءات على الوضع والسلوك المراد علاجه، فيمكن استخدام التنويم الإيحائي لعلاج العادات غير الصحية أو غير المرغوبة، وربما استبدالها بعادات صحية. وتشمل الأمثلة على ذلك: القدرة على السيطرة على الألم والقلق، وتنظيم الأفكار السلبية التي قد تؤدي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب.

اقرأ أيضًا: كيف تجبرنا التنمية البشرية على السعادة؟

يبدو أن التنويم الإيحائي لا علاقة له بـ«النوم» أو «المغناطيس»، لكن هذه المفاهيم ارتبطت به نتيجة اعتقاد بعض الناس قديمًا أنه حالة من النوم. أما العلاقة بين المنوِّم أو المعالِج والشخص الذي تُجرَى عليه الممارسة (المنوَّم) فليست علاقة السيد بالعبد، ولا مجال فيها لأوامر إلزامية أو استجابات لا إرادية.

الطيب عيساوي