جايين الدنيا ما نعرف ليه: ما الهدف من حياتك؟
كتب هذا المقال المدون الكويتي محمد المنيخ، ونُشر على موقع «Medium»، وترجمه لـ«منشور» أحمد الشربيني.
ما الغاية من حياتك؟ كلٌّ منا يبحث عن إجابة لهذا السؤال رغم صعوبته، ولم تتمكن إلا قلة من إيجاد «الغاية» الحقيقية لحياتهم، بينما يعيش أغلب الناس منكرين وجودهم دون غاية، أو يعانون اكتئابًا بسبب بحثهم المستمر عنها. الأمر المعقد بشأن الغاية من الحياة أنها مثالية جدًّا، لأنها تحدد من أنت فعلًا، وتلمس روحك وتجعلك متصلًا بكل روح أخرى في الكون.
من أجل الوصول إلى حياة لها غاية حقيقية، عليك بتنقية نفسك أولًا: أفرغ روحك من الكراهية، وأضف لها مزيدًا من التسامح، واسعَ حتى تصل إلى مرحلة يكون فيها الناس كلهم سواءً بالنسبة إليك، لأنك تعرف أنهم يمرون بمراحل مختلفة، ولا يواجهون جميعًا ذات التجارب والخبرات التي تمر بها حاليًا. إن ما تمر به الآن يرتبط بالغاية من حياتك أنت، لا حيواتهم هم.
استمتع بالرحلة
حياة لها غاية تعني رحلة لاكتشاف الذات. ستُدرك في هذه الرحلة أننا جميعًا، البشر، متشابهون، ورغم أن لكلٍّ منا قصة مختلفة، فإننا نمر جميعًا بذات الصعوبات والمشاعر، وعلى كلٍّ منا أن يهزم مشاعره السلبية، مثل الخوف والحزن والغضب والخزي والشعور بالذنب.
ستدفعك الحياة لاختبار تجارب مختلفة، بمشاعر مختلفة، حتى تتمكن في النهاية من السيطرة الكاملة على جانبك العاطفي. نتذكر جميعًا شعورنا بالذنب بعد امتحان ما، لأن نصف أسئلة الامتحان جاءت عن الفصل الوحيد الذي لم نقرؤه. الآن، قارن هذا الإحساس بشعور الذنب الذي يحسه شخص خان شريك حياته، أو موظف احتال على مديره. إن الحياة تختبرك بناءً على استعداداتك ودرجة نضجك العاطفي والنفسي.
نمر بمستويات مختلفة لامتحان الشعور نفسه، حتى نتمكن في النهاية من السيطرة عليه، وإذا فشلنا في ذلك يصبح الاختبار أكثر صعوبة. يشبه الأمر صعود السلم، إذ تكون خطوتك العاشرة أعلى كثيرًا من خطوتك الأولى، لكن الجهد الذي تحتاجه للخطوتين واحد، وطالما استطعت السيطرة على مشاعرك وتمكنت من التحكم فيها، ستتمكن من الوصول إلى وجهتك النهائية في ما يتعلق بشعور بعينه. أنت الآن جاهز لتجربة الخوف أو الخزي.
للمشاعر الإيجابية تحديات أيضًا، إذ يعيش الناس في بعض المجتمعات معتقدين أنه لا ينبغي مشاركة الفرح أو الإنجاز، لأن أقرانهم لم يحققوا الإنجاز نفسه، فلا يستمتع الأثرياء بثرواتهم لأن كل من حولهم أقل ثراء. لكن هذه الثقافة مؤذية ببساطة، لأنها تدفعك لحمل المسؤولية عن سوء حال غيرك، وربما تفترض حتى أنهم في هذا الحال بالذات لأنهم لا يملكون ما تملكه.
لكنهم لو كانوا يشعرون بعدم الارتياح لأنهم لا يملكون ما تملك، فهذا يعني أنهم يمرون باختبار عاطفي، ولا يجب عليك التدخل في هذه العملية. فقط دعهم يجدون طريقة للخروج من هذا الاختبار. الحياة تختبر قدرتك على إعطائهم هذه المساحة.
لا تنظر إلى أحداث الحياة كما لو كانت شديدة الأهمية في ذاتها، لأنها مجرد اختبارات ينبغي أن تتعلم منها دروسًا. استمر في النظر للحياة بهذه الطريقة، كما لو كانت اختبارًا ستمر منه، وربما تحول كل حدث مؤسف إلى أفضل شيء حدث في حياتك، بعد أن تتجاوز التحدي العاطفي المصاحب له.
ثق بي، أو لا تثق بي، لكن لا تنظر إلى الحياة في الحالات السيئة كما لو كانت زجاجًا مهشمًا يستحيل إصلاحه، لأنها شديدة المرونة، ويمكن أن يتغير كل شيء في دقيقة أو ثوانٍ قليلة، فقط ألقِ نظرة على مجالات الأعمال والتاريخ والسياسة لتتأكد من ذلك.
ما الغاية؟
لنبدأ بتناول الأسئلة الكبيرة، كيف أجد غايتي؟ في عالم بهذه السرعة، يتمنى الناس أحيانًا لو استطاعوا البحث عن أهداف حيواتهم على غوغل، ثم استكمال الطريق.
الهدف يشبه طريقًا، وليس نقطة بعينها.
هدف حياتك هو شعور يمكن ترجمته إلى عبارة، بطريقة تمكنك من استعادة الشعور نفسه كلما تذكرت العبارة، لكن ليس العكس.
عليك البدء بالمشاعر الصحيحة إذًا: تخيل أن ثمة غاية من حياتك، كيف ستشعر؟ بالسعادة؟ بالحيوية؟ بالنشاط؟ عظيم، اسأل نفسك عن الأوقات التي تشعر فيها بهذه المشاعر بالذات. بينما تلعب كرة القدم؟ وأنت جالس مع الأطفال؟ في أثناء سفرك؟ وقت القراءة؟ الطبخ؟ مقابلة أشخاص جدد؟
اصنع قائمة بكل هذه الأنشطة وافعل المزيد منها باستمرار. ينبغي عليك البقاء في نفس الحالة والمرور بنفس المشاعر لكي تدخل إلى المرحلة التالية، ثم التي تليها، والتي تليها، لأن الهدف يشبه طريقًا لا نقطة بعينها، وهذه التجارب تشبه المحطات على الطريق.
اقرأ أيضًا: ﻻ تشترِ السلعة، اشترِ التجربة
ربما تجد متعة مثلًا في العمل مع الآخرين، وعليك إذًا أن تستغل كل فرصة أمامك للتعامل مع مزيد من الناس، سواءً وقت تقضيه مع زملائك أو مقابلة أسبوعية لأصدقائك في منزلك. افعل هذا طالما كان يمتعك، لكن بمجرد أن يبدأ هذا الشعور في التضاؤل، تحرك إلى المرحلة التالية.
أين الطريق؟
لا أوصيك بطرح السؤال التقليدي «ما الغاية من حياتي؟»، رغم أنه سؤال مُلِحٌّ بالنسبة إلى كثيرين، لكنه ينبغي أن يأتي فقط في المرحلة النهائية. اسأل نفسك، عوضًا عن ذلك: ما الذي يجعلني سعيدًا؟ ما الذي يملأني بالطاقة؟ وسِر خلف الإجابة. عليك أن تأخذ الأمور بالتدريج ولا تستبق الأحداث.
كنت أقرأ كثيرًا عن إيجاد الغاية من الحياة، ولم يكن الأمر سهلًا إطلاقًا، وتوقفت حياتي عدة أشهر بينما كنت أسعى لمعرفة هذه الغاية، لكني عثرت على مبتغاي بعد ذلك في موقف مختلف تمامًا. تزودك الكتب بطرق كثيرة للبحث عن هدفك، لكن الهدف ليس مجرد عبارة، بل هو شعور قبل أي شيء لن تجده في الكتب.
قد يهمك أيضًا: أين الجنة؟ ربما تفصلك عنها 5 خطوات وحسب
في أحد الأيام، بينما كنت أقدم للدراسة في جامعة هارفارد الأمريكية، كنت أملأ استمارة التقديم، ولاحظت أشياء مشتركة في كل ما أكتبه، وفي خبراتي السابقة. خمنت أن هذا التكرار يعني شيئًا ما، واكتشفت أن أول اهتماماتي في الحياة كان العمل الاجتماعي، فأنا أشعر دائمًا بالنشاط عندما أعمل لخدمة الآخرين.
عندما تخرجت في الجامعة على سبيل المثال، كانت لدي فرصتان للعمل، واحدة في مؤسسة مرتبطة بالحكومة، وأخرى في شركة خاصة، وبينما عرضت عليَّ الأولى 2500 دولار شهريًّا، كان مرتب الثانية خمسة آلاف، لكني قبلت الأولى دون تفكير لأنها جعلتني أشعر بحيوية أكثر، وأحسست فيها أنني أخدم الناس فعلًا. كان هذا الشعور بالسعادة والإثارة يستحق أكثر من خمسة آلاف دولار.
كانت هذه أول نقطة في مسار البحث عن هدفي في الحياة، واكتشفت بعد ذلك عناصر أخرى من هذا الهدف بالإضافة إلى العمل الاجتماعي، مثل دعم الآخرين وتمكينهم، وريادة الأعمال، وكذا الكتابة.
يملؤني شعور عظيم حينما أتمكن من دعم شخص أو مساعدته في الحصول على ما يريد. وحتى ما أفعله حاليًا كواحد من مؤسسي تطبيق «غنوة» يتناغم تمامًا مع غاية حياتي، لأن «غنوة» يهدف إلى دعم الفنانين، وتمكينهم من الترويج لمواهبهم.
ما الذي يجعلك غير قابل للاستبدال؟ أنك أنت، لأنك واحد فقط في الكون كله.
محمد أحمد المنيخ