وبكره يفوت وبعده يفوت: كيف تؤثر المماطلة على صحتنا؟
باقٍ من الزمن أسبوع على موعد الامتحان، لكن لا داعي للعجلة، فما زال هناك وقت كثير للمذاكرة، لذا سنبدأ من الغد. نسمع هذه الجملة كثيرًا قبل أي موعد مهم، مثل الامتحانات أو تسليم الأعمال، إذ أصبح تأجيل المهام سمةً تلازمنا في الدراسة والعمل والترفيه، حتى أننا عادةً نتحاكى عن قدرات أولئك الذين ينهون مهامهم في اللحظة الأخيرة. لكن هل المماطلة مدعاة للفخر؟ أم أنها ربما تؤذينا دون علمنا؟
بدأ عالم النفس «جوزيف فيراري» دراسة التسويف منذ عام 1980، وحينها لم يكن العلم يهتم بهذا الموضوع، لكن بفضل مبادرته اكتسب المتخصصون في علم النفس معارف شتى في ما يتعلق بالمماطلة، مثل علاقة التسويف بالتربية الصارمة في الطفولة، وارتباطه بقلة الإحساس بالمسؤولية.
توصل العلماء كذلك إلى أن المماطِل يكون معزولًا عن ذاته المستقبلية، فلا يراها أو يُدرك سماتها. وبناءً على هذه المعطيات، وضع العلماء خططًا لمساعدة المماطلين في التخلص من تسويفهم، فتعالَ نتعرف إلى ما توصل إليه علماء النفس عند دراستهم للتسويف ودلالاته، حسب مقال نُشر على موقع «Vox».
المماطلة: أمراض صحية واجتماعية
تتحول المماطلة إلى شعور بالذنب يقودك إلى مزيد من التأجيل.
حسب فيراري، يملك المماطلون وعيًا حادًّا بالذات، ويعيقون أنفسهم بأنفسهم عادةً، معترفين بعدم قدرتهم على ضبط النفس. وأظهرت الأبحاث إضافةً إلى ذلك أنهم قد يصابون بالصداع أو مشاكل الجهاز الهضمي أكثر من غيرهم، بسبب القلق الذي يترتب على تأجيلهم المستمر لواجباتهم، لأنك إذا أجَّلت كتابة تقرير كُلِّفت به اليوم مثلًا، فسيلازمك القلق حتى تنتهي منه وتُسلِّمه لاحقًا.
يُستخدم التسويف كآليَّة للتأقلم، يلجأ إليها المماطلون لتجنب إنهاء المهام المزعجة، وأداء نشاط آخر يمنحهم سلامًا مؤقتًا، سرعان ما يتحول إلى إحساس بالذنب يقودهم إلى مزيد من التأجيل، فيعلقون في دائرة مغلقة، وتُصبح المماطلة في هذه الحالة مرضًا، لا مجرد عادة سيئة.
المجتمعات تشجع التسويف
يرى فيراري ضرورة مكافأة أول من يُنجز مهامه، ويلوم على الثقافة العامة عدم اعتنائها بهذه العادة، إذ يحرص المجتمع في رأيه على تقدير الكل بالتساوي، سواءً أنهَوا واجباتهم مبكرًا أو في الموعد أو بعده، كي لا يشعر أي فرد بالإهانة.
كانت النتيجة الطبيعية لذلك أن الناس صاروا لا يعترفون بالموعد المحدد للتسليم، فتجدهم يسألون رؤساءهم عن موعد التسليم «الحقيقي»، وكأن الموعد الأول كان كذبة.
يشجع المجتمع هذا النمط من التسويف، فنجد المحال التجارية تعرض خصومات كبيرة على المشتريات في الأيام السابقة للأعياد مباشرةً، ممَّا يدفع الناس إلى شراء احتياجاتهم في اللحظة الأخيرة للاستفادة من هذه الميزة.
بدلًا من ذلك، يقترح فيراري تقليل الخصومات بالتدريج كلما اقترب يوم العيد، بل وفرض ضريبة مضافة على السلع في ذلك الوقت، كما يقترح تطبيق الأمر ذاته على الضرائب، فكلما أسرعت بدفع ضرائبك حصلت على خصم خاص، بدلًا من الغرامة التي تفرضها الدولة على المتأخرين في دفع الضرائب.
لا يمكننا القضاء على التسويف، لكن نستطيع تقليل عدد المماطلين المَرَضيين الذين تبلغ نسبتهم 20% من الناس.
لن نتمكن من تغيير سلوك المماطلين إلا حين نتوقف عن إخراجهم من مآزقهم في اللحظات الأخيرة، وهو ما يتطلب منا تبديل طريقة تفكيرنا، ومعاقبة التسويف ومكافأة الإنجاز.
اقرأ أيضًا: أولوياتي: وصفة شخصية لحياة سعيدة تُغلِّب القلب على العقل
فلنعالج المماطلة.. فورًا ودون تسويف
يصعب تنفيذ توصيات فيراري، خصوصًا مع جني الشركات أموالًا كثيرة بسبب إقبال الناس على خصومات اللحظة الأخيرة، لكن يمكن إحداث هذا التغيير في الدوائر الصغيرة التي تضم المديرين والأقارب والمدرسين والأصدقاء.
لن نتمكن من علاج التسويف عن طريق العقاب، لأن البشر بطبعهم يتأثرون بالتحفيز والمكافآت أكثر من تأثرهم بالعقاب، ولن نستطيع القضاء على المماطلة نهائيًّا، لكن يمكننا تقليل عدد المماطلين المَرَضيين، الذين تبلغ نسبتهم 20% من الناس بحسب فيراري.
أما غير المرضيين، فهؤلاء ربما يستطيعون التخلص من عادة التسويف عن طريق إحاطة أنفسهم بأناس نشيطين، ومشاركة خططهم على مواقع التواصل الاجتماعي كي يضطروا لتنفيذها في الوقت المحدد، لأنهم التزموا بها أمام أصدقائهم ومتابعيهم.
قد يهمك أيضًا: كيف يمكن للإنترنت أن يُحدث ثورة حقيقية في حياتنا؟
تساعدنا المماطلة على الهروب مؤقتًا من مسؤولياتنا، لكنها تتركنا في موقف حرج أمام أنفسنا قبل الآخرين، فهل من السهل التخلي عن هذه الراحة التي يمنحها الفرار اللحظي من المسؤوليات؟
ندى حنان