ما تخاف منه أصبح حقيقة: الهواتف الذكية تؤذي الأطفال
ظهرت الهواتف الذكية لأول مرة في أواخر تسعينيات القرن العشرين، لكن الانتشار الواسع لها جاء بعد إطلاق شركة «آبل» هاتف آيفون في 2007، الذي اعتُبِر ثورة في صناعة الهواتف المحمولة، إذ ضم مميزات جديدة مثل الشاشة التي تعمل باللمس ولوحة المفاتيح الافتراضية. علينا أن نتذكر أنه، قبل تلك اللحظة، كانت كل الهواتف النقالة تعمل بالضغط على الأزرار.
تطورت صناعة الهواتف الذكية باطراد منذ ذلك الحين، سواء في ما يخص حجم الطلب عليها في السوق العالمية، أو عدد المزودين بها أو النماذج المطورة لها، إذ تجاوزت أرباحها في عام 2017 وحده 450 مليار دولار، ومن المقدر أن يصل عدد مستخدميها إلى نحو ثلاثة مليارات بحلول 2020.
باتت هذه الهواتف من ضروريات الحياة التي لا غنى عنها في عصرنا الرقمي، لكن، وفي مقابل الصعود السريع الذي شهدته هذه الصناعة، ارتفعت أصوات تدعو إلى ضرورة مواجهة الآثار السلبية لاستخدام الهواتف الذكية، خصوصًا بين الأطفال والمراهقين، الذين يسهل وقوعهم ضحية إدمان هذه الأجهزة، حسب ما جاء في مقال منشور في صحيفة الغارديان البريطانية.
هل تدفع الهواتف الذكية إلى الانتحار؟
غيرت الهواتف الذكية طريقة تعاملنا مع الواقع وأسلوب تواصلنا مع الآخرين، فقد سهلت الوصول إلى كميات هائلة من المعطيات، ومكّنتنا من البقاء على اتصال دائم، لكن هذا الاستخدام الموسع لها أثبت أنه لا يخلو من أضرار تطول مختلف الفئات العمرية.
ذلك ما تؤكده دراسة حديثة شملت أكثر من نصف مليون مراهق أمريكي على مدى خمس سنوات، فقد تبين أن من يستعملون هواتفهم لثلاث ساعات أو أكثر كل يوم كانوا أكثر عرضةً للشعور باليأس والتفكير في الانتحار بمقدار الثُّلث، في حين ارتفع هذا المعدل إلى النصف عند من يستخدمونها لخمس ساعات أو أكثر في اليوم.
قد يهمك أيضًا: ما الذي تفعله الهواتف الذكية في أدمغتنا؟
مجرد استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي بصورة يومية يزيد من احتمال ظهور أعراض الاكتئاب بنسبة 13%، هذا بالإضافة إلى لائحة طويلة من الأضرار تتضمن خطر الإصابة بقصر النظر، واضطرابات النوم، وآلام الرقبة والظهر.
فرنسا: دعونا نمنع الهواتف الذكية في المدارس
استنادًا إلى نتائج الدراسات المتزايدة التي ألقت الضوء على الآثار السلبية لاستخدام الهواتف النقالة، قررت وزارة التعليم الفرنسية حظر استخدامها في المدارس ابتداءً من سبتمبر 2018، وتسعى من وراء هذا القرار إلى تحسين أداء الطلاب وسلوكهم، وإخراجهم من حالة الإدمان التي أضحت منتشرة بشدة بينهم.
للوهلة الأولى، يبدو قرار الحظر الفرنسي في منتهى القسوة وإجراءًا زائدًا عن اللزوم، لكن هذا التصور ناجم عن تحيُّزنا للوضع الراهن، بعِلّاته ومساوئه، فحتى إن تبين لنا أن ظاهرة ما مضرة، فإننا، نتيجة اعتيادنا عليها، نعتبرها ضرورية لحياتنا ولو لم تكن كذلك.
سيظل بعض الأطفال يقضون وقتًا أطول من غيرهم في متابعة شاشات هواتفهم، فحظر الاستخدام هدفه الحد من ضررها وليس القضاء عليه كليًّا.
مسألة الحظر ستثير حتمًا احتجاجات في أوساط من يرون في مثل هذه القرارات تعديًا على حق الناس في تقرير ما ينبغي أن يفعلوه بحياتهم، لكن عندما يتعلق الأمر بالمنفعة العامة والصالح المشترك للمواطنين، يصبح من الضروري التدخل لإنفاذ قانون هناك إجماع على منفعته، مثل ضرورة وضع حزام الأمان أو منع تدخين القاصرين.
قد يحتج بعض المتشككين بأن الهواتف الذكية ليست مضرة في حد ذاتها، وأن استعمالها بصورة صحيحة له منفعة كبيرة على الأجيال الصاعدة. لكن إذا كانت لدينا أداة نعرف أن استعمالها يمثل خطرًا على الأطفال، فإننا بداهةً لن نسمح بوصولها إلى أيديهم مخافة أن يُلحقوا ضررًا بأنفسهم أو بالآخرين، وهذا ما ينطبق على الهواتف الذكية، التي بدأت أضرارها تظهر تدريجيًّا مع توالي الأبحاث والدراسات.
قد يعجبك أيضًا: هل حان الوقت لهجر التكنولوجيا؟
لا يعني منع الأطفال من استخدام الهواتف الذكية أنهم سيُحرمون من الأشياء الجيدة التي تقدمها تلك الأجهزة، إذ سيتاح لهم استغلال تلك الميزات، لكن دون تجاوز الحد المسموح به، الذي تظهر عند تخطيه أعراض الاكتئاب والأفكار الانتحارية.
بطبيعة الحال، سيظل بعض الأطفال يقضون وقتًا أطول من غيرهم منغمسين في متابعة شاشات هواتفهم. مع ذلك، ومثل جميع القيود، يهدف حظر استخدام الهواتف الذكية إلى الحد من ضررها وليس القضاء عليه كليًّا، لأن القوانين لا توقف السلوكيات السيئة، بل تجعلها أكثر صعوبةً وتكلفة، وهذا في حد ذاته إجراء كافٍ.
إدريس أمجيش