أجهزة الفيديو تنقرض.. احتضن أشرطتك وابكِ

أندرو محسن
نشر في 2017/02/15

الصورة: InspiredImages

لدى كل جيل شيء يتذكره ويبكي عليه، ويتسلَّم جيلنا الراية من الجيل السابق ويسلمها للجيل التالي.

وتأخذ «النوستالجيا»، أو الحنين إلى الماضي، مظاهر عدة؛ استرجاع الإعلانات القديمة، دندنة أغاني مرحلة الصبا، افتقاد أشرطة الكاسيت وأجهزة التليفزيون الأبيض والأسود، لكن قطعة جديدة من ذكرياتنا تتهاوى الآن بعد إعلان آخر شركة مصنِّعة لأجهزة (VCR)، التي نعرفها باسم أجهزة الفيديو، إيقاف الإنتاج في العام الماضي، طبقًا لما نشره موقع «واشنطن بوست».

وداعًا أجهزة الفيديو

تطور أجهزة الفيديو بين الثمانينات والتسعينات والألفينات

السؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان هنا هو: هل كانت أجهزة الفيديو تُصنَّع حتى الآن؟ والإجابة المدهشة هي: نعم.

انسحبت الشركات الكبرى واحدة تلو الأخرى من الصناعة وتبقت شركة (Funai Electric) اليابانية، التي قررت هي الأخرى إيقافها تصنيع أجهزة الفيديو في يوليو 2016، لتعلن رسميًّا وفاة أجهزة ارتبطنا بها طويلًا وسجلت ذكرياتنا لسنوات وسنوات.

بدأ انتشار أجهزة الفيديو الحقيقي في البيوت خلال تسعينات القرن العشرين، وكانت آخر نسبة تفوُّق لها مقابل مشغلات (DVD) هي 82.9% مقابل 76.5% عام 2005 في أمريكا، ثم بدأت النسبة تقل تدريجيًّا مع انتشار أكبر لمشغلات (DVD) وغيرها، طبقًا لدراسة أجرتها شركة (Nielsen)، المتخصصة في دراسة البيانات وتحليلها، إلى أن انتهى بها الأمر إلى الصورة الأخيرة: توجد داخل البيوت على هيئة توابيت مخزَّنة فقط.

ذكرياتنا على أشرطة

الصورة: Rob Pearce

هذا الخبر جعلنا نسترجع ذكرياتنا مع أشرطة الفيديو أو (VHS)، وهناك من لا يزال يفتح خزائنه القديمة بالفعل كلما زاد حنينه؛ ليبحث عن الأشرطة القديمة ويجربها على جهاز الفيديو ليتأكد إن كان يعمل أم لا.

بين الأشرطة هناك الكثير من أفلام ديزني القديمة ومسلسلات الرسوم المتحركة، هذه الأشرطة التي كانت تبقى في مشغِّل الفيديو لنشاهدها مرارًا وتكرارًا، وربما من أجل أشرطة الرسوم المتحركة تحديدًا اخترعوا تقنية Auto Replay أو الإعادة التلقائية.

هناك أيضًا بعض الأفلام العربية والمسرحيات، هذه الأخيرة ربما تجد بعضها على شريطين نظرًا لطولها، ويحتفظ آخرون بتسجيلات لحفلات؛ حفل عيد ميلاد الفنان الفلاني بحضور الفنانين كذا وكذا، أو حفل إطلاق إحدى الشركات الذي يحضره عدد من أهم الفنانين آنذاك.

في الحقيقة، كل ما سبق لا يزال موجودًا وبجودة أعلى على أقراص (DVD)، وهناك ما أصبح متاحًا للعرض المجاني على موقع «يوتيوب» وغيره.

المشكلة الأكبر تأتي مع أشرطة الفيديو العائلية، ذكريات الطفولة وأول لقطات كاميرا الفيديو، وعبارة «هل بدأت التصوير؟» الشهيرة، أو «هل صوَّرت هذا؟»، ثم بهجة مشاهدتها وتعليقات «لماذا يبدو صوتي هكذا؟»، أو «هذه الكاميرا تزيد من وزني كثيرًا». أشرطة حفلات الزفاف وأعياد الميلاد العائلية وأحيانًا الحفلات المدرسية، كل هذا ليس متاحًا على «يوتيوب» ولم يهتم أغلبنا بتحويله إلى ملفات ديجيتال؛ لاعتقادنا أنها ما دامت موجودة على أشرطة فستبقى إلى الأبد.

اقرأ أيضًا: كيف حوَّل التليفزيون السياسة إلى عرض ترفيهي؟

لماذا نفتقد أجهزتنا القديمة؟

الصورة: Tyler

 مع التطور التكنولوجي الرهيب الذي نعيشه الآن، أصبحت كل تكنولوجيا تدهشنا اليوم لا يمضي عليها الكثير قبل أن تصبح قديمة ثم تاريخًا مكتوبًا فقط. 

وعمل عدد من الأكاديميين على دراسة الرابط بين الإنسان والتكنولوجيا، خصوصا الأجهزة الإلكترونية، في محاولة لتفسير افتقادنا للأجهزة القديمة، ومعرفة ما يجعلنا نرتبط بها بهذا الشكل ونحزن لانتهائها أو فقدانها.

من أسباب تعلقنا بالأجهزة الإلكترونية أنها تسجل الكثير من لحظات حياتنا.

ولدى «إليزابيث غيربر» (Elizabeth Gerber)، الأستاذ المشارك بجامعة «نورثويسترن» الأمريكية، سببان يكشفان سر هذا التعلُّق.

السبب الأول هو أن هذه الأجهزة أو الآلات تمنحنا قدرات لم نكن لنكتسبها دونها. نظرة واحدة إلى شاشة هاتفك المحمول أو الكمبيوتر الذي تقرأ عليه هذه الكلمات، وستدرك كَمْ من المعلومات اطَّلعتَ عليها بحركات بسيطة من أصابعك.

تخيل الأمر نفسه مع أجهزة الفيديو في بدايتها، فبعد أن كان من اللازم أن تذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم جديد، أصبح بإمكانك الاحتفاظ به على شريط ومشاهدته في أي وقت، وبعد أن كان عليك تنظيم وقتك لمشاهدة ما تحب، صار تسجيله وعرضه لاحقًا سهلًا للغاية.

السبب الثاني لتعلقنا بالأجهزة الإلكترونية أنها تسجل الكثير من لحظات حياتنا. ليس التسجيل بالمعنى المباشر الذي ذكرناه سابقًا فقط، ولكن أيضًا من خلال ارتباط التكنولوجيا بلحظات بعينها؛ أول فيلم تشاهده على الفيديو، أول شريط تشتريه بنفسك، ثم ذكريات الاستكشاف ولحظة تجربة الجهاز للمرة الأولى وما يصاحبها من عواطف.

من أجل هذا ترى «غيربر» أن الشعور بالحزن على انتهاء التكنولوجيا أو إيقاف تصنيع أحد الأجهزة مقبول.

قد يعجبك أيضًا: كيف يعادي البشر الابتكار؟

احتضن أشرطة الفيديو وابكِ

الصورة: Alan Levine

بعد إعلان هذا الخبر، كانت ردود الأفعال مختلفة ومتباينة. «باميلا راتلدغ» (Pamela Rutledge)، مديرة مركز أبحاث سيكولوجيا الميديا، قالت إن إيقاف تصنيع أجهزة الفيديو يشكل تهديدًا لذكريات البعض.

هل ستتحول أجهزة الفيديو مستقبلًا إلى «أنتيكات» مثل الجرامافون والهاتف ذي القُرص؟

في المقابل، تجاهل بعض مستخدمي الفيديو الأمر تمامًا، فطالما يمتلك جهاز الفيديو الخاص به في البيت ولديه أشرطته فهو في أمان، ولكن مع أول عطل في الجهاز سيشعر بالكارثة. 

وهناك من تعامل بنظرة بعيدة: «ستعود أشرطة الفيديو مرة أخرى عندما نجد طريقة لتحويلها إلى تقنية الـ3D»، وبالتأكيد كثيرون قرروا البكاء على الأطلال، وآخرون أصيبوا بالإحباط وطالبوا بمد فترة إنتاج الفيديو لعدة أشهر؛ كي يتمكنوا من شراء أجهزة احتياطية تحسُّبًا لانتهاء صلاحية أجهزتهم.

هل ستتحول أجهزة الفيديو مستقبلًا إلى «أنتيكات» في المنازل؛ مثل الجرامافون أو الهواتف العتيقة ذات القرص؟ في هذه الحالة، سيضمن الكثيرون قطعة ثمينة في منازلهم إذا حافظوا على أجهزة الفيديو لديهم سليمة.

لكن السؤال الأصعب هو: ماذا سنفعل بكل أشرطة الفيديو التي لدينا؟ غالبًا ستظل في أماكنها، نعيد النظر إليها كل فترة حتى نتذكر ما كانت تحمله من ذكريات قد لا تتكرر، تمامًا كما كان يفعل هواة الاستماع إلى الأغاني عبر أشرطة الكاسيت، أو كما سيفعل قريبًا هواة تجميع أجهزة وأقراص (DVD).

أندرو محسن