بين روايات السنة والشيعة والمستشرقين: متى ظهر التشيُّع؟
مسألة توقيت ظهور المذهب الشيعي من أهم المسائل وأكثرها إثارة للجدل والخلاف في علم الفِرَق والمذاهب والتاريخ الإسلامي بشكل عام. ويمكن أن نلاحظ أن الخلاف في هذه المسألة تحديدًا، يدور بين ثلاثة أنواع من الباحثين والعلماء، وأن لكل فرقة من الفرق الثلاثة هدفًا وغايةً من وجهة نظرها.
يمكن أن نحصر الفرق الثلاثة في: علماء الشيعة، وعلماء السنة، والمستشرقين ومَن نهج نهجهم من الباحثين المسلمين المعاصرين. كيف رأت كل فئة من هؤلاء نشأة التشيع وتوقيت ظهوره؟ وماذا كان هدف كل فئة منهم؟ وأيهم الأقرب إلى طرح علمي متماسك؟
علماء الشيعة وتأصيل التشيع في الإسلام الأول
بالنسبة إلى علماء الشيعة، فإنهم حاولوا قديمًا وحديثًا أن يثبتوا أن التشيع لم يكن أمرًا طارئًا على الإسلام، وأن الشيعة الأوائل ظهروا في عصر الرسول، ومن ذلك قول سعد بن عبد الله أبي خلف الأشعري القمي، إن «الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام، المسمون شيعة علي في زمان النبي، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي وسلمان الفارسي وأبو جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر المذحجي، وغيرهم ممن وافقت مودته مودة علي عليه السلام، وهم أول من تشيَّع من هذه الأمة».
يتبع ذلك النهج عدد من أعلام الشيعة المعاصرين. منهم على سبيل المثال محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي زعم في كتابه «أصل الشيعة وأصولها» أن «أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام صاحب الشريعة الإسلامية نفسه».
هذا الرأي يخص الجمهور الأكبر والسواد الأعظم من علماء الشيعة المتقدمين والمتأخرين الذين سعوا إلى «تأصيل» التشيع في الأصول الإسلامية، كالقرآن والسنة، والنظر إلى المذهب باعتباره متزامنًا في نشأته مع ظهور الإسلام نفسه.
كان صدام موقعة الجمل، الموقف الذي سبب تغيير في طبيعة التشيع، ليأخذ منحى يظهر فيه بالمعنى الاصطلاحي الحركي العملي.
يُلحَق بذلك الزعم رأي آخر، وهو رأي ابن النديم، إذ يورد في كتابه الأشهر «الفهرست»، خلال تناول أحداث «موقعة الجمل»، أنه «لمَّا خالف طلحة والزبير علي رضي الله عنه وأبيَا إلا الطلب بدم عثمان بن عفان، وقصدَهُما علي عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه، تسمَّى من اتبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول شيعتي، وسماهم عليه السلام الأصفياء والأولياء وشرطة الخميس والأصحاب».
معنى ذلك أن ابن النديم يرى أن الشيعة لم يظهروا إلا وقت معركة الجمل في سنة 35 هجرية/655 ميلادية، وأنهم لم يكونوا موجودين على مسرح الأحداث قبيل هذا الوقت.
من الممكن أن نوفق بين الرأيين باعتبار أن الوجود المعنوي الباطني للتشيع كان في زمن الرسول، ولم تبدُ له أي آثار مادية (حركية) إلا عند اشتعال المعارك بين علي بن أبي طالب وأعدائه من الخارجين على سلطته، فكان الصدام الذي حدث في موقعة الجمل، الموقف الأول الذي استدعى حدوث تغيير في طبيعة التشيع، ليأخذ منحى جديدًا يظهر فيه بالمعنى الاصطلاحي الحركي العملي.
علماء السنة وتبديع التشيع
يتفق علماء أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا على أن التشيع أمر طارئ وغريب على الإسلام، وأنه بدعة في الدين الإسلامي، ولم يوجد في عصر الرسول ولا في عصر خليفتيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب مَن عُرِفوا بالشيعة.
يرى ابن حزم أن أول ظهور للشيعة كان في أواخر عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان. يقول في كتابه «الفصل في الأهواء والملل والنحل»: «ثم وَلِي عثمان، فزادت الفتوح واتسع الأمر، فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر، وبقي كذلك اثني عشر عامًا حتى مات، وبموته حصل الاختلاف وابتدأ أمر الروافض».
إضافة إلى ذلك، حاول عدد من علماء السنة أن ينسبوا أصول التشيع الأولى إلى شخصية «عبد الله بن سبأ»، ويُعرَف في بعض الروايات بـ«عبد الله بن السوداء»، إذ كان يهوديًّا أصله من اليمن، ثم أسلم وحاول أن يثير الفتن بين المسلمين، لنجد أن عددًا من الروايات التاريخية تُحمِّله المسؤولية المباشرة عن اشتعال ثورة الأمصار ضد الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وهناك من يرى أن ابن سبأ أول من دعا إلى الغلو في شخصية علي بن أبي طالب، ونشر عدد من عقائد الشيعة الأساسية، مثل «الرُّجعة» و«الوصية» و«العصمة»، وبذلك فهو، من وجهة نظر أصحاب تلك الروايات، المؤسس الفعلي للمذهب الشيعي.
قارن ابن تيمية بين الشيعة واليهود، فقال: «ولهذا كان بينهم، أي الشيعة، واليهود من المشابهة في الخبث واتباع الهوى، وغير ذلك من أخلاق اليهود».
ربط عدد من العلماء المسلمين بين المذهب الشيعي والديانة اليهودية، مستندين في رأيهم إلى الاعتقاد بتدخل ابن سبأ في تأسيس المذهب الشيعي ونشر أفكاره، لأنه كان من أصول يهودية.
من هؤلاء العلماء، ابن حزم الذي يعقد في كتابه الفصل، مقارنة في العقائد بين الشيعة واليهود، فيشبِّه فكرة الرجعة والحياة الطويلة عند بعض الفرق المنسوبة إلى الشيعة ببعض الأفكار القريبة عند اليهود.
كذلك عقد ابن تيمية، في كتابه «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية»، مقارنة بين الشيعة واليهود والنصارى، فقال: «ولهذا كان بينهم، أي الشيعة، واليهود من المشابهة في الخبث واتباع الهوى، وغير ذلك من أخلاق اليهود، وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل، وغير ذلك من أخلاق النصارى، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه، وهؤلاء من وجه، وما زال الناس يصفونهم بذلك».
كان الخلاف العقَدي بين مسلمي السنة والشيعة قد بلغ درجة من النزاع يجعل الحل امرًا مستحيلًا، وهكذا سيطرت على الدراسة السنية للمذهب الشيعي مقولات التبديع التي تفسر ظهوره بردِّه إلى ما هو خارج حظيرة الإسلام، في الوقت الذي استمرت الرواية الشيعية التقليدية في تأصيله وغرزه في النصوص الإسلامية الأولى.
سيحاول المستشرقون أن يبحثوا المسألة من جهة نظر خارجية بالنسبة إلى هذا النزاع، ليتبعهم في ذلك بعض الباحثين المسلمين الذين سينحُّون الخلاف السني-الشيعي جانبًا من أجل بحث موضوعي في التشيع. لكن آراءهم لم تخل كذلك من تحيزات أخرى.
اتفاق المستشرقين والسنة
حاول المستشرقون أن يستخدموا مناهج نقد الأديان والمذاهب والدراسات البحثية المقارَنة في سبيل التوصل إلى وقت ظهور المذهب الشيعي وتبيان المصادر الأولى التي أخذ منها الشيعة الأوائل، وأحيانًا إظهار التعارض بين «الإسلام» في صورته «الأصلية» والتشيع.
حاول بعض المستشرقين نسب التشيع إلى أصول غير إسلامية، فارسية أو يهودية، أو على ركائز صوفية غنوصية.
نجد أن قطاعًا كبيرًا من المستشرقين، خصوصًا في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، اعتقدوا أن التشيع يختلف في جوهره عن الإسلام التقليدي، إلى الحد الذي دعا واحدًا من كبار المستشرقين، وهو المجري «إيغناس غولدتسيهر» في كتابه «العقيدة والشريعة في الإسلام» إلى القول إن «الشيعة على وجه الدقة، المنطقة التي نبتت فيها جراثيم السخافات التي حللت وقضت على نظرية الألوهية في الإسلام».
ربما يمكن تفسير هذه النزعة المحافظة تجاه التشيع لدى المستشرقين بأنهم حاولوا الحفاظ على إسلام نقي خالٍ من التعدد، ولا يتطور مع التاريخ، من أجل درسه وتحليله، وهذا هو الرأي الذي دافع عنه إدوارد سعيد في عمله الأشهر «الاستشراق».
لذلك، فإن عددًا من هؤلاء المستشرقين حاول نسبة التشيع إلى أصول غير إسلامية، إذ نسبه بعضهم إلى مؤثرات فارسية، وآخرون إلى مؤثرات يهودية، بينما اعتقد فريق ثالث أن التشيع تأسس على ركائز صوفية غنوصية.
من أشهر المستشرقين الذين اعتقدوا بالأصول الفارسية للتشيع، الهولندي «رينهارت دوزي»، في كتابه «ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام»، عندما أكد الربط بين المذهب الشيعي وبلاد الفرس التي «كانت مسرحًا لكثير من التخرصات الدينية، حيث التقت فيها أخلاط من المذاهب المختلفة وأمشاج من النِّحَل المتباينة، ووجدت في هذه البلاد حقلًا خصبًا لازدهارها». واعتقد دوزي أن إقبال الفرس على الانخراط في الدين الإسلامي واعتناقه بعد الفتح العربي لإيران، كان سببًا مهمًّا من أسباب ظهور المذهب الشيعي بصبغته الفارسية.
أما المستشرق الألماني «يوليوس فلهاوزن»، في كتابه «أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام»، فاعتقد أن التشيع ينسجم مع الشعب الفارسي، لذلك يقول إن «أراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين، فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه، أما كون هذه الأراء قد انبعثت من الإيرانيين، فليست تلك الملاءمة دليلًا عليه».
لكن في كل الأحوال، يتفق فلهاوزن مع الرأي القائل برد التشيع إلى «خارج الإسلام»، فيتبع قوله السابق برأيه في أن «التشيع يرجع إلى اليهودية أقرب من أن يرجع إلى الإيرانيين».
أما المستشرق الفرنسي الشهير «هنري كوربان»، في كتابه عن «الشيعة الإثنا عشرية»، فيؤكد أن التصوف والفكر الروحاني الباطني كانا من أهم الروافد المهمة التي أدت إلى ابتداع المذهب الشيعي.
تبعهم في ذلك بعض الأساتذة المسلمين المتأثرين بالمناهج الاستشراقية، منهم أحمد أمين في كتابه الشهير «فجر الإسلام»، عندما فسر بدء التشيع وانتشاره في العراق بالذات دونًا عن غيره من مناطق الدولة الإسلامية وأقاليمها، بأن «العراق من قديمٍ منبع الديانات المختلفة والمذاهب الغريبة، وقد سادت فيها من قبل تعاليم ماني ومزدك وابن ديصان... ومنهم نصارى ويهود سمعوا المذاهب المختلفة عن حلول الله في بعض الناس».
قد يهمك أيضًا: الشيعة والتشيع: تطور المصطلح ودلالاته
ما وراء ابن سبأ: نقائص الروايتين السنية والاستشراقية
رغم الوجاهة النسبية التي تسم الآراء السنية والاستشراقية، إذا ما تعرفنا إليها للوهلة الأولى، فإننا نجد أن هناك عددًا من الملحوظات والانتقادات التي من الممكن أن تُوجَّه إليها في سياق البحث عن الجذور الأولى للتشيع وللفكر الشيعي.
أول هذه الملحوظات، أن الآراء التي جعلت من عبد الله بن سبأ مؤسسًا لأصول المذهب الشيعي، أعطت قيمة كبيرة لتلك الروايات التي تذكر هذه الشخصية، بغض النظر عن العوار الواضح والضبابية والشكوك التي تحيط بشخصية ابن سبأ من جوانب كثيرة.
فالنزاع حول شخصية عبد الله بن سبأ حدث بين كثير من المؤرخين والباحثين والمستشرقين. إذ إن هناك طائفة اعتقدت بأن ابن سبأ شخصية تاريخية حقيقية ولا ريب في ذلك، وكان صاحب دور عظيم في أحداث الثورة ضد عثمان بن عفان وتأسيس المذهب الشيعي، ومن هؤلاء نيكلسون وغولدتسيهر وحسن إبراهيم حسن ومحمد عبد الله الغلبان ومحمد أمحزون وصادق إبراهيم عرجون وسعد الهاشمي.
أما الرأي الآخر، وهو الأكثر انتشارًا بين الباحثين الشيعة، فيرى أن ابن سبأ شخصية وهمية أسطورية مُختَلَقَة، ولم يكن لها أي وجود حقيقي. من أهم من أنكر حقيقة وجود عبد الله بن سبأ، مرتضى العسكري وعبد الله فياض وعبد العزيز صالح الهلابي وعلي الوردي وكامل مصطفى الشيبي.
يستند هؤلاء إلى عدد من الأدلة التي يرونها تدحض مسألة الوجود التاريخي لابن سبأ، ومن أقوى أدلتهم أن أكثر الأخبار التي عرفناها عنه وصلت إلينا عن طريق سيف بن عمر التميمي الذي يكاد ينفرد برواية أخبار ابن سبأ.
بمراجعة آراء علماء الجَرح والتعديل السُّنة أنفسهم في سيف بن عمر، يتبين بوضوح عدم إمكان التعويل على رواياته وحده لإثبات الوجود التاريخي لعبد الله بن سبأ، لأن غالبية هؤلاء العلماء يرمون التميمي بالكذب الصريح.
يبرر مرتضى العسكري، في كتابه المهم «عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى»، ذِكر هذه الشخصية في بعض كتب الشيعة، بأن أصحابها اعتمدوا في رواياتهم على الاقتباس من كتاب «معرفة الناقلين» المعروف بـ«رجال الكشي»، ثم يبين العسكري ضعف كتاب الكشي وتضعيف علماء الشيعة له، بحيث لا يجوز الاعتماد عليه والنقل عنه بشكل مطلق.
إذًا، فكما أن غالبية الروايات السنية التي وردت عن ابن سبأ جاءت من طريق واحد، وهو سيف بن عمر التميمي، فإننا نجد أن الروايات الشيعية عن هذه الشخصية جاءت من طريق واحد أيضًا، وهو طريق الكشي، وكما ضعَّف علماء الجرح والتعديل التميمي ورواياته، فإن نظراءهم من علماء الشيعة ضعَّفوا كتاب رجال الكشي.
عمل العلماء المسلمين على إيجاد تصورات تقاربية تشابهية للربط بين المذهب الشيعي واليهودية والنصرانية، حتى لو اقتضى ذلك البعد عن المنطق السليم.
الملحوظة الثانية، أن النظريات السنية التي حاولت أن تنسب أصول المذهب الشيعي إلى مؤثرات يهودية ونصرانية، تعتمد في المقام الأول على الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد أن المسلمين سيتفرقون من بعد وفاة الرسول، وأنهم سيتبعون خطى اليهود والنصارى. من أهم تلك الأحاديث ما أورده البخاري في صحيحه، مرفوعًا إلى الرسول أنه قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضَبِّ تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال فمن؟».
لذلك، فإن الوسط الفكري الذي صاغ فيه هؤلاء العلماء نظرياتهم وآراءهم في ما يخص نسبة المذاهب الإسلامية المختلفة عمومًا، والمذهب الشيعي خصوصًا، كان وسطًا معبأً بالأفكار التي تجنح إلى اعتبار أن كل معتقَد أو مذهب يخالف المذهب السني الرسمي، متأثر بالصيغ اليهودية والنصرانية المنحرفة والمحرَّفة.
لذلك، كان كثير من العلماء المسلمين يعملون على إيجاد تصورات تقاربية تشابهية للربط بين المذهب الشيعي واليهودية والنصرانية، حتى لو اقتضى ذلك البعد عن المنطق السليم أو التغاضي عن بعض الحقائق في غالبية الأحيان.
أما الملحوظة الثالثة، فهي أن الركون إلى أراء المستشرقين التي ترى وجود مؤثرات خارجية، تأسس عليها المذهب الشيعي، أمر يجب أن نتعامل معه بمنتهى الحرص والحذر، لأن المدرسة التاريخية الاستشراقية، خصوصًا في صورتها عن غولدتسيهر ودوزي ومعاصريهما، تتبع نهجًا ماديًّا بحتًا إزاء التعامل مع مختلف الأديان والفرق والمذاهب.
بموجب ذلك النهج، يُنظر إلى الأديان باعتبارها عددًا من الحلقات في سلسلة تطورية، وأن كل حلقة تختلف عن سابقتها بسبب الظروف الاقتصادية والمادية ليس إلا. إنها بذلك تنفي صفة المثالية عن الأديان، وما يرتبط بها من عقائد وأفكار تلتمس قدسيتها من مصدر علوي فوقي خارج عن حدود المادة وأطر الطبيعة، وتسعى باستمرار إلى بحث أصولها في التراث الإنساني السابق عليها فقط.
لذلك، فإن كثيرًا من الدراسات الغربية درجت على محاولة إيجاد صيغ متشابهة بين المعتقدات المصرية القديمة ومثيلتها الفارسية واليونانية على سبيل المثال. وبعض الدراسات حاولت أن تبين أثر الأديان القديمة في تطور الأديان التوحيدية، مثل اليهودية والمسيحية.
حاول المستشرقون أن يعقدوا المقارنات بين الإسلام والزرادشتية واليهودية والمسيحية، ليثبتوا بمنهجهم المادي أن الإسلام ليس إلا إحدى الصيغ التطورية لتلك الأديان السابقة عليه.
اقرأ أيضًا: عالم الذَّر في الفقه الشيعي: مرحبًا بك حيث قررت مصيرك قبل أن تولد
إذًا، متى ظهر المذهب الشيعي؟
الراجح أن الأدلة والشواهد إذا أخذناها مجتمِعة، دون تعصب مذهبي، فإنها تشير إلى أن المبدأ العام الجامع للمذهب الشيعي ظهر في عصر الرسول، وأعني بذلك المبدأ مجرد التشيع لعلي بن أبي طالب وتأييده والاعتقاد بأفضليته وأحقيته بخلافة الرسول، باعتبار هذا الموقف سياسيًّا في جوهره. لكن في نفس الوقت، ربما تكون تسمية الشيعة قد حدثت وفق تطور الأحداث السياسية في الدولة الإسلامية، وخصوصًا بعد مقتل الخليفة الثالث ومبايعة علي بن أبي طالب.
معنى ذلك، أن مصطلح «الشيعة» لم يأخذ دلالته الخاصة المميزة إلا بعد فترة لا تقل عن 20 عامًا بعد وفاة الرسول، والعقائد المميزة للمذهب الشيعي، مثل الرجعة والإمامة والوصية والعصمة والتقية والمهدوية، لم تظهر إلى الساحة الفكرية الشيعية إلا بعد وفاة علي بن أبي طالب نفسه بفترة طويلة.
محمد يسري أبو هدور