ودَّع هواك وانساه: العالم يتجه إلى العزوبية
كم عمركَ؟ ألم يحن الوقت لتتزوجي بعد؟ ما رأيكَ في الاقتران بابنة عمكَ الجميلة؟ لماذا لا ترغبين في الزواج؟ أتخشى شيئًا ما؟ كل هذه أسئلة نسمعها جميعًا ونألفها، وتُشعرنا أن العزوبية هي أسوأ مخاوفنا، لكن مقالًا نشره موقع «كوارتز» يثبت أن حياة العُزَّاب ليست بهذا السوء، بل ربما يملك العازب من المزايا ما لن يتمتع المتزوجون به مطلقًا.
بحسب المقال، يُعتبر القرن الحادي والعشرين عصر العزوبية بامتياز، إذ يبلغ عدد غير المتزوجين في كثير من الدول أرقامًا غير مسبوقة. ولا نقصد بالعُزَّاب من يُقْدِمون على خطوة الارتباط متأخرًا، بل هؤلاء الذين يمضون حياتهم كلها دون زواج، إذ يتوقع تقرير نُشِر عام 2014 أن واحدًا من كل أربعة شباب سيبلغ الخمسين من عمره دون شريك حياة في أمريكا.
حياة العُزَّاب؟ نشاط وحرية
هل أنت أعزب؟ إذا كانت إجابتك بنعم فربما ينبغي عليك الاحتفال، وفقًا لعالمة الاجتماع الأمريكية «بيللا دي باولو»، التي كرست جهودها في العشرين سنة الأخيرة للكتابة عن العُزَّاب والبحث في أحوالهم، وتوصلت إلى أن العزوبية قد تكون نعمة لا يُقدِّرها أحد.
يتطوع العُزَّاب في أنشطة خيرية، في حين ينغلق المتزوجون على أنفسهم.
ظلت «الأسرة النووية»، المكونة من زوج وزوجة وأطفالهما فقط دون أقارب، تسيطر على تركيبة المجتمع الإنساني فترةً طويلة، وتميل هذه الأسر إلى الانفصال عن الجيران والحد من التعامل مع الآخرين. أما العُزَّاب فيكونون أكثر قدرةً على معاشرة الناس والتفاعل مع الأصدقاء والجيران، ويُقدمون كذلك على التواصل مع عائلاتهم وأشقائهم بنسبة أعلى ممَّا يفعل المتزوجون، بحسب دراسة دي باولو.
وجدت الباحثة أن الشباب المستقلين يبثُّون الحياة في المدن، فيشتركون في الأنشطة العامة، ويلتحقون بدروس الفن والموسيقى، ويخرجون لتناول العشاء خارج المنزل، بخلاف المتزوجين الذين يمارسون معظم الأنشطة مع أُسَرهم في البيت.
إضافةً إلى ذلك، يتفوق العُزَّاب، سواءً استقلوا بسكنهم أم لا، على المتزوجين في ميلهم إلى التطوع في الجمعيات الأهلية وهيئات الفنون والمستشفيات والأنشطة الاجتماعية، في حين ينغلق المتزوجون على أنفسهم وأُسَرهم.
حياة العُزَّاب؟ أسرة كبيرة
تتمركز حياة أغلب المتزوجين حول المنزل والأطفال، بينما يهتم العُزَّاب بأحوال العائلة والأصدقاء.
يُنظر إلى العُزَّاب باعتبارهم أشخاصًا أنانيين، ولا يحظون بقدر الأمان الذي يتمتع به المتزوجون، وتوقعت إحدى الدراسات قبل ذلك أن يموت العازب في سن مبكرة مُثقلًا بالحزن والوحدة، لكن الأبحاث الأحدث تخالفها الرأي، إذ تشير إلى أن أغلب العُزَّاب يعيشون حياتهم على أكمل وجه، ولا يشعرون بالانعزال عن الآخرين أو الأسى أو الوحدة.
تتنوع علاقات العُزَّاب بالآخرين بين أُخُوَّة وصداقة وجيرة وزمالة وغير ذلك، ممَّا يؤدي إلى درجة أعلى من الرضا العام عن الحياة، أما الانغلاق الذي يصيب الأزواج والمرتبطين فيؤدي إلى جعلهم أكثر عرضةً للمشاكل النفسية بحسب المقال.
يكتسب العُزَّاب مع مرور الوقت مزيدًا من الثقة في آرائهم الخاصة، ويطورون من أنفسهم، ويُقدِّرون قيمة العمل الذي يُحدث تأثيرًا في المجتمع حولهم، ويجدون فرصًا كثيرة للاستمتاع بوقتهم، وهو ما يفتقده المتزوجون.
تتمركز حياة أغلب المتزوجين حول شركاء حياتهم وأطفالهم فقط، أما العُزَّاب فيهتمون بأحوال عائلاتهم وأصدقائهم ومعلميهم، وكأن مفهوم العائلة قد اتسع بالنسبة إليهم ليشمل كل من يكترثون بأمره.
حياة العُزَّاب؟ استقلال وتجارب جديدة
حين تتحول العزوبية إلى اختيار مقبول، لن يُجبر أي شخص على الزواج هربًا من لقب عازب.
لا يوفر منزل الأسرة التوازن الذي يَنشُد العازب تحقيقه بين الاختلاط بالناس والعزلة، فيبدأ في البحث عن أماكن أخرى تمكِّنه من ذلك، كأن يذهب إلى الشاطئ كلما رغب في الاختلاء بنفسه، أو يلتقي رفاقه في المقهى حين يشعر بحاجة إلى التفاعل مع آخرين.
يفضِّل الذين يُقدِّرون العزلة أن يعيشوا بمفردهم، ويُقدمون على تجربة الابتكارات الجديدة، لكن رغم انتقالهم إلى شقق خاصة بهم، يعتمد اختيارهم لأماكن تلك الشقق على اعتبارات اجتماعية، فتراهم يعيشون في المبنى أو الحي نفسه الذي تحيا فيه عائلتهم أوأصدقائهم، أو يشاركون شقة مع صديق مقرب، أو ينتقلون إلى المجمعات السكنية التي تضمن لهم تحقيق عزلتهم والانخراط مع الجيران في الوقت نفسه.
أصبح العيش بعيدًا عن منظومة الزواج اختيارًا حقيقيًّا لا يخشاه كثيرون، نظرًا لانتشار الفرص التي تسمح بقضاء حياة عزوبية مريحة وذات معنى، فحين تتحول العزوبية إلى اختيار مقبول، لن يُجبر أي شخص على الزواج هربًا من لقب عازب، أو لمجرد تحقيق توقعات العائلة والناس. وفي الوقت الذي يختار فيه العُزَّاب الارتباط، سيكون ذلك نابعًا من رغبتهم الحقيقية في تمضية حياتهم برفقة شريك العمر، وليس بسبب الاضطرار.
عزوبية سعيدة..