العلاقة المحرمة بين السعادة والمال: هل هي «أشياء تُشترى»؟
«ناس قالوا لي إن السعادة للنفوس، حاجة سموها الجنيه. فضلت أجمَّع وأحوِّش في الفلوس، لمَّا حسيت إني بيه» - من مونولوج إسماعيل ياسين «صاحب السعادة».
بين السعادة والمال علاقة محرمة. فطالما انهالت على آذاننا تعبيرات من قبيل: «الفلوس لا تشتري السعادة»، و«السعادة لا تُقدَّر بمال»، لكننا كبرنا يا أُم، والسعادة يمكن أن تُقدَّر بالكيلو. أقصد أن النقود صارت تشتري السعادة، وهناك موازين دولية تحدد قيمة السعادة المالية.
أعرف أن هذه نظرة مادية لشيء طالما أضاع كثيرون حياتهم مقابل الوصول إليه، لكن هذا هو الواقع الآن: السعادة يمكن أن تُشترَى، لكن كيف؟
المال يشتري الذكريات السعيدة
في دراسة أجرتها مجموعة من علماء النفس في جامعة بيردو الأمريكية، اتضح أن المال يمكنه فعلًا شراء السعادة، بل إن الدراسة حددت القدر الذي يمكِّنك من الحصول على قدر جيد من السعادة والرضا: عندما يكون دخلك السنوي بين 60 و75 ألف دولار.
التجارب الجديدة والأجازات و شراء ما تحبه، يجعلك تمتلك ذكريات تُشعِرك بالسعادة. وكل هذه الأشياء تحتاج كثيرًا من المال.
أجرى العلماء استطلاع للرأي شمل 1.7 مليون شخص من 164 دولة، وجهوا خلاله سؤالًا واحدًا إليهم: «ما الدخل المثالي الذي يجعلك سعيدًا؟».
لكن افتراض أن شراء الأشياء يجلب السعادة ليس صحيحًا، أليس كذلك؟
بالطبع لا. ليست السعادة في شراء الأشياء، فمن يفعلون ذلك ليس سعداء حقًّا. السعادة تأتي من شراء الذكريات. نعم، الذكريات. تقول «ايمي غوردن»، الكاتبة والطبيبة النفسية المهتمة بالعلاقات الشخصية، إن شراء الذكريات بالمال يسبب السعادة.
تجربة أشياء جديدة أو قضاء أجازة في مكان جديد أو شراء شيء تحبه، يجعلك تمتلك ذكريات تُشعِرك بالسعادة. وكل هذه الأشياء لن تهبط عليك من السماء، بل تحتاج المال، كثيرًا من المال.
قد يهمك أيضًا: ما هو سر السعادة الذي لا يعترف به أحد؟
السعادة والوقت الإضافي
شراء الوقت، أحد أكثر الأشياء التي يمكنها أن تُشعرك بالسعادة.
دراسة أجرتها «الأكاديمية الوطنية للعلوم» في أمريكا، تؤكد أن بإمكانك الشعور بالسعادة عندما تكون لديك القدرة المالية على شراء الوقت. بمعني آخر: تكليف آخرين بما عليك فعله من مهمات يومية وحياتية ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، وهذا بالتأكيد يكلف كثيرًا من المال، لكنه يوفر لك وقتًا تفعل فيه أشياء تختارها أنت، ليست مفروضة عليك.
فَكِّر فيها بالطريقة التالية: الوقت الذي كنت تقضيه في ارتداء الملابس والخروج من المنزل إلى محل البقالة مثلًا أو المطعم، يوفره لك عامل التوصيل، لكن التوصيل له ثمن بالطبع: نقود.
قد يعجبك أيضًا: الفلسفة تعلمنا كيف نحيا سعداء
المال والحب
نظرة، ثم ابتسامة، ثم زيارة، ثم زفاف، ثم شهر عسل، ثم طفل أول، ثم ثانٍ، ثم... ربما هذا ما يفعله بنا الحب، لكن المال هو المسؤول عن استمرارية هذا الحب.
الزوجان اللذان لديهما ما يكفي من المال، يمكنهما مواصلة الطريق بسهولة دون الدخول في دوامة «ثم» المالية، لكن هناك من يقف به قطار «ثم» عند الزيارة، وإذا استطاع إلى الزفاف سبيلًا، فلن يحصل على السعادة من زواجه بالطبع.
ماذا يفعل الحب أمام أسعار حليب الأطفال والحفاضات وصولًا إلى المدارس؟
المال والراحة النفسية
حسنٌ، افترضنا أنك تجد راحتك النفسية وسعادتك في الحج. هل تعلم كم ستكلفك هذه الرحلة؟ كم ساعة يجب أن تعملها لتحصل على التكلفة؟
إذا قررت عبادة بوذا أو اتجهت إلى الهندوسية، ستجد أن لكل ديانة تكاليف لا تحب الدخول في حساباتها. إذا كنت ملحدًا وتعتقد أنك خارج اللعبة، أنصحك بأن تفكر مرة أخرى، فالراحة النفسية والسعادة لهما أوجه كثيرة، إذ إن رغبتك في اكتشاف العالم والبحث في أسرار الكون ستكلفك المال، حتى ولو لشراء الكتب والأفلام الوثائقية.
آية صبري