كتير بنعشق: ربما لم نُخلق لنحب مرة واحدة فقط

ندى حنان
نشر في 2017/06/06

الصورة: Allef Vinicius

دخل «ملفين كونر»، عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية المختصة بتتبع أصل الإنسان وتطوره عبر الزمن، إلى قاعة مليئة بالطلاب الجامعيين وسأل سؤالًا عاديًّا في ظاهره: ما غاية الحب؟ 

بدأ الطلاب في طرح رؤاهم الخاصة عن هدف الحب، ثم أوقف كونر سيل الأحاديث ليلقي على مسامع طلابه إجابته الصادمة، التي عرضها مقال نُشر على موقع «كوارتز»: ماذا لو كان الهدف من الحب ليس دخول الإنسان في علاقات، بل فراره منها؟

فكِّر في هذه الفرضية: الحب يسلب عقولنا ويدفعنا إلى التفكير غير المنطقي، وما الأقل منطقيةً، في عالم تزيد فيه الاحتمالات السيئة عن الجيدة، من التخلي عن الأمان الذي توفره لنا علاقة قائمة بالفعل؟

هذا التساؤل الذي طرحه كونر له بُعد فلسفي وأخلاقي لن يُجدي معه العلم نفعًا، فأقصى ما يمكن للعلم فعله في هذه الحالة أن يحدد التصرفات التي يُقدم عليها الإنسان حين يقع في الحب ويفسرها، وهذا ما تقدمه لنا الأنثروبولوجيا البيولوجية.

الحب كالمخدرات

كيف يؤثر الحب في أمخاخنا؟

اختلفت الأسماء والحب واحد، فسواءً أسميته غرامًا أو هوسًا أو تعلُّقًا، فإنك تشير إلى هذه الجنة الأرضية التي يعيش فيها المحبون. لكن ماذا تعرف عن الكيفية التي تدفعنا إلى الإحساس بهذه المشاعر؟

الحب شعور قديم، أحسَّ به الإنسان البدائي وتطور عبر ملايين السنين، ويفترض العلماء كذلك أن كثيرًا من الثدييات الأخرى تشعر به.

يقع فأر الحقل في الحب بحسب عدة تجارب علمية، فتفرز هذه القوارض عند التزاوج هرمونات معينة تحفز الخلايا العصبية الدماغية المسؤولة عن الإحساس بسعادة المكافأة، وهي الخلايا نفسها التي تنشطها المخدرات، ممَّا دفع العلماء إلى استنتاج صادم، مفاده أن المخدرات تعمل أساسًا عن طريق إثارة الخلايا العصبية التي تطورت في الأصل لتمكِّن الإنسان من الشعور بالحب، حسب المقال.

رغم أوجه التشابه بين البشر وفئران الحقل في ما يخص العلاقة بين الدماغ والحب، فإن العلماء ما زالوا عاجزين عن فهم ما يمر به الإنسان في هذه الحالة على نحو واضح، ولا تكشف لهم الملاحظات العلمية كل خبايا الطبيعة الإنسانية أو الحب.

لم يتوقف العلماء مع ذلك، ولجؤوا إلى رصد الآثار المترتبة على الحب للوصول إلى إجابات أكثر دقة، وأول ما درسوه من آثار كان الزواج.

قد يهمك أيضًا: كيف يستجيب دماغ الإنسان للقاء حبيب سابق؟

حبيب واحد لا يكفي

الصورة: Rosie Ann

الاكتفاء بحبيب واحد صفة يندر وجودها في الحيوانات، إذ تتراوح نسبة الفصائل أحادية الجنس بين 3% و5% فقط من إجمالي الفصائل الحيوانية. أما بالنسبة للبشر، فإذا تفحصتَ الثقافات السابقة لعصر التصنيع، وهي الثقافات التي ظلت مهيمنة على أغلب المجتمعات البشرية حتى الخمسين عامًا الماضية، ستجد أن 80% من هذه المجتمعات مارست شكلًا من أشكال التعددية.

اقرأ أيضًا: فتوى داروين في تعدد الزوجات: علم النفس التطوري والسلوك الجنسي للبشر

يعتقد الكاتب الأمريكي «كريستوفر ريان»، في كتابه الرائج «الجنس في فجر التاريخ»، أن الإنسان البدائي قضى زمنًا طويلًا في جنة التعددية، عندما لم يكن للغيرة وجود، ولم يعكر صفو هذا الزمن إلا ظهور المجتمع الأبوي والنظام الزراعي والديانات التوحيدية.

لكن أستاذ علم النفس في جامعة واشنطن، «ديفيد باراش»، يؤكد أن الواقع بعيد عن هذه المثالية. ففي الماضي مارست الغالبية العظمى من الحضارات وجهًا واحدًا فقط من التعددية هو «تعدد الزوجات»، ويعني هذا أن يحظى الرجال بأكثر من امرأة بينما لا تحصل المرأة إلا على رجل واحد.

اختفى هذا النوع من التعددية في الغرب لفترة قصيرة خلال العصر الفيكتوري، ويتجه البشر الآن إلى إحياء التعدد مجددًا، خصوصًا في البلاد الغنية، نظرًا لمعدلات الطلاق المرتفعة، التي تعني أن المرء يدخل مجموعة كبيرة من العلاقات طَوَال حياته، حتى لو التزم بواحدة فقط في كل فترة.

يتنبأ الخبراء في الولايات المتحدة الأمريكية بأن ما بين 40% إلى 50% من الزيجات هناك ستفشل وتنتهي بالطلاق، وهي نسبة عادية في الدول التي يحظى أفرادها بدخول مشابهة لأمريكا.

يمكننا أن نرى آثار الحب في هذه العلاقات العاطفية المتذبذبة، التي تبدأ بالارتباط ثم الانفصال ثم الارتباط مرة أخرى، ونستشعر وجود سبب يدفع الإنسان إلى تغيير شركائه من حين لآخر.

قد يهمك أيضًا: كيف تعرف أنك متورط في علاقة تؤذيك عاطفيًّا؟

الحب يدفعنا إلى الخيانة

هل يدفعنا الحب نحو الاستقرار مع من نحبهم؟ ربما لا

رغم التزام بعض الحيوانات بقانون الزوجة الواحدة للعمر كله، مثل فئران الحقل، تُخترق هذه القاعدة مع ذلك، فيمارس أفراد الفئران علاقات جنسية قد ينتج عنها إنجاب مع شركاء آخرين أحيانًا، وتنتشر هذه الظاهرة خصوصًا بين بعض أنواع الطيور، إذ تضع الأم مجموعة صغيرة من البيض ويمكن أن يخصبه ذكر آخر غير «زوجها».

الارتباط بشخص واحد هو أقل أنماط الارتباط الإنساني انتشارًا في التاريخ.

ألزم البشر أنفسهم في مختلف المجتمعات بالارتباط بامرأة واحدة، لكنهم مع ذلك كانوا ينتقلون من امرأة إلى أخرى. ورغم ذلك لا يمكننا اعتبار الإنسان كائنًا تعدديًّا مقارنةً بما يحدث في عالم الحيوان، لكن لا يسعنا في الوقت نفسه تجاهل غياب أحادية الزواج عند الإنسان منذ القِدم، وهو ما يشير إلى أن الإنسان يميل كذلك إلى تعدد الشركاء الجنسيين لكن بأنماط مختلفة.

تشمل أنماط الارتباط الإنساني هذه تعدد الشركاء الجنسيين، وأحادية الشريك الجنسي، وملازمة شريك جنسي واحد لفترات قصيرة ثم تغييره، وملازمة شريك واحد لفترة طويلة وخيانته، وغير ذلك. ويُظهر تعدد تلك الأنماط قدرة البشر على التأقلم الثقافي والنفسي مع السُّبُل المختلفة من أجل سد احتياجاتهم العاطفية.

المؤكد أن أحادية الشريك الجنسي هي أقل أنماط الارتباط الإنساني انتشارًا في التاريخ، وقد أشارت بعض الدراسات إلى احتمال وجود «جينات للخيانة» عند كلٍّ من الرجال والنساء.

يشير كاتب المقال إلى دراسات أخرى تفيد أن تمكين المرأة في أمريكا واستقلالها المادي أدى إلى زيادة معدلات خيانة النساء لشركائهن، وكأن الثقة في النفس التي يولِّدها النجاح والقوة تحفز الرجال والنساء على الخيانة سواءً بسواء.

قد يعجبك أيضًا: كيف اكتسبنا القدرة على الحب؟

ربما يُظهر مرور الإنسان بتجارب عاطفية متعددة أن الهدف من الوقوع في الغرام لا يقتصر على ارتباط شخصين ببعضهما، بل يهدف كذلك إلى امتلاك الشجاعة الكافية لهجر الحبيب الحالي، الذي شغُفت به في فترة ما، لأجل شخص آخر أُغرمت به حديثًا، وكأن الحب هو طريقك إلى الهجر، من أجل وصال جديد.

ندى حنان