ليس عن طريق العرق: إلى أين تذهب الدهون «المحروقة» في أجسادنا؟

أيمن محمود
نشر في 2018/01/05

الصورة: Getty/stevecoleimages

تبدأ الحرب على السِّمنة بين أنظمة غذائية قاسية أو أعشاب «حارقة للدهون» أو رياضة مرهقة وساونا، وقد يكون كل ما سبق، المهم أن نشعر بتلك الدهون تطير بعيدًا عن أجسادنا.

يصوِّر لنا خيالنا الخصب مشاهد تخلُّص أجسامنا من الدهون، فهناك من يراها تذوب وتخرج مع العرق أو في البول، أو كشحنات حرارية تتسرب في الهواء، لكن كل ذلك يخالف الحقيقة.

بحث العلماء عن مصير دهوننا التي تتعرض لمختلف أنواع الحرق، فاكتشفوا أنها تترك أجسادنا بشكل قد لا يتوقعه كثير منا، وربما كذلك لا يعرفه عديد من خبراء التغذية والتخسيس، وهو ما تناوله تقرير نشره موقع «ScienceAlert».

دهوننا تطير في الهواء

أثبتت دراسات فريق بحثي من جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية خطأ الاعتقاد بأن تلك الدهون تتحول إلى حرارة تتبخر من أجسادنا، فهي تخرج عن طريق التنفس، أو الزفير على وجه الدقة.

نُشرت الدراسة في الدورية العلمية «British Medical Journal»، وكشفت أنه عند حرق 10 كيلوغرامات من دهون الجسم، فإن 8.4 كيلوغرام منها تتحول إلى ثاني أكسيد الكربون وتخرج من الجسم عبر التنفس، و1.6 كيلوغرام تتحول إلى ماء نتخلص منه بأشكال مختلفة، ما بين البول والدموع والعرق وغيرها من الإفرازات السائلة.

«روبن ميرمان»، قائد الفريق البحثي الذي توصل إلى تلك النتائج، التفت إلى هذه المسألة عندما خسر 15 كيلوغرامًا من وزنه وسأل طبيبه المعالج: «إلى أين ذهبت الدهون؟»، وفوجئ بأن أحدًا لا يمكنه إفادته بإجابة محددة، حتى بعد أن استطلع آراء 150 طبيبًا ومدربًا وأخصائي تغذية، اكتشف أنهم يعتقدون أن الوزن المفقود يتحول إلى حرارة أو طاقة منطلقة من الجسم.

ميرمان باحث في مجال الفيزياء، وهذا جعله يتيقن من أن الإجابات التي حصل عليها تُغفل قانون «حِفظ الكتلة»، الذي ينص على أنه في أي تفاعل كيماوي، لا بد أن تساوي المواد المتفاعلة كتلة المواد الناتجة. وللوقوف على حقيقة ما يحدث، ينبغي معرفة كيف تكتسب أجسادنا الوزن وكيف تخسره.

اقرأ أيضًا: حلم «الجسد المثالي» يدمر حياة المرأة العربية منذ طفولتها

الكربون: عدوُّنا الأول

الصورة: Tony Alter

خسارة الوزن تستوجب إطلاق عدة كيلوغرامات من ثاني أكسيد الكربون، فهل يُسهِم ذلك في ظاهرة الاحتباس الحراري؟

يشرح التقرير أن أوزاننا تزداد عندما يتحول ما نتناوله من كربوهيدرات وبروتينات زائدة عن حاجتنا إلى دهون ثلاثية، وهي مُركّبات تتكون من كربون وهيدروجين وأكسجين، تتخزن بكميات ميكروسكوبية داخل خلايا الدهون.

ولإتمام عملية فقدان الوزن، يحتاج جسمك إلى تكسير تلك الدهون الثلاثية باستخلاص ما بها من كربون، ليتبقى الأكسجين والهيدروجين اللذان يكونان الماء.

وفقًا لتلك المعادلة، أظهرت النتائج أنه لتكسير 10 كيلوغرامات من الدهون في الجسد، تحتاج إلى استنشاق 29 كيلوغرامًا من الأكسجين، ما سيُنتج 28 كيلوغرامًا من ثاني أكسيد الكربون، و11 كيلوغرامًا من المياه، وهو ما يناقض نتائج دراسة ميرمان وزملائه.

اكتشف الباحث «أندرو براون»، الذي تعاون مع ميرمان، ورقة بحثية ترجع إلى عام 1949 تحل اللغز.

في التفاعل سالف الذكر، ما يحدث أن ذرات الأكسجين تتقسم بين الهيدروجين والكربون لإنتاج الماء وثاني أكسيد الكربون، وبهذا التقسيم تنتج المعادلة الصحيح بأن 84% من الدهون المحروقة تتحول إلى ثاني أكسيد الكربون يتخلص منه الجسد في التنفس، والمتبقي من كتلة الدهون (16%) يتحول إلى ماء.

قد تظن عند قراءة تلك المعلومات أن التنفس بعمق وبشكل متلاحق يمكنه وحده تخليصنا من الدهون، لكن هذا غير صحيح للأسف، فنحن بحاجة دائمة إلى ممارسة نشاط بدني لتكسير مكوِّن الدهون الثلاثية.

لتوضيح ذلك، يقول ميرمان إن كمية الكربون الخارجة من الجسد في أوقات الراحة لا تتعدى 10 ميلليغرامات في الزفير الواحد، وهي كيمة لا يمكن الاعتماد عليها لخسارة الوزن.

بعد معرفة أن خسارة الوزن تستوجب إطلاق عدة كيلوغرامات من غاز ثاني أكسيد الكربون، لا بد أن يشغلنا سؤال مهم: هل كميات الغاز تلك المنطلقة من مليارات البشر تُسهِم في تغيير المناخ العالمي، في ما يُعرف بظاهرة الاحتباس الحراري؟ الإجابة المختصرة عن هذا السؤال هي أنه لا يؤثر، لكن..

ميرمان يرى أن مثل هذا السؤال يكشف خطأ فهم حقيقة مشكلة الاحتباس الحراري، إذ أن تلك الظاهرة الخطيرة تحدث نتيجةً لإطلاق ذرات الكربون المحبوسة في مصادر الوقود الحفري تحت سطح الأرض، بعكس الكربون الذي يطلقه الإنسان، الذي يُعتبر جزءًا من الدورة الطبيعية للغازات على سطح الأرض. فقبل أن يطلق الإنسان هذه الكميات من الكربون كناتج لتنفسه، كانت تلك الكميات محبوسة في الأطعمة، التي كانت في الأصل نباتات خضراء.

قد يعجبك أيضًا: الرياضة وحدها لا تكفي للحفاظ على صحتك

نحن والأرض: المرض نفسه.. العلاج نفسه

الصورة: Canon EOS 1000d

يلعب الماء دور المخلِّص من السموم والدهون في جسدنا، مثلما تُسهِم الأمطار في تنقية هواء الأرض من الشوائب والملوثات.

لا ينبغي التقليل من أهمية معرفة دورة سريان الطاقة من وإلى أجسادنا، وكذلك دورتها من وإلى سطح كوكبنا، فكما أن هنالك تشابهًا عظيمًا بين تكوين أجسادانا وتكوين كوكبنا، نجد تشابهًا مماثلًا بين المخاطر التي تحيط بجسد الإنسان والكوكب، لذا يمكننا الاستفادة بدفع الضرر عن أجسادنا لاكتشاف حقيقة الأضرار التي تهدد الأرض، والعكس صحيح.

يتكون 70% من سطح الكرة الأرضية من الماء، وكذلك جسم الإنسان، ما يعني اعتماد كليهما بشكل أساسي على الماء. إنه أصل الحياة، وأي خلل فيه، بالتلوث أو بنقص الكمية، سيؤدي إلى خلل جسيم في وظائف الجسد ونوعية الحياة على الأرض.

نرى كذلك تشابهًا في الدور الذي يلعبه الماء على سطح الأرض وفي جسم الإنسان. فالتعرُّق يُسهِم في ضبط حرارة الجسم، ومياه البحار والمحيطات والأنهار تضبط مناخ اليابسة المجاورة، وهو ما يحرم اليابسة البعيدة عن المسطحات المائية من المناخ المعتدل. والماء يلعب في أجسادنا دور المخلِّص من السموم والدهون، وكذلك الأمطار تنقِّي هواء الأرض من الشوائب والملوثات، مما يؤدي إلى ما يُعرف بالأمطار الحِمضية.

إضافةً إلى أن هناك ستة عناصر كيميائية تشكل 99% من أجسادنا، هي الأكسجين والكربون والهيدروجين والنيتروجين والكالسيوم والفسفور، وهي نفس العناصر التي تكوِّن معظم كتلة الأرض. بالتالي، يمكننا أن نتعامل مع كوكبنا كمرآة لاحتياجات أجسادنا والأضرار التي تهددها.

كما هو معروف، فإن الكربون أحد أهم مكونات خطر الاحتباس الحراري الذي يهدد الحياة على سطح الكوكب، وهو لا يقل خطورةً أيضًا على جسم الإنسان، فبحسب ما ينقله التقرير عن الجمعية الأمريكية للسرطان، يزيد الكربون الداخل إلى الجسم عن طريق اللحوم المشوية من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس بنسبة 60%، إذ يُسهِم في تكوين كيماويات شديدة الخطورة على الجسد.

هكذا يتبين لنا أن أجسادنا تتخلص من الدهون عندما تطلق ثاني أكسيد الكربون، في محاكاة مذهلة لطريقة تخلص كوكبنا من «دهونه» عن طريق المساحات الخضراء. ومثلما نحارب دهون أجسامنا، لا يزال كوكب الأرض يحارب ضد التلوث، ولا يزال الأمل يحدو كلانا للانتصار.

أيمن محمود