حشيش ممتاز: هل يتحول المغرب إلى «تاجر مخدرات» عالمي؟
تعود نقاشات استهلاك الحشيش في المغرب إلى أزيد من قرن من الزمان، ويعاني أغلب دول المنطقة العربية التي تزرع تلك النبتة معضلة تدويرها وإيصالها إلى التجار والموزعين، وهو ما لا يؤدي إلى خفض عرضها في السوق كما تهدف السلطات، بل ارتفاع أسعارها محليًّا ودعم استيرادها من الخارج، مما يضخم ثروات المهربين والتجار الكبار، الذين يحرقون أنفاس المزارعين الصغار الذين ينتظرون حصاد كل موسم كي يؤمِّنوا ما يقيم أَوْد أطفالهم.
يُحكى أن الحشيشة أقدم نبتة على وجه الأرض، وأقدم ورقة عُثر عليها في العالم مصنوعة من نسيج القِنَّب. كان الحشيش سببًا في إبداع شخصيات مهمة في الثقافة والموسيقى والسياسة، تلك الشخصيات خطَّت العالم ورسمته لنا كما رسمت بدخان اللفافات المخروطية أحلامها، وكما يرسم كثيرون أحلامًا في الهواء بالحشيش، الذي لا يضر ولا ينهب أحدًا كما تفعل بعض السلطات.
قد يهمك أيضًا: كيف أسهمت المخدرات في تطور البشرية؟
لماذا يُمنع استهلاك الحشيش الذي يأتي من الأرض، ولا تُمنع الخمور المعدلة كيماويًّا، والمفعمة بمبيدات تُبهج قلب الخلايا السرطانية وتغذيها؟ ألأن الحشيش يؤثر في الوعي والإدراك ويُذهب العقل ويُحدث احمرارًا في العينين؟ ألا تفعل الموسيقى والمسلسلات الرومانسية والإشهارات الرديئة والأفلام الإباحية والتربية الخاطئة والمقررات الدراسية ذلك؟ ألا تسلب العقل وتُدمي العيون؟
المغرب ولبنان: مأساة حشيشة
في المغرب، البلد الثاني بعد أفغانستان في زراعة الحشيش، مرت ذكرى 80 عامًا على إصدار ظهير 22 ديسمبر 1932 في عهد الحماية الفرنسية، الذي نصَّ على إمكانية زراعة القِنَّب الهندي بشرط إعلام السلطات ووفق كمية معينة، قبل أن تأتي قوانين أخرى تجرم هذه الزراعة إلى حد اللحظة.
دخل لبنان برنامج الزراعة البديلة ليُظهر الطاعة للمجتمع الدولي، الذي يشرِّع زراعة الحشيش ويقنن استهلاكه في عدد من دوله.
ارتفعت دعاوى تقنين زراعة الحشيش من أجل استعماله في الطب والصناعة، وليس استهلاكه كمخدر، للاستفادة من هذه الصناعة من جهة، وإنقاذ آلاف الفلاحين من شبح الخوف الدائم من الاعتقال من جهة أخرى، بما أنهم لا يجدون بديلًا عن هذه الزراعة التي تتركز في مناطق معينة من الشمال المغربي.
الحكومة ترفض التقنين، ولا يمكن تبرير استغلال ضعف التكافؤ في التنمية الذي تعاني منه المناطق القروية، وعلى رأسها «الريف» و«جبالة» في الشمال، لتغذية الشعور السلبي بالتهميش.
لا تعطي الحكومة المغربية أي سبب مقنع أو علمي لمنع الحشيش، ولا تعطي بديلًا لتلك المناطق الفقيرة التي يعاني 50 ألفًا من سكانها من المتابعات القضائية بسبب زراعتهم، فيعيشون في ذل السجن بينما تغتني لوبيات المخدرات، رغم إمكانية استعمال نبتة القِنَّب لخلق اقتصاد بديل قائم على تحويلها إلى أغراض طبية وصناعية.
اقرأ أيضًا: أبو الحشيش: الرجل الذي اكتشف سر لذة القِنَّب وقدراته العلاجية
وضع الفلاحين حاليًّا يخرق اتفاقية تقنين المخدرات، لأن المغرب يسمح باستمرار الحقول بينما يجرِّم زراعة الحشيش.
إذا عدنا إلى ذاكرة «الحرب العالمية على تجارة المخدرات» في مطلع التسعينيات، أي قبل الحرب العالمية على الإرهاب، سنعرف أن بعض دول المنطقة العربية، مثل لبنان، دخلت برنامج الأمم المتحدة للزراعة البديلة من أجل تأمين مساعدات مادية وزراعات بديلة للفلاحين وأصحاب الارض، لكن البرنامج فشل.
لم يكن هذا البرنامج سوى حلقة من حلقات تأدية الطاعة وحسن سلوك الدولة أمام المجتمع الدولي، الذي، للمفارقة الغريبة، يشرِّع زراعة الحشيش ويقنن استهلاكها في عدد من دوله.
واقع مؤلم
بعيدًا عن قبة البرلمان، يتحدث سكان مناطق الحشيش في المغرب عن واقع مرير لفلاحين يعيشون خوفًا دائمًا من الاعتقال والحبس والقتل، بما أن مهنة الفلاحة صارت جريمة. المواطن هنا متهم على الدوام حتى تثبت براءته، ويكفي أن تكون من «مناطق الحشيش» كي تشك الشرطة فيك.
اقرأ أيضًا: كيف تسبب طبيب مصري وضابط إنجليزي في منع الحشيش في إسرائيل؟
متابعة الفلاحين تستمر لسنوات طويلة ولا تسقط، لأن ملكية الأرض تبقى مستمرة والجريمة حاضرة. الوضع الحالي يخرق الاتفاقية الدولية الخاصة بتقنين المخدرات لعام 1961، التي تدعم حلَّين لا ثالث لهما: التقنين، أو إحراق المحاصيل ككل، بينما يسمح النظام المغربي باستمرار الحقول، لكنه في الوقت نفسه يجرِّم كل أشكال زراعة الحشيش.
بتجريم الحشيش في مهده، يصير المغرب «تاجر مخدرات عالميًّا»، يمهد الطريق للتجار الكبار الذين يجلبون المخدرات من الخارج بالتضييق على الفلاحين، الطرف الأضعف.
رباب الرزيني