هُنا مجلس رجال: رحلة المرأة في المشهد السياسي الكويتي
منذ 2005، وهو العام الذي أُقِرَّت فيه الحقوق السياسية للمرأة الكويتية، ومنذ أن تواجدت في البرلمان بصفتها وزيرة أو نائبة، والسؤال الذي يتكرر في كل انتخابات جديدة كما الدائرة الآن هو: «هل نجحت المرأة في تجربتها في العمل السياسي؟».
قبل البدء في تقييم التجربة السياسية للمرأة في البرلمان، دعنا ننظر قبلًا إلى التغييرات التي حدثت في الوعي السياسي النسائي منذ عام 2005 حتى 2016.
اقرأ أيضًا: التجربة الآيسلندية 1971: هل تفعلها المرأة السعودية العام المقبل؟
الرحلة إلى المشاركة الديمقراطية
منذ بداية الحياة الديمقراطية في الكويت، كان الرجل بحكم طبيعة المجتمع وقتها هو وحده المتفرد في العملية السياسية، ومع بداية الحركة النسوية ومسيرتها التقدمية في ذلك البلد، بدأ تغيير مجتمعي يظهر، مثلما حدث في قضية حرق العباءة في خمسينات القرن الماضي، وهي الحادثة التي رمزت إلى تحرير المرأة وغيرها من التحركات.
جاء حق المرأة السياسي في 2005 برغبةٍ من قِبَل السلطة.
كانت النساء اللاتي شاركن في هذه التحركات من الفئة ذات التعليم العالي، ومعظمهن من طبقة مجتمعية متحررة، وكان عددهن قليلًا، ومع مد الإسلام السياسي الذي طال المنطقة في الثمانينات، وبروز التيارات الإسلامية المتشددة في الكويت وارتباط الحكومة ببعض منها، كجماعة الإخوان المسلمين وتيارات سلفية، واجه المجتمع رِدَّة في عملية تحرير المرأة ومساواتها.
أثَّر ذلك على نحوٍ كبير في تطور الوعي النسائي، وبخاصةٍ من الفئات غير ذات التعليم العالي أو المحيط المنفتح. وساء الوضع أكثر بعد إقحام الدين في مسألة حقوق المواطنين؛ فكانت النساء تواجهن عزلًا سياسيًا لأسباب مركبة، تتعلق بعادات المجتمع وفتاوى شيوخ الدين.
وجاء حق المرأة السياسي في 2005 برغبةٍ من قِبَل السلطة، التي يبدو أنها رأت الوقت ملائمًا لذلك، رغم معارضة التيارات الدينية وبعض المستقلين ممن لديهم اعتبارات قبلية أو حسابات مجتمعية، إلا إنه جاء بعد ما يقارب 45 عامًا من استفراد الذكور بالعمل السياسي، واكبه عمل ممنهج ومنظم لتجهيل المرأة سياسيًا، وذلك عن طريق السياسيين أنفسهم والمجتمع ذاته الذي حصر العمل السياسي في كونه عملًا للرجال.
قد يعجبك أيضًا: التجربة الآيسلندية 1971: هل تفعلها المرأة السعودية العام المقبل؟
الوعي السياسي وبنية المجتمع
ما زالت البنية الثقافية للمجتمع لا تعطي المساحة الكافية للمرأة للتعاطي السياسي كما تعطيها للرجل، ومثال ذلك أن جزءًا مهمًا من الممارسات السياسية في الكويت يتجلى بلقاء السياسيين بالعامة في دواوينهم، وهو التجمع الاجتماعي الذي يحتك من خلاله الرجل في الكويت بالسياسيين، بينما لا توجد في ثقافة المجتمع مساحة التقاء مماثلة لدى النساء يحصل فيها هذا الاحتكاك. ورغم محاولات إيجاد هذه المساحة من خلال الندوات واللقاءات، فإنها لا تزال تأخذ طابع الرسمية ولا يمكن اعتبارها احتكاكًا اجتماعيًا، خلاف أن الكثير من الدواوين لا تحبذ استقبال السياسيات من النساء، خصوصًا تلك المحافِظة أو ذات الطابع القبلي، لاعتبار الديوانية ذات خصوصية رجالية.
الأسس التربوية التي تعتمدها معظم الأسر في المجتمع الكويتي ما زالت لا ترى المجال السياسي مكانًا للنساء.
وبالنظر إلى العمل النقابي في الجامعات والمعاهد، والتي تعتبر الخطوة الأولى نحو العمل السياسي البرلماني، سنجد أن عمل الطالبات النقابي يعتبر داعمًا وتابعًا لعمل الطلاب الذكور، بحيث تؤخذ القرارات في معظم القوائم الطلابية من قِبَل الطلاب الذكور الذين يرأسون هذه القوائم، ويكون التمثيل النسائي فيها في الغالب بغرض جلب أصوات الطالبات وللتواصل معهن لا أكثر، وهو ما يبرز التساؤل: كيف يمكن تطوير وعي الطالبة في المشاركة السياسية، ما دامت في مشاركتها النقابية تفقد حقها في اتخاذ القرار والمشاركة الفاعلة الفارقة؟
خطاب سياسي ذكوري
الأسس التربوية التي تعتمدها معظم الأسر في المجتمع الكويتي ما زالت لا ترى المجال السياسي مكانًا للنساء، وهو نمط تفكير تتربى عليه الفتاة منذ سن صغيرة حتى تكبر، ما قد يسهم في اقتناع المرأة بدورها السلبي في المجتمع وأن الذكر هو من يمتلك الحلول، وربما تنبري دفاعًا عن ذلك.
عزز هذا الفهم السياسيون أنفسهم، وحرصوا على تكريسه للحصول على أصوات سهلة من النساء عن طريق رجالهم، وذلك من خلال الخطاب السياسي الموجه للذكور غالبًا، وأولوياته الموجهة للمواطن الذكر أكثر منها للمواطنة الأنثى، وتلاحظ ذلك من خلال اختلاف الطرح في الندوات الانتخابية النسائية عنها في الندوات الانتخابية الرجالية.
في ندوته الانتخابية، يقول المرشح الشاب المستقل عبد الوهاب الرشيد: «وضعنا على أنفسنا التزامات لا يضعها إلا الرجال»، وفي معرض رده على أحد خصومه السياسيين، يقول النائب السابق أستاذ القانون الدكتور عبيد الوسمي، إن «هذه الشوارب ليست على رجال إن لم نرد عليك. أيها الجبان.. يا أنثى»، كما ألقى وزير الداخلية محمد الخالد الصباح كلمة في مجلس الأمة حول القبض على النائب المعارض مسلم البراك، عايره فيها بالقول: «نحن لا نداهم من يخبتئ بين النساء».
أما النائب السابق علي الخميس، المحسوب على التيار الإسلامي، ففي رده على النائب السابق حمدان العازمي، وسط شجار حدث في المجلس باستخدام الأحذية وغيرها من أدوات الضرب، صرخ في وجه خصمه قائلًا: «أنت معتاد على معاملة الحريم، هنا مجلس رجال»، وأخيرًا وليس آخرًا، ما حدث من قِبَل النائب السابق محمد البراك في وصفه لخصومه بـ«المختبئين كالحريم، الله يكرمكم».
عدد النساء في الكويت أكبر من عدد الرجال.
هذه نماذج قليلة من شرائح مختلفة من المجتمع، منهم المنتمي للأسرة الحاكمة والدكتور الجامعي والشاب الحضري والإسلامي ومرشح القبيلة، وقفوا عند أرضية مشتركة هي الثقافة الذكورية والخطاب الذكوري الحاطِّ من قيمة المرأة، ليتبين لنا أنها ثقافة عامة تشترك بها مختلف الشرائح، بغض النظر عن البيئة أو درجة التعليم أو السن، وهنا تكمن المشكلة.
أضف إلى ذلك ذراع الدين التقليدية التي تُستقدَم كالعادة، مثل فتوى عميد كلية الشريعة السابق وعضو لجنة الإفتاء، الدكتور محمد الطبطبائي، بوجوب طاعة الزوج إذا طلب من زوجته التصويت لمرشح معين، ويكون طلاقها صحيحًا إذا وقع بسبب تصويتها لمرشح لا يرغب به، حتى وإن لم يعلم بذلك لسرية التصويت، إذ تُستخدم مثل هذه الأدوات لتهميش النساء سياسيًا، وتحويلهن من قوى فاعلة إلى قوى نائمة يمكن استخدامها.
لم يكُن الطريق هيِّنًا
عدد النساء في الكويت أكبر من عدد الرجال، ورغم ذلك يتم استخدامهن سياسيًا في أوقات الانتخابات، لانخفاض الوعي والمعرفة السياسية، وبسبب إبعادهن عن الاهتمام السياسي وتنميط صورة المرأة باهتمامات محددة لا تتعدى الكماليات، بالإضافة إلى التصعيب على من تدخل هذا المجال، عن طريق القذف والإيحاء والاتهام، إما بوصفها بالاسترجال (أي أخذ دور مناط بالرجل) أو الطعن بالِعرض، ما ينفر بقية النساء خوفًا من الدخول في هذا اللغو، ويسبب ضغطًا اجتماعيًا كبيرًا، ليبقى دخول المعترك السياسي أصعب على المرأة من الرجل.
نجحت أربع سيدات في الوصول إلى البرلمان دفعة واحدة في مجلس 2009 من أصل 50 نائبًا.
وبطبيعة الحال، فإن التهميش سيُنتج شخصيات نسائية بعدد قليل جدًا تقبل خوض هذه الساحة، أو تملك الوعي والمعرفة الكافيين لخوضها، وبالتالي يَنتج من هذا القليل عدد أقل من النساء يمكنهن إنجاح التجربة.
رغم ذلك، نجحت أربع سيدات في الوصول إلى البرلمان دفعة واحدة في مجلس 2009 من أصل 50 نائبًا، لأول مرة في تاريخ الكويت، وتذبذب هذا الوصول وعادت النساء مجددًا في مجلس 2012 بثلاث نائبات؛ اثنتان للمرة الأولى في حياتهما. وبغض النظر عن سوء أو جودة أداء النائبات، فـمن غير العادل أن يتم تقييم قدرة المرأة الكويتية على العمل البرلماني والسياسي ككل بناءً على أداء هؤلاء النائبات، مثلما لا يكون عادلًا اختيار مجموعة قليلة من السياسيين الرجال وتقييم أداء كل الرجال الكويتيين على أساس أدائهم، بالإضافة إلى أن النظام الانتخابي في البرلمان الكويتي يساهم في تكريس معايير فئوية وطائفية وقبلية وطبقية، يصل من خلالها المرشح إلى مقعد مجلس الأمة، وهذا يجري على النساء والرجال، فهو نظام انتخابي لا يمكن من خلاله قياس القدرة وجودة الأداء بطريقة صحيحة، بقدر الانتماءات الأخرى.
يمكننا أن نُغيِّر ما سيأتي
اليوم، وبعد ظهور وسائل التواصل والحراك الشبابي الأخير في الكويت، ظهرت العديد من الأسماء النسائية الشبابية لاقت تأييدًا من زملائهن الرجال، الأمر الذي ساعد كثيرًا في لفت نظر كثير من النساء للساحة السياسية والاهتمام بها، حتى من الفئات الأكثر محافظة في المجتمع، إلا إن المرحلة المقبلة تتطلب اشتراكًا نسائيًا أكبر في العمل السياسي، ومشاركة فعلية لا شكلية، وتحركًا مجتمعيًا لرفع درجات الوعي النسائية، وهذه مهمة منظمات المجتمع المدني التي يفترض بها الإيمان بالمساواة ومحاربة التمييز بين الجنسين.
ندعو إلى عدم اعتماد المرأة على الرجل، وانتظار الأمير المنقذ كما في الحكايات الخيالية.
من المهم في هذه المرحلة تغيير الخطاب النسوي لدى المتحدثين باسم النسوية وحقوق المرأة في الكويت، والانتقال من خطاب يكرِّس فكرة استثنائيةِ المرأة على الحالة الإنسانية والمواطنة، وهي بحد ذاتها فكرة ذات منطق ذكوري لا ترى بمساواة المرأة، إلى خطاب يعاملها باعتبارها إنسان ومواطن من الدرجة الأولى، كما أن عدم مقاربة الخطاب للواقع يفصل القضايا، فتصبح مجرد شعارات لا قيمة لها على الأرض.
ونحن هنا ندعو إلى عدم اعتماد المرأة على الرجل، وانتظار الأمير المنقذ كما في الحكايات الخيالية لانتشالها من وضعها الحالي، فهي مسؤولية المرأة نفسها ولا يجب أن تنتظر حلها من الآخرين، وهذا دور المرأة الواعية في زمن تنتشر فيه الثقافة ووسائلها؛ لتحريك المياه الراكدة، وتوعية الأخريات بالحقوق والواجبات، ورفض أي نوع من أنواع التقليل أو التهميش أو التنميط.
شيخة البهاويد