هل بإمكان عمال المنازل إنشاء النقابات؟
يصادف يوم 16 من شهر يونيو من كل سنة يوم العمال المنزليين، وذلك بعد اعتراف منظمة العمل الدولية بهم كعمال وبالعمل المنزلي كعمل. ويعتبر عام 2021 الذكرى السنوية العاشرة لصدور اتفاقية العمال المنزليين رقم 189 وتوصية العمال المنزليين رقم 201، والتي أدت إلى نقلة نوعية في تحسين ظروف وأوضاع عمل العمال المنزليين في الكثير من البلدان. أتت هذه الاتفاقية بعد مطالبات وضغوط من منظمات شكلتها عاملات منازل في منتصف الألفية السابقة، ابتداء من بعض دول أمريكا الجنوبية مثل البرازيل وتشيلي وأوروغواي، ومن ثم جنوب إفريقيا، مما أدى إلى تغير الوضع ووجود مطالبات ومصالح مشتركة، والتي في النهاية أرغمت المنظمات الدولية على الاعتراف بالعمل المنزلي.
نصت الاتفاقية والتوصية المعنية بالعمال المنزليين الصادرة عن منظمة العمل الدولية على أنه يجب أن يتمتع العمال المنزليون بحقوق العمل الأساسية مثل أي عامل آخر، من حيث ساعات العمل المحددة، والراحة الأسبوعية، وتوفر المعلومات الواضحة عن شروط وأحكام التوظيف وينص عليها عقد العمل الرسمي، بالإضافة إلى حمايتهم من العنف القائم على أساس الجنس والتحرش، وعدم مصادرة جوازات السفر. وأخيرًا نصت الاتفاقية على أنه يحق للعمال المنزليين التمتع بحق تأسيس وإقامة منظمات أو اتحادات أو جمعيات، بما في ذلك المفاوضة الجماعية (Collective Bargaining).
صدقت 31 دولة على هذه الاتفاقية، إلا أن الدول العربية لم تصدق عليها حتى الآن، ولكن اتخذت دولة الكويت خطوة إيجابية نحو تشريع القانون رقم 68 لسنة 2015 الخاص بالعمالة المنزلية، والذي بُنيت أُسس مواده على بنود اتفاقية 189 الأساسية، وهي الخاصة بتحديد ساعات العمل، وإعطاء راحة أسبوعية، وحظر مصادرة جوازات السفر على سبيل المثال.
غير أن الفجوات والثغرات والمقاومة المجتمعية ما زالت تحد من تنظيم قطاع الخدمة المنزلية بشكل فعال وعادل، ويعود ذلك إلى نظام الكفالة المهيمن الذي يحدد كل العلاقات المتصلة بين العامل ورب العمل وأصحاب العمل المشتركين، ومن ضمنهم الجهاز الأمني ومكاتب استقدام العمالة وصولًا إلى القضاء. وتتوسع شبكة نظام الكفالة إلى سلسلة ممتدة للبلد الأم، مما يجعل العمالة المهاجرة والتي تتضمن العمالة المنزلية عرضة للاستغلال وانتهاك الحقوق الأساسية.
نظام الكفالة المهيمن وإعادة إنتاج الرق
يوجد حاليًا ما لا يقل عن 67 مليون عامل منزلي في جميع أنحاء العالم، وتشكل النساء ما يقارب 80% من هذا العدد، مما يجعله قطاعًا شديد التأنيث. أما في الكويت، فوفقًا لآخر إحصائيات الهيئة العامة للمعلومات المدنية، ثمة 732 ألف عامل منزلي في الوقت الحالي، أي نحو خُمس تعداد السكان وربع سوق العمل، ونسبة الإناث في هذا القطاع لا تختلف عن النسبة العالمية 80%.
تكبل الكفالة الحريات والقدرة على الانخراط في منظمات أو اتحادات تمكن عمال المنازل من معرفة أبسط حقوقهم، والمطالبة بها.
يخضع تأنيث القطاع والمهنة المنزلية لأشكال ومستويات مختلفة من القمع والاستغلال والتمييز القائم على النوع الاجتماعي والعرقي والإثنية، ويعزز ذلك نظام الكفالة الذي يطلَق عليه «العبودية الحديثة».
يمنح نظام الكفالة في سياق العمالة المنزلية للكفيل صلاحيات على مستوى شخصي وفردي للتعامل مع العامل، وهنا نرى أنه رغم وجود قانون يُفترض به أن ينظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل ويؤمن حقوق الأخير، فإن نسبة كبيرة من أصحاب العمل يمنعون عمال المنازل من مغادرة المنزل في يوم الراحة الأسبوعية، ويبقون جواز السفر بحوزتهم. ويعود ذلك إلى ثقافة الخوف من الهروب أو ارتكاب الجريمة أو ممارسة الجنس، والتي قد تؤدي إلى حمل سفاح، بحكم أن غالبية العاملين في المنازل من الإناث.
علاوة على ذلك، تكبل الكفالة الحريات والقدرة على الانخراط في منظمات أو اتحادات تمكن عمال المنازل من: أولًا، معرفة أبسط حقوقهم، وثانيًا، المطالبة بها. ويسهم نظام الكفالة في تعزيز الحالة غير المستقرة للمطالبة بالحقوق، في إطار قطاع لا يزال يصنف كقطاع غير رسمي بسبب وجوده داخل المساحة الخاصة، أي المنزل، رغم اعتراف المنظمات الدولية به كقطاع عمل مثل بقية القطاعات.
كيف يختلف قطاع العمل المنزلي عن بقية القطاعات؟
في دراسة أجريت عن التحديات التي تواجه قدرة عمال المنازل على التنظيم في ماليزيا، قسم الباحث القضايا التي تؤدي إلى الحالة المضطربة وغير المستقرة إلى خمسة أقسام، هي: قضايا تتعلق بحقوق العمال وحالة الهجرة وحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية وقضايا الأمن الاجتماعي والرفاه. وأوضح الباحث أن هذه القضايا تتشابك وتتداخل بعضها ببعض، مما يشكل أزمة في ترتيب أولويات المطالبات.
على سبيل المثال، تقول إميلي (اسم مستعار) لـ«منشور»: «أتيت إلى الكويت كوني أنا التي ضحت بحياتها من أجل عائلتها التي تعاني من فقر شديد. مكثت هنا 15 سنة، ومنعني الكفيل من السفر إلى بلدي الفلبين. الراتب قليل جدًا، أقل من الحد الأدنى للأجور وفق القانون، وأحيانًا لا أحصل عليه إلا متأخرًا، وعائلتي تعتمد على كل الأجر ولا يتبقى لي شيء منه». تعتبر قضية إيميلي قضية انتهاك لحقوق العمال.
أما صوفي فتقول لـ«منشور»: «أعجب بي أحد موظفي مكتب استقدام العمالة، وتحرش بي ثم اغتصبني، وبعد أن علم بحملي حاول بيعي إلى كفيل، ولكن في كل مرة كنت أُسترجع، واليوم أنا حامل ولا أعلم كيف سأوجه أهلي في الفلبين». صوفي قضيتها انتهاك لحقوق الإنسان، والتي يندرج تحتها الاغتصاب والعنف الجنسي ومحاولة الإتجار بالبشر.
قضايا إيملي وصوفي ليست فريدة من نوعها، بل هي قصص متكررة وكثيرة، وقد تصل إلى تفاصيل بشعة جدًا مثل قضية المغدورة جانيلين التي قُتلت نتيجة الضرب المتكرر ولم تحظ بالعدالة، وغيرها من عاملات المنازل اللاتي غادرن الدنيا مغدورات أو أُبعدن ظلمًا، وعدن إلى أهاليهن بلا حول ولا قوة.
إذًا، هل العمل المنزلي «عمل حقيقي»؟
تعريف العمل المنزلي وفق منظمة العمل الدولية هو أي عمل داخل المنزل مقدَّم لأصحاب المنازل وعوائلهم، ويشمل لكن لا يقتصر على: تنظيف المنازل، الطبخ، غسل وكوي الملابس، رعاية الأطفال وكبار السن، بالإضافة إلى أعمال الحدائق والقيادة.
من أجل ذلك فإن العمل المنزلي يختلف بطبيعته عن بقية القطاعات التقليدية، بسبب خصوصية وحرمة المنازل، وصعوبة وضع معايير لقياس الأداء والإنتاجية.
لا يُنظر إلى العمل المنزلي على أنه «عمل حقيقي»، ولا إلى العمال وأصحاب العمل على أنهم مشتركون في عمل حقيقي. فتاريخيًا، يُنظر إلى هذا العمل على أنه عمل ربات المنازل اللاتي من المتوقع أن يقدمنه من باب حب العائلة والمنزل. وهذا ما أدى إلى خفض قيمة الأعمال المنزلية وعزلها عن الخطاب العام حين وُضعت معايير وآليات تنظيم سوق العمل. وحتى بعد صدور اتفاقية 189، لا يزال التحدي الأكبر يكمن في أن المنزل لا يُنظر له كمكان عمل يخضع لقوانين العمل أو علاقاته، بل يرى أصحاب العمل علاقتهم مع العمال كعلاقة شخصية وليست علاقة عمل مقابل أجر.
هذا لم يمنع عاملات المنازل (وأخص النساء هنا) من مختلف أنحاء العالم من التجمع معًا والتنظيم لإنشاء اتحاد دولي خاص بهم بعد صدور اتفاقية 189، وذلك لأن المادة الثالثة من الاتفاقية تكفل الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية.
في عام 2013، أنشئ الاتحاد الدولي للعمال المنزليين (International Domestic Workers Federation)، والذي يهدف إلى بناء قدراتهم بقوة متحدة وديمقراطية، ويسعى لحمايتهم وتمكينهم لنيل حقوقهم أينما كانوا.
واليوم، يضم الاتحاد 590 ألف عضو من العمال المنزليين في 63 دولة، و81 شريكًا وحليفًا. ويعمل على نشر الوعي وثقافة العمل المنزلي كعمل حقيقي، وإجراء دراسات ميدانية لتدوين الانتهاكات والاستغلال في العمل المنزلي، واستخدام هذه الحالات للضغط على الحكومات لإصلاح قوانينها وتنظيم القطاع.
التنظيم النقابي في الكويت ومكتب العمالة المهاجرة في الاتحاد العام للعمال
في حديث مع «آن أبنده»، مؤسسة منظمة سانديغان لعاملات المنازل الفلبينيين في الكويت، عن الملامح الأساسية لإيجاد نقابة تمثل العمال المنزليين المهاجرين، تقول لـ«منشور»: «من الأولويات توفير مكان لجميع العمال المهاجرين للوصول بسهولة إلى المساعدة، سواء أكانت قانونية أو شبه قانونية أو نفسية أو اجتماعية، وتنظيم برامج تدريبية تؤهل المقبلين على العمل المنزلي لمعرفة ثقافة الدولة واللغة، بالإضافة إلى مهارات الطهي الأساسية على سبيل المثال».
وتضيف أنه «يجب على جميع العمال عند دخول البلد أن يخضعوا لدورات قصيرة عن حقوقهم الأساسية وكيفية الوصول إلى العدالة، ومن المهم أن يكون هناك عضو من جميع الجنسيات في الاتحاد لتسهيل العملية». ويقتصر حق التنظيم النقابي في الكويت على العمال الكويتيين فقط، كما ورد في قانون العمل رقم 6 لسنة 2010.
السنوات العشرة الماضية شهدت انتصارات ونجاحات صغيرة لصالح العمال المنزليين في اكتساب حقوقهم بشكل تدريجي، وقد أثبتوا قدرتهم على التنظيم والتفاوض.
ومنذ ذلك الوقت، وضع لجنة الخبراء التابعة للمنظمة ملاحظات بشأن اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم رقم 87 سنة 2017 في تقريرها من منظمة العمل الدولية، وطالبت الحكومة باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان الاعتراف الكامل بحق العمال المنزليين في إنشاء المنظمات والانضمام إليها، وذلك لأن الكويت صدقت على حق إنشاء المنظمات والانضمام إليها منذ استقلالها عام 1961.
تلاحظ اللجنة أن قانون العمالة المنزلية لدى الكويت لا يتضمن أي نص يمنحهم صراحة الحق في إنشاء منظمات والانضمام إليها لتعزيز مصالحهم وحقوقهم والدفاع عنها. وتحث اللجنة الحكومة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان الاعتراف الكامل بعمال المنازل وحقهم في إنشاء المنظمات والانضمام إليها، وتطالبها بتوضيح جميع التدابير المتخذة أو المتوخاة في هذا الصدد.
لكن من الواجب ذكر أن الاتحاد العام لعمال الكويت قد خصص مكتبًا يسمى مكتب العمالة المهاجرة، لمراعاة مطالبات العمال المهاجرين ومن ضمنهم عاملات المنازل، إلا أن هناك قصورًا في تمثيل العمالة المهاجرة بشكل فعال.
تقول آن لـ«منشور» إن «مكتب العمال المهاجرين فكرة جيدة لو نُفذت بشكل صحيح، إذ يجب أن تدار من قبل العمال المهاجرين المدربين بأنفسهم، وأن توفر مساحة آمنة للعمال المهاجرين للتحدث عن قضاياهم من كل جنسية، وذلك لمساعدة بعضهم البعض سواء في الكويت أو في دولهم مع حكوماتهم وسفاراتها».
لا شك أن السنوات العشرة الماضية شهدت انتصارات ونجاحات صغيرة لصالح العمال المنزليين في اكتساب حقوقهم بشكل تدريجي، وقد أثبتوا قدرتهم على التنظيم والتفاوض. لكن سَن القوانين غير كافٍ في ظل قطاع لامركزي مكون من حواجز لوجستية، فنظام الكفالة يحول دون حرية العمال المنزليين في التنقل، وقدرتهم على التنظيم.
شيخة الهاشم