جزيرة «كيش» الإيرانية: الحلال لا يكفي لجذب السائحين
على مساحة تبلغ نحو 90 كيلومترًا مربعًا في الجنوب الغربي لإيران تقع جزيرة كيش الهادئة، حيث القيود السلطوية الأقل والسيارات أمريكية الصنع والبضائع الأوروبية.
جزيرة كيش تعني الكثير للإيرانيين، فهي بمثابة منفذ للهروب من زحام المدن وقيود النظام ولو قليلًا، أما بالنسبة إلى النظام فتمثل التحدي الاقتصادي في وجه العقوبات المفروضة، والرهان على منافسة مدينة دبي الجارة، التي لا تبعد عن الجزيرة أكثر من 200 كيلومتر.
كيش: جزيرة «السياحة الحلال»
«لدينا كل شيء في كيش، مناظر طبيعية وفنادق خمس نجوم ومراكز تسوق عالمية، بجانب أن الجزيرة منطقة تجارية حرة، فلماذا لا ننافس مدينة دبي؟»، هكذا يتساءل جواد يد الله، مدير أحد فنادق جزيرة كيش.
يتباهى يد الله، خلال حديثه لـ«منشور»، بأن الجزيرة تروِّج للسياحة الحلال، حيث تستطيع الأسر التي تراعي تعاليم الإسلام أن تقضى وقت إجازتها بسلام، ففي الجزيرة لا خمور ولا ملاهي ليلية: «من يريد الخمر ليذهب إلى دبي، ثم ليأتِ إلينا للتمتع بالطبيعة الخلابة»، يقولها مازحًا.
ترفع الإدارة الإيرانية شعار «السياحة الحلال» وتروِّج له، ففي عيد النيروز (رأس السنة الفارسية) عام 2015، زار الرئيس الإيراني حسن روحاني الجزيرة لتفقد بعض المشروعات الجديدة، وأعلن أنه يجب على كل مسؤوليها تبني السياحة الحلال، وإتاحة الفرصة للمسلمين لقضاء وقت مختلف في الجزيرة، لا يتعارض مع تعاليم الجمهورية الإسلامية.
قد يهمك أيضًا: ماذا يريد الإيرانيون من رئيسهم؟
لكن صاحب إحدى شركات السياحة في كيش، فضَّل الإشارة إليه باسم علي، يوضح أن «بعض الفنادق لا تطلب من النزلاء وثيقة زواج، وهذا يحدث سرًّا، والغريب أنك تجد مالك ذلك الفندق على علاقات وطيدة برجال دين ومسؤولين في النظام، مثلما هو الحال مع الخمور، التي يمكنك أن تحصل عليها وأنت تجلس على الشاطئ، فبعض الأمور تحدث فى السر طالما هناك مستفيد». يصمت الرجل قليلًا قبل أن يتابع ساخرًا: «لكن الأهم أننا نرفع شعار السياحة الحلال».
أحد من تحدث إليهم «منشور»، اختار لنفسه الاسم المستعار «توشيه»، قال إنه يحب المجيء إلى الجزيرة مع صديقته من حين إلى آخر، فهناك «نتمتع ببعض الخصوصية والحرية، وفي بعض الأحيان نستطيع أن نحجز غرفة في أحد الفنادق دون أن يطلب أحد منا وثيقة زواج، كما هو الحال في طهران».
مدينة التحايل على القيود
«خطة الحكومة لاجتذاب مليون سائح أجنبي شبه مستحيلة التنفيذ، طالما أن الخمور والملاهي الليلية غير مسموح بها».
في الجزيرة، سترى نساء إيرانيات بأقل حجاب ممكن، فتيات يرتدين قمصانًا ملونة بأكمام قصيرة وبنطلونات ضيقة، وفي بعض الأحيان تجدهن يتخلصن من الحجاب لصالح قبعة على الرأس فقط، وحتى الرجال يمكنهم أن يتجولوا في الشوارع مرتدين بنطلونات قصيرة (شورت)، وهو أمر مستحيل في باقي مدن إيران، أما كيش فلا ترى عليها سيارات قوات «الباسيج» (شرطة الأخلاق) إلا نادرًا.
قد يعجبك أيضًا: الخمر والمخدرات في زمن الثورة الإسلامية الإيرانية
علي، مالك شركة السياحة، يشرح أن «الجزيرة تنعم بكثير من المميزات، فالقيود هنا أقل، لكن ما زال هناك الحد الأدنى منها، ولولا ذلك الحد الأدنى لكنا في مقدمة الجزر العالمية الجاذبة للسياح».
يُبدي علي قلقه إزاء خطة الحكومة لجذب مليون سائح أجنبي للجزيرة: «تنفيذ هذا شبه مستحيل، فمَن الأجنبي الذي سيترك دبي مثلًا أو تركيا ويأتي إلى هنا، حيث الخمور والملاهي الليلية ممنوعة والشواطئ تفصل بين الجنسين؟ ليس أمامنا سوى السائح الإيراني الذي يريد قدرًا من الخصوصية أو الهروب من تلوث وزحام العاصمة لفترة قصيرة».
موسيقى كيش الحلال
كانت جزيرة كيش قبل الثورة حكرًا على أثرياء إيران، ثم تحولت إلى منطقة تجارية حرة عام 1989، وفُتحت أمام جميع الإيرانيين.
بعد الثورة الإسلامية قرر الخميني منع كل أشكال الموسيقى الغربية، بل إنه منع الأغاني الفارسية لبعض الوقت، وإلى الآن لا تزال قيود مفروضة على إقامة الحفلات الموسيقية في إيران، لكن في جزيرة كيش تستطيع أن تجد هذه الحفلات بسهولة، بل وتقام عليها مهرجانات للرقص المعاصر والفلكلور.
اقرأ أيضًا: الاقتصاد لا ينتعش بالأغاني
الأمر ليس قاصرًا على الموسيقى فقط، فبعد الثورة وفرض العقوبات الدولية على إيران، قرر النظام تقييد استيراد المنتجات الأمريكية بالأخص، لكن في كيش تجد كل تلك المنتجات، حتى السيارات الأمريكية، موجودة وبأقل الأسعار، فكيش هي جنة التسوق للإيرانيين.
من احتكار الأثرياء إلى مليون زائر إيراني
كانت كيش قبل الثورة الإيرانية حكرًا على أثرياء إيران ممَّن لهم علاقات قوية بالشاه فقط، لكن بعد عزل الشاه جاء الخميني فحول الجزيرة إلى منطقة تجارية حرة وفتحها أمام كل الإيرانيين عام 1989، وفي عام 2016، استقبلت الجزيرة ما يقرب من مليون زائر إيراني.
تتزايد الاستثمارات الأجنبية في كيش، ويترك المستثمرون الإيرانيون دبي وتركيا ويعودون إلى الجزيرة.
نالت الجزيرة اهتمامًا كبيرًا من النظام الحاكم في إيران، الذي رأى أنها نقطة قوة بالنسبة للاقتصاد المتضرر بسبب العقوبات، فحاول جذب المستثمرين الأجانب والإيرانيين بكل الطرق.
قد يعجبك أيضًا: هل تستطيع السياحة القضاء على الفقر؟
يقول الخبير الاقتصادي رضائي محمد لـ«منشور» إن إيران تقدم تسهيلات كثيرة وتفتح أبواب كيش أمام الجميع، فقد أعفت المستثمرين من الضرائب لمدة 15 عامًا، وكذلك تُعفي كل السلع المستوردة من الضرائب، وسعت إلى إنشاء مراكز ضخمة للتسوق وإتاحة حرية تداول العملات الأجنبية، ومؤخرًا ألغت ضرورة استخراج تأشيرة لدخول الجزيرة.
يرى محمد أن هذه الخطوات أتت أُكُلها، فحجم الاستثمارات الأجنبية في كيش في تزايد مستمر، بجانب أن هناك مستثمرين إيرانيين تركوا دبي وتركيا وقرروا الاستثمار في الجزيرة.
لم تكتفِ الحكومة بذلك، وفقًا لرضائي محمد، بل تخطط لجذب سلاسل الفنادق المشهورة عالميًّا مثل «هيلتون» للاستثمار في الجزيرة، وتتفاوض مع إحدى شركة استثمارية كورية لبناء عدة قرى سياحية جديدة، من أجل استيعاب أكبر عدد ممكن من الزوار.
كيش: جزيرة اللؤلؤ
لن تجد في كتب التاريخ أي معلومات عن كيش قبل دخول الإسلام بلاد فارس غير أنها كانت الجزيرة التي يأتي إليها صيادو اللؤلؤ من كل حدب وصوب، لكن بعد دخول الإسلام اهتمت الأنظمة المتوالية بالجزيرة، فصارت مركزًا تجاريًّا مهمًّا يربط الصين وأوروبا وشمال إفريقيا.
الآن، لو حالفك الحظ وزرت جزيرة كيش فلا تفوت فرصة زيارة مدينة كاريز، التي تقع على عمق 18 مترًا تحت الأرض، وأنشأها الإيرانيون قبل 2500 سنة لتوزيع المياه الجوفية وتنقيتها. وفي عام 1999، أُعيد ترميم المدينة وفُتحت أمام السياح، وهناك يمكنك أن تجلس لتحتسي الشاي على عمق 18 مترًا، بينما تستمتع برؤية الشعاب المرجانية على أسقف المدينة.
شيماء محمد