هل حمت الثورة الإسلامية نساء إيران من التحرش الجنسي؟
قبل الثورة الإسلامية في إيران وفرض الحجاب أو «الشادور» على النساء والسماح باختلاط النساء والرجال في جميع المجالات، كانت نسبة التحرش الجنسي أقل بقليل من بعد الثورة. لا أقول إن التحرش كان غير موجود تمامًا، لكن نسبته كانت ضئيلة جدًّا مقارنةً بالآن. هكذا بدأ حسين ظريف، أستاذ علم الاجتماع الإيراني، كلامه لـ«منشور» عن انتشار التحرش الجنسي في إيران بعد الثورة.
يرى ظريف أن وضع النساء الآن صار أصعب، ولم يستطع الحكم والزي الإسلامي حمايتهن من المضايقات والتحرش يوميًّا: «الأمر يزداد سوءًا، والنظام يحاول التكتم على المشكلة بكل الطرق، فلن تجد إحصائيات أو أرقام رسمية عن نسبة النساء اللاتي يتعرضن للتحرش، لمجرد أن تلك الأمور تشوه صورة المجتمع الإيراني».
إذا زرت طهران، يمكنك أن ترى مضايقات الرجال للنساء من نظرات أو كلمات تكون في أحيان كثيرة كلمات جنسية صريحة، لكنك ستجد نفسك تتساءل: ماذا تفعل سيارات قوات «الباسيج» (شرطة الأخلاق) التي تقطع الشوارع ليل ونهار؟ أليس منع التحرش ومساعدة النساء من عنف الرجال من واجباتهم؟ أم أنهم يفضلون مطاردة من ترتدي حجابًا غير لائق أو بلوزة بأكمام قصيرة، أو مجموعة أصدقاء شباب وبنات يقفون في وضح النهار؟
تروي فيروز لـ«منشور» أنها كانت تنتظر سيارة تاكسي على الرصيف، ومر رجل من جانبها وقال لها: «أستطيع أن أدفع لكِ، فتعالي معي إلى المنزل». لمحت فيروز دورية شرطة قادمة، فذهبت إليهم سريعًا وروت لهم ما حدث، وهنا كانت الصدمة، إذ قال لها الضابط بعد أن تفحصها قليلًا: «ارتدي الشادور كي لا يزعجك أحد»، ثم انصرف.
شينا شيراني التي حوَّلتها إيران إلى جانٍ
في مطلع عام 2016، فوجئ المجتمع الإيراني بظهور «شينا شيراني» البالغة من العمر 32 عامًا، مراسلة ومحررة الأخبار في شبكة قنوات إذاعة الجمهورية الإيرانية الإسلامية، تتهم مديرها حميد رضا عمادي بالتحرش بها لمدة عام كامل، وبأنه طلب منها رشوة جنسية مقابل دعمه لها في العمل وضمان استمرارها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سجلت شينا مكالمة هاتفية لمديرها وهو يطلب منها رشوة جنسية صراحةً، ويلح عليها أن تأتي إلى منزله، ويستخدم كلمات جنسية عامية واضحة، ونُشر ذلك المقطع على الموقع الإيراني «روز أونلاين».
لم يعلق أحد من المسؤولين في الإذاعة واكتفوا في البداية بتعليق حميد، الذي كتبه عبر حسابه على فيسبوك قائلًا إن كل تلك الاتهامات باطلة، وإن المقطع الصوتي مزور، وإن شينا تعمل لصالح جهة أجنبية وتريد تخريب مؤسسات إيران، وبعدها أغلق حسابه إلى الأبد.
تلقت المحررة التي تحرش بها مديرها تهديدات، فاضطرت إلى ترك إيران خوفًا على حياتها وحياة ابنها.
يقول الصحفي «رامين رضائي» لـ«منشور»: «حينها، اتهمت كل الصحف المحسوبة على التيار المحافظ شينا بالحقارة، وبأنها عميلة لجهات أجنبية تريد تدمير سمعة الشعب الإيراني، وبأن التسجيل ملفق، وتساءلت: إن كانت على حق، فلماذا انتظرت لمدة عام كامل ولم تتقدم ببلاغ رسمي للشرطة ضد مديرها؟».
رئيس هيئة الإذاعة والتليفزيون قال الكلام ذاته، فجاء رده بعد شهر من الواقعة يؤكد أن التسجيل غير قانوني وغير معتَرَف به، ويتهم الصحفية بأنها لا تملك دليلًا قانونيًّا يثبت تورط مديرها، ولا يعلم أحد هدفها الحقيقي من إثارة تلك الفتنة.
حاولنا التواصل مع شينا لكنها اختفت وتركت إيران إلى مكان لم تعلن عنه، لكنها سبق أن صرحت به للصحف بأنها تلقت تهديدات وخشيت على ابنها. حاولنا أن نراسلها على حسابيها على فيسبوك وتويتر، لكنها لم تجِب.
لكننا استطعنا الوصول إلى صحفية كانت تعمل في نفس قناة «شينا» وقت الحادثة، رفضت الإفصاح عن اسمها، لكنها قالت لـ«منشور» إن شينا صادقة في كل ما قالته: «ذلك الشخص معروف منذ زمن بالقذارة، والمقطع الصوتي صحيح، فهذا هو صوته ونحن جميعًا نصدق ما حدث. منعونا في القناة بعد المشكلة من أن ندلي بأي تصريحات صحفية، لكنهم لم يفعلوا شيئًا لحميد».
اقرأ أيضًا: التمرد على التقاليد في إيران.. رجال محجبون ونساء سافرات
قوانين إيران لا تحمي النساء من التحرش
في عام 2015، نشر محامٍ حقوقي إيراني عبر فيسبوك قصة سيدة تحرش بها زميلها في العمل جنسيًّا، وعندما هددته بأنها ستتقدم ببلاغ خطفها واغتصبها، وحين ذهبت إلى الشرطة وبلغت عنه وصل الأمر إلى القضاء.
طلب القاضي من الفتاة أن تثبت واقعة الاغتصاب بإحضار أربعة شهود، وهذا مستحيل، فمَن الذي يغتصب فتاة على مرأى ومسمع أربعة أشخاص؟ هددها القاضي كذلك بأنها لو لم تحضر شهودًا فسيعتبرها قضية علاقة غير شرعية، وسيحاكمها هي بتهمة الزنا، خصوصًا أنها كانت مطلقة أي ليست عذراء كي تثبت أنها فقدت عذريتها، فقررت السيدة سحب الدعوى لعدم التورط في قضية أخرى.
المثير للعجب أيضًا أن الصحفي الذي نشر القصة تلقى سيلًا من التهديدات من رجال دين ومسؤولين في النظام، واعتُقل لمدة يومين ثم أُطلق سراحه بعد أن أغلق حسابه على فيسبوك.
المحامي الحقوقي «شانيان زاده» يؤكد أنه ليس في قانون العقوبات الإيراني ما يعاقب التحرش الجسدي، فالعقوبة الموجودة هي الإعدام في حالة الاغتصاب، وهو ما يصعب إثباته.
يشرح شانيان لـ«منشور» أن التحرش الجنسي في إيران ليس قاصرًا على النساء فقط، بل يتعرض له الأطفال من الإناث والذكور: «في مدرسة إعدادية، اتهم بعض أولياء الأمور مدرسًا بأنه يتحرش جنسيًّا بأطفالهم، وبأن الأمر وصل في بعض الحالات إلى العنف الجسدي».
تخشى النساء في إيران التحدث عن التحرش الجنسي، ولا يولي النظام القضية أي اهتمام، بل يهتم بملابس النساء وحجابهن.
يُرجع أغلب الإيرانيين التحرش بالنساء إلى طريقة لبسهن وعدم ارتدائهن الشادور، وهذا ما جعلنا نتواصل مع سيدة تعرضت لتحرش جنسي في «قُم»، المحافظة المتدينة في إيران ومركز الحوزات العلمية الدينية.
تلك السيدة تعمل في مؤسسة تابعة للدولة وترتدي الشادور، وتقول إنها تعرضت للتحرش تسع مرات، لكنها لم ترغب في حكاية التفاصيل. ترى السيدة أن الشادور لم يحمِها مثلما قد نتخيل، وأن الأمر لا يتعلق بكونك تعيش في مدينة صاخبة مثل طهران أو مدينة محافظة مثل قُم.
قد يهمك أيضًا: شبح «كلام الناس» يطارد النساء في العالم العربي
تخشى النساء في إيران التحدث عن التحرش الجنسي لما سيجلبه من مشاكل وشائعات حول سمعتهن، وحتى الإبلاغ لا جدوى منه.
النظام الإيراني لا يولي قضية التحرش اهتمامًا، بل ينصبُّ اهتمامه على ملابس النساء وحجابهن: هل هو شرعي أم لا؟ وكأن الحجاب حلٌّ لكل المشكلات. لا يعلم رجال الدين والحاكم أن الزي الشرعي من وجهة نظرهم لا يحمي ولا يمنع التحرش، بل إن كل تلك القيود على النساء والرجال هي أساس المشكلة. يبدو أن إيران، مثل الدول العربية، لا تعاقب الجاني بل تجلد المجني عليه، فهو الأضعف وهو المخطئ، خصوصًا لو كان امرأة.
شيماء محمد