متلازمة «أعلى من المتوسط»: مدَّعي الذكاء عنصري بالضرورة
هل أنت ذكي؟ ما درجة ذكائك؟ سؤال محرج رغم بساطته، فنحن جميعًا نثق في ذكائنا وعقليتنا الفريدة بناءً على إحساسنا الداخلي، دون منهج علمي نتبعه لقياس هذه الصفة أو تلك، فماذا إذا صدمتنا الدراسات بصورة تخالف توقعاتنا عن أنفسنا؟
غالبًا ما يكون تقييم البشر لأنفسهم أقل دقةً من الحقيقة، بسبب مبالغة الذات الفردية في تقدير مميزاتها والتقليل من شأن عيوبها، فترى الرجل يظن أنه أكثر طولًا ممَّا يبدو عليه بمتوسط 1.2 سنتيمتر، بينما تقتنع المرأة أنها أنحف ممَّا هي عليه بمتوسط 1.4 كيلوغرام، حسب دراسة علمية نُشرت عام 2009.
يضطرب حكم الإنسان على أبعاده الجسمانية، لكنه يظل محكومًا بالواقع البدني الذي خُلق عليه، وبالتالي لا يمكن لقصير القامة أن يدَّعي الطول دون أن يشكك الآخرون في مصداقيته، إلا أن الأمر يختلف تمامًا حينما يقدِّر الفرد خصائصه العقلية والعاطفية، فلا سُلطة للواقع الملموس عليه هذه المرة، ويمكنه أن يطلق العنان لتقديراته الشخصية.
كانت هذه الظاهرة موضوعًا لمقال منشور على موقع «The Conversation»، حاول رسم العلاقة بين الذكاء الحقيقي والذكاء المُفترض، وبعض أنماط الشخصية الأخرى.
الذكاء المُفترض
درس العلماء هذا الانحياز الذي يصدر عن الفرد عند تقديره لنفسه، ضمن أبحاث قدرة الإنسان المعرفية العامة أو الذكاء، إذ يُقيَّم الذكاء عادةً بالاستعانة باختبارات القياس النفسي (الاختبارات السيكومترية)، فهل ينجح الإنسان في تقدير نسبة ذكائه الحقيقية التي يحددها الاختبار السيكومتري؟ طرح العلماء هذا التساؤل وتوصلوا إلى نتائج مفاجئة.
يدفع الانحياز المعرفي الأشخاص غير المؤهلين إلى تضخيم مهاراتهم، ويرجع ذلك إلى ضعف قدرتهم على إدراك نقص كفاءتهم.
أولًا: يبالغ البشر في تقدير قدراتهم المعرفية، فيظن أغلب الناس أن ذكاءهم يفوق المعدل المتوسط، وهذا ما وجده الباحثون عندما أجروا مقابلة مع 85 سجينًا، أُدين أغلبهم بسبب ارتكاب جرائم عنف وسرقة. طُلب من المساجين تقييم أنفسهم من تسعة أوجه مقارنةً بزملائهم وبالمواطنين الأحرار خارج السجن: الأخلاق، والثقة، والصدق، والجدارة، والرحمة، والكرم، والالتزام بالقانون، والتحكم في النفس، والعطف على الآخرين.
قدَّر المساجين أنهم أفضل من الآخرين في كل السمات عدا الالتزام بالقانون، وهي السمة الوحيدة التي يتفوق عليهم فيها الأفراد من غير المساجين في وجهة نظرهم، وينتشر هذا الوهم بالتفوق الشخصي انتشارًا واسعًا في كل ما يخص شخصية الفرد وصحته وأدائه في العمل، بجانب الرضا عن علاقاته ومهاراته في القيادة، وتُعرف هذه الظاهرة بتأثير «الأفضل من المتوسط».
ثانيًا: نادرًا ما يقدِّر الأشخاص درجة ذكائهم بالتحديد، ممَّا يدل على ضعف العلاقة بين التقييم الذاتي والاختبارات السيكومترية للذكاء التي تتبع منهجًا أكثر دقة.
لو افترضنا أنك اختبرت ذكاء مئة شخص، ثم قسمتهم إلى فئتين، واحدة تضم من يملكون ذكاءً أعلى من المتوسط وأخرى لمن هم أقل من المتوسط، بناءً على نتيجة الاختبار، ثم أعدت تقسيم المئة شخص مرة أخرى إلى فئتين بحسب تقدير كل فرد لذكائه، فستجد اختلافًا كبيرًا بين القسمتين.
اقرأ أيضًا: لماذا تظن البنات أنهن أقل ذكاءً من الأولاد؟
بحسب المقال، ينجح 58% من المشاركين في تقدير نسبة ذكائهم باعتبارها فوق المتوسط، بينما يقدر 36% من أصحاب الذكاء دون المتوسط ذكاءهم باعتباره أعلى من المتوسط، ولا يقلل إلا 6% فقط من قدر ذكائهم، فيحكمون عليه بأنه أقل من المتوسط بينما هو، وفق القياسات السيكومترية، أعلى.
تشرح هذه التجربة تأثير «دانينغ كروغر»، وهو انحياز معرفي يدفع الأشخاص غير المؤهلين إلى تضخيم مهاراتهم الخاصة، ويرجع ذلك في الأساس إلى ضعف قدرتهم على إدراك نقص كفاءتهم.
أنا ذكي، فهل أنا متعصب؟
الأشخاص الذين يظنون أنهم أذكى من غيرهم يكونون أكثر عنصرية، لأنهم ينظرون إلى العالم بفوقية.
أظهرت أبحاث التقييم الذاتي للذكاء أن مَن يظنون أنهم يملكون ذكاءً فوق المتوسط لا يشبهون أولئك الذين يزيد ذكاؤهم عن المتوسط بالفعل، ويشير المقال إلى دراسة بلجيكية جعلت هذا التناقض واضحًا.
اختبر العلماء بعض الشباب البلجيكيين، وحدد كل شاب نسبة ذكائه كما يتوقعها، ثم أدَّى الاختبار السيكومتري، وكانت النتيجة أن 85% من الشباب اعتقدوا في زيادة ذكائهم عن المتوسط، وهو أمر مستحيل بالطبع، لأن من هم «أعلى من المتوسط» فعلًا يجب أن تكون نسبتهم 50% فقط، ويعني هذا أن كثيرًا من الناس يبالغون في تقدير ذكائهم.
شملت الدراسة كذلك قياس درجة العنصرية عند هؤلاء الشباب، فوجد الباحثون أنه كلما زاد الذكاء السيكومتري (الحقيقي)، قلَّت عنصرية الفرد، إذ أن الأفراد الأكثر ذكاءً لا يصنفون الآخرين في فئات جامدة، عكس مَن يعتقدون أنهم أذكى من غيرهم طبقًا لتقديرهم الذاتي، وهؤلاء يكونون أكثر عنصريةً لأنهم ينظرون إلى العالم بفوقية وتسيطر عليهم رؤية تنافسية للعالم، ممَّا يدفعهم إلى التحيز ضد بعض الفئات الاجتماعية التي يرونها أقل منهم.
قد يهمك أيضًا: هل ترى العالم بعيون مختلفة؟ أنت عبقري
بحسب المقال، توصلت دراسات أخرى عن النرجسية (حب النفس) إلى نتائج مشابهة، فيرى الشخص النرجسي نفسه أفضل من الآخرين، ويبالغ في تقدير ذكائه، ويُظهر ميولًا عنصرية تجاه من يختلف عنه.
ما الفرق بين الأذكياء ومدَّعي الذكاء إذًا؟
الأذكياء فعلًا أقل عنصريةً وتحيزًا، أو هكذا تخبرنا الدراسات على الأقل، وهم أكثر تقبلًا للآخرين عكس مدَّعي الذكاء، فإلى أي الفئتين تنتمي؟ احذر تأثير دانينغ كروغر.
ندى حنان