أن يترك الإنسان أثرًا دون أن ينجب
سن الأربعين، عادة، هي التي يظهر فيها ميل الإنسان الطبيعي إلى التفكير بعمق أكبر حول معنى حياته، وما مضى منها، وما يرغب في أن يتركه للعالم بعد رحيله. قد يفكر في ما يريد أن يسهم به في وقته، وفي موارده المتبقية.
تُمثل مسألة ترك أثر أو بصمة في الأرض أمرًا مهمًّا وشائكًا في الوقت نفسه لبعض الناس الذين لم ينجبوا أطفالًا، سواءً كان باختيارهم أو كان الأمر قدريًّا.
«كارين مالون رايت» (62 عامًا) تُدرك تمامًا العواقب الوجودية المُترتبة على عدم الإنجاب. مالون رايت مؤسِّسة منصة «TheNotMom.com»، المعنية بالنساء اللاتي لم يُنجبن أطفالًا. كانت طفلةً وحيدة، وهي الآن دون أطفال، ولم تستطع أن تتخلص من شعور أنها آخر فرد في ذرية العائلة.
تذكر مالون رايت أنها حتى لو أنجبت طفلًا، فإن هاجس التحكم والسيطرة على حياة أطفالها سيكون سطحيًّا تمامًا. لن يحظى أحد بفرصة التحكم في أطفاله، لأنهم ببساطة مستقلون، وربما يختار طفلها أن يتخذ قرارًا لن تؤيده أو تختاره أبدًا. لكن في حالتها هي، كامرأة لم تنجب، فيمكنها أن توجِّه أموالها ومواردها التي ستبقى بعد وفاتها في جهات بعينها، وما اختارته مالون كان الصالح العام.
تنخرط مالون في عدد من الخدمات التطوعية، وكذلك تشجع غيرها على العمل مدربًا أو مرشدًا في منظمات خيرية. وحتى في أن تختار النساء اللواتي لم ينجبن أن يتجهن لبناء مستقبل مهني.
«سيسيل هاورد غرين»، من مؤسسي شركة «تكساس إنسترومنتس» (Taxes Instruments)، خصصت مبالغ طائلة من المال كي تمنحها للمؤسسات الطبية والتعليمية البارزة في العالم.
بيتهوفن، الموسيقار الألماني الشهير، لم ينجب، لكنه ترك للعالم موسيقى تسمعها كل أذن وتتذكره وتتأثر بعمله. فريدا كاهلو كذلك لم تنجب أطفالًا، لكنها ألهمت أجيالًا عدة عبر لوحاتها وفنها.
لا يتطلب الأمر منك أن تكون غنيًّا أو عبقريًّا أو نجمًا ذا شهرة عالمية لتؤثر في حيوات الناس على مدى الأجيال القادمة. في مقال نُشر في صحيفة «The New York Times»، تقترح الكاتبة الصحفية «آنا غولدفارب» طرقًا لتخلِّف إرثك الأخير، لو قررت ألا تنجب، دون أن تكون لك ذرية تحمله.
أعد العدة واكتب الخطة
أيًّا كان ما ستقرر فعله، تحديدًا لو كان يتضمن منح مال أو مدخرات، مهما تكن قيمتها، إلى أناس تُحبهم أو إلى مؤسسات أو جمعيات خيرية، فإن العقبة الأولى التي ستواجهها هي التغلب على روح المُماطل بداخلك، ووضع خطة والبدء في العمل عليها.
تقول «إيليين دوغيرتي»، مُخططة عقارات ورئيسة «الاتحاد الوطني للمخططين والمستشارين العقاريين»، إنه عندما تبدأ في وضع خطة، ضع تفكيرك كله في ما يُشكل لك أكثر شيء مهم في الحياة، وخطط له من أجل راحة بالك.
توصي إيليين بالاهتمام وسرعة تنفيذ ثلاثة مستندات أساسية: وصية سارية المفعول وتوكيل رسمي، أي تفويض خطي ليُمثلك أو ليتصرف نيابة عنك شخص آخر في الشؤون الخاصة أو الأعمال التجارية أو بعض المسائل القانونية الأخرى، وأخيرًا توكيل رسمي للرعاية الصحية، وهو وثيقة لتعيين شخص ما ليكون ممثلك، أو وكيلًا عنك، في حالة عدم قدرتك على اتخاذ القرارات حول جميع جوانب الرعاية الصحية الخاصة بك. بمعنى أنها وثيقة تقول: «أريد أن يتخذ هذا الإنسان قرارات بشأن رعايتي الصحية، إذا لم أتمكن من اتخاذها».
في حالة عدم كتابتك لهذه الأمور، ستقرر الحكومة ما هي خطتك العقارية، وتتصرف على أساسها. لهذا تشكل هذه الوثائق أهمية محورية، ويجب مراجعتها وتجديدها كل عام بناءً على الوضع المتاح.
حافظ على تاريخ عائلتك
حوِّل الصور العائلية إلى صور رقمية، وقم بتسمية الموجودين فيها، واحتفظ بالنسخ الأصلية للصور في صناديق خالية من الأحماض.
ممتلكاتك الشخصية ربما لا تجلب مالًا، فأنت لست مارلين مونرو طبعًا. لكن إرسال خطابات مكتوبة بخط اليد طريقة عظيمة لتوثق شخصك. شارك وَصفاتك المفضلة، اكتب عن تجاربك وانتصاراتك الذاتية الصغيرة، ضع أفضل نصيحة في الحياة (من وجهة نظرك) بالكتابة. ستكون مراسلاتك إرثك وأثرك.
«كاثلين هينكلي»، المديرة التنفيذية لـ«اتحاد أخصائيي علم الأنساب»، تنصح أولئك الذين لم ينجبوا أطفالًا بأن يجمعوا أي تذكارات عائلية مهمة، لأن باقي أفراد العائلة الكبيرة ربما يُحبون أن يستقبلوا أي أملاك موروثة (حتى لو صغيرة)، أو تاريخ للعائلة تحمله في ذاكرتك، باعتبارك أكبر منهم سنًّا.
إنها ببساطة تقترح أن تكون مؤرخك الذاتي. اكتب قصة أو مقالًا أو حتى كتابًا، أيًّا ما تكون براعتك الأدبية. هذه النصوص سيُحافَظ عليها على عكس خزانة الملفات المليئة بالرسائل والوثائق المبعثرة. تقترح أيضًا أن تحوِّل الصور العائلية إلى صور رقمية، وتسمية الموجودين فيها، مع الاحتفاظ بالنسخ الأصلية للصور في صناديق خالية من الأحماض.
إذا كان أفراد العائلة جزءًا من التاريخ المبكر للمنطقة التي تعيش فيها، فتبرَّع بالصور لمجتمع تاريخي أو إلى مسؤول عن الأرشيف. فالصور التي تتضمن شوارع رئيسية أو منازل، لم تعد موجودة الآن، يمكن أن تكون ذات أهمية. وأضافت: «يعتمد الأمر على الصورة، وسيكون لكل مجتمع تاريخي مبادئ توجيهية مختلفة. ففي بعض الأحيان تقبل المكتبات المحلية الصور العائلية والأوراق، إذا كانت العائلة تقيم في مكان منذ عدة أجيال».
ادعم المؤسسات التي تجد فيها معنى وقيمة
التبرع بالمال للمدارس طريقة أخرى لمن لم ينجب، لكي يرسخ إرثه وأثره في الأرض بعد رحيله. لكن قبل كتابة شيك أو تعيين جزء من ملكيتك لمدرسة أو جامعة، على الواحد أن يفكر في نواياه، ولماذا اختار هذه المؤسسة تحديدًا.
إن استقر قراركَ على تأسيس منحة دراسية أكاديمية باسمك، فمن المهم إبقاء الخطط مرنة. حدث في خمسينيات القرن العشرين أن أسس شخص منحة دراسية في كلية بارنارد لدعم الطلاب الذين كانوا يدرسون فن «الستيغانوغرافي»، وهو فن وعلم كتابة رسائل باليد مخفية بطريقة لا يمكن لأحد، عدا المرسل والمستلم، الشك في وجود الرسالة.
يمكننا فهم نوايا هذا الإنسان. كان فقط يحاول دعم المهارات التي رأى أنها قد تكون مفيدة في سوق العمل، لكن الوقت كان قد مضى منذ أن هذه المهارة مطلوبة، وبهذا، فهو أهدر ماله في المكان الخطأ.
مناصرة قضايا تستحق
أيًّا كان دافعك، سواءً الجمعيات الخيرية للحيوانات الأليفة أو المبادرات الصحية والمجتمعية والبيئية المختلفة، ضع في اعتبارك أن تأخذ دورًا أكثر فعالية في قضية مهمة، أو التبرع بأموال أو مدخرات لمؤسسة جديرة بالاعتبار تعكس القيم التي تؤمن بها.
يجب على المتبرع التأكد من كون المؤسسات التي يتبرع لها في وضع جيد، وشيءٌ آخر يجب أن يأخذه المُتبرع في اعتباره، هو أن الكثير من المنظمات الخيرية الكبيرة يكون لديها فروع قومية وأخرى محلية، وتنشط في الكثير من المجالات. لذلك يجب على المانحين أن ينفذوا أبحاثهم جيدًا، وتحديد مُبتغاهم للتأكد من أن أموالهم ستذهب إلى المكان الذي يريدونه بالضبط، وفي أكثر شئ يرونه ضروريًا.
ربما يرى بعضهم أن كتابة الوصية والتخطيط العقاري أو التخطيط لما بعد رحيلهم فأل سيئ، لكن على العكس. يدور التخطيط هنا حول السيطرة والتأكد من حدوث ما يُريده الشخص كما يريده فعلًا.
مريم ناجي